حروب الولايات المتحدة بالخارح غذت حربا مستدامة بالداخل وتغذت منها


سعيد مضيه
2023 / 5 / 2 - 10:22     

ثروات تراكمت للأثرياء وفقر مدقع لمليارات البشر في المعمورة


مفكران بارزان رصدا تنامي خطر اليمين الأميركي والفاشية. كلاهما كشفا مؤامرة الرأسمالية للتحكم في تفكيرنا وبما نقول ونحلم؛ كلاهما رصدا النشاط المحموم للاحتكارات الامبريالية خلال العقود الماضية تحت لواء الليبرالية الجديدة، لتأجيج التطرف اليمني والفاشية، وإشعال الحروب، وتشكيل مخاطر اقتصادية وسياسية وثقافية على المجتمع الأميركي والعالم أجمع.
أحد المفكريْن هو الاكاديمي النقدي، نوعام تشومسكي، استضيف الى منبرحواري بجامعة ، وصف نشاط الاحتكارت ضمن ظروف الليبرالية الجديدة، "حرب طبقية بالداخل". الليبرالية الجديدة حروب في الخارج وحرب طبقية في الداخل - اقتصادية وسياسية وإعلامية- ثقافية. فالتطرف اليميني الفاشي لم يكن أمرا محتما، روّج العنصرية، لثلم مقاومة الجماهير، بتضليلها عن أهدافها وطموحاتها الحقيقية؛ هذا علاوة على تمزيق المجتمع وإشاعة العنف مع الخارج. كما حذر تشومسكي حركات المقاومة من اتباع العنف؛ فهو غير تكتيكي، وتحرك في ميدان العدو وداخل منطقة قوته.
وثاني المفكرينْ الأميركيين، نقدمه في حلقة تالية..يتحدث عن تغلغل الفاشية، جماعات و مؤسسات وفكرا وثقافة في ثنايا النجتمع الأميركي. هنري غيروكس ، أكاديمي متخصص في قضايا الثقافة النقدية والتربية النقدية سنتناول مساهمته الفكرية لتعرية النشاط الفاشي بالولايات المتحدة وكيفية التصدي.

في هذه الحلقة نقدم ترجمة تقرير نشر في 28 إبريل الماضي عن لقاء تشومسكي، أعده اثنان من العاملين بجامعة ليهاي: انتوني ديماغيو استاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة ليهاي . من مؤلفاته "بروز الفاشية في أميركا : يمكن ان تحدث هنا "(2022) و"الثورة في أميركا"( 2020).
ثم ريهان ألان ، طالب دكتوراة بالإدارة بمدرسة رادي للإدارة في سان دييغو، ومن المقرر تخرجه من جامعة ليهاي في أيار الحالي(2023) بدرجة ماجستير في السيكولوجيا وعلوم السياسة. يبحث في العوامل السيكولوجية التي تسهم في النزاعات بين الجماعات والتطرف السياسي وطرق التصدي لها .
يقول التقرير:

في منتصف شهر إبريل استضفت جامعة ليهاي المحلل السياسي والناشط نوعام تشومسكي ، للتحدث والإجابة على أسئلة وذلك ضمن منبر الحوار باسم دوغلاس. اتيحت الفرصة لجامعة ليهاي كي تناقش قضايا السياسة الراهنة مع البروفيسور تشومسكي، و علاقة ذلك ببروز التطرف في العالم وداخل الولايات المتحدة. حذر تشومسكي من خطر رد الفعل العنيف على حروب الاحتكارات ؛فذلك يعني العمل في محيط الاحتطارات وبمواجهة قدراتها الهائلة. جاء في مداخلة تشومسكي:

مضى عامان على تمرد السادس من يناير ، حين اندفع الألاف من اليمينيين المتطرفين في مبنى الكابيتول في محاولة لوقف النقل السلمي للسلطة التنفيذية. اعتبر مدير مكتب التحقيقات (إف بي آي)، كريستوفر ريي، أحداث التمرد بمثابة "الإرهاب من الداخل" وأصدر تقارير تشير الى ان المتطرفين اليمينيين قتلوا من الناس في بلادنا أكثرمما قتل المسلمون السلفيون منذ 9 أيلول . في هذه البيئة السياسية كشف تشومسكي عن أسباب ظهور التطرف اليميني وامضى الكثير من الوقت مع جمهور جامعة ليهاي يناقش هذه القضية اموضع الاهتمام المتنامي .

