يوم النصر على النازية


خالد بطراوي
2023 / 5 / 8 - 23:55     

في الاتحاد السوفياتي وكافة الدول الإشتراكية كان لاحتفالات يوم النصر على النازية سنويا في التاسع من آيار رونقا خاصا. كانت الساحات الرئيسية في كافة المدن والقرى تتزين بأعلام النصر، وتسير العروض العسكرية في المدن الرئيسية ويلقي رؤساء هذه الدول خطاب النصر على النازية، وكنا نلتقي المحاربين ( ذكورا وإناثا) الذين شاركوا في دحر النازية وهم يرتدون بزاتهم العسكرية المرصعة بأوسمة الشجاعة والتقدير، وكنا نراهم يتعانقون ونهرع نحن الى مصافحتهم بل والتقاط الصور معهم ونجلس لنستمع الى ذكرياتهم ... نبكي معهم ... ونفرح معهم ... وننظر الى الأطفال وهم يقدمون الورود لمن خلّص البشرية من النازية.
لم يكن في خضم هذه الاحتفالات أية إعتبارات لفروقات قومية فدحر النازية قد تم بشكل أساسي على أيدي شعوب الدول الإشتراكية قاطبة وبتضحياتهم.
لكن هذه الايام ... يقفز السؤال الكبير ... هل فعلا تم دحر النازية؟
الجواب بالقطع لا ... على الرغم من الحسم العسكري الذي جرى في الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها عام 1945، إلا أن جذور النازية لم تقتلع، فقد إنكفأ النازيون وعادوا الى جحورهم، وكانوا يقتنصون هذه الفرصة أو تلك، للظهور هنا أو هناك، ولضرب ضربتهم ثم العودة الى جحورهم إنتظارا لفرصة جديدة سانحة لتوجيه ضربة أخرى، عملا بمقولة " أضرب وأهرب".
يسعى النازيون الجدد للنهوض وإعادة الفكر النازي الى مركز صدارة الأفكار السائدة في العالم مستغلين تنامي الشعور والفكر القومي الضيق وإظهار تفوق ذوي البشرة البيضاء وإعادتنا الى عصر ما قبل "سبارتاكوس" محرر العبيد ، وتعزيز العصبية القومية قدما على طريق إنشاء كيان فاشي بتسمية تبتعد عن التوصيف " النازي" المباشر كي لا يجري التصدي له عالميا من الشعوب النابذة للنازية وأفعالها.
لشديد الأسف، فقد صمتت القيادة الأوكرانية عن أنشطة "النازيين الجدد" الذين تمترسوا خلف الفكر القومي الأوكراني الضيق، وسمحت أوكرانيا لهم - بدعم لا محدود من الغرب - في التغلغل داخل الأوساط السياسية والاقتصادية الأوكرانية الذي بدوره أوصل أوكرانيا الى ما وصلت إليه من معاداة ليس فقط بالأقوال بل بالأفعال لروسيا وللروس، الذين تربطهم بعضهم ببعض علاقات كفاحية في دحر النازية، وعلاقات مصاهرة كبيرة بل كبيرة جدا.
ولشديد الأسف فقد إنزلقت روسيا أيضا الى هذا المستنقع، أولا بصمتها المدقع خلال السنوات المنصرمة على أنشطة " النازيين الجدد" في عموم أوكرانيا جارة روسيا، وسمحت لهم بالسيطرة السياسية والاقتصادية وصمتت عن مسألة دعم أمريكا والغرب لهم، وعندما وصلت الأمور الى "الحناجر الروسية" تحركت روسيا عسكريا للدفاع عن نفسها وحدودها وليتها إكتفت بذلك بل توغلت في الأراضي الأوكرانية وضمّت بعضا من هذه الأراضي الى روسيا عبر مسرحية " الاستفتاء الشعبي الجماهيري"، وهو إستفتاء تحت قعقعة السلاح وحراب البنادق والصواريخ وتحت أعواد المشانق.
صراحة، لا أستطيع أن أستوعب قيام روسيا وقيام أوكرانيا بالاحتفال .. هذا العام ... كل بشكل منفرد بالتاسع من آيار ... يوم النصر على النازية. سيصعب علي مشاهدة إحتفال العاصمة موسكو بعرض عسكري مهيب وبتجمع جماهيري حاشد وفي الجانب الآخر تنظم أوكرانيا في العاصمة "كييف" إحتفالا بحشد أقل وعرض عسكري يحاول إظهار القوة التي توازي القوة العسكرية الروسية وكل ذلك على أنقاض مناطق مدمرة في أوكرانيا وفي مدينة كييف.
لا طعم في روسيا وأوكرانيا هذا العام لأحتفالات النصر على النازية في التاسع من أيار، ويصعب علي قبول فكرة تهنئة الروس لأصهارهم الأوكران بيوم النصر على النازية.
"كل شىء ... يحمل في داخله ... ضده" مبدأ فلسفي يتماشى أيضا مع مبدأ " وحدة وصراع الأضداد" إزاء احتفالات يوم النصر على النازية في كل من روسيا وأوكرانيا.
ويا لحسرتنا.