الإتحاد الأوروبي وريث الإستعمار والعنصرية


الطاهر المعز
2023 / 5 / 1 - 18:48     

الثروة والسلطة السياسية في خدمة الصهيونية – نموذج رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين
بعثت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خطابًا مُسجّلاً على شريط فيديو، إلى رفاقها من مجرمي الكيان الصهيوني، بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لاحتلال فلسطين من قِبَل المُستعمرين المستوطنين الصهاينة الذي أعلنوا إنشاء دولة على أرض فلسطين، وتجاهلت أرسولا فون دير لاين، كما جل السياسيين في الإتحاد الأوروبي، وفي ألمانيا بشكل خاص، الشعب الفلسطيني، بل هلّلت "للحُلْم (حُلْم الحركة الصهيونية) الذي تحقَّقَ قبل 75 عاما بإقامة دولة إسرائيل، حيث وجد اليهود أخيرًا موطنهم في أرض الميعاد... اليوم ، نحتفل بمرور 75 عامًا على الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط ، و 75 عامًا من الديناميكية والإبداع والابتكارات الرائدة. لقد جعلتم الصحراء تزدهر بالمعنى الحرفي للكلمة، كما رأيت بأم عيني خلال زياراتي للنقب العام الماضي (2022)... نحتفل أيضًا بمرور 75 عامًا على الصداقة بين إسرائيل وأوروبا، فنحن نتشارك العديد من الأشياء: الثقافة والقيم والروابط العميقة التي مَتَّنَتْ أواصر الصّداقة بين أوروبا وإسرائيل. استقلالكم هو استقلالنا ..."
نسبت رئيسة المفوضية الأوروبية لنفسها الخطاب الصهيوني الكاذب ( جعلتم الصحراء تزدهر) مثل معظم (أو كل) السياسيين الألمانيين الذين يحاولون التكفير عن ذنوب أجدادهم، الذين قمعوا المواطنين الألمان من ذوي الدّيانة اليهودية، على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، مُتجاهلة (ومتجاهلين) طبيعة المشروع الاستعماري الصهيوني، الذي دعمته الإمبريالية البريطانية، والذي تجسّد في مصادرة الأراضي ونزع الملكية وتدمير 532 قرية وتهجيرحوالي 800 ألف فلسطيني، وبذلك يُكون الخطاب الذي سجلته أرسولا فون دير لاين باسم الإتحاد الأوروبي، قد جرّد الشعب الفلسطيني من وطنه ومن إنسانيته، فإنشاء الكيان الصهيوني شكّل نكبة شارك في إعدادها وتنفيذها جنود من 37 جنسية، وشكل كارثة للشعب الفلسطيني الذي تم طَرْدُهُ من وطنه وإحلال مُستعمرين مكانه، جاؤوا من مائة بلد...
تَبَنّت أرسولا فون دير لاين هذا الخطاب الدعائي الذي يُزيف التاريخ ويمحو تاريخ وحقوق الشعب الفلسطيني وتبنّت (باسم الإتحاد الأوروبي ومئات الملايين من المواطنين الأوروبيين) الرواية التي تنكر وجود الشعب الفلسطيني وتنكر وجود فلاحة مزدهرة ونشاط صناعي وتجاري في فلسطين قبل الإحتلال، ويتنزل هذا الخطاب ضمن الإيديولوجيا الإستعمارية الأوروبية ومنطقها العنصري الذي عَبَّرَ عنه منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ( جوزيب بوريل ) الذي ألقى خطابا، في تشرين الأول/اكتوبر 2022، شبّه فيه أوروبا بالحديقة المُزهرة والمُثمرة، وبقية العالم بالغابة المتوحشة، وما ادّعاء أن الصهاينة حولوا الصحراء القاحلة إلى حديثة غنّاء سوى ترديد للدعاية الصهيونية، سليلة الدّعاية الإستعمارية التي يريد جوزيب بوريل وأرسولا فون دير لاين إحياءها ومحو تاريخ وثقافة وحضارة الشعوب غير الأوروبية ومن بينها تجاهل "النكبة" وطرد أكثر من 800 ألف فلسطيني أو أجبارهم على ترك منازلهم.
تنْبَعُ مواقف السيدة فون دير لاين من انتمائها لليمين الألماني ومن قناعاتها الإستعمارية والعُنصرية، وكذلك من أُصُولها الطبقية الأرستقراطية التي تُذَكِّرُ بها الفقرات الموالية.