لدى سؤاله ماذا يفكر بصدد بروز اليمين في سياسيات الولايات المتحدىة هذه الأيام أشار تشومسكي ان هذا ببساطة ليس في أميركا وحدها؛ إنما هي ظاهرة عالمية ؛ موردا ارتفاع شعبية الاتجاه القومي العرقي اليميني عبر العالم في حركة نيغل فاراج بالمملكة المتحدة ومارين بن في فرنسا الى حزب (إيه إف دي) بألمانيا ، جير بولسونارو بالبرازيل ، فيكتور اوربان بالمجر والقوميين المتدينين بإسرائيل؛ يقر تشومسكي بذلك ، بينما يتفرد كل بلد بنكهته الخاصة للقومية اليمينة فإن التطرف اليميني يحدث في أنحاء العالم.

يؤكد تشومسكي دور الليبرالية الجديدة قوة تغذي اليمين والسلطوية وسياسيات الفاشية. يشير الى تصاعد اللامساواة وغبن العمال خلال السنوات الأربعين أو الخمسة والأربعين الماضية، معبرة بسطوع عن حرب طبقية مريرة وشرسة" يخوضها الحزبان السياسيان الكبيران بالولايات المتحدة ، لصالح النخب البلوتقراطية ، وضد الأغلبية الساحقة من الأمريكيين ممن يرون اوضاعهم الاقتصادية مجمدة أو تهبط خلال الفترة المذكورة. داخل الولايات المتحدة فرضت نخبة الاحتكارات نظاما اقتصاديا – سياسيا عمل على مأسسة تجميد اجور العمال ومداخيل اسرهم؛ مارس الضغوط على العمال كي يزيدوا إنتاجية جهدهم ، وغذى الهجوم ضد النقابات العمالية، ولم يفعل شيئا لوقف الارتفاع المضطرد لتكاليف الرعاية الصحية وارتفاع نسبة الوفيات، وهذا بدوره زاد من أعداد نزلاء السجون ، مع تداعي الأرباح من هذه الممارسات تراكمت في جيوب الواحد بالمائة من الأثرياء الأميركيين ممن يملكون الاقتصاد ويتحكمون به.

