من لعنة النفط إلى لعنة الليثيوم


الطاهر المعز
2023 / 5 / 5 - 14:04     

دور الصّين المُتعاظم في مجالات التكنولوجيا
مقدّمة
كان “خوان بابلو بيريز ألفونسو” (1903 – 1979) وزيرا للنفط في فنزويلا، وهو صاحب فكرة إنشاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) سنة 1961) للدفاع عن مصالح الدّول المنتجة والمُصدّرَة للمحروقات، وساهم في تأسيسها، ونُسِبَتْ له، خلال نفس السنة، مقولة وجّهَها لزملائه وزراء نفط الدول المشاركة في تأسيس “أوبك”، ومفادها: “النفط هو براز الشيطان… سوف تَرَوْنَ بعد عشر سنوات أو عشرين سنة من الآن، أن النفط سيجلب لنا الخراب”، ولم يكن يدّعي النبوءة، ولكنه كان وطنيًّا، ودافع عن مصالح بلاده وشعبه، أثناء مُشاركته في أول حكومة ديمقراطية، سنتيْ 1947 و 1948، قبل أن يُطيح الجيش بتلك الحكومة، بدعم من الشركات النّفطية (وغير النّفطية) الأمريكية، وسُجِنَ الوزير، ثم نُفِيَ لفترة عشر سنوات، قبل عودة الديمقراطية، حيث أصبح “خوان بابلو بيريز ألفونسو” وزير للمعادن والمحروقات في عهد الحكومة الديمقراطية الثانية، من 1959 إلى 1964، وعمل على إنفاق إيرادات النفط في مشاريع تَنْمِيَة البلاد…
بعد أكثر من ستة عُقُود من تاريخ هذا التصريح، أصبح النفط وبالاً على فنزويلا والبرازيل والعراق وليبيا وأنغولا ونيجيريا، وغيرها، وأصبح الخليج العربي قاعدة أمريكية ضخمة، وتجمُّعًا للبوارج الحربية ولحاملات الطائرات ومختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها حلف شمال الأطلسي…
تتحكّم الشركات العابرة للقارات بإنتاج النّفط الخام، الذي يكلف استخراجه أقل من خمس دولارات للبرميل الواحد، وتتم عملية المعالجة والتّصفية في البلدان المُصنّعة، ليُعاد بيع البنزين (النفط المُصَفَّى) بأكثر من عشرة أضعاف سعر الخام، ولذلك لا نجد شعبًا يتمتع بثرواته النفطية، باستثناء النّرويج، فشعوب البلدان المنتجة للنفط فقيرة وتعاني من البطالة والأمية والحرمان، وما ينطبق على النفط ينطبق كذلك على أي معدن أو أي من المواد الخام الأخرى، ما دامت الشركات العابرة للقارات تتحكم بإنتاجها ومُعالجتها وتسويقها.
تتطرق الفقرات الموالية لأهمية معدن الليثيوم الذي لا يمكن للعديد من الصناعات والتقنيات "النّظيفة" التّطوّر بدونه، وفي مقدمتها السيارات الكهربائية وأجهزة الإتصالات والحواسيب والهواتف والتكنولوجيا المتطورة...
بوليفيا، لعنة أم نعمة الليثيوم؟
تستمد بوليفيا إسمَها من الجنرال "سيمون بوليفار" الذي ناضل من أجل تحرير أمريكا الجنوبية من الإحتلال الإسباني الذي استعْمَرَ بوليفيا من سنة 1538 إلى سنة 1825، وبقيت مدينة سانتا كروز دي لا سييرا (ثاني أكبر مدينة حاليا بعد العاصمة لاباز) التي أسسها المُستعمرون شرقي بوليفيا، في القرن السادس عشر، شاهدًا على استغلال وتسويق الثروات واستعباد السّكّان الأصليين، وأصبحت الكاتدرائية الكبيرة التي بَنوها في وسط المدينة ، رمزًا للقوة الاستعمارية التي تدعمها الكنيسة الكاثوليكية.
