الطبقة العاملة اليمنية وحركتها النقابية خلال الفترة (1939-2022): التحولات ورهانات المستقبل


عيبان محمد السامعي
2023 / 4 / 30 - 18:54     

فصل من كتاب:
إشكالات الواقع اليمني:
الثورة الشعبية، الحرب..
الهوية الوطنية، وبناء الدولة
الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر
يناير 2023

//////////////////////////////////////////////////////



الإهـــداء إلى:
الإنسان، المناضل المُلهم، الأستاذ علي عبدالفتاح..
إليه مع باقة من الورد والود والمحبة..

//////////////////////////////////////////////////////


المحتويات:
الإهداء............................................................................................... 7
مُفتتح................................................................................................. 8
المبحث الأول: مدخل نظري.......................................................................10
(أ-1) جدل الطبقات والطبقة العاملة في البلدان النامية، ومنها اليمن:.....................10
(أ- 2) مفهوم النقابة العمّالية (Trade --union--):.........................................22
(أ- 3) نشوء النقابات العمّالية وتطوّرها:.....................................................24
المبحث الثاني: تحولات الطبقة العاملة والحركة النقابية خلال الفترة (1938-2022).....27
(ب – 1) تشكُّل الطبقة العاملة اليمنية:.......................................................27
(ب – 2) ولادة الحركة النقابية اليمنية، وسيرورتها (1950 – 2022):...............32
أولاً: النقابات العمّالية في الشطر الجنوبي (1950 – 1990):...........................33
تشكيل مؤتمر عدن للنقابات:...................................................................38
المؤتمر العمّالي أمام مُفترق طرق.. وبروز النقابات الست:.................................44
الحركة النقابية الجنوبية فيما بعد الاستقلال، وحتى قيام الوحدة:...........................48
دور التيار الماركسي في تثوير وعي الطبقة العاملة، وفي النضال الوطني: ...............50
ثانيًا: النقابات العمّالية في الشطر الشمالي (1961 – 1990):...........................54
الاتحاد العام لعمّال اليمن في مجرى النضال الوطني العام:..................................55
المزيد من القمع السلطوي.. والمزيد من المقاومة العمالية:................................58
ثالثًا: الحركة النقابية في اليمن الموحّد (1990 – 2022):...............................60
حرب 94م، وتداعياتها الكارثية على الطبقة العاملة، وكيانها النقابي:.....................65
متغيرات جديدة وانتعاش الآمال:...............................................................70
ثورة 11 فبراير الشعبية.. والفرص المهدورة:..............................................73
الحرب الجارية.. وتداعياتها الكارثية على عُمّال وشَغِيلّة اليمن:............................77
المبحث الثالث: عقبات على الطريق:.............................................................80
(ج - 1) التركيب الاجتماعي للطبقة العاملة اليمنية:.........................................80
(ج - 2) بعض قضايا، ومشكلات الطبقة العاملة اليمنية:....................................81
الاستثمار الأجنبي والعمالة الأجنبية:..........................................................93
ظاهرة تشغيل الأطفال.. جريمة بحق الطفولة:................................................96
المرأة العاملة.. معاناة مريرة:................................................................99
تشريعات العمل.. قصور النص، واختلال الممارسة:.......................................104
ضعف الوعي الطبقي:........................................................................110
المصادر والمراجع:...........................................................................116


//////////////////////////////////////////////////////



مُفتتح:
مع عودة الآمال العريضة بتدفق الموجة الثانية لحراك الشعوب العربية، بدأت تتجه الأنظار أكثر إلى دور العمّال في هذا الحراك، ولقد سجّلت الثورة السودانية طلوع نجم كيان عمّالي "تجمع المهنيين" الذي أثبت جدارة منقطعة النظير.
لم يكن هذا الدور إلا امتدادًا أصيلًا للدور الطليعي الذي خاضته الطبقة العاملة في غمار ثورات الشعوب العربية منذ أن أقدم "البوعزيزي" العامل التونسي الكادح على إحراق جسده في 17 ديسمبر 2010م احتجاجًا على ما حاق به من ظلم، فأحرق بذلك نظمًا سياسية متسلّطة، ومرتهنة، وفتح مسارًا تاريخيًا لا يزال يختمر حتى اللحظة.
في اليمن كان للطبقة العاملة دور هام في مجرى الحراك الشعبي عام 2011م، وهو دور ينسجم مع طبيعتها الحداثية، وموقعها في نظام الإنتاج الاجتماعي، وحجمها الوازن في الخريطة الاجتماعية والديمغرافية للمجتمع اليمني، وينسجم أيضًا مع تاريخها النضالي الذي يمتد زُهاء 80 عامًا، حيث ساهمت بقسطٍ وافرٍ في مختلف المحطات التاريخية لبلادنا؛ بل مثلت في مراحل معينة طليعة النضال الوطني والتحرّري، ووقوده الحارق في سبيل حرية اليمن، ووحدته، وتقدّمه الاجتماعي.
تفتقر المكتبة اليمنية لدراسات علمية شاملة للطبقة العاملة، وحركتها النقابية، ونضالاتها، وقضاياها. وما هو متوفر لا يعدو عن بضع كتابات انطباعية، أو توثيقية لفترات محددة، لاسيما فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين.
من هنا، تأتي أهمية هذه الدراسة التي تتناول بمبضع التحليل السوسيولوجي الطبقة العاملة والحركة النقابية في اليمن، وتحوّلاتها خلال الفترة (1939 – 2019م)، وتشمل أربعة محاور، هي:
المبحث الأول: مدخل نظري: يعالج مسألة التركيب الطبقي للبلدان النامية ومنها اليمن، ويُحاجِج مختلف التصوّرات السائدة تجاه هذه المسألة الشائكة، بين من ينكر وجود طبقات اجتماعية ومنها وجود الطبقة العاملة في البلدان النامية، ومن يؤكد على وجودها، والموقف من ذلك.
كما يقدّم تسويغًا اجتهاديًا لاستخدام مصطلح "الطبقة العاملة" التي تشمل سائر العمّال بمن فيهم شريحة العاطلين عن العمل.
ويتطرّق بإيجاز لمفهوم النقابة، ونشوئها وتطوّرها التاريخي.
المبحث الثاني: يُلقي أضواءً كاشفةً على الحركة النقابية اليمنية خلال الفترة (1939 – 2019م) وتحوّلاتها: وثباتها، وانتكاساتها.
المبحث الثالث: عقبات على الطريق: ويتناول أبزر التحدّيات والمشكلات التي تواجه الطبقة العاملة اليمنية، وفي مقدّمتها: البطالة، والفقر، وتدهور الأجور، والهجرة، وقصور التشريعات العمّالية، والقيود المفروضة على العمل النقابي، وغياب الحريات النقابية، وعمالة الأطفال، وأوضاع المرأة العاملة، ومظاهر، وأسباب ضعف الوعي الطبقي، وغيرها.