ثقافة الحرب الطبقية وسبل تمويهها

استعان تشومسكي بتقرير صادر عن مؤسسة راند ، أظهر ان عالم البيزنيس بالولايات المتحدة قد شفط خلال العقود الثلاثة الماضية مبلغا إضافيا لا يصدق مقداره 50 تريليون دولار، أضافها الى ثرواته ، وذلك على حساب الطبقة العاملة والطبقة الوسطى وفقراء أميركا . يستخدم تقرير راند لغة أكاديمية مهذبة، وهو يتحدث عن ارتفاع اللامساواة الاقتصادية من عام 1975 حتى العام 2018 ؛ خلال هذه الفترة لم يكن متكافئا " اقتسام نمو الثروات والمداخيل"، وبلا مساواة "ازدادت بمعظم المقاييس " الى ما يقارب 47 تريليون دولار إضافية استولى عليها النخب الأكثر ثراءًا على حساب ال 90 بالمائة من الكسبة .
لغة تشومسكي اكثر مباشرة وحِدّة ؛ يدور حديثه حول كيف أن هذه الحرب الطبقية " فتحت أبواب السرقة الصريحة للجمهور الأميركي" لحساب النخب البلوتقراطية. يرى تشومسكي ان الحرب الطبقية المشتدة بيئة مستوفية الشروط لن يصعد كل ديماغوجي تسلطي الى السلطة، يتسلون على مخاوف وقلق مواطنين ينكشفون اقتصاديا شيئا فشيئا. هذا الديماغوجي – يورد تشومسكي ترامب مثالا- يقول لانصاره انه يحبهم، بينما يطعنهم بالظهر من خلال مزيد من تسعير سياسات الليبرالية الجديدة ، مثل إعادة تنظيم البيزنيس وتخفيض الضرائب على الأثرياء، الأمر الذي لا يكتفي بتغذية اتساع فجوة اللامساواة، بل يفاقم الأزمات البيئية العالمية التي تنبع من ضعف التنظيم في استخراج الوقود الأحفوري. وبأسلوب تشومسكي الكلاسيكي يشير الى سطوة البروباغندا التي لا تصدق، حيث صناعة الوقود الأحفوري تلعب دور " تجار الشك"، يعكرون مياه الخطاب العام فيما إن كان تغير المناخ حقيقة، وبذلك يثلمون اي عمل ربما تتخذه الحكومة حيال هذه الأزمة المتفاقمة. الديماغوجيا من الطراز الترامبي، بنظر تشومسكي ، تلعب اداة في توجيه انتباه الجمهور عن حرب طبقية تشعلها النخبة، وغضب الجمهور يجري تنفيسه من خلال الاستغلال بلا حياء للزر الساخن لقضايا الحرب الثقافية. من بين هؤلاء يدمج تشومسكي حركة انتي ماكسريزم –التي يقول انها " أبادت مئات آلاف الأميركيين .
-
وتكتيك آخر لحرف الانتباه هو ترويج بروباغاندا " الإحلال العظيم" عبر التيار الإعلامي الرئيس داخل الإعلام اليميني للحزب الجمهوري، يصف العمال البيض بالولايات المتحدة بانهم معرضون للهجوم جراء هجرة غير البيض ، خطر يهدد بتحويل البيض الى أقلية . واخيرا يتحدث تشومسكي عن مجهود تسلطي من جانب اليمين الأميركي لشيطنة اي جماعة ذات خبرة قد تتحدى الحزب الجمهوري، وأنصاره البلوتوقراط. هؤلاء موضع الحقد الشديد يضمون صحافيين ، علماء، وأطباء اختصاص وآخرين ذوي مهارات تقنية ممن قد لا يعكسون صوت بروباغاندا الحزب الجمهوري. كما يرى تشومسكي، فالرسالة الموجهة في هذه الحرب ضد الثقافة تزعم " ليس قطاع الاحتكارات هو المذنب" في خداع الشعب الأميركي، إنما هم " نخب الليبراليين" وغيرهم من التيكنوقراط، ممن يفترض فيهم مساندة الحزب الديمقراطي ويعملون ضد الأميركيين العاديين. يرى تشومسكي في تصاعد الحملة ضد أصحاب الخبرات امر مزعج للغاية ، باعتبارها تروج عدم الثقة والعداء والكراهية والعزلة، التي قوضت الجهود لتشكيل حركات اجتماعيىة ديمقراطية تقدمية ، كان بالامكان ان تتصدى لحرب البلوتوقراط في أميركا. احد أهم الدروس التي تركها تشومسكي لدى المستمعين ان تنامي التطرف والبلوتوقراط لم يكن امرا محتما. وإذا أردنا مجتمعا اكثر عدلا علينا ان ننظم ونكافح من أجل مجتمع أكثر عدلا؛ فهو لن يسقط في أحضاننا ، من قبل احدثت حركات اجتماعية تغيرات ، ويمكن ان تعيد الكرة ؛ لكن يتوقف الأمر علينا جعلا الحلم حقيقة.

