متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثّامن عَشَر – السّادس من أيّار/مايو 2023


الطاهر المعز
2023 / 5 / 6 - 15:18     

يحتوي العدد الثامن عشر من نشرة "متابعات" على فقرة عن الفقر والتفاوت الطبقي في البلدان المُصَنّعة وفي البلدان الفقيرة، بعنوان "من دواعي الثورة"، تليها فقرة قصيرة، تُلخّص بعجالة خصوصية الرأسمالية الأمريكية التي تطورت بفضل استغلال عرق العبيد، ثم فقرة عن ليبيا والدّور الذي حدّده لها الإتحاد الأوروبي (الذي ساهم في تخريبها) كمُحتشد للمهاجرين غير النّظاميين الذين قد يعتزمون "حرق الحدود" نحو أوروبا، وفقرة عن تحول النفط في العراق من نعمة إلى نقمة (كما في ليبيا) حيث كان النفط أحد دوافع الإحتلال، وبعد عشرين سنة من الإحتلال لا يزال العراقيون يعانون من شح الكهرباء، تليها فقرة عن كينيا – وهي عبارة عن قاعدة أمريكية ضخمة – ووضع عمال الزراعة في قطف أوراق الشاي وفي قطف الورود التي تستغلها الشركات العابرة للقارات، بعنوان "عينات من وضع الطبقة العاملة"، ومن إفريقيا تنتقل النشرة إلى أوروبا بنبذه عن الفُقراء في الدّول الرأسمالية المتطورة، وبالذات عن المُشرّدين وفاقدي المأوى بفرنسا، تليها فقرة عن الإرتباط الوثيق بين السلطة السياسية بفرنسا وسلطة رأس المال، بعنوان "السلطة السياسية في خدمة رأس المال" وهي آخر فقرة في نشرة هذا الأسبوع.

من دواعي الثورة
قدّر البنك العالمي عدد سكان العالم الذين يعيشون في فقر مُدقع، بنهاية سنة 2020، بنحو 700 مليون، أو ما يُعادل نحو 9,3% من العدد الإجمالي لسكّان العالم، ويعيش حوالي 80% من هؤلاء الفقراء المدقعين (أو حوالي 560 مليون شخص) في الهند، ويُقدِّرُ تقرير البنك العالمي ارتفاع من يعانون من الفقر المدقع بالعديد من مناطق العالم، بنهاية 2022، إلى نحو 950 مليون نسمة...
في بريطانيا، يتوقع أن يرتفع معدل الفقر من 17,2% في 2021-22 إلى 18,3% في 2023-24، مما يدفع 800 ألف شخص إضافي إلى هوة الفقر، حيث صَرَّحَ نحو 28% (مقارنة بـ 9% قبل COVID) من البالغين إنهم لا يستطيعون تناول وجبات متوازنة، وأدّى الفقر إلىلا حرمان ملايين الأشخاص من التدفئة، وحتى من وجبات الطعام، فيما يعاني نحو 10,5 ملايين شخص من صعوبات مالية خطيرة، بالإضافة إلى تعرض 13,7 مليون شخص لصعوبات مالية ظرفية.
تُشير التقارير في الولايات المتحدة، سنة 2021، أن واحدًا من كل ثمانية أطفال جائع، وأن حوالي 30 مليون شخص من ذوي الدخل المنخفض عاشوا على شفا المجاعة، سنة 2022، كما تقدّمت آلاف الشركات الأمريكية الصغيرة بطلب إعلان الإفلاس، منذ سنة 2020 (عام كوفيد -19)، في حين ارتفعت أرباح مائة شركة أمريكية كبيرة مدرجة في البورصة، سنة 2021، بنسبة 50% على الأقل مقارنة بمستويات 2019، قبل كوفيد.
هذا في الدّول الغنية، فماذا عن حال الناس في الدول الفقيرة؟
تقدر الأمم المتحدة أن مبلغ 51,5 مليار دولار كافي لتوفير الغذاء والمأوى والمساعدات العاجلة والمنقذة للحياة لـ 230 مليون شخص من الأشد فقرًا في العالم، وهو مبلغ أقل من 53,5 مليار دولار التي وزعتها 20 شركة للحبوب والأسمدة واللحوم والألبان على مالكي أسْهُمِها خلال العام المالي 2020 و 2021، وبلغت الأرباح السنوية للعام 2022 لأكبر خمس شركات للنفط والغاز من القطاع الخاص - أي غير صونتراك أو أرامكو أو روس نفط أو غازبروم، فهي شركات حكومية- (شيفرون وإكسون موبيل وشل وبي بي وتوتال إنرجي) 195 مليار دولارا، بزيادة تقارب 120% عن العام 2021 وهو أعلى مستوى في تاريخ الرأسمالية الصناعية.