عداء ألماني وأوروبي مُتأصِّل
سبق أن ندّدت رئيسة المفوضية بالمقاومة الفلسطينية التي تَرُدُّ أحيانًا على القصف الجوي والصاروخي الصهيوني ببعض الصواريخ البدائية، ولم يسجل التاريخ أي تنديد أو استنكار أو لَوْم صدر عن رئيسة المفوضية الأوروبية بشأن المجازر الصهيونية والإغتيالات اليومية، والإعتقالات وتدمير المنازل والأحياء وغيرها من الأساليب الإستعمارية التقليدية والمُحْدَثَة، وعلى سبيل المثل نشرت أُرسولا فون دير لاين يوم الجمعة 14 أيار/مايو 2021 بيانًا يُدين "الهجمات "العشوائية" (التي تنفذها حماس) ، وتتحدث عن وجوب "حماية المدنيين " الصهاينة، كما أدانت المستشارة الألمانية السابقة "أنغيلا ميركل" "الهجمات الصاروخية على إسرائيل والحوادث المعادية للسامية في ألمانيا... لن تتسامح ديمقراطيتنا ( الموروثة عن النازية؟) مع التجمعات المعادية للسامية "، وتلا هذه التصريحات رَفْع علم الكيان الصّهيوني فوق مبنى حزب المُستشارة "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، في إشارة إلى التضامن مع الدولة الصّهيونية، واعتبار الشعب الفلسطيني خَصْمًا (أو عدوًّا) لألمانيا وللإتحاد الأوروبي بحسب تصريحات فون دير لاين وبوريل وغيرهما.
تذكر بعض البيانات الأوروبية أحيانًا ضرورة "وضع حدّ للعنف"، وبذلك تتم وضع المُعتدي والمُستعمِر، والمُعتَدَى عليه، والواقع تحت الإحتلال، على قدم المساواة، لكن لم تندّد حكومة ألمانيا ولا الإتحاد الأوروبي بقصف الكيان الصهيوني وتدميره مبنى كان يتواجد به مراسلو الصحافة الدولية في غزة، ونسيت أوروبا وألمانيا التّذكير بضرورة " ضمان سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام..."
الأُصُول الطبقية لأرسولا فان دير لاين
وُلِدَت أورسولا فون دير لاين سنة 1953، عند تأسيس ألمانيا الغربية كقاعدة أمريكية وأطلسية، وكان والدها الوزير رئيس ساكسونيا السفلى، وهو منصب مهم للغاية. درست في كلية لندن للاقتصاد، كما درست الطّب وتخرّجت طبيبة بعد سبع سنوات من الدّراسة، وإنجاب مع زوجها الطبيب والثّرِي أيضًا، سبعة أطفال، واشتغلت في كلية هانوفر الطبية، كطبيبة ومساعدة أبحاث هناك، براتب قدره خمسة آلاف يورو، في بداية القرن الواحد والعشرين.
وورثت، مع إخوتها الستة عن عائلتها الأرستقراطية الثروة والإيديولوجيا "المُحافِظَة" والنشاط السياسي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني اليميني، وشغلت عدة مناصب وزارية من 2005 إلى 2019، بعد نشاط حزبي لمدة 16 سنة، ولم تُخْفِ أبدًا أفكارها الاستبدادية للغاية وقربها من اليمين المتطرف، وأدّى بها الطُّموح السياسي إلى رَفْض منصب وزارة الصّحّة ( والطب من اختصاصاتها)، سنة 2013، وطالبت بوزارة الحرب وحصلت عليها إلى غاية سنة 2019، عندما أصبحت رئيسة المفوضية الأوروبية.
انتُخِبت لعضوية برلمان ساكسونيا السفلى سنة 2003، وكانت الوزيرة الأطول خدمة في حكومة أنغيلا ميركل، من 2005 إلى 2019، براتب قدره 15 ألف يورو شهريًا، ووصل منذ سنة 2009 إلى 19 ألف يورو شهريا، بعد انتخابها لعضوية البوندستاغ، ولدى فون دير لاين وزوجها وأطفالها السبعة منزل كبير بالقرب من هانوفر، كما يمتلكون خيولًا ومزرعة في بورغدورف، وأسس زوجها الطبيب "هايكو فون دير لاين" شركة للتكنولوجيا الحيوية تعمل في مجال الأبحاث حول الأعضاء الاصطناعية والخلايا الجذعية، وهو ينتمي إلى عائلة من النُّبَلاء، تضخّمت ثروتها من تجارة الحرير ثم من التجارة الدّولية.
زادت ثروة رئيسة المفوضية الأوروبية بفعل الصفقات المشبوهة التي عقدتها ( هي وزوجها) باسم الإتحاد الأوروبي لشراء مليارات الحُقنات من لقاح كوفيد – 19، كما زادت ثروتها من حرب أوكرانيا، ما وسَّعَ رُقعة المُشكّكين في شرعيتها.
