عبد الله حلواص الشيوعي الحامل هموم ووجع العراق.. سيرة ومحطات


نبيل عبد الأمير الربيعي
2023 / 5 / 6 - 14:23     

صدر حديثاً عن دار الفرات للثقافة والاعلام - العراق – بابل يوم 2-5-2023 بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع كتابي الموسوم (عبد الله حلواص - الشيوعي الحامل هموم ووجع العراق - سيرة ومحطات).
تضمن الكتاب (228) من الحجم الوزيري. تقديم الروائي المغترب سلام إبراهيم. لكن قبل أكثر من (45) عاماً عرفت الراحل عبد الله حلواص الشيوعي والوطني الغيور، الذي كان في الكثير من الفترات لصيقاً وقريباً من المناضلين، والقريب من الفقراء والمعدمين، فقد تربى على الروح الوطنية والحرص على الحزب والشعب ووحدة العراق الوطنية. في هذا الكتاب الذي هو عبارة عن ذكريات ومحطات ووقائع كثيرة، ومواقف قد حصلت عند مرافقتي للراحل حقبة سبعينيات القرن الماضي، ومن خلال هذه المحطات تتوضح للقارئ الكريم بعض التفسيرات والاجابات والأسئلة التي طرحتها على الراحل، وقد أبديت وجهة نظري تجاه بعض الوقائع والأحداث، وتجنبت الوقوف عند أحداث أو وقائع أخرى، لا أعرفها، أو لا اتذكرها وهي كثيرة. فالكتاب هو عبارة عن رحلة لسفر ومحطات الراحل عبد الله من خلال مرافقتي لهُ، واستذكار واستفسار عن بعض محطات حياته الحياتية والنضالية.
ألتقيت به مساء أحد أيام شباط من عام 1976م في مقهى عبد داهي القريب من طاق خضوري في مدينة الديوانية، كنت أعرفه جيداً لا يملك من حطام الدنيا سوى ما يرتديه من ملابس، دشداشه ثقبتها شرارات سكائره، وعقال ويشماغ قديم كان يستخدمه باستمرار لرفع بعض السائل المتدفق عن عينية، وسترة أكل عليها الدهر وشرب، فهو الرجل الذي يقرأ ولا يكتب، وتعلم القراءة من خلال رحلته في سجون العهد الملكي (سجن الشرطة الخيالة في الديوانية، سجن الحلة، سجن الكوت، سجن نگرة السلمان، سجن بعقوبة، معتقل الفضيلية، سجن بغداد المركزي)، يفهم الفلسفة الماركسية كأستاذ أو قُل بروفسور حتى أطلق عليه رفاقه في التنظيم (عبد الله ديالكتيك). ومن خلال أول لقاء لي معهُ طلبَ من عامل المقهى تقديم الشاي لي، فشربنا الشاي واسترحنا دقائق، ثم سألته عن بداياته في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في المدينة، أجاب مبتسماً: الحياة كالهرم، رأسها مدبب وقاعدتها عريضة لا تستطيع الخوض فيها والوصول إلى قمتها بنجاح، تجربة الحزب عميقة، فليس من يحلم سيحقق العدالة الاجتماعية إلاّ عليه أن يكافح لينالها، خوض الصعاب مع تبادل الحزب الثقة مع الشعب وإدراك حقوقهم، فالصدق بالمبادئ موقف أخلاقي يصعب تفكيكها، والمناضل صاحب موقف، والموقف يأتي من فهم الحياة فهماً علمياً، وكشف وإيضاح الموقف يأتي في تحديد مساحة الإرادة المؤثرة والفاعلة في ساحة النضال ومدركاته الحسيَّة والمادية.
تستمر لقاءاتي معهُ برفقة الأصدقاء (جواد كاظم الروازق الملقب بجواد المراقب، وهادي شاكر گندلة أبو دية، وعلي صبر، ومشكور عويز الفتلاوي الملقب بـ(مشكور السماك). ويستمر اللقاء معهُ والحوار عن تاريخ حياته وعمله التنظيمي في الحزب الشيوعي بين مقهى عبد داهي وارتفاع صوت التلفاز وهو ينقل لنا أحداث زيارة نائب رئيس الجمهورية صدام حسين إلى الاتحاد السوفياتي (سابقاً)، ومقهى عبد طامي القريب من جامع الديوانية الكبير في محلة الجديدة، ذو المساحة المحدودة الواقع في ذلك الزقاق الشعبي المتربع على جزء غير قليل من ذاكرة وتاريخ مدينة الديوانية ومحلتها العريقة محلة الجديدة، مقابل صباغ العباءة النسائية والملابس القديمة (فاضل شوغة)، ومقهى حسن الشيخ كاظم القريب من دور الإدارة المحلية في محلة الجديدة.
كنت أوثق لقاءاتي مع الراحل عبد الله حلواص في دفتر مذكرات خاص، واحتفظ بما كتبتهُ من مسودات تلك اللقاءات في أحد ادراج مكتبتي في بيت الأهل، وبعد حملات الاعتقال والهجرة خارج العراق، ثم العودة، بحثت عن المذكرات حتى وجدتها قد تغير لون أوراقها بفعل الزمن، وكنت أنوي على ترتيب تلك الأوراق بكتاب يخرج للقراء حول سيرة ومحطات حياة الراحل عبد الله حلواص، وفي اليوم الأول من شهر شباط عام 2023م بدأت بإعادة توظيبها وتشذيبها لإنجاز سيرة الراحل عبد الله حلواص، وليصدر بكتاب، ولكن هناك بعض المعلومات كانت ناقصة، ومساء يوم الثلاثاء الموافق 7/2/2023 اتصلت بصديقي جواد المراقب، فهو قد واكب بعض الأحداث ويعرف الكثير عن عبد الله، فدونت ما املاه عليَّ وكتبته بقلمي، كما اتصلت بصديقنا ورفيق عبد الله حلواص هادي شاكر گندلة (أبو حسن) مساء يوم الخميس 3/3/2023 لتوثيق بعض المعلومات الخاصة بحياته والسجون والمعتقلات التي مرَّ بها. كما اتصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالقاضي والكاتب زهير كاظم عبود وهو من سكنة محلة الجديدة سابقاً ولهُ معرفة وعلاقة بالراحل عبد الله حلواص، فزودني ما تحمله ذاكرته من خزين حول لقاءاته بالراحل. وكانت النتيجة هذا الكتاب الذي بين أيدي القراء تحت عنوان (عبد الله حلواص الشيوعي الحامل هموم ووجع العراق.. سيرة ومحطات).
هذه السيرة مستقاة من خلال لقاءاتي المتكررة معهُ، في أكثر من مقهى في مدينة الديوانية، واليوم وفاءً لمرور أكثر من أربعة عقود على ذكرى رحيله أنجز سيرته الذاتية من خلال مذكراتي ودفاتري القديمة، وخزين الذاكرة، وما كان بيننا من حوار ونقاش وذكريات، واتصالي المستمر بأصدقاء عبد الله حلواص.