حين جاء دور الأسئلة وجه احدهم السؤال التالي: ماذا ترى مستقبلا مع ازدياد حدة التوترات والحرب الطبقية ؟ اجاب: يعود الأمر لكم ...".إذا انخرط طرف واحد في الحرب الطبقية تعرف الحصيلة ؛ وإذا انخرط الطرفان فالأمر مختلف تماما". أبرز تشومسكي دورات تغيير حدثت في القرن العشرين ؛ وصف كيف جرى تشتيت نقابات العمال على أيدي إدارة ة وودرو ويلسون وما رافقها من هجمات شنتها الشركات الكبرى في عشرينات القرن الماضي؛ وتدهور الحركة النقابية العمالية سبقت مرحلة من الفقر واللامساواة في الثروة . ومع ذلك ووجهت المرحلة برد فعل شديد من جانب الحركات الاجتماعيىة؛ شرعت النقابات والمنظمات أمثال الاتحاد العام للعمال (إيه إف أل-ي آي أو) تنظم الأنشطة الصناعية وإضرابا ت جلوس . أدت تلك الضغوط ، بالإضافة الى تعاطف إدارة فرانكلين روزفيلت، الى تمرير نيو ديل (برنامج روزفيلت لمكافحة الفقر والبطالة الناجمين عن الأزمة الاقتصادية) ، الذى أرسى القواعد لمؤسسات ديمقراطية اجتماعية، بما في ذلك دولة الرفاه ، تنظيم البيزنيس وحماية العمال. على سبيل المثال ، الأمن الاجتماعي الذي يوفر منافع لعشرات ملايين الأميركيين في الوقت الحالي واحد أكثر البرامج فاعلية ضد الفقر في تاريخ الولايات المتحدة.

حركات السود الديمقراطية

مع ذلك ، نُقِل، عن حديث تشومسكي، لسنا مضطرين للرجوع الى الوراء قرنا من الزمان للعثور على أمثلة لحركات ديمقراطية ناجحة. احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" عام 2020 هي من أكبرها، ان لم تكن أعظم الاحتجاجات في تاريخ الولايات المتحدة. شارك في الاحتجاجات ، حسب التقارير، عدد يقدر ب 26 مليون إنسان؛ وهذا يشكل نسبة 10 بالمائة من عدد اليافعين بالبلاد. جاءت الاحتجاجات سابقة للأمر التنفيذي رقم 14074 الذي غير سياسات استعمال القوة من قبل الوكالة الفيدرالية. كما ادخلت حركة حياة السود تغيرات هامة على الوعي العام ، وأرغمت دوائر الشرطة المحلية على مجابهة تواريخها المضطربة بالعنصرية ، التنميط العرقي وشراسة البوليس. تظهر الأبحاث ان احتجاجات حياة السود مهمة قد نقلت الخطاب العام باتجاه مناهضة العنصرية. كما تظهر تحليلات الميديا الاجتماعية والأخبار تزايد الاهتمام بمفاهيم مثل " السجن الجماعي" ، تفوق العرق الأبيض". تعزز ذلك الاهتمام حتى بعد ذروة الاحتجاجات في صيف 2020 . وبيّنة أخرى تشير الى ان حركة حياة السود مهمة عززت تصورات عن التمييز ضد السود ، واجبرهذا تحول بعض الأصوات عن دونالد ترامب ومرشحي الطرف الثالث الى جو بايدن في انتخابات 2020 .

العنف أداة بيد الأقوياء

ودرس ثان استوعبه الجمهور من حديث تشومسكي ان العنف ليس هو الجواب في مقاومة اتساع فجوة اللامساوة والهجمة ضد الديمقراطية؛ سئل تشومسكي :" هل خطر العنف هو الألية الوحيدة المتوفرة كي نقيم السلم او الثورة التقدمية؟"، وكان الجواب: هل العنف يتغلب على هذه المشاكل؟ ما من سبب لتصديق ذلك؛ اللجوء الى العنف هو تحرك في الميدان الذي يملك العدو فيه التفوق. فإذا كنتم تكتيكيين لا تتحركوا في ميدان يكون الخصم فيه متفوقا؛ الأفضل أن تتحرك في مجال يكون الخصم ضعيفا " . "العدو" المقصود يرجع ، كما يبدو، الى النخبة السياسية –الاقتصادية البلوتوقراطية ، التي شهّر بها تشومسكي في كلمته، كخطر رئيس على الديمقراطية بالولايات المتحدة.