المبحث الأول
مدخل نظري

(أ-1) جدل الطبقات والطبقة العاملة في البلدان النامية، ومنها اليمن:
تعد موضوعة التركيب الطبقي للمجتمعات النامية (Class Structure Of Less Developed Countries "LDCs") من أكثر الموضوعات تعقيدًا، وإثارة للجدل في الدراسات السوسيولوجية، وقد انقسم الباحثون، والمشتغلون في الحقل السوسيولوجي إزاءَها إلى عدة مذاهب وفرق:
الفريق الأول: يُنكر بإطلاق وجود طبقات، ومنها وجود طبقة عاملة في البلدان النامية، ويسلّم بــ"استثنائية" هذه المجتمعات، مُستدلًّا بهيمنة البنى العشائرية، والطائفية، و"إعاقتها" لتشكُّل الطبقات الحديثة.
الفريق الثاني: يؤكد على وجود طبقات، لكنه ينطلق من منظور دوغمائي، ميكانيكي في توصيف التركيب الطبقي للمجتمعات النامية، وأسير للمقولات الكلاسيكية، دون أخذ التطوّرات الحاصلة في العالم وخصوصية المجتمعات النامية بعين الاعتبار.
الفريق الثالث: قدّم مقاربات عديدة، وعلى الرغم من أنه حاول ملامسة التفاوت الاجتماعي في المجتمعات النامية، لكن يحاذر وبشكل مُبالغ فيه من استخدام مصطلحات الطبقة، والطبقات الاجتماعية، ويستعيض عن ذلك بمصطلحات من قبيل: الفئات/ الشرائح/ الجماعات الاجتماعية.
وبرأينا المتواضع أن خللًا منهجيًا مركّبًا "ذا ثلاثة أوجه" يقع فيه هؤلاء الباحثون على اختلاف مذاهبهم:
الوجه الأول لهذا الخلل يكمن في:
الاستناد إلى نموذج مرجعي النموذج الأوروبي للحكم على وجود الطبقات أو إنكار وجودها في البلدان النامية.
بعبارة أخرى: يتم إضفاء المعيارية القياسية على البنية الطبقية للمجتمعات الأوروبية، ومن ثمّ مقارنتها بشكل آلي ببنية المجتمعات غير الأوروبية، دون طرح إمكانية صياغة نموذج/ نماذج بديلة تأخذ بعين الاعتبار خصائص المجتمعات غير الأوروبية وبما يعكس حقيقة واقع الاستغلال والفوارق الطبقية السائدة فيها.
والوجه الثاني يتمثّل في:
الإغفال عن حقيقة بديهية مُؤدَّاها: إنّ نشأة الطبقات الاجتماعية تعود إلى مرحلة مبكّرة من التاريخ الإنساني، فالنُظُم ما قبل الرأسمالية عرفت تراتبًا طبقيًا: طبقة العبيد، وطبقة الأسياد في النظام العبودي، وطبقة الفلاحين الأقنان، وطبقة النبلاء في النظام الإقطاعي.
وبالمناسبة فإن مصطلح "الطبقة الاجتماعية" (Social Class) ضارب في القدم، فقد أصبح متداولًا منذ أن ظهر القانون العمومي الروماني الذي يقسّم المواطنين إلى طبقات جبائية. كما استخدم الاشتراكيون الطوباويون "الطبقات" في دراساتهم عن الملكية، والعمل، والحقوق، والمصالح السياسية.( )
والوجه الثالث يقوم على أساس:
الخلط بين مفهومي الطبقة والوعي الطبقي، فالكثير من الباحثين يشترط الإقرار بوجود طبقة بامتلاكها وعيًا طبقيًا، وتنظيمًا اجتماعيًا واضحًا. ويتناسى هؤلاء أن وجود الطبقة سابق على اكتساب وعيها وانتظامها، "فالوجود الاجتماعي يسبق ويحدد الوعي الاجتماعي".
إن الماركسية بوصفها علم الصراع الطبقي قد ميَّزت وجود الطبقة في حالتين اثنتين:
الحالة الأولى: الطبقة في ذاتها، وهي الطبقة القائمة موضوعيًا بغض النظر عن وعي أعضائها بوجودها كطبقة.
الحالة الثانية: الطبقة لذاتها، وهي تلك التي تتصرّف، وتمارس نشاطها، وهي واعية بتركيبتها كطبقة.
ويقدّم د. عصام خفاجي تدليلًا على صحة ذلك، فيقول: إن الطبقة البرجوازية التي شكّلت العالم المعاصر، وقادت تحوّلات كبرى، ومع ذلك من الصعب الحديث عن طبقة جماهيرية كانت واعية بمصالحها المتجانسة وتطلّعاتها المسبقة للتقدم، وعواقب أفعالها التي تحدّدت، وتم حسابها مُسبقًا. فقد تمت الثورة الهولندية في ظل شعارات قومية، وبروتستانتية، وجرت الانتفاضة الإنكليزية في ظل الكالفينية، وتحقق الإصلاح الألماني في ظل شعارات بروتستانتية.( )
ويضيف بالقول: إنّ الناس العاديين، بمن فيهم سكان المدن، لم يتعرَّفوا على أنفسهم كأعضاء في طبقات اجتماعية عشية الثورة الفرنسية العام 1789م، أو أن وعيهم بهوياتهم لم يكن طبقيًا بالدرجة الأولى، ومع هذا فإن الثورة الفرنسية، وكذلك الثورات الفلاحية التي رفعت رايات النزاعات الدينية أدّت إلى تحوّلات برجوازية حقيقية.( )
يعرّف فلاديمير إ. لينين الطبقة بأنها: مجموعة كبيرة من البشر، تتميّز عن بعضها بحسب الموقع الذي تحتلّه في نظام إنتاج اجتماعي محدّد تاريخيًا، وكذلك بحسب ما لها من علاقات بوسائل الإنتاج، وهي علاقات تضبطها، وتكرّسها قوانين معيّنة في أغلب الأحيان، وكذلك بحسب دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل، أي بحسب الطرق التي تحصل بها على الثروات الاجتماعية وما تحوزه منها. إن الطبقات هي مجموعات من الناس يستطيع بعضهم ابتزاز عمل الآخرين لا لشيء إلا لأنهم يحتلّون موقعًا متميّزًا في بِنية معيّنة من الاقتصاد الاجتماعي.( )
إذن، الوجود الموضوعي للطبقة، ليس اشتراطًا لزوميًا بوعيها الطبقي، بقدر ما يرتبط بعمليات وعلاقات الإنتاج الاجتماعي السائدة، وبوجود التفاوت بين مستغِلين ومستغَلين، أي بوجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
من هنا، بالضبط، يتضح خطأ منكري وجود الطبقات الاجتماعية في العالم النامي. ومع ذلك ينبغي إعارة الانتباه إلى الفروقات بين المجتمعات الرأسمالية الصناعية، والمجتمعات النامية، فالمجتمع الرأسمالي الصناعي مجتمع طبقي خالص، حيث الطبقة هي المبدأ المؤسّس/ الناظم للمجتمع، أما المجتمعات النامية فلا يكفي الاعتماد على التقسيم الطبقي، كمبدأ تنظيمي أوحد للمجتمع، وتفسيري أوحد للتراتب بين البشر داخلها.( ) فالعوامل الاجتماعية الأخرى: الانتماء الإثني، أو العشائري، أو المذهبي، أو الطائفي، أو المناطقي تلعب دورًا مؤثّرًا في ظاهرة التراتب والتفاوت الاجتماعي.
إنّ التضامن الطبقي يلعب دوره في المجتمعات النامية لكنه يتداخل مع أشكال تضامن أخرى عائلية، وإثنية، ومذهبية، وما شابه. كما إن هذه المراتب، أي الجماعات التي ترتبط فيما بينها بعلاقات القرابة، والجندر، والدين، والمذهب، والإثنية، ليست مجرد انعكاس للعلاقات الطبقية بل تتقاطع معها، دون أن تتطابق، علمًا أنها تبقى محكومة بالبنية الطبقية، في نهاية المطاف، بالمقدار الذي تسيطر فيه هذه على الوصول إلى مختلف الموارد الاجتماعية، أي على الفائض الاجتماعي.( )

