كتاب شمس الرجاء (25) --- الفصل الثالث والعشرون --- القصة الثالثة والعشرون: رجاء المُضْطَهَدين


توماس برنابا
2023 / 5 / 4 - 10:21     

- أَعجبكم ما فعله هذا الزبال ابن الزبال في الفصل اليوم؟ كيف يمكن أن يُجيب على كل الأسئلة هكذا؟ ماذا يريد أن يقول هذا الزبال عنا؟

- يُريد أن يقول أنه سيصبح مُهندسًا ونحن سنصبح زبالون! يا سيد!

- لن يحدث أبدًا ذلك ويجب أن يُوضع حدًا لهذا الزبال.. سيُعايرني أبي مدى حياتي إن تفوق هذا الزبال علينا يا رياض..

- اتفقنا! دعونا "نُحَفْل" عليه كل يوم في المدرسة وفي الشارع الذي يسكن فيه.. لكن يجب أن يُؤَدب اليوم فورًا على ما فعله في الفصل.. لقد جعلنا نبدو كالحمقىّ أمامه حينما لم نتمكن من إجابة أي سؤال..

كان رضا مشحوت طالب في الصف الأول الثانوي العام بمدرسة الحرية بنين للثانوية العامة.. وكان يتميز بالنبوغ والذكاء اللذان يُمكنانه من استيعاب كافة المواد الدراسية بسهولة شديدة، لذا كان يثير غيظ وحقد زملائه المتوسطي التحصيل والذكاء بالمقارنة معه خاصة وأن أبيه كان يعمل "نابشًا" للقمامة وكان يُساعد والده في هذا العمل كل يوم في الفجر قبل أن يذهب للمدرسة..

كان رضا مشحوت يأمل أن يلتحق بكلية الهندسة التي كان يعشقها.. كان يستيقظ قبل أبيه في الفجر ليوقظه ثم يذهبا معًا على دراجة ثُلاثية العجلات ليجمعا فيها ما ينبشاه من القمامة في المنطقة التي يسكنون فيها من مواد بلاستيكية ومعدنية أو ورق مُقوىّ وغيرها مما يمكن أن يُعاد تدويره في مصانع خاصة..

كانت تستهوي الصغير رضا مشحوت فكرة تصنيع ماكينات مصانع التدوير هذه بعد التخرج من كلية الهندسة بدلًا من استيرادها من الصين!

كان يحب أباه وأمه وأخوته الصغار حبًا جمًا.. ولم يشعر أبدًا بالدونية أو بالأسىّ أو عدم الرضىّ على البيئة التي نشأ فيها!

لكن لم يسلم من ألسنة من هم في سنه ومن هم أكبر منه سنًا في منطقته السكنية وفي مدرسته وكأن التفوق والطموح حِكرًا على فئات اجتماعية مُعينة دون غيرها!

عند انتهاء اليوم الدراسي، كانت هناك عصابة سيد مع زملائه في انتظار رضا مشحوت أمام المدرسة.. كانوا قد جمعوا كمية من الزجاجات المُصنعة من الزجاج ومن البلاستيك وعلب المشروبات المعدنية وبعض قطع المعادن من حول المدرسة وراحوا يرمونه بها قائلين:

- خذ أيها الزبال! أنبش هذه القمامة..

- الزبالين مكانهم ليس هنا مع عُلية القوم..

- فلتذهب إلى حي الزبالين أيها الزبال، لماذا تسكن معنا؟ خذ هذه الزجاجة!

- قال أنه يرغب أن يصبح مهندسًا! ياله من طَموح!

كانوا يقذفونه بالزجاج والصفيح والبلاستيك، ورضا كان يجري من أمامهم فزعًا وهو ينزف من عدة أجزاء من جسمه باكيًا ولا يعلم كيف يهرب منهم سوى بالجري..

وصل إلى الشارع الذي يسكن فيه وكانت الدماء تسيل من وجهه ويديه وملابسه مُلطخة بالدماء.. وإذ بثلاثة من زملائه يستوقفونه على جانب الشارع وقال أكبرهم:

- إياك أن نراك في مدرستنا ثانيةً!

وطفقوا يضربونه بالركلات وبقبضات أياديهم إلى أن تجمع الناس لتخليصه من بين أياديهم..

أصبح رضا مشحوت في حالة يُرثىّ لها.. بالكاد استطاع السير مُتثاقل الخُطىّ ليصل إلى باب منزله في نهاية الشارع..