ناقش تشومسكي كيف يستفيد رجال السلطة السياسية من العنف المتعلق بالاحتجاجات لتبرير معارضتهم للحركات الاجتماعية. قدم حركة "حياة السود مهمة" في صيف 2020 مثالا ، مشيرا كيف ان الحركة ، رغم انها لم تكن عنفية كلها، بعض الفئات من المتظاهرين ، وفي حالات معينة، تمرد المحرضون ، نهبوا المخازن، ودمروا ممتلكات. اتخذت بروباغندا الليبرالية اجديدة منها وسيلة للهجوم ؛ منابر ميديا يمينية ، مثل فوكس نيوز، أحب كبار موظفيها التمردات لأنها منحتهم الفرصة لكي يشيطنوا الحركة. وكما وثقت أبحاث عدة فإن فوكس نيوز ربطت باستمرارالتمردات بحركة حياة السود مهمة ، كي يلطخوا سمعة الحركة وأهدافها في العدالة الاجتماعية؛ تصورات تقلل الدعم للحركة ولأهدافها -إصلاح نظام الشرطة.

وعاد تشومسكي يهاجم العنف ك"هدية للعدو"؛ بدلا من العنف يجب ان يأتي التغيير من " التنظيم النشط ومن النشاط". وكما ذكّر المستمعين فإن حركة الحقوق المدنية في ستينات القرن الماضي التي ادت الى تمرير قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حق التصويت عام 1965.استلهم مارتن لوثر كينغ كلا من هنري ديفيد ثوريو والمهاتما غاندي في دعوتهما للاعنف ، واستعملها المبدأ التنظيمي لحركة الحقوق المدنية. في منشوره الصادر عام 1959 بعنوان "التنظيم الاجتماعي للاعنف" انتقد مارتن لوثر كينغ العنف، ووصفه قوة اجتماعية غير جذابة، مجاقعا بذلك عن فكرة ان الدفاع الذاتي مبرر اخلاقيا وقادرعلى اكتساب التعاطف الشعبي . ومع ذلك لم يناد كينغ بمقاومة سلبية أو الاستقالة؛ نادى من اجل " لاعنف كفاحي" ، الضغوط المتواصلة للاحتجاج المدني على شكل مسيرات جماهيرية، مقاطعات، إضرابات جلوس ،وإضرابات. تأييدا لوجهة نظر كينغ وتشومسكي ، تظهر الأبحاث المعاصرة ان حملات المقاومة المدنية تحقق إنجازات سياسية.

العنصرية اداة للهجوم الطبقي

نؤمن ان تشومسكي يقدم فكرة مثيرة ومقنعة بصدد حيوية الحركات الاجتماعية واللاعنف في التغيير. وهو مصيب أيضا في تحديد كيف ان النخب الثرية منشغلة في حرب طبقية تستخدم بروباغاندا ثقافة الحرب. فعندما يستنهض المسئولون الحزبيون قواعدهم بالمضي في نهج خوف الجميع من الجميع وزراعة المخاوف من نظرية العرق النقدية ، والترويج في الصحافة الرئيسة لبروباغاندا "الإحلال العظيم" فإن القواعد الحزبية تغدو شيئا فشيئا راديكالية . تغرق قواعد الحزب الجمهوري في ثقافة الحرب هذه ، على الرغم من انهم ضحايا لحرب النخب الطبقية . وكما وجدنا في معطيات استطلاعنا الوطني، الذي اجراته مؤسسة ماركون التابعة لجامعة ليهاي، فإن حوالي الواحد بالمائة فقط ممن يعرّفون أنفسهم جمهوريين يعرَّفون كطبقة عليا ؛ وفقط 11 بالمائة يعرفون إما طبقة عليا أو الشريحة العليا من الطبقة الوسطى ، يعني انهم يرحبون، من منطلق مهني، بانهم يحتمل ان يكونوا جزءًا من طبقة الاحتكاريين العليا، أو مجموعة الموظفين ذوي القبة البيضاء على حواف طبقة الاحتكاريين العليا. 55 بالمائة من الأمريكيين أعضاء الحزب الجمهوري يعرِّفون انفسهم طبقة وسطى ، مع 26 بالمائة و9 بالمائة يعرفون انفسهم بالتتالي من الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى او من طبقة دنيا. وهذا يعني ان حصة الأسد من 89 بالمائة من منتسبي الحزب الجمهوري، ممن يعرفون انفسهم خارج الطبقة العليا، هم من صنف الناس الذين يحتمل انهم تضرروا جراء ارتفاع درجة عدم الأمان للعمال وتعميق الفروقات الطبقية في حقبة الليبرالية الجديدة. ومع ذلك فهؤلاء الأفراد يعتنقون ثقافة الحرب التي يشنها الحزب الجمهوري وتحرف انتباههم بعيدا عن الهجوم النشط الذي يقوم به الحزب ضد قاعدته.