مما تقدم، يمكننا استخلاص القول بوجود طبقات اجتماعية في المجتمعات النامية، لكنها طبقات ذات خصوصية، نابعة من طبيعة الظروف الموضوعية التي تحكمها، نسميها "طبقات انتقالية" إن جاز التعبير، أي أنها طبقات ليست قارية، "مستقرة"، محددة المعالم بما فيه الكفاية، كما هي في المجتمعات الرأسمالية الصناعية، بل طبقات قلقة وتظل عرضة لتحولات وحراكات اجتماعية طفروية.

وكما دلّلنا على خطأ الموقف الإنكاري لوجود الطبقات في المجتمعات النامية، فسنشرع تاليًا بالفعل نفسه تجاه من ينكرون وجود الطبقة العاملة في المجتمعات النامية.
ينفي الكثير من الدارسين والباحثين وجود طبقة عاملة (Working Class) في المجتمعات النامية "بالمعنى الموضوعي لها!"، وينحو البعض من هؤلاء إلى الحديث عن وجود "شغيلة" و"فئات كادحة"، و"بروليتاريا رثة"، ولا وجود ل"طبقة عاملة".
ويستندون على الحيثيات الآتية لإثبات صحة مزاعمهم:
1- هشاشة البنية الإنتاجية، وانعدام وجود صناعة ثقيلة على وجه خاص.
2- غلبة القطاع الزراعي على ما عداه من قطاعات في اقتصاديات البلدان النامية، ومحدودية الملكيات الزراعية الكبيرة، وتخلّف الإنتاج الزراعي الذي لا يزال يعتمد في الغالب على وسائل بدائية وغياب المكننة الحديثة.
3- توسّع قطاع الخدمات والتجارة، وقطاع الإنتاج الصغير الذي يشمل الحرفيين، وعمّال الورش الحرفية.
4- وجود قطاع هامشي يحتل مساحة واسعة في النشاط الاقتصادي، ويشمل: الباعة الجائلين، والعمّال المياومين (الموسميين وعمّال الأجر اليومي، "الشُّقاة" باللهجة اليمنية الدارجة).
5- احتفاظ العمّال الذين انتقلوا من الريف إلى المدينة للعمل بمن فيهم "عمّال الصناعة" بعلاقات بالوسط الريفي، وتمسّكهم بالقيم الاجتماعية، وبالرواسب الثقافية الريفية، فضلًا عن تسيّد الجهل، والأمية في أوساط هؤلاء العمّال، مما يجعلهم فريسة سهلة بيد الطبقة المالكة توظفهم كيفما تشاء.
6- عدم تبلور وعي طبقي لدى العمّال بمصالحهم الفعلية وبدورهم في سياق العملية الاجتماعية.
7- افتقار العمّال للتنظيم الاجتماعي، وافتقارهم للتجانس، وللتضامن الطبقي.
8- تعدّد وتداخل أنماط الإنتاج في البلدان النامية بين: رأسمالية، وإقطاعية، وشبه إقطاعية، وشبه عبودية، وبقايا مشاعية.
وغيرها من الحيثّيات التي وإن كنا نقرّ "بموضوعية" الكثير منها لجهة توصيف واقع، وطابع البنية الاقتصادية الاجتماعية السائدة في العالم النامي، غير أننا نختلف مع الاستنتاج الذي يفيد بعدم وجود طبقة عاملة، وذلك للاعتبارات الآتية:
أولًا: البعض يتعامل مع الطبقة العاملة ك"مقولة نظرية معيارية مجردة" أو ك"مفهوم أكاديمي صرف"؛ وليس بوصفها ظاهرة سوسيولوجية متغيرة ومرتبطة أشد الارتباط بعمليات الواقع الموضوعي والتطوّرات المستجدّة على الصعيد العالمي.
فعلى سبيل المثال: هناك من يُقْصِر مصطلح الطبقة العاملة على البروليتاريا الصناعية فقط، التي تتشكّل من العمال الصناعيين "ذوي الياقات الزرقاء" الذين يمارسون العمل اليدوي في مصانع وينتجون قيمة فائضة أو قيمة زائدة( ) بحسب التحديد الكلاسيكي لها. وبالتالي يتم إخراج الجيش الهائل من عمال الخدمات والإنتاج الصغير وأصحاب الياقات البيضاء من المهنيين، والعاملين في مجال المعرفة، والعمل المكتبي من إطار الطبقة العاملة.
إنّ هؤلاء لا يرون الطبقة العاملة إلا في صورة "ذكورية، مفتولة العضلات، وتستخدم المطارق الكبيرة"!
ويتغافلون عن رؤية التحوّلات التي حدثت ليس للطبقة العاملة فقط، بل ولسائر الطبقات الاجتماعية؛ بفعل الأتمتة، والثورة التكنولوجية الرقمية. فالطبقة البرجوازية لم تعد بتلك الصورة التي كانتها قبل مائة وخمسين عامًا، بل طرأت عليها تغيّرات عديدة، والحال نفسه ينطبق على الطبقة العاملة، التي أصبحت تشمل "كل من يعمل بأجر، ويسهم في تحقيق القيمة الفائضة"؛
بصرف النظر عن نوعية العمل الذي يقوم به، أكان عملًا عضليًا، أم ذهنيًا، وبصرف النظر أيضًا عن القطاع الذي يعمل به، أكان في قطاع الصناعة أم في قطاع آخر.
ثانيًا: هناك من يرى أن الطبقة العاملة إنما تشمل فقط العمال المأجورين الذين يسهمون في الإنتاج السلعي المادي: الصناعي أو الزراعي، وبالتالي يجري استثناء عمّال قطاعات: الخدمات، والتجارة، والمعرفة، والعمل المكتبي في جهاز الدولة، أو في الشركات الأهلية، بحسبانهم "عمّالًا غير منتجِين".