تحصل السيدة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على راتب جيد، ساعدها على رفع ثروتها الصّافية الخاصة إلى حوالي ثلاثة ملايين يورو بنهاية 2021، بحسب مجلة فوربس، وفي حزيران/يونيو 2022 ، قَدّرت صحيفة تايم الإنغليزية أن راتبها الشهري حوالي 33400 يورو، بالإضافة إلى 28460 يورو بعنوان حوافز ومِنَح غير خاضعة للضريبة، وذكرت صحيفة "إيكونوميست" أنها زادت راتبها في كانون الأول/ديسمبر 2020، بنحو 560 يورو، نقلا عن النائب الإيطالي بالبرلمان الأوروبي، أنطونيو ماريا رينالدي، وكشفت صحف بلجيكية وإيطالية، صيف 2022، الزيادات في رواتب أورسولا فون دير لاين، ثم تسربت أخبار عن ارتفاع راتبها (بأمر منها) في تشرين الأول/اكتوبر 2022 بنسبة 8,5% بعنوان تدارك نسبة التضخم، ولم يحصل الموظفون الآخرون سوى على نسبة تتراوح بين 2,4% و 4,4%، وكذّب الإتحاد الأوروبي محتوى هذه التسريبات
كتبت مجلة فوربس الأمريكية المُختَصّة في متابعة ثروة أثرى الأثرياء، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2022، "احتلت أورسولا فون دير لاين المرتبة الثامنة في قائمة فوربس لأكثر 100 امرأة نفوذاً في العالم. هذا العام، واحتلت المركز الأول للداعمين لأوكرانيا"، حيث نشطت بشكل مستمر، يفوق الحكومة الأمريكية أحيانًا، من أجل حظر معاملات المصرف المركزي الروسي على الأراضي الأوروبية وإغلاق فضاء الاتحاد الأوروبي أمام الطائرات الروسية وحظر وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الروسية أو المساندة لها، وكانت أكبر مسؤول في الاتحاد الأوروبي يزور أوكرانيا ويلتقي بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، في أيار/مايو 2022، وبادرت بطرح مجموعة جديدة من العقوبات الأكثر صرامة على روسيا، تضمنت الحظر الشامل على النفط الخام الروسي، وكان هذا الإجراء صعب التطبيق وأضرّ باقتصاد العديد من الدّول الأوروبية وفي مقدّمتها ألمانيا، وفي الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر 2022، دعت أورسولا فون دير لاين إلى إنشاء "محكمة خاصة للتحقيق في جرائم الحرب الروسية ومحاكمة المسؤولين عنها" (ولا ترى هذه الجرائم في فلسطين المحتلة واليمن وسوريا والصومال وغيرها)، ونالت أورسولا فون دير لاين الثناء من "مجلس العلاقات الخارجية" (مركز أبحاث أمريكي، شبه رسمي) ويتوقّع أن تُكافِئها الولايات المتحدة بترشيحها لتكون الأمينة العامة المقبلة لحلف شمال الأطلسي، كما منحتها مؤسسة بيل ومليندا غيتس جائزة عالمية بسبب تخصيصها 800 مليار دولارا من المال العام صيف سنة 2020، "لمساعدة أوروبا على التعافي من وباء كوفيد-19"، وظهر فيما بعد إنها وقّعت (مع زوجها) صفقات مشبوهة وفاسدة مع فيزر، واستفادت هي وزوجها ماليا من هذه الصفقات فيما بقيت مليارات الجرعات من الحُقن غير مستخدمة حتى فات أجل استخدامها...
لم يتم اكتشاف فحوى المفاوضات التي أجرتها أورسولا فون دير لاين وزوجها (طبيب وغني أيضًا) باسم الإتحاد الأوروبي، مع شركة فايزر على صفقة لشراء لقاحات كوفيد-19، سوى سنة 2021، وقبل ذلك، في 24 حزيران/يونيو 2020، بثت قناة "فرنسا الثقافية" إحدى الإذاعات الفرنسية العامة بعضًا مما نشرته المُعارضة الألمانية عن مسؤولية أورسولا فون دير لاين في فضيحة كلفت وزارة الحرب الألمانية التي ترأستها ما لا يقل عن مائة مليون يورو (دون رقابة ولا تحقيق) لدفع رواتب المستشارين والمقاولين الفرعيين الآخرين، منهم جماعات الضغط، قبل مغادرتها الوزارة لتترأس المُفوّضية الأوروبية في بروكسل، وفق صحيفة "فوكس" الأسبوعية بتاريخ 24/06/2020 التي استندت إلى تقرير كتبه نواب من المعارضة الذين شاركوا في لجنة التحقيق البرلمانية في هذا الشأن، والذي حاولت أوروسولا فون دير لاين عرقلة إنجازه ونشره لأن لديها مصالح مع جماعات الضغط التي تدافع عن مصالح الشركات الكبرى في قطاع التسلح، وفق صحيفة بوليتيكو، وكذلك صحيفة سود دويتشه تسايتونغ...