وبدأ يفكر كيف يُمكنه الخلاص من هؤلاء المتنمرين فهم هكذا منذ أن دخل هذه المدرسة.. كيف يُمكنه تغيير سكنه وهو بهذا الفقر ووالده لا يستطيع ذلك؟ كيف يُمكنه التحويل من هذه المدرسة ليحقق حلمه؟ لم يستطع أباه مع إدارة المدرسة شيئًا في إثبات جُرم هؤلاء المُتنمرين! هل يُقلع عن الذهاب للمدرسة ويكتفي بالعمل نابشًا للقمامة كأبيه؟

إلى مَنْ يلجأ؟! إلى أين يمكنه أن يذهب؟

*****

شعر مدحت بالغضب في قرارة نفسه تجاه هؤلاء المُتنمرين.. فقد رأى أمثالهم كثيرًا في المدارس التي عمل بها، ويجب حماية هؤلاء المساكين من بطشهم..

في تمام الساعة السابعة كان لقائه مع الأستاذ نشأت عبر الإنترنت كالتالي:


حوار الليلة الرابعة والعشرون

- مساء الخير يا مدحت..

- فليَسعد مساؤك يا أستاذ نشأت..

- وجهك مُتغير بعض الشيء يا مدحت.. ماذا بك يا صديقي؟

- منذ قراءتي لقصة اليوم وأنا أثور غضبًا نحو المتنمرين سواء إن كانوا صغارًا أم كبارًا.. فأنا أُعاني من هذا في محل عملي من الزملاء والزميلات وربما من بعض الأقرباء والجيران من اللمز والغمز بسبب ما أمر به من مشكلات نفسية، وأشعر بما يشعر به بطل هذه القصة رضا مشحوت بل ربما أكثر!

- أخرج كل غضب داخلك يا صديقي ولا تجعله يأكلك! عبر عن ذلك بطريقة ما.. يُمكنك كتابة مشاعرك وإفراغها على الورق!

- ولكن كيف يمكننا التعامل مع هؤلاء المُتنمرين؟

- أفضل عقاب لهم هو أن تواصل كفاحك نحو النجاح.. فلا يثير غيظ وحقد البعض سوى أن يروا مَنْ هم أفضل منهم ناجحين! لن تجد أبدًا مُتنمرين يتنمرون على من هم أحط حالًا وعقلًا! إنهم يرون في تفوق غيرهم ضعفًا وضآلة في نفوسهم، فرؤيتهم لهؤلاء تُشعرهم بضآلة إمكانياتهم وقدراتهم!

وأفضل عقاب لهم هو أن تنجح في حياتك رغم كل ما يفعلونه أو يتقولون به عليك! لا تشعر بالأسى ولا العار لما تمر به يا صديقي.. بل انتصر على نفسك ولتعترف بمرضك ونقائصك ليس فقط أمام نفسك بل أمام الناس! نعم يا صديقي، حينما يجد هؤلاء المتنمرون أنك لا تغتاظ ولا تغضب بسبب كلامهم عليك، بل تأخذ الأمر بكل بساطة وتعلن بكل أريحية عما بك، فهذا ليس سرًا يُخفىّ تخاف أن يُفتضح أمره! حينذاك سينفض عنك هؤلاء الحاقدون يا صديقي!

ولتكن أنت في المدارس التي تعمل بها ملاذًا للطلبة والطالبات المُضطهدات من قبل المتنمرين والمتنمرات.. وتأكد أنهم دائمًا وأبدًا ذوي قدرات استثنائية ويحتاجون للدعم والحماية حتى يحققوا ذواتهم ومستقبلهم الذي يحلمون به..

فرضا مشحوت هذا، إن لم يُنجده أحدًا من داخل المدرسة من براثن هؤلاء الأشقياء المُتنمرين فمصيره ربما يكون مثل أبيه بين أكوام القمامة بالرغم من تمتعه بقدرات استثنائية تُمكنه أن يكون بين عُلية القوم من المُبدعين والعباقرة!

فيا صديقي، لا يشعر بالبؤساء إلا من ذاق البؤس.. ولا يشعر بمعاناة المظلومين إلا من ذاق مرارة الظلم! فكن سندًا وملجأً لهؤلاء يا صديقي.. وليعينك الله، فربما ما تمر به يُعتبر درسًا بل دورة تدريبية لك، يُجيزك الله فيها حتى تتعلم كيف تشعر بهذه الفئات المظلومة والمتألمة. ياليتك تنظر للأمر من هذا المنظور يا صديقي!

- ما أروع حديثك بالفعل يا صديقي العزيز! إنه مثل البلسان على نفسي المجروحة.. شكرًا لك من كل قلبي يا أفضل صديق لديَّ..

هل يمكنك أن تعطيني لمحة عن ماذا ستكون قصة الغد؟

- ستكون عن فتاة تخرجت من الثانوية العامة بمجموع لا يؤهل للكلية التي طالما حلمت بالالتحاق بها.. فإلى اللقاء

- إلى اللقاء يا نشأت..