لا يأخذ هؤلاء بعين الاهتمام التحوّلات الهائلة التي أحدثتها الثورة المعلوماتية والأتمتة في وسائل الإنتاج، فالتسيير والتحكّم الذاتي للآلات، والتقدّم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، قد أفضيا إلى تحولات هيكلية في الطبقة العاملة وعملية الإنتاج، فلم يعد الإنتاج مقتصرًا على إنتاج السلع المادية فحسب، بل أصبحت المعلومة سلعة، وأصبحت الخدمة سلعة أيضًا. وأصبح كل من التقني والمهني وعامل الخدمات الذين يعملون لصالح غيرهم وبأجر معلوم، وكذلك الموظفون الصغار في قطاع الأعمال الإدارية والمكتبية، سواء في جهاز الدولة، أم في المؤسسات الأهلية يندرجون ضمن الطبقة العاملة.( )
فالأتمتة، والسيبرنتيك قد أدت إلى اتساع نطاق العمل الذهني على حساب العمل اليدوي.
تأسيسًا على ما تقدّم، يمكن تحديد مجالات النشاط الاقتصادي للطبقة العاملة راهنًا بالصورة الآتية:
1- الإنتاج الصناعي والزراعي: اللذان يقومان على أساس إنتاج السلع المادية.
2- الإنتاج الخدمي والمعرفي: اللذان يقومان على أساس تقديم الخدمة، والمعرفة على شكل سلعة لها قيمة تبادلية، وقيمة استعمالية.
ثالثًا: نشوء الطبقة العاملة ليس بالضرورة مرهونًا بوجود قاعدة مادية صناعية كبيرة تضاهي تلك الموجودة في البلدان الرأسمالية الصناعية، بل إن انتشار العلاقات الرأسمالية، وتعميمها كفيل باستيلاد طبقة عاملة. ومن المعلوم أن العلاقات الرأسمالية ومنها العلاقات النقدية السلعية في بلادنا بدأت بالانتشار في ثلاثينات القرن العشرين، وتغلغلت بصورة أكبر مطلع ستينات القرن عينه.
رابعًا: على الرغم من استمرار بُنى ما قبل الرأسمالية، كالإقطاع وغيره في بلادنا، وفي البلاد النامية بصفة عامة، بل وقدرة هذه البنى على التكيّف مع التحوّلات الحاصلة بفعل التشوّه الذي أحدثه الاستعمار في عملية التطوّر الرأسمالي لهذه البلدان، ونمط التقسيم الدولي للعمل.
وعلى الرغم أيضًا من استمرار تأثير الرواسب القديمة على بنية الوعي، والممارسات الاجتماعية، إلا أنّه لا يمكن إنكار أن التغلغل الرأسمالي خلال الثلاثة العقود المنصرمة على الأقل قد توسّع نطاقه حتى شمل مختلف قطاعات المجتمع؛ بما فيها تلك القطاعات التي ظلت لردح طويل من الزمن تعيش في عزلة.
بتعبير آخر: إنّ توسّع دائرة الترسمل، فضلًا عن تأثيرات الكوكبية (العولمة) في الثلاثة العقود الأخيرة على الأقل، قد زعزع إلى حد كبير بنى العلاقات الاجتماعية القديمة لصالح سيادة العلاقات الجديدة شيئًا فشيئًا.. وبموجب ذلك أضحت مدفعية الرأسمالية تدكّ أسوار أكثر الأمم تأخّرًا، وتجبرها تحت طائلة الفناء على تبنّي نمط إنتاجها وفقًا لكارل ماركس.
خامسًا: التغير في الوضع الاجتماعي للمرأة في العالم النامي، ومنها اليمن، فقد شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعًا مُطّردًا في أعداد النساء العاملات قياسًا بالمراحل السابقة، وهذا يعني زيادة في حجم الطبقة العاملة.
سادسًا: تنامي وتائر الاضطرابات السياسية، والاجتماعية في البلدان النامية، التي هي انعكاس فعلي لتعمّق التفاوت الاجتماعي المتخذ شكل استقطاب طبقي، إذ يزداد تركُّز الثروة والسلطة في يد الطبقة السائدة، وتركّز الفقر والبؤس في أوساط الطبقة المسودة.
سابعًا: ما أحدثته السياسات النيوليبرالية في العالم بصورة عامة، وفي العالم النامي بشكل خاص، من تغيّرات عاصفة، من أبرز مظاهرها الملموسة:
1- بَلْتَرَةْ قسم عظيم من أبناء الطبقة الوسطى، والبرجوازية الصغيرة؛ بفعل تدهور مَداخيلهم وارتفاع تكاليف المعيشة، فقد أصبحت الأجور التي يتقاضونها هزيلة، بالكاد تغطي الاحتياجات المعيشية الدنيا.
2- بقدر ما أدت الخصخصة إلى تجريف القطاع العام، وتزايد حالة التفاوت الاجتماعي، وتآكل الطبقة الوسطى، واتساع رقعة الفقر، والجوع، وحرمان أغلبية السكان من الخدمات الأساسية، بقدر ما أفضت إلى تعمّم العلاقات الرأسمالية، وتشديد استغلال العمال.