كانت منطقة سانتا كروز، شرق جبال الأنديز محطّة تجارية هامّة منذ القرن السادس عشر، وهي غنية بالمعادن والمحروقات (الغاز)، وهي كذلك معقل سياسي لليمين الأشدّ تطرُّفًا، بمليشياته التي تدعمها وتُمَوِّلُها القُوى اليمينية المَحلّية، ذات الثراء الفاحش، والتي تطالب بالحكم الذاتي الإقليمي ضد الدولة المركزية، بدعم مُعْلَن من قِبَل الإستخبارات والإعلام الأمريكيّيْن، ونَظّمت محاولة "الانقلاب المدني" ، سنة 2008، بعد سنتَيْن من فترة رئاسة إيفو موراليس، وواصلت قوى اليمين المتطرف تصعيد الصّراع إلى أن أفضى انقلاب 2019، المدعوم أمريكيا، والذي سُمِّي "انقلاب الليثيوم"، إلى إزاحة الحكومة اللتقدمية برئاسة "إيفو موراليس" وتنصيب حكومة يمينية متطرفة، مُعادية للسّكّان الأصليين وأغلبية السّكّان، والليثيوم معدن ثمين، تحتوي أراضي بوليفيا على نصف المخزون العالمي منه، وتُقَدّر حصة بوليفيا بنحو 25% من الصادرات العالمية لمعدن الليثيوم، وتحتكر الشركة الأمريكية "ألبيمارل" معالجة الليثيوم الخام، وتزود العالم بنحو 20% من كمية الليثيوم التي تحتاجها الصناعات، خصوصًا الأوروبية، وهو ضروري للصناعات التكنولوجية الحديثة، ولصناعة بطاريات التجهيزات الإلكترونية والسيارات الكهربائية، وليس من باب الصّدفة أن يحدث الإنقلاب عندما كانت الحكومة البوليفية تدرس عُرُوضًا صينية وروسية لاستخراج الليثيوم، ما يسمح لبوليفيا (الدولة الصغيرة والفقيرة) بالتّأثير على سوق الليثيوم في العالم، واعتبَر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزيره للخارجية مايك بومبيو "إن ما حدث في بوليفيا (أي انقلاب 2019) أمر مُهِم للنّصف الغربي من الكرة الأرضية... فقد تجاوَزَ الرئيس البوليفي إِرادَةَ شعبه، ودَشّنت استقالته مرحلةً جديدةً، يُصغي من خلالها العالم أجمع إلى صَوْت الشّعب البوليفي"، وصرّح مؤسس ومالك شركة السيارات الكهربائية "تسلا" ( إيلون ماسك) من خلال حسابه على شبكة تويتر "...نحتاج إلى الليثيوم لصنع بطاريات للسيارات الكهربائية، ويوجد هذا المعدن بكميات كبيرة في بوليفيا التي أعلنت حكومتها تأميم مناجمه، لذلك قمنا بتنظيم انقلاب لنكون قادرين على استخراج واستغلال الليثيوم، بدون قُيُود... عندما يتم حرماننا من سلعةِ مَا، أو فرض شروط علينا مقابل الحصول على منتج ضروري، نذهب حيث يوجد ذلك المنتج ونحصل عليه بكل الوسائل ... "
تتخوف حكومة الولايات المتحدة من انتشار موجة التّأميمات في أمريكا الجنوبية، وسبق أن نظّمت الولايات المتحدة انقلابًا عسكريا في تشيلي يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 1973 ضد حكم الرئيس سلفادور أليندي، بسبب تأميم مناجم النّحاس، ولا تزال الولايات المتحدة تخنق اقتصاد فنزويلا المُعْتَمِد على النّفط، بعد محاولة الحكومة السيطرة على ثرواتها، وهو نفس السبب الذي جعل الولايات المتحدة تُشرف على انفلاب 2019 في بوليفيا، ورغم الدّعم الأمريكي والإقليمي (كولومبيا والبرازيل) لم يستمر حكم الإنقلابيين في بوليفيا أكثر من سنة، وتمت إزاحتهم بانتخابات ديمقراطية، سنة 2020...
