هنيئا للطبقة العاملة في يومها العالمي برغم افتراس وحدتها


عذري مازغ
2023 / 5 / 1 - 18:51     

لم يعد فاتح ماي كما كان!

هذا ما يقوله مان عايشوا مظاهرات فاتح ماي من الخمسينات حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي:

تراجع الحقوق العمالية بشكل رهيب خصوصا على مستوى الحقوق المكتسبة التي كانت تغطي جانبا من حياة العامل في السكن ، في الصحة، في التعويض عن الطرد التعسفي، في التعويض عن التقاعد والتأمين وفي ضمان شغل دائم من خلال تشريع التعاقدات المحدودة الاجل وغير ذلك.
بخس الانتماء إلى النقابات التي منذ الخمسينات حتى حدود منتصف التسعينات كانت لها مرجعية ثورية ولا ينتمي إليها قطيع يمثل الأحزاب اليمينية الذي تشكل مع تشريع ما يسمى بالتعدد النقابي الذي بدوره أسس لأن يكون لكل حزب ذيل نقابي لتكبر المزايدات حول الملفات المطلبية ..
بشكل لا شعوري أصبح العامل يفرح بالتضخم المالي الذي في واقع الأمر لا يكفيه حتى لتغطية أبسط شروط حياته، فالرقم المالي (الأجر اليومي) أصبح موضة للافتخار أكثر من كونه رقما يغطي تكاليف حياته البسيطة وهذا ببساطة ما وظفته النقابات الذيلية لإفراغ المحتوى النضالي النقابي من القيم التي أكتسبها الجسم العمالي إبان نضالات الستينات والسبعينات والثمانينات حتى زمن بداية تشريع الهدم لهذه المكتسبات، جاء التعدد بتنوع المطالب التافهة ظاهريا لكن في العمق برزت ليبيرالية العمل لخلق نوع من الفردانية العمالية عوض الفعل الجماعي: خلق نموذج العامل "الثوري" الفردي الحر الذي يعمل حين تضرب الجماعة ويحتج وحده حين لا تروقه الأمور من خلال الاستناد إلى المحاكم الاجتماعية (أو الاقتصادية لا ادري ما سمها في كل بلد) التي وبطرق معقدة من خلال لا نزاهة القضاء اصبح للحزب قوة التدخل، خصوصا في اوربا التي برغم نزاهة القضاء نجد للقاضي حرية الانتماء الحزبي وعليه حتى التركيبة الهيكلية للغرف العدلية تتشكل أساسا من موظفين متعددي الانتماء كما في الغرف التشريعية بشكل نجد التاثير الحزبي على هذه القرارات (قضية بارسيناس في إسبانيا المسؤول عن الاختلاسات المالية في الحزب الشعبي الإسباني الذي من خلال تورطه فيما يعرف بحساب B ما يعني وجود مالية موازية لمالية الحزب تتشكل من مساهمات مالية غير مراقبة وغير مؤدى عنها للضرائب من لوبيات مالية معينة) هذه القضية وإن أضحت واضحة وتورط أيضا رئيسين حكومين على الأقل لنفس الحزب إلا ان القضية بسبب التاثير الحزبي حوصرت في كبش ضحية هو هذا السيد الذي يسمى بارسيناس. وضعت هذا النموذج لفضاحته التي تصلنا نحن في المغرب من خلال الاعلام الغربي الذي يتناول فقظ كبش الضحية للتعبير عن نزاهة القضاء بينما في العمق هناك إشكال النزاهة القضائية بشكل كبير في كل اوربا وعلى سبيل المثال واعود هنا إلى الحقل النقابي موضوعنا، ومن خلال عملي النقابي في ألميريا حيث العقود القصيرة الاجل أو المحدودة الأجل تخل بعملنا النقابي في تعطية دفاعنا قضائيا عن العامل خصوصا حين يتعلق الأمر بالطرد التعسفي أو بحوادث الشغل، لكن قبل هذا يجب التطرق إلى معطيات خاصة في هذا المجال الذي عملت فيه شخصيا:
في ألميريا وحدها هناك أكثر من 30 الف عامل وعاملة من المهاجرين، نسبة مهمة منهم بدون اوراق التسوية وتعمل من خلال سوق العمل السوداء وتشكل عقدة كبيرة في وحدة الصف العمالي المفترضة: هي فئة منافسة للعمالة المحلية من جهة وللعمال المهاجرين في وضعية التسوية وحق الشغلوهي الفئة المفضلة لدى ارباب الشغل: رخيصة ولا يؤدى عليها بخصوص الحقوق الموازية للتشغيل من سكن وتغطية صحية وتامين التقاعد وغيرها من الامور المرتبطة بالعمل، هذه الفئة لا تدخل في إحصائيات مؤسسات الشغل (نقصد بهذا الكلام لا توضع كرقم ضمن الإحصاء العام لعدد العمال، لكن ضمنيا يعترف بوجودها ضمن مؤسسات الصحة، التعليم، الإسكان، الامن ويعترف بها قضائيا من حي ظاهريا يمكن لعامل بدون اوراق تسوية تسجيل دعوة قضائية في حادث شغل أو حين يمتنع صاحب العمل من اداء أجوره وهي امور تتجل صعوبتها في إثبات العمل من خلال شهود إما بسبب الوضعية اللاقانونية للعامل ولشهوده نفسهم او خوفا من الطرد بالنسبة لشهود بأوراق رسمية (الاقتضاء في إسبانيا مسموح حتى بالنسبة لعديمي الوثائق الرسمية).
في ألميريا دائما، حتى العمال في حالة التسوية القانونية هم ايضا ضحية وجود سوق سوداء عارمة لليد العاملة حن خلال الإلتفاف على حقوقهم الموضوعية في الاجر وفي التغطية من الضمان الإجتماعي وعلاقته بمنح البطالة وغيرها وفي الساعات الإضافية للشغل (أغلب المشغلين لا يحتسبونها).
يتم الإلتفاف حول هذه الحقوق بالطرق التالية:
الحد الادنى للأجر اليومي القانوني (المشرع) هو في حدود 48 إلى 50 يورو في ساعات العمل اليومي لكن في الواقع يحصلون على 30 إلى 38 يورو، يلتفون عليها من خلال نقص عدد أيام الشغل في الشهر بما يتناسب مع الأجر المحصول عليه..
مثلا إذا كان عدد أيام الشهر 25 يوم فإن مجموع الأجر المحصل عليه بشكل قانوني إذا اعتبرنا الحد الأدنى للأجر اليومي 50 يورو هو 1250 يورو
لكن أغلب العمال لا يحصلون على هذا الرقم حتى لو عملوا 25 يوم، يتم الاتفاف من خلال ورقة كشف الرواتب، العامل هنا لا يناقش الاجر لأنه من خلال سوق العمل هو مثلا 35 يورو، سيتلقى العامل ذي وضع قانوني 875 يورووهو الرقم في كشوفات الرواتب بانتقاص عدد ايما العمل بما يتناسب مع هذا الأجر 875 اكثر من هذا يمكن ان يتلقى في كاشف الراتب 250 يورو بما يناسبها من عدد الأيام، ويحصل على الباقي بالدفع المباشر(en efectivo) وهنا يقع الالتفاف حول حقوق أخرى لها علاقة بالتقادم والتعويض حين يحصل طرد تعسفي وبالتقاعد ومنحة البطالة وكذلك حق الاقدمية التي تحول العامل من عامل بعقود محدودة إلى عامل دائم ورسمي..
حتى في الحالات القضائية التي نعالج من خلالها بعض الملفات من حوادث الشغل اوطرد تعسفي وهنا اعود إلى مسألة نزاهة القضاء، في القضايا هذه لدينا بالميريا ثلاثة قضاء واحد منهما في صف العمال واثنين في صف الباطرونا وهو امر يزكي النفور من العمل النقابي، نفترض ثلاث ملفات لعمال من نفس الشركة ونفترض اننا وضعنا ملفاتهم لد الهيأة القضائية، الملف الذي سيحصل على تعويض مهم هو الملف الذي سيقع في يد القاضي المصطف إلى جانب العمال اما القضاة الآخرين فسيحكمون وفق بيانات كاشف الرتب وبيانات إدارية اخرى كالضمان الاجتماعي (التامين الإجتماعي، أعتقد هكذا يسمى في إسبايا)، ينتج عن هذا التفارق سوء فهم بالنسبة للعمال وقد نتهم بالعلاقات الزبونية مع الصديق الذي نال تعويضا مهما)، القاضي جانب العمال يعتمد في احكامه آليات أخرى، إذا كانت كشوفات الرواتب تضم أياما قليلة، يسأل الباطرون مثلا كم عدد الهكتارات التي يزرعها، نوع المنتوج (الطماطم مثلا تفرض عملا يوميا ليس كالبتيخ) ليستنتج في الآخير حقيقة بيان كشوفات الرواتب.