إن وجود شركات خاصة وأفراد يقومون ببيع الخدمات للمواطنين كالتعليم، والخدمات الطبية والصحية، والكهرباء، والماء، اللائي كُنَّ من صلب التزامات الدولة تجاه مواطنيها، قد هوى بمعظم أعضاء الطبقة الوسطى إلى مستوى أدنى، وأصبحوا عمّالًا يتقاضون أجورًا زهيدة لا تساوي قوة عملهم، ولا توفر لهم حياة كريمة ومستقرة، أي أصبحوا "أنصاف بروليتاريين"، أو "أشباه بروليتاريين" بحسب الوصف الدَّارِج.
3- كما تسببت تلك السياسات النيوليبرالية بحَرَاك اجتماعي "شاذ"، فقد أفلس الكثير من أبناء البرجوازية الصغيرة، وهبطوا من مواقعهم الاجتماعية القديمة إلى مواقع سفلى، في حين صَعَدَت طبقة طُفيلية مكونة من: مسؤولين حكوميين، ووجاهات اجتماعية إقطاعية، ورجال دين، تحالفت مع الكمبرادور، وسيطرت على المجال الاقتصادي، وعلى المجال العام، وارتهنت للخارج بغرض الحفاظ على امتيازاتها الخاصة كطبقة.
قُصارى القول: إنّ وجود الطبقة العاملة في البلدان النامية أصبح أمرًا ملموسًا، بل يتنامى ويزداد عديدها بفعل جملة من العوامل، على خلاف التصوّرات السائدة التي تنفي وجود الطبقة العاملة، أو تقلّل من حجمها وشأنها.
ومع ذلك، ينبغي عدم الإغفال إلى أن الطبقة العاملة في البلدان النامية ومنها اليمن تعيش وضعًا انتقاليًا، فلا تزال طبقة ناشئة، وضعيفة من الناحية الكيفية، لا الكمية! وسنأتي على إيضاح هذه المسألة المُلتبِسة لاحقًا.
بناءً على ما تقدم يمكن تحديد الحدود الطبقية للطبقة العاملة، والتي تشمل قسمين أساسيين:
- العمّال المأجورين: وهم الذين يعملون بالأجر لصالح الغير، وينتجون فائض قيمة ناتجة عن سلعة أو معلومة!
- الشَّغِيلّة (أو العمال الكادحين) الذين يعملون إما:
• لصالح غيرهم، ولكنهم لا ينتجون قيمة فائضة، مثل: عمال الخدمة المنزلية.
• أو يعملون لصالح أنفسهم، فالعامل الذي يعمل في دكان صغير، أو الفلاح الفقير الذي يعمل في حقله الصغير، أو في حقل غيره وقام باستئجاره.
• كما لا نغفل شريحة العاطلين عن العمل (أو بالأحرى المُعطلَّين)، وهم أولئك الأفراد القادرين على العمل، ويرغبون فيه، ويبحثون عنه، ولكن لا يحصلون عليه، أو كانوا يبحثون عنه، ووصلوا إلى حالة يأس!
(أ- 2) مفهوم النقابة العمّالية (Trade --union--):
النّقابة في اللغة: يأتي لفظ "النقابة" في اللغة من الفعل "نقبَ"، ونَقُبَ على القوم نَقَابة: صار نقيبًا عليهم. والنِّقابة: قيام النقيب مقام من يمثّلهم في رعاية شؤونهم. والنِّقابة: جماعة يُختارون لرعاية شؤون طائفة من الطوائف. منهم النَّقيب ووكيله وغيرهما، مثل نِقَابة المهندسين، ونقابة الأطباء، ونقابة المهن التعليمية.( )
وهي منظمة، أو تجمّع يضمّ العمال الذين يمارسون مهنة أو حرفة واحدة، أو الذين يباشرون عملًا في مكان واحد، أو لحساب منشأة واحدة، بقصد الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.( )
وهي أيضًا: أيّ تنظيم للعاملين ينشأ بغرض إحلال، أو محاولة إحلال المساومة الجماعية محل المساومة الفردية في سوق العمل. وتسعى النقابات بصفة عامة إلى ضمان أن الأجور، وظروف العمل تخضع لقواعد تطبّق بصورة مُتّسقة على كافة أعضائها، على الرغم من أن العديد من النقابات لها أيضًا أهداف اجتماعية، وسياسية أكثر عمومية. كما يمكن أن يكون بعضها أيضًا روابط مهنية.( )
ويعرّفها البعض بأنها: هيئة أو جماعة أو منظمة دائمة من العمال تضمهم مهنة أو أكثر، الهدف الرئيس منها تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، وبين العمال ورؤسائهم، وبينهم وبين أنفسهم، مع وضع شروط محددة للسلوك في أي حرفة أو عمل.( )
وتنقسم النقابات إلى ثلاث فئات هي: النقابات الحرفية، والنقابات الصناعية، والنقابات العامة.( )
- النقابات الحرفية، تضّم العمال الذين يقومون بعمليات صناعية أو يمارسون أعمال أو أنشطة مهنية متشابهة.
- النقابات الصناعية، وتضّم كل العمال المهرة وغير المهرة في أي صناعة. ومن الملاحظ أن العمال المهرة هم أكثر الأعضاء سيطرة على هذا النوع من النقابات.
- النقابات العامة: تشكّل تكتلًا واسعًا للنقابات التي تضم العاملين في العديد من الصناعات والمجالات المهنية المختلفة في اتحاد عمالي عام.
(أ- 3) نشوء النقابات العمّالية وتطوّرها:
يعد ظهور نقابات عمالية (Trade --union--) منظمة مؤشر على تطوّر في وعي الطبقة العاملة في أي بلد، فالنقابة العمالية هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي الحديث ووعاء ديمقراطي ينظم العمال، ويمارسون من خلاله عمليات التفاعل، والاتصال البيني، مما يولّد لديهم وعيًا طبقيًا بمصالحهم.
ونشأت النقابات في العالم إثر انبثاق الثورة الصناعية، وظهور العمل المأجور، وتسيد الشعار الليبرالي "دعه يعمل" الذي أتاح للبرجوازيين استخدام العمال وتشغيلهم في المصانع والمعامل وفق الشروط التي يفرضها عليهم أولئك البرجوازيون.
وقد شهد العام 1720م ظهور أول نقابة عمّالية على مسرح التاريخ الإنساني في بريطانيا. وكان الدافع وراء إنشائها، هو حاجة العمّال الواقِعين تحت سطوة الاستغلال البرجوازي إلى التكاتف والتضامن للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بتحسين ظروف وشروط العمل، ورفع الأجور، وتخفيض ساعات العمل... إلخ.
لم تكن الطريق معبّدة أمام العمال، فقد استخدمت الطبقة البرجوازية، والسلطة السياسية القمع الوحشي في محاولة منها لإثناء العمّال عن ذلك، وأصدرت قوانين تحرّم إنشاء نقابات، وجمعيات عمّالية. وظل هذا التحريم قائمًا طوال ما يزيد على قرن من الزمان، حتى تمكّن العمال أخيرًا من انتزاع الحق في تشكيل جمعيات عمالية عام 1829م بعد أن خاضوا صراعًا مريرًا مع مستغلّيهم الطبقيين.
ومنذ ذلك التاريخ شهدت النقابات تطوّرات كبيرة، حتى أصبحت ظاهرة عالمية الطابع وحقًا عمّاليًا تنص عليه دساتير الدول، والمواثيق، والمعاهدات الدولية.
تمثّل النقابة العمّالية حاجة موضوعية للعمّال، فهي الوعاء التنظيمي الذي يمنح العمّال إحساسًا بقيمة وجودهم كتكوين اجتماعي طبقي، وكوحدة تضامنية.
ويُفترض أن تنشأ النقابة العمّالية على أساس الإرادة الحرّة للعمال دون تدخّل الدولة، وأصحاب العمل، كما يفترض بها أن تكون مستقلة، وتقوم على أساس ديمقراطي، وبشكل علني.
ويقع على عاتق النقابة القيام بالعديد من المهام، والأدوار، فهي معنية بالدفاع عن حقوق أعضائها وتبني قضاياهم، وتمثيلهم في مواجهة ربّ العمل، والسلطة السياسية، وإزاء القوى الاجتماعية الأخرى، كما تُعنى بتوعية العمّال وتثويرهم، لانتزاع حقوقهم المشروعة، والحصول على الأجور العادلة، والإجازات المدفوعة الأجر، وتحسين ظروف العمل، وتخفيض ساعات العمل، والحصول على التأمين والضمان الاجتماعي، والتعويض العادل في حالة الإصابة، فضلًا عن ضرورة قيامها بتقديم الدعم، والرعاية لأعضائها في الظروف الصعبة، وحمايتهم من صنوف القهر، والعسف والاستغلال، ورفع مستواهم المهني، والمشاركة في رسم السياسات الاجتماعية التي تضمن للعمّال وللمجتمع بصفةٍ عامة حياة كريمة.
وعرفت الحركة النقابية في العالم اتجاهات متباينة، ومتصارعة، يمكن حصرها في اتجاهين رئيسين، هما: الاتجاه الإصلاحي، والاتجاه الثوري.
- الاتجاه الإصلاحي (التريديونيوني): يحصر مهام النقابات في النضال المطلبي، كالمطالبة برفع الأجور، وتحسين شروط العمل، وتخفيض ساعات العمل والحصول على التأمين الصحي، والاجتماعي، والتعويض في حال الإصابة، ويرفض النشاط السياسي للنقابات بدعوى أن النقابات منظمات حيادية. وقد كانت النشأة الأولى للنقابات العمّالية في العالم ذات طابع تريديونيوني (إصلاحي)، نظرًا للظروف الموضوعية السائدة حينها وبساطة الوعي العمّالي. ومع اتِّضاح حقيقة التحالف الوثيق بين الرأسمال، والسلطة السياسية ضد العمّال، بدأ هذا الاتجاه يضمر، ويفقد قدرته في الانتصار لقضايا العمال، وبالتالي بات نشاط النقابات "التريديونيونية" وفقًا لفريدريك إنجلز يُمثل سلسلة طويلة من هزائم العمال، يتخلّلها القليل من الانتصارات المُنفرِدة."
- الاتجاه الثوري: ظهر هذا الاتجاه، ونما بعد أن وصل الاتجاه التريديونيوني إلى حالة إفلاس.. وانطلق من مبدأ تأسيسي مُؤدَّاه: ليس بمقدور النقابة العمالية مواجهة التحالف الوثيق بين الرأسمال والسلطة السياسية وتنتصر للطبقة العاملة ما لم تجمع بين النضال المطلبي، والنضال السياسي في وحدة جدلية متّسقة.
وقد عرفت الحركة النقابية في اليمن كلا الاتجاهين، كما سيتضح ذلك لاحقًا.