أدّت تجارة الأدوية ولقاحات Covid إلى زيادة ثروات تسعة مليارديرات، سنة 2021، من بينهم الرئيس التنفيذي لشركة "موديرنا" و"بيونتيك" التي أنتجت لقاحًا مع شركة "فايزر"، كما ارتفعت ثروات المستثمرين الرئيسيين في معظم الشركات الأمريكية والصّينية والأوروبية...
وجب التّذكير بتمويل ابتكار وإنتاج اللقاحات من المال العام، إذْ تلقت شركة "موديرنا" وشركات أخرى، مليارات الدولارات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مما مكنها من تحقيق 13,2 مليار دولار من عائدات لقاح COVID سنة 2021، وتجاهلت الحكومات ووسائل الإعلام اللقاحات التي ابتكرتها الصين وروسيا وكوبا، قبل توصُّل الشركات الأمريكية والأوروبية إلى تصنيع وبيع اللقاحات بأسعار تزيد بمعدّل خمس مرات عن نظيرتها الروسية والصينية...
استفادت شركات القطاع المالي والصناعة الزراعية ( الزراعات الكبرى وتصنيع الغذاء) والنفط والأسلحة والمختبرات والأدوية، من الأزمات منذ 2008، حيث ضخ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر من ثلاثة تريليونات دولار من المال العام في المصارف والشركات الخاصة الكبيرة (الإحتكارية)، بدلاً من إنفاق هذه المبالغ في سبيل تحسين الظروف المعيشية للعمال والفقراء خلال أزمة 2008/ 2009، وتكرر الأمر سنة 2020، مما أدى إلى إفقار عشرات الملايين من الناس، بما في ذلك بعض سُكّان الدول الغنية. أما في صف الأغنياء، فقد سمحت برامج القروض طويلة الأجل، بفائدة صفرية، بأكبر تحويل للثروات العمومية في تاريخ البشرية من الكادحين والفُقراء نحو الأغنياء الذين زادت ثروتهم بنسبة 50% خلال تسعة أشهر، أو بمقدار 11,95 مليار دولارا، من نيسان/أبريل إلى كانون الأول/ديسمبر 2020، وأدى حبس السكان إلى تسهيل نهب الثروة من قبل الدول والأثرياء (هم نفس الأشخاص في كثير من الأحيان) وتهريب أكثر من 50 تريليون دولار إلى الملاذات الضريبية، بين سَنَتَيْ 2008 و 2020 ...
هذا ما تُظْهِرُهُ البيانات الرسمية والمنشورة، ألا يكفي ذلك للترويج لثورة عالمية عارمة؟ أمّا إنجازها فذلك شَأنٌ آخر

الولايات المتحدة: من العبودية إلى الرأسمالية
كان عدد سكان الولايات المتحدة لا يتجاوز التسْعَة ملايين نسمة سنة "الإستقلال" المزعوم ( 1776) وكان المستوطنون البيض من أصل أوروبي أقلية مقارنة بالسكان الأصليين ( من تمت تسميتهم "الهنود الحمر") والعبيد السود الذين تم استجلابهم غصبًا عنهم من إفريقيا، ولم يكن لإعلان الاستقلال الأمريكي أي تأثير على السكان الأصليين أو العبيد، حيث لم يتم اعتبارهم جزءًا من الجنس البشري، كما لم تكن النساء مَعْنِيّات بهذا الإعلان وكذلك الرجال البيض الفقراء أو الرجال من أصل اجتماعي متواضع، بما في ذلك العديد من الأيرلنديين الذين كانوا مُستعْبَدِين (نساءً ورجالاً وأطفالاً)، ولذا لم يستفد من هذا "الإستقلال" المزعوم سوى أقلية لا يتجاوز عدد أفرادها خمسين ألف من الرجال البيض الأثرياء، أو أقل من 1% من السكان الذين مَكّنهم هذا "الإستقلال من زيادة ثرواتهم الشخصية.
