مؤتمر طنجة 1958 - 2023


الطاهر المعز
2023 / 5 / 2 - 16:04     

في الذكرى الخامسة والسّتّين لمؤتمر طنجة
أسّس عبد الكريم الخطّابي سنة 1947، لما كان بالقاهرة، مع مجموعة من المنفيين "لجنة تحرير المغرب العربي" كإطار موحّد للكفاح ضد الإستعمار ولتوحيد المغرب العربي، وبعد أكثر من عشر سنوات - قبل أربع سنوات من استقلال الجزائر، وبعد سنتَيْن من مؤتمر الصّومام لجبهة التحرير الوطني الجزائرية- انعقد مؤتمر المغرب العربي (مؤتمر الوحدة المغاربية) بمدينة طنجة المغربية من 27 إلى 30 نيسان/ابريل 1958، بمشاركة الأحزاب الرئيسية: حزب الاستقلال (المغرب) وحزب الدستور الجديد (تونس) وجبهة التحرير الوطني (الجزائر )، وممثلين عن لجنة تحرير المغرب العربي (مقرها القاهرة) وشكّل هذا المؤتمر خطوة هامة، لكن الأحزاب والقوى المُؤسّسة لم تكن جادّة في إنجاز الأهداف التي حدّدتها، ويمكن تلخيصها في عبارة "تدعيم تضامن ووحدة المغرب العربي" التي وردت في وثيقة الدّعوة التي وجّهها حزب الإستقلال، من أجل "التحرر الوطني والتنمية بشمال إفريقيا الموحدة والمندمجة”.
حصلت تونس والمغرب على استقلال شَكْلِي سنة 1956، لكن بقي الجيش الفرنسي حاضرًا بقوة سواء بتونس أو بالمغرب، أو على الحدود الشرقية والغربية للجزائر التي بقيت مُستَعْمَرَة حتى سنة 1962، وأدّى الحصار العسكري الفرنسي إلى عرقلة عمليات تسريب الأسلحة إلى جيش التحرير الوطني الجزائري، وبلغ الأمر حدّ قصف الطيران الحربي الفرنسي قرية سيدي يوسف على الحدود التونسية الجزائرية، في الثامن من شباط 1958 وقتل 68 (جزائريين وتونسيين) من بينهم 12 طفلا و ثماني نساء، وإصابة 87، وفق الإحصائيات الرسمية...
كانت الأهداف المُعْلَنَة لمؤتمر طنجة تتضمّن "تصفية بقايا السيطرة الإستعمارية في أقطار المغرب العربي، وضرورة البحث في أشكال ومحتوى وحدة المغرب العربي"
بعد شهرين من انعقاد مؤتمر طنجة، جاءت ندوة المهدية بتونس من 17 إلى 20 يونيو/جوان 1958 لتكشف عن عدم مناقشة حكومتَيْ المغرب وتونس قرارات مؤتمر طنجة، ناهيك عن تطبيقها، فكانت بمثابة اغتيال المشروع، وتيسّر هذا الإغتيال لأن المشروع كان فَوْقِيًّا، وأهمل عمْدًا مُشاركة الشّعوب المغاربية المُقتنعة بفكرة بل وبضرورة الوحدة المغاربية، فضلا عن طرح فكرة الوحدة المغاربية كبديل للوحدة العربية التي كانت في أوج شعبيتها آنذاك، واستفادت الثورة الجزائرية منها ومن دعم النظام الناصري بمصر للثورة الجزائرية، إعلاميا وسياسيا فضلا عن إمدادات الأسلحة التي كانت تمر عبر تونس أو عبر البحر...
بعد 65 سنة على مؤتمر طنجة:
تأسس الإتحاد المغاربي في شباط/فبراير 1989، وبقي في حالة غيبوبة عميقة، ولم تتحقق مسارات الوحدة أو حتى التنسيق بين الأنظمة وبين منظمات "المجتمع المدني" المغاربي، فلا يزال "اتحاد المغرب العربي" مُجمّدًا والحدود مغلقة بين المغرب والجزائر، وأصبح النظام المغربي يُقيم علاقات دبلوماسية وأمنية واقتصادية علنية وعلاقات حميمة رسمية مع الكيان الصهيوني، وتتخبط تونس في أزمة اقتصادية وسياسية عميقة فيما تُعاني الجزائر آثار الإستعمار والعشرية السوداء والأحداث الدّاخلية الأخرى، وتمكن حلف شمال الأطلسي من تدمير وتفتيت ليبيا وإغراق موريتانيا في مشاكل داخلية ( أثنية واجتماعية واقتصادية)، وأدّى الوضع الإقتصادي السّيّء إلى ارتفاع عدد المهاجرين المغاربيين غير النظاميين المُغامرين بحياتهم في البحر الأبيض المتوسّط...
وجب استخلاص الدّروس من التّجارب السّابقة، فجميعها كان فَوْقِيًّا يُقصِي الشُّعُوب التي تدعو إلى فتح الحدود وإلى التكامل الإقتصادي والسياسي والوحدة، وإطلاق حوار ونقاشات حول سُبُلُ إنجاز وحدة الشُّعُوب، ليس في منطقة المغرب العربي لوحدها، بل في كافة أرجاء الوطن العربي، وقد يتحقق ذلك ضدّ إرادة الأنظمة الحاكمة.