تستفيد بوليفيا، كبلد مُصدّر للغاز، من ارتفاع أسعار المحروقات التي مكنت الحكومة من تحويل العجز التجاري إلى فائض، فيما تدعم الدولة الإستهلاك المحلي للغاز، وتنتج البلاد معظم المواد الغذائية وتسيطر الحكومة على أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية في السوق المحلي، وبفضل الإجراءات الحكومية القليلة، كان معدل التضخم في بوليفيا سنة 2022 هو الأدنى في هذه المنطقة من أمريكا الجنوبية، غير أن المناطق الغنية بالمعادن والمحروقات ( شرقي البلاد) هي معاقل اليمين المتطرف، وريث المُستعمرين المستوطنين الإسبان، وهم من كبار الرأسماليين في قطاعات المال الصناعة والزراعات الكبرى والمحروقات، المُتعاملين جَهْرًا مع حكومة وإعلام ومخابرات الإمبريالية الأمريكية، ما خلق مناخًا من القلاقل وعدم الإستقرار، لذلك فإن ما قاله وزير النفط الفنزويلي الأسبق "خوان بابلو بيريز ألفونسو"، بشأن النفط، قبل أكثر من ستة عُقُودًا، ينطبق على أي ثروة أخرى، ولذلك أيضًا بقيت بوليفيا عُرْضَةً للحملات الإعلامية الأمريكية والتّشويهات المستمرة، وللتحريض واستخدام العُنف (وحتى المجازر) ضد الفقراء والسكان الأصليين والتقدّميين.
يُستخدم الليثيوم في إنتاج بطاريات التجهيزات والآلات العاملة بالطاقة الكهربائية، مثل وسائل النقل والمَراكِب بأنواعها، وأطلقت بوليفيا، سنة 2010، مشروعا طموحا لاستخراج الليثيوم (وهو العنصر المعدني المستخدم لصنع بطاريات السيارات الكهربائية) من الصحراء الملحية التي تحتوي على موارد كثيرة وإمكانات هائلة قد يؤدي استغلالها إلى تغيير وضع سكان بوليفيا من شعب فقير إلى شعب ميسور، حيث تُقَدَّرُ كميات الليثيوم بالبلاد بنحو 23 مليون طن، وهو أضخم مخزون عالمي، وتُخَطّط الدّولة لرفع حصتها من إمدادات الليثيوم العالمية من نحو 25% سنة 2021 إلى 40 % سنة 2030، كما تخطط الحكومة لتصنيع الليثيوم بالبلاد (لكنها تفتقر إلى الإستثمارات) ما يمكنها من خلق أكثر من 130 ألف وظيفة بحلول سنة 2035، في مجالات الإستخراج والمعالجة والإمدادات والتّسويق وما إلى ذلك، لأن الليثيوم طاقة المستقبل التي تساهم في تخزين الطاقة ومكافحة التغير المناخي، لكن حكومة بوليفيا، بزعامة الرئيس الحالي لويس آرسي، تواجه تحديات من الحركات اليمينية المتطرفة المُسيْطرة على المناطق والأقاليم الغنية، وتُعارض مشاريع الحكومة، بدعم من والشركات العابرة للقارات، وسبق أن عرقلت قُوى اليمين المتطرف مشاريع تطوير استغلال الغاز والليثيوم والمعادن الأخرى، وعلى سبيل المثال، تمكنت هذه القوى من قطع الطرقات في آب/أغسطس 2021، ومنعت الرئيس لويس آرسي من زيارة مرافق الليثيوم الحكومية، وطالبوا بخصخصة شركة إنتاج الليثيوم المملوكة للدولة، وأدى الاحتجاج إلى إلغاء المؤتمر الذي كان من المقرر أن ينعقد بمشاركة بعض الشركات الأجنبية المهتمة بالمشاركة في استغلال الليثيوم، وأنجزت بعض هذه الشركات بحوثًا تُبَيّن إن زيادة إنتاج الليثيوم في بوليفيا يدعم مصالحها لأن رفع الإنتاج يُؤَدِّي إلى انخفاض أسعار البطاريات وتسريع عملية إنتاج وبيع السيارات الكهربائية، كما أصدر فريق من باحثي جامعة تكساس في أوستن، سنة 2018، ورقة بحثية عن تقنية جديدة يمكن استخدامها لفصل وتنقية الليثيوم عن أملاح الصخور، مع تجنُّبِ تَبَخُّر كميات كبيرة من الأملاح، وحاولت الولايات المتحدة مَنْعَ بوليفيا من استخدام هذه التقنية، ما لم تستفد الشركات الأمريكية من استغلال الليثيوم البوليفي.