يوصف توماس جيفرسون في التاريخ الرسمي للولايات المتحدة بأنه "ملهم للديمقراطية الأمريكية وشخصية إنسانية وواحد من أكثر الشخصيات اللامعة والمحبوبة في الثورة الأمريكية، ورمز التنوير والإنفتاح والتقدم وما إلى ذلك، واشتهر بكتابته إعلان استقلال الولايات المتحدة في الرابع من تموز/ يوليو 1776، ومن ضمنه الفقرة الثانية التي تُؤَكِّدُ: "... كل الرجال يولدون متساوين، مَنَحَهُم الخالق بعض الحقوق غير القابلة للتصرف، ومنها: حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة، كما اشتهر بحملته في الكونجرس من أجل إلغاء العبودية، وباختصار، يُعَدُّ توماس جيفرسون أحد الأبطال الرئيسيين للشعب الأمريكي، لكن صاحب هذه "الشخصية الإنسانية العميقة، شخصية التنوير والتقدم ..." المناضل في الكونغرس من أجل إلغاء العبودية كان مالكًا للعبيد، وفي العام 1784، بعد ثماني سنوات من صياغة إعلان الاستقلال، كان لا يزال يمتلك 200 عبد عملوا في مزرعته في فرجينيا وتمكّن بفضل استعبادهم واستغلالهم من زيادة ثروته، وكان "فَظًّا غليظ القلب" معهم، لذلك تكررت محاولات الفرار من مزرعته الضخمة، وتمكن 20 من العبيد من الفرار ولم تيم العثور عليهم، فيما تم القبض على آخرين وتعرضوا للتعذيب قبل عودتهم إلى العمل في ممتلكات السيد توماس جيفرسون الذي يعتبره التاريخ الرسمي للولايات المتحدة "تقدميًا"، لأنه لم يعد يعتبر العبيد السود قرودًا ولكن "ككائنات وهبهم الخالق روحًا وانتماءًا إلى الجنس البشري، غير إن قدراتهم في المجالات العلمية وقدراتهم المعرفية للتعبير عن المشاعر والإيمان الديني بقيت بدائية ولا يمكن مقارنتها بقدرات الرجال البيض..." وتُعتبر هذه "الفتوى"، من قِبل السلطة السياسية والسلطة الدّينية (الكنيسة) سببًا وجيهًا مُوجِبًا لاستعبادهم...
لا تزال العبودية متجذرة في أيديولوجية الرأسمالية الأمريكية، وعلاوة على ذلك، فإن الورقة النّقدية الأمريكية من فئة دُولارَيْن تتضمن رسمًا للمنزل الذي وُلد فيه توماس جيفرسون، ضمن مزرعته المعروفة باسم ( Monticello ) حيث عَمِلَ 200 عبد.

ليبيا
نظّم حلف شمال الأطلسي ( أي أمريكا الشمالية وأوروبا) العدوان على ليبيا، سنة 2011، وأشرف على تفكيك جهاز الدّولة، وإحداث فراغ تملؤُهُ المليشيات والمنظمات الإرهابية ومجموعات الجريمة المُنظّمة، بسبب غياب أجهزة الدّولة المركزية، وشاركت دول الإتحاد الأوروبي باسمها وباسم حلف شمال الأطلسي في تخريب ليبيا وتفكيك أجهزة الدّولة بها وتقسيمها إلى ثلاثة أجزاء وسمحت للمليشيات الإرهابية بنهب مخازن الأسلحة، وترفض دول الإتحاد الأوروبي الإفصاح عن المبالغ المالية التي استحوذت عليها من أُصُول وممتلكات الشعب الليبي، ورفضت إرجاعها، لكن الإتحاد الأوروبي يُشرف على تدريب وتجهيز مليشيات مُسلّحة تتزعم عصابات تهريب البشر من فُقراء إفريقيا الذين كانوا يجدون عملاً بها قبل تخريبها، ولما خُرِّبت ليبيا أصبح فُقراء إفريقيا وكذلك آسيا ( شبه القارة الهندية ) يحاولون الوصول إلى أوروبا، من أقرب نقطة (ليبيا أو تونس) إلى جنوب إيطاليا أو اليونان، ومن حين لآخر تُنَظّم حكومة طرابلس حملات مداهمة واعتقال هؤلاء الفُقراء ونقلهم إلى مراكز الإيواء الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين، التي يُموّلها الإتحاد الأوروبي، في عملية "تأمين الحدود الجنوبية"، أي توسيع حدود أوروبا وجعلها تمتد إلى المغرب العربي ومصر، واعتقال واحتجاز هؤلاء الفُقراء قبل السّفر، وتشتكي أجهزة الأمن بالمغرب العربي من "ضُعْف الإمكانيات"، فيما تتهمها المنظمات الدّولية بعدم احترام حقوق الإنسان في مراكز الإحتجاز.