المبحث الثاني
تحولات الطبقة العاملة والحركة النقابية
خلال الفترة (1938 – 2019م):

(ب – 1) تشكُّل الطبقة العاملة اليمنية:
بدأت الطبقة العاملة الحديثة بالنمو وبشكل ملحوظ نهاية ثلاثينيات القرن العشرين في الشطر الجنوبي من الوطن، وبالتحديد في مدينة عدن، التي كانت حينها تخضع للاستعمار البريطاني منذ العام 1839م.
وقد ساهمت عدة عوامل في هذا التشكُّل، أبرزها:
1- انتشار العلاقات الرأسمالية، والعلاقات السلعية النقدية بفعل تدفّق السلع الأجنبية إلى عدن.
2- قيام المستعمر البريطاني بإنشاء شركات احتكارية، أبرزها: شركة البترول البريطانية "موبيل" (B.P)، وشركة "لوك توماس"، وشركة "كوري براذرز"، وشركة "البس"، وشركة "شل"، وشركة "كالتكس"، وغيرها.
بالإضافة إلى تطوير ميناء عدن لأغراض خاصة به، فمن خلاله سيطرت الشركات البريطانية الاحتكارية "على تجارة كل جنوب الجزيرة العربية".( )
3- نشوء مزارع إقطاعية كبيرة، مثل: مزارع القطن في أبين ولحج، التي أرسى أساسها الإنجليز، وقد أعطت دفعة لتطوّر العلاقات البضاعية النقدية في الزراعة.( )
4- تدهور الزراعة ومردودها، وتقلُّص فرص العمل في الريف، وتنامي عدد السكان، كل ذلك دفع بالعديد من أبناء الريف لشد الرحال إلى مدينة عدن للبحث عن فرص عمل فيها.
فقد مثلت عدن آنئذٍ قِبلة للمهاجرين الريفيين ولا سيما أبناء محافظتي تعز وحضرموت نظرًا لما احتلته من مكانة خاصة لدى المستعمر، وشركاته الاحتكارية، وهو ما جعل منها أول مركز تجاري، وصناعي على مستوى اليمن.
5- قيام الإدارة الاستعمارية بتأسيس مكتب العمل عام 1938م، وأُطلق عليه اسم (Labor Office)، وذلك بعد أن ازداد تجمّع العمّال في مرافق وأماكن عمل مختلفة كالميناء، والمِملاح، والبناء، والتجارة، وشركات التصدير، والاستيراد الأجنبية، وشحن وتفريغ البواخر، حيث كان على إدارة مكتب العمل القيام بدور الوسيط لتسهيل مهمة طلبات أصحاب الأعمال من الشركات، والدوائر الحكومية، والمقاولين وغيرهم.( )
أما في الشطر الشمالي من البلاد، فقد بدأت الطبقة العاملة بالتكوّن بوقت متأخّر نسبيًا، وبالتحديد في مُستهل خمسينات القرن الفارط.. ويُعزى سبب هذا التأخّر إلى سياسة العزلة التي انتهجها الإمام يحيى حميد الدين، الذي حكم اليمن الشمالي خلال الفترة (1918 – 1948م)، إذ قام بسد الطريق أمام تغلغل التكنيك المعاصر في البلاد، ومنعها من اللحاق بالتقدّم الاجتماعي( )، كما أعاق قيام صناعة وطنية، وبناء الهياكل التي تدخل في تراكيب الفروع الاقتصادية.( )
لقد عانت "اليمن المتوكلية" إبّان حكم الإمام يحيى من التخلّف الشديد في كافة مناحي الحياة، فالمدن اليمنية ظلت من حيث شكلها الخارجي شبيهة بمدن القرون الوسطى، إذ أُحيط الكثير منها بأسوار عالية، حيث لا يُسمح بالدخول إليها إلا من البوابة التي تُغلق في الليل، وأثناء تأدية الصلاة.( )
ولم يكن هناك نظام نقدي، ولم يكن ثمّة بنك في اليمن المتوكلية، وكانت خزينة الدولة هي خزينة الإمام، فقد كان الإمام يتصرّف بها حسبما يشاء بدون رقيب.( )
غير أن هبوب رياح التغيير واندلاع الثورة الدستورية "الموءودة" في فبراير 1948م، واغتيال الإمام يحيى، قد أرغمت وريث العرش الملكي الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، الذي حكم اليمن الشمالي خلال الفترة (1948 – 1962م) على "تخفيف" سياسة العزلة، والانفتاح الجزئي على العالم.
فبدأت البضائع الأجنبية تتدفّق إلى مختلف مناطق البلاد، مما تسبّب بتدهور الكثير من الصناعات الحرفية الصغيرة، وأفلس أصحابها، وأصبحوا لاحقًا عمّالًا مأجورين.( )
كما قامت حكومة الإمام أحمد بعقد الاتفاقات الاقتصادية مع الدول، والشركات الأجنبية، ففي عام 1950م مُنحت شركة أرامكو حقًا احتكاريًا بالتنقيب عن النفط في مناطق مختلفة من اليمن، وفي 1955م مُنحت الشركة الأمريكية (يمن ديفلوبمنت كريدش أف واستجين) حق المسح والتنقيب عن المعادن بما فيها النفط في بعض المناطق اليمنية.( )
وأنشأ الإمام أحمد عددًا من الشركات المساهمة في مجال الخدمات، والمواصلات من أبرزها: شركة المحروقات اليمنية، نشأت في أغسطس عام 1961م، وشركة طيران اليمنية، أسست في يناير 1962م، وقد حدد الإمام أحمد حصته ب (51%)، واشترك في هذه الشركات كبار التجار، منهم من كانوا مهاجرين عادوا إلى الوطن، مثل عبدالغني مطهر( )، ومنهم من ارتبطوا بصلات وثيقة بالأسرة الحاكمة مثل: الجبلي، والشيخ الإقطاعي هادي هيج، وآخرين.
ونشأت شركات تجارية أخرى تابعة للبرجوازية التجارية، مثل: شركة هائل سعيد أنعم وشركائه التي احتكرت توكيلات الشركات الأمريكية، والبريطانية في توزيع البضائع المورّدة، كالنفط، والإسمنت، والكبريت، والسكر...إلخ، وشركة محمد الزغير التي نشطت في مجال استيراد مشتقات النفط، والبضائع الغذائية... إلخ.( )
وأبرمت سلطة الإمام أحمد عددًا من الاتفاقيات مع بعض الدول الرأسمالية، والاشتراكية، اتفق بموجبها على إنشاء ميناء في الحديدة، وبناء مصنع الغزل والنسيج بصنعاء، ومصنع الزجاج في تعز، ومصنع الأسماك في الحديدة، ومجموعة أخرى من مصانع دباغة الجلود، والسكر، والإسمنت، والسجائر، ومعمل الألمنيوم، ومع ذلك بقيت أغلب هذه المشاريع حبرًا على ورق؛ باستثناء ميناء الحديدة الذي قام ببنائه الاتحاد السوفياتي، وقد بدأ فيه العمل منذ خريف 1957م. واستطاع الميناء في ربيع 1961م استقبال ورسو البواخر، وجهز الميناء بعدّة آليات حديثة الصنع، وجيدة التصميم.( )
مثّل بناء ميناء الحديدة عاملًا هامًا لاجتذاب الأيدي العاملة، وتأهيلها، فقد عُدّ بمثابة مدرسة لتهيئة الكوادر المحلية، إذ اكتسب العمال المعرفة ببعض الاختصاصات وأصبحوا عمّالًا ماهرين، نجّارين، وبرّادين، وغوّاصين، وكهربائيين... إلخ.( )
وإلى جانب هؤلاء العمّال الأجراء، تشكّلت شريحة اجتماعية أخرى: الحمّالون، وكانوا يقومون بأعمال الشحن والتفريغ في الميناء.( )
كان من المنطقي أن يستمد هذا التشكّل الأولي، والبطيء للطبقة العاملة من خصائص البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد جنوبًا وشمالًا، وطبيعة السلطات المسيطرة على كلا الشطرين.
على أن النصف الثاني من الخمسينات شهد نموًّا عاصفًا للطبقة العاملة في عدن( ) وبدأت تبرز كقوة منظّمة من خلال نشوء النقابات العمّالية.
(ب – 2) ولادة الحركة النقابية اليمنية، وسيرورتها (1950 – 2022):
لقد نَمَتْ النقابات العمّالية في بداية الأمر بصورة بطيئة؛ نظرًا لطبيعة الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة آنذاك، وضعف الوعي الطبقي للطبقة العاملة، وعدم الإدراك بأهمية العمل النقابي كأداة لتحقيق أهدافها، والدفاع عن مصالح، وحقوق أعضائها.
وشهدت الحركة النقابية العمالية اليمنية طوال تاريخها المديد الكثير من التحوّلات، فقد حققت صعودًا ناهضًا خلال مراحل تاريخية معينة، وبخاصة الفترة الممتدة (1957 – 1967م) التي ترافقت مع تصاعد زخم النضال الثوري، والتحرّري في الجنوب والشمال على السواء، وأسفر عن اندلاع ثورتين عظيمتين هما: ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي طوت صفحة النظام الإمامي الثيوقراطي في الشمال، وثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الوجود الاستعماري في الجنوب، وصولًا إلى تحقيق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967م.
كما مُنيت الحركة النقابية في اليمن بنكسات، وإخفاقات خلال مراحل تاريخية عديدة بفعل عوامل سياسية بدرجة أساسية.