مكانة الليثيوم في التقنيات المتطورة
يُستَخْدَمُ الليثيوم في تصنيع البطاريات، وفي صناعات الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات والطائرات، ويتوقع أن تُمثل مبيعات السيارات الكهربائية التي تحتاج بطارياتها إلى كميات كبيرة من اللّيثيوم نحو 60% من مبيعات السيارات الجديدة في العالم سنة 2030، وتكمن أهمية هذه البطاريات في تخزينها طاقة خفيفة الوزن وقابلة لإعادة الشحن، ولذلك ارتفع الطلب على الليثيوم، فهو ضروري من أجل تعميم استخدام الطاقة المتجددة، وهو أقلّ ضررًا بالبيئة، رغم العناصر الكيميائية المُضافة له، وتوجد أكبر المخزونات العالمية في "مثلث الليثيوم"، على الحدود بين تشيلي وبوليفيا والأرجنتين، وهي منطقة غنية بالرواسب الطبيعية تضُمُّ منطقة مُسطّحات "سالار دي أتاكاما" في شمال تشيلي، حوالي 25% منها، وتقع المسطحات الملحية حيث يوجد الليثيوم في المناطق القاحلة، ذات المياه القليلة، وقد يُؤَثِّرُ استغلال الليثيوم بشكل سلبي في حياة المجتمعات المحلية، ومحيطها من المياه والنباتات والحيوانات المحلية، فرغم تصنيف البطاريات التي تستخدم الليثيوم "طاقة نظيفة"، يُعتبر استخراج المعادن دائمًا مُضِرًّا بالبيئة، وقد يؤدي إلى إلحاق الضّرر بالنظام البيئي وتدهور التربة ونقص المياه وتلويثها وفقدان التنوع البيولوجي وتلوّث الهواء، إذ يتم إنتاج الليثيوم بواسطة أحواض التبخير التي تهدر حوالي 2,2 مليون لتر من الماء لإنتاج طن واحد من الليثيوم.
صراع القوى الكبرى على اللليثيوم
تتنافس الشركات الكبرى والدّول المُصنّعة للسيطرة على سوق السيارات الكهربائية التي تم الترويج لها كوسيلة نقل "نظيفة"، بديلة لوسائل النقل التي تستخدم البنزين، كما حصل في السابق لاستبدال الفحم بالنفط والغاز، وتتنافس الشركات والدّول من أجل تأمين الموارد الضّرورية لصناعة البطاريات، والسيطرة على مواقع الإستخراج والمعالجة والتصنيع والتسويق.
يُعتبر استخراج الليثيوم من بوليفيا صَعْبًا، لأنه يوجد في المسطحات المالِحَة ذات التّركيزات المُنخَفِضَة من الليثيوم، ويتم استخراجه عبر ضخ هذه المسطحات في البِرَكِ ثم معالجة أملاح الليثيوم التي تظهر بعد تَبَخُّرِ المياه، لكن الليثيوم البوليفي يحتوي على الكثير من الشوائب، وتتعرض المُسطّحات لموسم أمطار سنوي يستمر لعدة أشهر، فيُعطّل عملية تبخُّر المياه وعملية الإنتاج، فضلاً عن التّأخير الكبير الذي حصل في برنامج الحكومة لاستخراج الليثيوم، بسبب انقلاب سنة 2019، وبسبب عرقلة البرجوازية المحلية للإنتاج، لأنها تريد خصخصة المواقع وعدم تقاسم الثروة مع أبناء الشعب البوليفي، وفاقت استثمارات الدّولة 800 مليون دولار في شبكة من البرك وفي مصنع كان من المُقرّر أن يُنتج 15 ألف طن من كربونات الليثيوم سنوياً بداية من سنة 2023، لكن تأجّل موعد بدء الإنتاج للأسباب المذكورة، رغم استعداد العديد من الشركات (خصوصًا الصينية والروسية، وبعض الشركات الأوروبية، أو الأمريكية الناشئة ) للتعاون مع الشركة الحكومية، وتقديم مقترحات لتطوير تقنيات الاستخراج مباشرة من المسطحات الملحية، وتفوّقت الشركات الصينية والرُّوسية (على الشركات الأمريكية) لأنها قدّمت شُرُوطًا أَفْضَل للتعاون مع الحكومة وتشكيل مُجَمّع مع الشركة المحلية لاستغلال معدن الليثيوم البوليفي الذي تضاعفت أسعاره عشر مرات منذ بداية سنة 2021، ليبلغ 67,7 آلاف دولارا للطن الواحد، بنهاية شهر آذار/مارس 2023، بفعل السباق في صناعة السيارات الكهربائية وعلى إمدادات الليثيوم، ووعدت روسيا والصين بدعم إنفاق الحكومة البوليفية على الرعاية الصحية والتّعليم، وهي علامة فارقة بالمقارنة مع الشركات الأمريكية، بالإضافة إلى أسباب سياسية، منها دعم الولايات المتحدة لانقلاب سنة 2019، ودعم المعارضة اليمينية المتطرفة، ومنها كذلك رفض حكومة بوليفيا إدانة روسيا في الأمم المتحدة. أما الصين فإنها شريك تجاري هام لبوليفيا، وتُستثمر المصارف والشركات الصينية في العديد من الخدمات الأساسية في بوليفيا، منذ سنوات، بينما تُعادي الولايات المتحدة النظام التقدّمي، منذ 2006، وحاولت إزاحته بالقُوّة وتنصيب عُملائها...
