اليهود في مدينة الحلة


فلاح أمين الرهيمي
2023 / 5 / 10 - 12:21     

غزالة امرأة غير متزوجة وتعيش بمفردها في بيت في محلة الجباويين التي تسكنها أكثرية يهودية ... تمتلك حشرتين أكبر من النملة وأصغر من الدبور تحتفظ بهما قرب إناء مخروطي من الفخار اسمه (الحِبْ) يحفظ فيه الماء وتضع هاتين الحشرتين في صحن صغير من الفخار أيضاً ومهمة هاتين الحشرتين معالجة الأطفال من رمد العيون حيث تضع حشرة واحدة على الخد الأيمن والثانية على الخد الأيسر وتسيران نحو عيني الطفل نحو أطرافها ويمتصان المادة التي تسبب الرمد وبعد عدة أيام يشافى الطفل من رمد العيون ... كانت هذه المرأة الطيبة تعالج الأطفال مجاناً وكانت تستقبل أهل المريض بالرحاب والابتسامة العريضة وكان يتردد على دارها المسلمون والمسيحيون واليهود وترحب بهم وكانت تعبر عن العلاقة الاجتماعية الحميمة بين أفراد المجتمع الحلي في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.
وكانت المرأة اليهودي (سمحة) التي رفضت الهجرة من العراق إلى فلسطين في الخمسينات من القرن الماضي وبقيت في مدينة الحلة مرتبطة بعلاقات احترام مع بيوت حلية وكان كثير من الحليين يساعدوها مادياً وبقيت في مدينة الحلة تعيش مع المسلمين والمسيحيين والطوائف الأخرى إلى أن توفت في عام الثمانين من القرن الماضي ودفنت في مقبرة اليهود.
وكان اليهودي (عزرا مناحيم) أحد ملاكي الأراضي الزراعية يتبرع للمواكب الحسينية الحلية بالرز التي تسافر إلى كربلاء وتقضي فيها مدة أسبوع بمناسبة أربعينية الإمام الحسين (ع) لإجراء المراسيم الأربعينية يتبرع لهم بالرز من مزرعته ... كما كانت محلات مدينة الحلة تسير مواكب بمناسبة عشرة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين (ع) وصحبه الكرام وفي يوم (عرس الإمام القاسم) واستشهاده تسير المواكب حاملة الشموع وكان بعض اليهود يحملون الشموع ويسيرون مع موكب محلة الجباويين في الحلة لمسافة مائتي متر ؛ طلباً للثواب، وكانت العلاقات الاجتماعية بين المسلمين واليهود أكثر علاقة بين المسلمين والمسيحيين مفتوحة بين أفراد المجتمع الحلي.
وعندما بادرت حكومة نوري السعيد العميلة للاستعمار تسفير اليهود إلى إسرائيل امتنع كثير منهم ترك العراق والهجرة إلى إسرائيل فلجأت حكومة نوري السعيد إلى عملية خبيثة ومجرمة حيث قام رجال الأمن برمي الحلوى المسمومة (المسقول والحامض حلو) في الدرابين والطرقات التي كانت تنتشر فيها بيوت اليهود واتهام اليهود برمي هذه الحلوى المسمومة من أجل خلق فتنة وتحريض الطوائف المسلمة وغير اليهودية ضد اليهود وفعلاً حدثت ردود فعل ضد اليهود وقام البعض من الصبية والشباب بالاعتداء على بعض اليهود.
وعندما بدأ اليهود بترك بيوتهم والهجرة إلى إسرائيل وقسم منهم رفضوا السفر إلى إسرائيل وسافروا إلى الدول الأوربية وأمريكا وزعوا أثاث بيوتهم إلى معارفهم من العوائل المسلمة وغير المسلمة مجاناً.