أصدرت الأمم المتحدة، بعد تحقيق دام ثلاث سنوات، تقريرا يوم السابع والعشرين من آذار/مارس 2023، يُقدّر عدد المهاجرين المتواجدين في ليبيا بأكثر من 670 ألف مهاجر، ويستنكر التقرير تمويل الاتحاد الأوروبي لأجهزة الأمن ولمراكز الإحتجاز في ليبيا، لأن "الأموال التي قدمها الاتحاد الأوروبي لكيانات الدولة في ليبيا سهلت ارتكاب جرائم ضد الإنسانية منها العمل القَسْرِي والتعذيب والعبودية الجنسية، لتصبح عبودية المهاجرين الأفارقة تجارة مربحة في ليبيا..."
تنتشر الجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، منذ العدوان الأطلسي على ليبيا، وتُركّز أوروبا على اعتراض المهاجرين قبل السفر، أي تكليف أجهزة الأمن أو المليشيات الليبية (وكذلك أجهزة الأمن في المغرب والجزائر وتونس ) بتنفيذ العمليات القَذِرَة واحتجاز المهاجرين في سجون رسمية أو سرّيّة حيث يتم استغلالهم بأشكال مختلفة...
قَدّر تقرير أصدره معهد "بروكنغز" سنة 2021، تمويلات الإتحاد الأوروبي لأجهزة الأمن الليبية بنحو 83 مليون دولارا سنويا، منذ 2015 وتتمثل في شراء حافلات أوروبية الصّنع لِنَقْلِ المهاجرين المحاصرين في البحر إلى السجن، وسيارات لاعتراض المهاجرين وشراء أكياس لحشر جثث من يموتون في البحر أو أثناء الاحتجاز، ولا تكفي هذه الأموال لشراء الغذاء وصيانة المعتقلات والرعاية الصحية وغيرها من الضروريات...

نهب النفط العراقي
لما احتلّت القوات الأمريكية والبريطانية والجيوش الحليفة لها العراق، سنة 2003، أنكرت جميع الحكومات أن يكون النفط وثروات العراق من مُحفّزات الإحتلال، وادّعت أنها تعمل على نشر الدّيمقراطية والحُرّيات (بالقوة المُسلحة؟)، فيما أثبتت جميع الدّراسات والأبحاث أن لا علاقة للعراق بهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 ولا يمتلك "أسلحة دمار شامل"، بينما اعتبرت الأمم المتحدة الإحتلال "غير شرعي" ( وهل يوجد احتلال شرعي؟) لكن لا تحقيق ولا إدانة ولا عُقُوبات ضد من روجوا لهذا العدوان ونفذوه، خصوصًا حكومات بريطانيا والولايات المتحدة، وأدّى إلى قتل ما لا يقل عن 655 ألف عراقي خلال السنوات الثلاث الأولى من الإحتلال، أو 2,5% من سكان العراق الذين عاشوا قبل الإحتلال حصارًا دام 12 سنة، أي منذ عدوان سنة 1991، وأنكرت الولايات المتحدة وبريطانيا أن يكون النّفط سببا لشن الحرب ضد بلد يحتوي باطن أرضه على خامس احتياطي نفطي مؤكد في العالم، ولا علاقة لنظام العراق بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية ولا بالقاعدة أو أي منظمة دينية، ولكنه أعلن بيع نفطه بعملات أخرى غير الدّولار، وهذا "ذنب" لا يُغتَفَر...
في الأشهر التي سبقت احتلال العراق، سنة 2003، سُمِّيت شركة بريتيش بتروليوم "بلير بتروليوم" بسبب العلاقة الحميمة والمصالح التجارية لرئيس الوزراء البريطاني "طوني بلير" الذي تصرّف وكأنه ناطق رسمي باسم الشركة، ويعود تاريخ شركتي BP و Shell في العراق إلى قرن من الزمان أي زمن الإحتلال البريطاني للعراق، لما كانت صناعة النفط في البلاد تحت سيطرة الشركتين البريطانيتين إلى حد كبير خلال معظم القرن العشرين، وكان المقر الرئيسي لشركة نفط العراق التي كانت تحتكر إنتاج النفط في البلاد لمدة أربعة عقود قبل الستينيات، في شارع أكسفورد بلندن، وامتلكت BP و Shell معًا 48%، قبل أن يتم تأميم النفط العراقي سنة 1972 ومصادرة امتيازات وأُصُول الشركات الأجنبية .