ارتفع الطلب العالمي على كربونات الليثيوم، ما جعل حكومة بوليفيا تُخطّط لزيادة الإنتاج ولتحسين مردود مُسطّحات المِلْح (مواقع الإستخراج) ولتحسين تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم بحلول سنة 2025، ووعدت الصين بدعم جهود حكومة بوليفيا، لأنها في حاجة لزيادة الإنتاج، فقد استوردت الصين، سنة 2022، حوالي 85% من الإنتاج العالمي للكوبالت الجاهز للإستخدام في البطاريات، ومعظمه من الكونغو (كينشاسا)، حيث تستثمر إحدى شركات التعدين الصينية 2,5 مليار دولارا في إنتاج النحاس والكوبالت بأكبر منجم بالكونغو، واشترت نفس الشركة الصينية 95% من أكبر المناجم الكنغولية، مقابل 550 مليون دولارا، وتُعتبر الصّين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم وبلغت مبيعاتها 1,3 مليون سيارة كهربائية سنة 2020، أو ما يزيد عن 40% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية بالعالم، وتُسيطر الشركة الصينية ( كيتل - CATL ) على حوالي 30% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية في العالم، وتستثمر الصين في استخراج النيكل ومعالجته بإندونيسيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات النيكل في العالم بنحو 72 مليون طن، لتصبح الصين أكبر منتج عالمي للنيكل، متجاوزة أوروبا والولايات المتحدة، وزادت العديد من شركات صناعة السيارات الكهربائية نسبة النيكل مع خفض نسبة الكوبالت في البطاريات
التَقَدّم الصناعي والتكنولوجي للصين، وتقهقر أوروبا
وقعت شركة صينية، في كانون الثاني/يناير 2023، اتفاقًا مع حكومة طالبان بأفغانستان اتفاقًا لإجراء دراسات فنية ومسح لمناجم الليثيوم والذهب، بمناجم ولاية "غُزْني" وسط أفغانستان، وتبدو الشركات الصينية اهتمامًا كبيرًا بثروات أفغانستان، كالنفط والغاز والرخام والكبريت والنحاس والحديد وخصوصًا بالليثيوم الموجود بأفغانستان والمقدّرة قيمته بنحو تريليون دولارا، غير أن استخراجه صعب، وهو ضروري لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية والحواسيب والهواتف المحمولة والتجهيزات المنزلية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح وبطاريات تخزين الطاقة البديلة، ويعادل سعر الطن الخام الواحد 15 ألف دولارا، وتُسيطر الصين على حوالي 60% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة في العالم، كالنيكل والغرافيت والليثيوم والمنغنيز والكوبالت وغيرها.
تهدف الصين إلى إدماج أفغانستان ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية العالمية واستغلال النفط والغاز ومصادر الطاقة والمعادن الأرضية النادرة الهائلة والضرورية للصناعات الجديدة كالليثيوم لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية ولمشروعات الطاقة المتجددة خلال العقد الحالي وما بعده، يندرج الليثيوم ضمن قائمة الثروات المعدنية الضخمة والثمينة في أفغانستان، وحين تتمكن الصين من استغلاله تصبح مهيمنة على الصناعات التي تحتاجه...
