عشرون عاما على تصريح بوش -المهمة انتهت-


سعيد مضيه
2023 / 5 / 9 - 18:47     

والنصر بعيد المنال
نورمان سولومون المدير التنفيذي ل "المؤسسة من أجل الدقة العامة"، تولى منذ عقود خلت مهمة تحري المصداقية ، وملاحقة الزيوف والتلفيقات في الميديا الأميركية وكشفها. روى أكاذيب الدبلوماسية الأميركية فيما تعلق بغزو العراق، لا يقل خطورة وإجراما عن غزو أكرانيا ، طبعا من وجهة نظرالامبريالية العالمية، فكتب معلقا "من الغرابة ان نرى الاستنكار المبرر ا لغزو روسيا الرهيب لأكرانيا من نفس قادة الحكومات الأميركية ممن أيدوا غزو العراق"؛ وذلك استطرادا لحقيقة أن " ما تدعيه حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة من امتياز استثنائي للتدخل العسكري في البلدان الأخرى نادرا ما جوبه بتحد مباشر من قبل الصحافة الرئيسة بالولايات المتحدة وفي الخطب الرسمية. بدلا من ذلك دارت النقاشات بصورة روتينية حول هل ، أين ، متى وكيف يكون التدخل حكيما ويحتمل ان يستديم".
يكذبون وتنفضح اكاذيبهم بسرعة فلا يؤنبوا انفسهم لأن التأنيب رد فعل الضمير ، وهو معدوم لدى خدم الامبريالية، رؤساء الإدارات الأميركية وأنصارهم . ويتورط في نفس الحماقة رئيس تال للولايات المتحدة ولا يتهيب من اقتراف الكذب. يمسكهم نورمان سولومون بالجرم المشهود:
قبل عشرين عاما هبطت طائرة السلاح الأميركي التي اقلت الرئيس الأميركي ، بوش الابن، على ظهر حاملة طائرات ، سار على ظهر الحاملة في بدلة طيار وتقدم لإعلان متلفز عن نصر في خطاب ألقاه تحت يافطة ضخمة مقلمة بالأخضر والأحمر والأبيض تعلن "المهمة أنجزت". بالنسبة لبوش يصعب القول أن علم البصريات في 1أيار 2003 يمكن أن يكون اعظم انتصارا .عن الحاملة يو إس إس أبراهام لينكولن ألقى عبارة كودية مثيرة أعلن فيها أن " العمليات القتالية الكبرى انتهت"، بعد ستة أسابيع من قيادة الولايات المتحدة غزو ذلك البلد.
غير أن ادعاء بوش تبين زيفه حين بدأت الاشتباكات تتصاعد بين المهاجمين العراقيين والقوات المحتلة. وخلال السنوات التسع التالية تضاعف عدد الوفيات بين قوات الغزو، حسب الإعلان الرسمي، مما دون المائتين الى ما يزيد على 4400 جندي، بينما بين العراقيين بلغ تعداد الوفيات مئات الألوف.اما الجرحى والمعاقين فكانت أكثر بكثير والرضوض النفسية لا تعد ولا تحصى.

اكتسبت عبارة "ألمهمة انتهت" وخطاب بوش الذي رافقها سمعة سيئة؛غير ان التركيز على زعمه الخاطئ بأن الحرب انتهت تجاهل أكاذيب اخرى رئيسة في الخطبة "العصماء".
"حاربنا من أجل قضية الحرية" اعلن بوش ، ولم يأت على ذكر قضية النفط.
قبل بضعة اشهر من الغزو عرفت رجلا يتكلم بهدوء، كان سائق السيارة التي تقلنا في بغداد؛ انتظر حتى كنا وحيدين على طاولة استراحة ليقول ’أتمنى لو كان العراق بدون نفط‘- نظرا لانعدام أسباب الخوف من غزو. مضت سنوات تحدثت سلطات أميركية بصراحة حول احتياطيات العراق الضخمة من النفط كمحفز للحرب. كتب ألان غرينسبان ، الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيدرالي في مذكراته عام 2007" انا حزين ان من غير الملائم الاعتراف بما يعرفه الجميع: الحرب العراقية كانت الى حد كبير حول النفط. في نفس العام اضطر الجنرال الأميركي ، جون أبي زيد ، أحد رؤساء القيادة المركزية بالعراق الى القول :" بالطبع ، إنها الى حد كبير حول النفط ، لا نستطيع إنكار ذلك ". والسيناتور تشوك هاغل ، الذي أصبح فيما بعد وزير دفاع علق قائلا، " يقول الناس اننا لا نحارب من أجل النفط ؛ بالطبع نحن كذلك! "
وإذ يثرثرون حول المجهود الحربي بانه نبيل كليا ، فإن " المهة انتهت" كما نطقها بوش، كانت بمثابة تأكيد بان " التكتيكات الجديدة والأسلحة الدقيقة" لدى البنتاغون هي " لتجنب إلحاق العنف بالمدنيين". وأضاف الرئيس أنه تقدم أخلاقي عظيم أن يشعر المذنب بأنه يخشى الحرب أكثر بكثير من البريء"؟