بعد الإحتلال عادت شركة بريتش بتروليوم (بي بي) سنة 2009، بعد غيابها عن العراق لمدة 35 سنة، حيث استحوذت على حصة كبيرة في حقل الرميلة، أكبر حقل نفطي في البلاد بالقرب من البصرة التي تحتلها بريطانيا، واستخرجت 262 مليون برميل من النفط العراقي خلال عشر سنوات، جنت منها أرباحًا بقيمة تعادل عشرين مليار دولارا خلال عشر سنوات، وأنتجت شركة بريتيش بتروليوم خلال سنة 2020، نفطًا عراقيًا يفوق حجمه جميع إنتاجها الأوروبي، بما في ذلك بحر الشمال البريطاني، كما حصلت الشركة البريطانية/الهولندية شل على عقد سنة 2009 لتطوير حقل "المجنون" النفطي العملاق...
كان قرار خصخصة قطاع النفط من أولى قرارات الإحتلال، والسماح لشركات النفط الأجنبية بالإستحواذ على حقول مُعيّنة، فأصبحت شركة بريتيش بتروليوم هي المقاول الرئيسي لمنجم الرميلة بحصة تبلغ 38% وتمتلك شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) 37% وتمتلك الحكومة العراقية (التي نصّبها الإحتلال) 25%، واتفقت شركة بريتيش بتروليوم مع شركة البترول الوطنية الصينية رفع الإنتاج من الرميلة ( الذي كان ينتج نصف صادرات العراق) إلى ما يقرب من 3 ملايين برميل يوميًا أو نحو 3% من إنتاج النفط العالمي، خلال عشرين سنة، وتُعتبر شركة بريتش بتروليوم واحدة من قنوات وكالة الإستخبارات البريطانية (MI6 ) وتضم في مجلس إدارتها رئيسها السابق وممثل بريطانيا في العراق "جون ساويرز" المُقرّب من رئيس الوزراء توني بلير، الذي يحصل على حوالي 127 ألف جنيه استرليني سنويا، فضلا عن حصة في الشركة، ما مكّنها، سنة 2014 ( بفعل دعم الإحتلال) من زيادة حصتها في الرميلة إلى 48% مع تمديد العقد حتى سنة 2034.
تقاسمت الشركتان البريطانيتان "بي بي" و "شل" حقول الجنوب (البصرة ) بداية من سنة 2009، مع شركات أمريكية ضمن مُجمّع (كونسورتيوم) تقوده الشركة الأمريكية العملاقة "إكسون موبيل"، فيما احتكرت الشركات الأمريكية بقية مناطق العراق، خصوصًا بعد تخفيض حصة الدّولة العراقية من 25% إلى 5% سنة 2014، وتوزيعها على الشركات الأمريكية والبريطانية التي حققت أرباحًا ضخمة عندما باعت شل سنة 2018 حصتها البالغة 20% في حقل غرب القرنة 1 وحصتها البالغة 45% في حقل مجنون للحكومة العراقية.
كينيا، عينات من وضع الطبقة العاملة
عمال حقول الشاي ضحايا الشركات العابرة للقارات
الشاي هو المشروب المفضل للعديد من مليارات الأشخاص حول العالم. يتم إنتاجه بشكل رئيسي في جنوب آسيا وأفريقيا. ظروف عمال المزارع التابعة للشركات متعددة الجنسيات غير إنسانية.
تعتبر كينيا ، وهي دولة في شرق إفريقيا (تستخدم كقاعدة عسكرية أمريكية)، أكبر مصدر للشاي الأسود في العالم، ويزرع في مقاطعات في وادي ريفت، وفي مقاطعة كيريشو وهي المنطقة الرئيسية لإنتاج الشاي في البلاد، وغالبًا ما تكون في مزارع ضخمة مملوكة لشركات متعددة الجنسيات مثل جيمس فينلي ويونيليفر كينيا (المعروفة اليوم باسم إيكاتيرا كينيا) وكارغيل، وتجاوزت قيمة صادرات كينيا من الشاي مليار دولار، سنة 2022، أو ما يعادل 23% من صادرات البلاد، وهو مبلغ صغير جدًّا، مقارنةً بأرباح الشركات المُستَغِلّة لموارد كينيا وعُمّالها.
تتم زراعة الشاي منذ قرن من قبل صغار المزارعين الذين يمثلون 60% من إنتاج الشاي في البلاد وأيضًا من قبل كبار المنتجين، مثل يونيليفر، مالكي أراضي المزارع التي صادرها الاستعمار البريطاني وطرد أصحابها في أوائل القرن العشرين بحجة عدم وجود سند ملكية مسجل لدى الإدارة الاستعمارية، وهو ما حصل بالجزائر وفلسطين وجنوب إفريقيا وغيرها.