ينجم عما سبق هروب اليد العاملة المحلية والإمتناع عن العمل في الشركات التي فيها عمال مهاجرين، او العمل معهم بشروط ميزية تضمن لهم حقوقهم دون الفصح عنها للعمال المهاجرين (الميز العنصري في الشغل والتشغيل).
أمور أخرى تقتل العمل النقابي في التجربة الألميرية منها الحوافز المالية البنكية: السلفات البنكية بضمان عقود التشغيل خلقت من العامل اغتراب ذاتي عن طابعه الهوياتي كعامل، بتلك السلفات الطويلة الأمد او المحدوة يمكن ان يشتري شقة وعربة تعطيه الإحساس بانه غير بروليتاري وهذا ربما سيلاحظه الجميع سواء تعلق الأمر بالمهاجر المحلي (فراغ النقابات من العمال وهذه الملاحظة سأثيرها فيما بعد وبتدو عند العامل المهاجرعند عودته إلى بلده من خلال مظاهر الرفاه التي يحاولون إصالها لذويهم في بلدانهم). أثرت فراغ النقابات من العمال وقد يبدوا هذا غير منطقي:
لا ينخرط العامل في النقابة إلا عند حادثة شغل، مرض مهني، او مرض أثناء الشغل نتج عنه غياب وانكره المشغل رغم الشواهد الطبية، طرد تعسفي، طرد جماعي بسبب احتجاج غير مؤطر نقابيا، (يحتاج محامي ومدافع عنه والمحامي النقابي هو الأرخص وهو المراقب بسبب تعاقده مع النقابة، المحامي الخاص وهو منافس بالفعل قد يبيع القضية لصاحب الشغل) وايضا وخصوصا المهاجر، ينخرط لأجل الخدمات الإجتماعية التي تقدمها النقابة بخصوص أمور أخرى اجتماعية لا علاقة لها بالعمل، مثل مساعدتهم في مكاتب الهجرة.
من الصعب تنظيم إضراب عمالي في شركة ما إلا إذا كان هذا الإضراب جاء نتيجة إفلاس مزمن للشركة، بمعنى ليس لد العمال جهة يتجهون إليها وهنا حتى وجود النقابة معهم ليس أكثر من أمر رمزي، تحصيل حاصل، ضمان تعويض خاص من الصندوق الأسود (صندوق احتياطي شرعته الدولة للتعويض في حالة الإفلاس التام يستقيد المتضررون منه بنسبة 75% مما ستحكم المحكمة به لصالحهم)
تظاهرات فاتح ماي من خلال تجربتي: نستعد لها شهرين قبل أوانها من خلال تجمعات هنا وهناك، من خلال تنسيقيات مع هيآت اجتماعية وجمعوية أخرى، نوفر النقل المجاني، وفي فاتح ماي كأنك تسوق الدجاج إلى السوق، تعود حافلات النقل شبه فارغة واغلب الحاضرين هم من لهم ملفات حديثة مع النقابة وطبعا لا يعول كثير على الحشود المهاجرة رغم كثرتها حيث مظاهراتنا تتم بالتنسيق مع نقابات متشابهة وقريبة لنا أيديولوجيا وتتشكل من يساريي المنطقة وهذا ايضا يشكل نفورا متزايدا من العمال المهاجرين، عدم حضورهم المكثف يعني غياب الوعي النضالي الحقوقي والوحدوي لدى الطبقة العاملة المهاجرة ولأسباب أخرى ذكرنا بعضها غياب حتى الطبقة العاملة المحلية والغياب هذا ناتج عما هو ذاتي (ازمة في البناء النقابي نفسه) وما هو بالطبع موضوعي.
ملاجظة: تجربتي هذه لها علاقة بعمال الزراعات المكثفة (زراعة المشاتل البلاستيكية)