أكذوبة ثالثة سيقت لتبرير غزو العراقّ

تلك الكلمات الناعمة طرحت قناعا حول الحقيقة الشرسة. بلغت وفيات المدنيين ضحايا العنف المباشر حوالي 40 بالمائة من " ضحايا الحرب قتلوا مباشرة جراء عنف الولايات المتحدة بعد حروب (تفجيرات)11 أيلول طبقا لتكاليف مشروع الحرب حسب إحصاء جامعة براون. في الحقيقة الأغلبية الكبرى من الإصابات التي الحقتها هذه الحروب كانوا مدنيين. والخسائربلغت عدة أضعاف من الوفيات بسبب التأثيرات الجانبية للحروب – فقدان المياه وتفجير المجاري ، وقضايا أخرى للبنية التحتية ، والامراض الناجمة عن الحرب".
بمراوغة حقائق غير ملائمة حول آثار الحروب الأميركية على "الأبرياء" كرر بوش نفس الادعاءات المعتادة من الرؤساء الآخرين الذين اخفوا الخسائر البشرية الناجمة عن حروبهم ، في حين كانوا يتنباون بنتائج ناجحة.

في أول أيار 2012 بعد تسعة أعوام بالضبط من خطاب بوش على متن حاملة الطائرات، تحدث الرئيس باراك أوباما الى الشعب الأميركي من قاعدة باغرام الجوية الأميركية شمالي كابول؛ وحيث بلغ حجم القوات الأميركية في أفغانستان المائة ألف عبر أوباما عن الثقة بأن " نكمل مهمتنا وننهي الحرب في أفغانستان.
كل من بوش وأوباما سوف يخطّئان في المستقبل ، وعلى نطاق واسع،لأنهما نطقا بتفاؤل غير لائق بصدد إنجاز ’مهمة‘ الحرب. لكن ندر أن ُوجّهت الانتقادات لتلفت الانتباه الى وجوب التدقيق في افتراضات اوجبت تقديم الدعم للمهمتين. ما تدعيه حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة من امتياز استثنائي للتدخل العسكري في البلدان الأخرى نادرا ما جوبه بتحد مباشر من قبل الصحافة الرئيسة بالولايات المتحدة وفي الخطب الرسمي. بدلا من ذلك دارت النقاشات بصورة روتينية حول هل ، أين ، متى وكيف يكون التدخل حكيما ويحتمل ان يستديم. لكننا ربما نسأل انفسنا : ماذا لو كان بوش مصيبا في أيار 2003-وكانت القوات المسلحة الأميركية حقا في اواخر عمليات الاشتباك بالعراق؟ وماذا لو كان أوباما محقا في أيار 2012 – والقوات الأميركية المسلحة قادرة على ’إنهاء المهمة‘ في أفغانستان؟ في كلا الحالتين اعتادت الحكمة التقليدية قياس النجاح بمفاهيم النصر العسكري وليس بأمور أخرى مثل الالتزام بالقانون الدولي او مراعاة الحياة البشرية.
واليوم من الغرابة ان نرى الاستنكار المبرر ا لغزو روسيا الرهيب لأكرانيا من نفس قادة الحكومات الأميركية ممن أيدوا غزو العراق. فالمفهوم الذي قد يصنع الصواب ربما لا يجلب الراحة؛ لكن في الممارسة تكرر لعب دور قاعدة السياسات الأميركية. لم يكن مقنعا السيناتور واين موريس ، سيناتور ولاية أوريغون الذي عارض من البداية العدوان الأميركي على فييتنام، حين قال : لا أد ري لماذا نعتقد، نظرا لكوننا أقوياء فقط، ان لنا الحق في محاولة استبدال القوة بالحق(مايت بدل رايت)." يستحق كل ما انهال عليه من سخرية بعد عشرين عاما ذلك الاستعراض من جورج بوش، إذ رفع يافطة " المهمة انتهت – حضن( قيلولة) نصر بالكلام سابق لسفك الدماء المتواصل. ادعاءاته بالنجاح في مهمة حرب العراق باتت الأن سببا سهلا للازدراء. غير ان الحقائق التي يعتبر الخوض فيها أشد صعوبة تتعلق بالسؤال: لماذا كان من المحتم عدم محاولة المهمة في المقام الأول.