تُغطِّي المساحات الشاسعة لمزارع الشاي مقاطعة كيريشو، على الأرض التي صادرتها الإدارة الاستعمارية البريطانية بعنف شديد من شعوب كيبسيكي وتالاي في بداية القرن العشرين، وفي العام 2019، قدم أكثر من 100 ألف شخص - أحفاد السكان الذين طردهم البريطانيون قسرًا - شكوى إلى الأمم المتحدة للحصول على تعويضات واعتذارًا رسميًا من الحكومة البريطانية عن جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب والتهجير لأعداد كبيرة من مالكي الأراضي التقليديين، لم يحصلوا على جواب، منذ أربع سنوات، ولا على أي اعتذار أو أي شكل من أشكال التعويض.
تمتلك الشركات التي يقع مقرها الرئيسي في المملكة المتحدة ، مثل Unilever (التي تمتلك 20 مزرعة شاي وثمانية مصانع في كينيا وتنتج ما معدله 32 مليون كيلوغرام من الشاي سنويًا)، و James Finlays و Williamson Tea، وهما من بين منتجي الشاي الرائدين في العالم، مزارع ضخمة وتحقق أرباحًا كبيرة، وتوظف حوال 80 ألف عامل بشكل مباشر، إضافة إلى حوالي ثلاثة ملايين عامل بشكل غير مباشر، عبر النقل والتجارة وما إلى ذلك، لكن الرواتب ضعيفة جدا وظروف العمل سيئة جدا، وفي حزيران/يونيو 2016، نظرت محكمة الشُّغل وعلاقات العمل في كينيا في شكوى تقدمت بها نقابة عمال الزراعة وأمرت شركات الشاي في البلاد برفع أجور موظفيها بنسبة 30%، وتوقيع اتفاقية عمل جماعية تضمن حقوق كل طرف ( العمال وأرباب العمل) وفور صدور الحكم، أعلن المدير العام لشركة Unilever في كينيا أن الشركة لن تطبق قرار المحكمة، وعمومًا تستفيد الشركات متعددة الجنسيات من الثغرات الموجودة في القانون الكيني وتستغل قوة العمل المحلية التي تعاني الفقر والبؤس، هدف تحقيق أقصى قدر من الأرباح.
اعتادت مزارع الشاي على توظيف عمال يدويين لقطف أوراق الشاي، ومنذ 2015، يتم استبدال العمال بالآلات التي لا تحتاج سوى عامِلَيْن لاستخدامها، وسرّحت الشركات متعددة الجنسيات الآلاف من عمال قطاف الشاي، ولكن يمكن للآلات أن تصل فقط إلى الأوراق الكبيرة والأخرى القديمة، غير الغضة وغير الطازجة والتي يدرك العمال من ذوي الخبرة كيفية التعرف عليها، وفرز الأوراق الجيدة وترك الأوراق غير الصالحة. تزن هذه الآلات الاهتزازية أكثر من 12 كيلوغرامًا ويسحبها عاملان يمسكانها ويسحبانها جنبًا إلى جنب لأعلى المنحدرات الجبلية للمزرعة، وبقيت ظروف العمل في صناعة الشاي سيئة جدا.
تُعَدُّ شركة James Finlay Ltd واحدة من أكبر شركات الشاي في العالم. وهي تدير مزارع في كينيا مثل كابسونغوي في مقاطعة كيريشو، ويشكو العمال الذين توظفهم هذه الشركة متعددة الجنسيات من آلام مزمنة في الظهر والرقبة والكتف والورك والمعصم والركبة والصدر والمفاصل الأخرى ، بالإضافة إلى الظهر، ولا تسمح الشركة للعمال بالتماس العلاج سوى في عيادات الشركة الواقعة في مزارع الشاي الخاصة بها، لكن العمال يشككون في تشخيص الأطباء في عيادات الشركة الذين يعطونهم المسكنات ويأمرونهم بالعودة إلى العمل.
تجربة تاريخية ذات مخاطر كبيرة: ذَكَرَ ممثلو النقابات إن ما بين 2500 و 3000 عامل تجمعوا معًا لتقديم شكوى ضد شركة "جيمس فينلاي – كينيا" في اسكتلندا (مقر الشركة) ، سنة 2018، متهمينها بخلق ظروف عمل رهيبة تسببت في إصابات في الجهاز العضلي الهيكلي أدت إلى انخفاض متوسط العمر المتوقع والوفاة المبكرة للعاملين، وهي دعوى قضائية جماعية، نيابة عن 700 عامل رفعها محامو حقوق الإنسان بنيروبي، في سابقة تاريخية، حيث يقاضي العمال الشركة لعدم حمايتهم من حوادث العمل وبالتحرش في مكان العمل، والتهديد من قِبَلِ الإدارة.
هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها العمال للقضاء عبر إجراءات قانونية ضد أرباب عمل صناعة الشاي في كينيا، بشأن حالات الإصابة للعضلات والمفاصل التي تعرضوا لها في مكان العمل، وفي حال صدور قرار في صالحهم، فستكون القضية بمثابة سابقة للعاملين الآخرين وليس فقط في صناعة الشاي، ما يسمح لهم بالمطالبة بالتعويض عن الإصابات التي لحقت بهم في مكان العمل.
يحصل جامعو الشاي الذين يعملون في شركة جيمس فينلاي (كينيا)، سنة 2022، على 25 جنيهًا إسترلينيًا في الأسبوع (حوالي 32,21 دولارًا أمريكيًا) مقابل نوبات عمل مدتها 12 ساعة، ستة أيام في الأسبوع ، وحَمْلِ ما يصل إلى 12 كيلوغرامًا من الشاي على ظهورهم، ولا يختلف الوضع في مزارع الشاي الأخرى، في Ekaterra Tea Kenya (قسم الشاي في Unilever) ، وفقًا لصحيفة Scottish Herald ، في كانون الثاني/يناير 2022.
تؤكذ جمعية المزارع والعمال الزراعيين في كينيا (KPAWU) إن الحكومة وأرباب العمل على علم بالإصابات التي عانى منها هؤلاء العمال، لكنهم غير مستعدين لتغيير الوضع، إذ يعاني نحو 90% من عمال مزارع الشاي من إصابات في الجهاز العضلي الهيكلي، بسبب الساعات الطويلة التي أمضوها في حمل سلال الشاي على ظهورهم، والآلات الثقيلة المستخدمة في قطف الشاي، وقضاء سنوات عديدة في العمل في هذه المزارع.
عمال حقول الزهور: أصبحت شركة "مونسو فلور" ( Monceau Fleurs وهي شركة صهيونية، أكبر شركة لبيع الورود في فرنسا، وربما في كامل دول الإتحاد الأوروبي، بفعل استغلال مُزارعي قطاع غزة وبعض البلدان الإفريقية، وأهمها كينيا التي تُعتبر قاعدة تجسس أمريكية ومنطلقا للعدوان العسكري في القرن الإفريقي، وهي رابع أكبر مورد في العالم للزهور المقطوفة، حيث لا يزال غالبية عمالها يواجهون ظروف عمل قاسية في المزارع المملوكة للعديد من الشركات متعددة الجنسيات، مثل مزارع الزهور في بلدة نيفاشا، مركز صناعة الزهور الكينية، على بعد حوالي 80 كيلومترًا من العاصمة نيروبي، برواتب منخفضة للغاية، بالكاد تكفي للبقاء على قيد الحياة، ومعظم العمال موسميون وغير مستقرون ولديهم برواتب لا تتجاوز سبعين دولارا في الشهر، مقابل 12 ساعة في اليوم، ستة أيام في الأسبوع، ويتعرض العمال لمواد كيميائية خطيرة، فيما تتعرض النساء للتحرش الجنسي، ويتسم القطاع (كغيره من قطاعات النشاط الاقتصادي) بغياب الحماية الاجتماعية وسلامة العاملين ، فضلاً عن حماية البيئة والمحافظة عليها.
يوظف القطاع، وفقًا لمجلس زهور كينيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، حوالي 500 ألف عامل ويساهم بنسبة 1,2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتُصدّر كينيا حوالي مليون طنا من الزهور المقطوفة سنويا، لكن الإيرادات لا تتجاوز 700 مليون دولارا، وكينيا رابع أكبر مصدر للزهور في العالم بعد هولندا وكولومبيا وإكوادور، وتمتلك كينيا 38% من حصة سوق الاتحاد الأوروبي، لكن تستفيد شركة مونسو فلور الصهيونية ( التي تعتبر نفسها شركة "إسرائيلية") من الأرباح.