عنصرية البيض

ولكن هناك ما هو اعظم في الحكاية. فعملنا في مؤسسة ماركون التابعة لجامعة ليهاي يوثق كيف تشكل فرضية التفوق العرقي للبيض قوة اجتماعية تمارس دور سلطة إيديولوجية على الجمهور وضده؛ كانت ولم تزل دوما سلطة مقرة بحقها في بلد عمل تاريخيا على جعل العبودية فكرة مثالية ومارسها فعلا؛ وفيما بعد قوانين جيم كراو(كرست العزل العرقي في ثلاثينات القرن الماضي) ، وتواصل الانخرط في خطاب قومي عرقي يرفع من شان البيض الى حالة مهيمنة. تفوق البيض مستمر منذ امد بعيد ، بأشكال متعددة ،عبر التاريخ الأميركي؛ وعلينا ان لا نحذف هذا العامل الى درجة ثانوية لدى تفسير استمرارية اللامساواة بالمجتمع الأميركي. إن تشومسكي محق بالقول ان العنصرية تستخدم سلاحا لتعزيز الطبقية في العمليات المعاصرة للبلوتوقراط داخل الحزب الجمهوري. غير ان العنصرية تفعل أيضا بصورة مستقلة لتعزيز امتياز البيض وسلطتهم في زمن التنوع السريع في الديمغرافيا بعيدا عن أغلبية قوزاقية (جنس منقرض) تعرف نفسها بانها البيض. في هذه النظام نتحدث عن جمهور فيه – يتوقف على اسئلة الاستطلاع- ثلث الى نصف الأميركيين ، ومعظم الجمهوريين، يؤمنون بصيغة تروج بالميديا الرئيسة لتفوق البيض تقبل بروباغندا الاحلال العظيم ، وتحتفي بتماثيل تحيي عهود العبودية وتركتها، ترفع الهوية البيضاء مثالا للقومية .. اتجاهات مرعبة!
نعم ، نخب الحزب الجمهوري تسعّر هذه القيم الاجتماعية الرجعية عن طريق تترويج بروباغاندا ثقافة الحرب، وهم يركلون قاعدتهم –وأغلبيتها المطلقة ليسوا أثرياء – بالأسنان في القضايا الاقتصادية. لكن هذه وسيلة فعالة بصورة شرسة للسيطرة ، خاصة نظرا للتاريخ المديد لثقافة الخوف وتفوق العرق الأبيض الذي يحدد الثقافة السياسية الأميركية.
نوعام تشومسكي ملهم في الكفاح ضد البروباغندا. أثناء النقاش الذي دار كان يشجع الطلبة على توجيه الأسئلة حول كيف وأين يحصلون على معلومات ، وكيف ومتى التفكير في علاقات السلطة ، وكيف تؤطر الأحداث ومن هم الذين يتولون التاطير ، وماذ يتوقعون ان يكسبوا. عبر هذه العملية الهادفة والانعكاسية نغدو متعلمين نقديين . إن رؤى تشومسكي النقدية تقدم مرشدا لا يقدر بثمن في المساعدة على تطوير الوعي بصدد انعدام المساواة في عالمنا، مسبباتها ، وماذا بمقدورنا عمله بصورة جماعية حيالها .