لم تنتفع أنظمة الحُكْم الأوروبية من تحالفها مع الولايات المتحدة، منذ الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك لا تزال تُطيع أوامرَها، ما جعل الدّول الأوروبية أول مُتضَرّر من حصار إيران والعراق وليبيا ومُؤَخَّرًا روسيا، حيث حفرت أوروبا قبرها بيدَيْها، عندما قاطعت الغاز الروسي لتشتري الغاز الأمريكي الرديء بسعر يعادل خمسة أضعاف ما تُسدّده الشركات الأمريكية، كما أدّت المواقف العدوانية الأوروبية تجاه السّلطات الحاكمة في فنزويلا وبوليفيا، إلى إلحاق الضّرر بقطاعات اقتصادية أوروبية هامة، منها قطاع التكنولوجيا والسيارات الكهربائية الذي يُعاني من النقص المستمر في الليثيوم، الذي لا يمكن لصناعة السيارات الكهربائية تشغيل بطارياتها بدونه، وكانت دول الإتحاد الأوروبي تخطط لإنتاج 200 ألف طن من الليثيوم، قبل حظر السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول 2035، ما يؤدّي إلى ارتفاع الطلب على الليثيوم خمسة أضعاف بحلول 2030 إلى 550 ألف طن سنويا، أي بعجز يُقدّر بنحو 350 ألف طن، في ظل عجز متوقع للسوق العالمية برُمّتها، وفق موقع "فاينانشال تايمز" (23 آذار/مارس 2023)، ما يُهدّد صناعة السيارات الكهربائية الأوروبية التي تلاقي منافسة كبيرة من الصين التي تمكنت من توقيع عقود عديدة لاستخراج الليثيوم والكوبالت وغيرها من المعادن، واحتكار مُعالجة نحو 60% من الإنتاج العالمي لليثيوم، واستخراج مركبات كيماوية أخرى ( من أملاح الليثيوم)، تستخدم في البطاريات، وفق موقع "فاينانشال تايمز" (23 آذار/مارس 2023).
تم تسجيل 11,3 مليون سيارة كهربائية جديدة في دول الإتحاد الأوروبي سنة 2022، ولا تكفي كميات الليثيوم المُصنعة في أوروبا لإنتاج 1,2 مليون بطارية صغيرة للمركبات الكهربائية، سنويا، ولذا لن يكون قطاع صناعة السيارات في أوروبا قادرًا على تزويد أسطوله المستقبلي بالكهرباء دون الحصول على كميات إضافية من الليثيوم، وفق تقديرات شركتَيْ رينو الفرنسية وفولكسفاغن الألمانية، فضلا عن توفير المزيد من معادن البطاريات مثل الكوبالت والنيكل (إضافة إلى الليثيوم)، وطلبت الشركات الأوروبية الكبرى دعمًا ماليا من الحكومات ومن الإتحاد الأوروبي لتوفير إمدادات الليثيوم المحلية، وهي شركات تتحايل لتتهرب من تسديد الضرائب ومن المساهمة في ميزانية الدّول، وابتكرت حِيَلاً عديدة لتهريب الأموال إلى الملاذات الضّريبية، ولكنها تتجرأ على طلب المال العام لتضخيم أرباحها على حساب صحة وتعليم وسكن أبناء الكادحين والأُجَراء والفُقراء...
يتلخص موضوع الإمدادات العالمية والمنافسة في مجال تصنيع الليثيوم في بضعة أرقام: يُتوقّع أن نُنْشِئ الشركات الأوروبية (بما فيها بريطانيا ) 28 مصنعاً لإنتاج بطاريات أيون الليثيوم قبل حلول سنة 2030، ويتم بناء بعضها بالشراكة مع شركات آسيوية، وتبني الصين مصنعًا للبطاريات الكهربائية كل أسبوع (كمعدّل) فيما تبني الولايات المتحدة مصنعًا مماثلاً كل أربعة أشهر، غير أن الولايات المتحدة أعلنت استثمار 174 مليار دولارا "من أجل كسْب سوق السّيّارات الكهربائية"، ولا تُواكب الاستثمارات الأوروبية في التعدين وإنتاج البطاريات نظيرتها الصينية ولا الأمريكية، وقد تتمكّن الولايات المتحدة من عرقلة تقدّم الصناعات الصينية، بفعل الحَظْر والعُقُوبات لكن الصين تبقى مُتفَوّقة على الولايات المتحدة وعلى أوروبا، ويمكن إدراج هذه المعطيات ضمن مسار الإنحدار البطيء للولايات المتحدة...