فرنسا – المُشرّدون وفاقدو المأوى
ارتفعت نسبة الفقر في البلدان الرأسمالية المتطورة، خصوصًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، في ظل النيوليبرالية، وخصوصًا منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وتُعتبر ظاهرة تكاثر عدد المُشرّدين وفاقدي المأوى – من رجال ونساء وشباب وأطفال وأُسَر تم طردها من المسكن، لأنه لم تعد قادرة على تسدي أجرة المسكن أو أقساط القُروض- من مُؤشّرات ارتفاع درجة الفقر، ففي فرنسا وخصوصًا بالمدن الكبرى ارتفع ثمن الإيجار بشكل لا يتناسب مع دخل المواطنين، وتزايدت صعوبات السّكن، وأصبحت مرافق الإيواء غير قادرة على الإستجابة لحلة الطوارئ المستمرة صيفًا وشتاءً منذ حوالي عقْدَيْن.
تم تسجيل ما لا يقل عن 706 حالة وفاة للأشخاص "المشردين" سنة 2021 وكان متوسط عمر القتلى 48 عامًا و58% منهم من الرجال، ولا تزال أرقام 2022 غير مكتملة، وسجلت إحدى الجمعيات وفاة 117 مشردًا في الفضاء العام، خلال 100 يوم من سنة 2023 أي أكثر من حالة وفاة واحدة كل يوم، وتتوقع الجمعية أن العدد الحقيقي يُعادل ضعف ذلك، لكن لا يتم رصدهم من قِبَلِ الجمعيات...
فرنسا ، السلطة السياسية في خدمة رأس المال.
اجتاحت موجة من الإضرابات فرنسا وألمانيا وبريطانيا والبرتغال وإسبانيا واليونان وغيرها، وهي احتجاجات عمال يطالبون بزيادة الأجور لمواكبة ارتفاع الأسعار، في محاولة للدفاع عن حقوقهم ومواجهة الشركات الإحتكارية، وفي فرنسا، استمرت حركة الإحتجاجات العُمّالية والجماهيرية منذ بداية سنة 2023، ضد تأخير سن التقاعد وخفض مبلغ المعاشات، مع زيادة عدد سنوات العمل، في ظل اتساع رقعة البطالة والعقود الهشة وبدوام جُزْئِي، وشملت المطالب كذلك مؤشر الأجور والتوظيف وظروف العمل والرعاية الصحية والخدمات العامة، وما إلى ذلك.
كان القمع هو الشكل الوحيد لِرَدّ الحكومة الفرنسية، مثل جميع حكومات بلدان الاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع تقليص الحقوق والمكتسبات الاجتماعية، ومع توزيع المزيد من المال العام على الأغنياء، ما يُبرهن أن سياسة الحكومة في خدمة رأس المال، بل إن الرئيس وحكومته جزء من منظومة رأس المال، فهي حكومة تظُمُّ 43 وزيرًا ونائب وزير، من بينهم 19 مليونيرًا، أما في البرلمان فلا توجد أي مجموعة سياسية ممثلة في البرلمان، تُعارض أو تتحدّى النظام الرأسمالي. أما من جانب السكان، فإن نحو 70% من الفرنسيين يُعارضون رفع سن التقاعد، وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها المجموعات الإعلامية التابعة للشركات متعددة الجنسيات، وتبرهن الحكومة بذلك أن "الدّيمقراطية" عبارةٌ جوفاء، يتم اختزالها في انتخابات دورية بمشاركة أقل من نصف المُرسّمين في اللوائح الإنتخابية، ولذلك فإن حكومة "إيمانويل ماكرون" تتحدّى ثُلُثَيْ سُكّان البلاد، وتنتهج سياسات نيوليبرالية تجسّدت في شكل مجموعة من الإجراءات والقرارات (دون موافقة البرلمان) لتسريع تصفية ما تبقى من المكتسبات الاجتماعية، وخصخصة المرافق الخدمات العامة، وخفض قيمة الرواتب، عبر تشريعات تُقلّل من المنح والمزايا الأخرى، لزيادة الأرباح الرأسمالية التي يتحمل المجتمع تكاليفها الباهظة، مثل الإعفاءات الضريبية التي أقرتها الحكومة (والحكومات السابقة ) للشركات وبلغت قيمة الإعفاءات نحو 75 مليار يورو، سنة 2022، ورغم من هذه الإجراءات، تقدر قيمة التهرب الضريبي للأثرياء بنحو 100 مليار يورو، وخصمت الشركات مساهمات الأجراء، ولكنها لم تُسدد 8,4 مليارات يورو منها لمؤسسات الضمان الاجتماعي.
تتجاوز المطالب المدونة على لافتات المتظاهرين والمضربين رَفْضَ "إصلاح المعاشات" وتشمل الأجور والتعاقد من الباطن وظروف العمل والدفاع عن الخدمات العامة ضد خصخصتها وكذلك ضد زيادة الميزانية العسكرية التي تصل إلى 413 مليار يورو سنة 2023.