أولاً: النقابات العمّالية في الشطر الجنوبي (1950 – 1990م):
كانت عدن سبَّاقة في نشوء النقابات العمالية المنظمة على مستوى اليمن، بفعل تطوّر اقتصادها، لاسيما توسيع الميناء، وبناء مِصفاة الزيت، وازدياد أعداد العمال، ونشاط التنظيمات الوطنية الأولى.( )
ولا يوجد اتفاق حول تاريخ محدّد لبداية نشوء النقابات العمالية، فهناك ثلاثة آراء:
الرأي الأول: يذهب عبدالله مرشد أحد القيادات الريادية للحركة النقابية إلى القول بأن بداية نشوء النقابات في عدن تعود إلى ما قبل أربعينات القرن العشرين، مستشهدًا بقيام السلطات الاستعمارية البريطانية بإنشاء مكتب العمل في عام 1938م، وإصدار "قانون نزاعات العمل والنقابات" عام 1942م "الذي لم يصدر اعتباطًا، إنما يصدر بعد أن تكون قد تكونت النقابات، وذلك لغرض كبحها وتسخيرها" على حد تعبيره.( )
والرأي الثاني: يقول بأن النقابات نشأت مطلع الخمسينات، وإن كان يتفق حول قضية إصدار قانون للنقابات، ونزاعات العمل قبل هذه الفترة، وتحديدًا في العام 1942م، غير أن طلبات التسجيل الأولى للنقابات لم تقدّم إلى السلطات الاستعمارية البريطانية آنذاك إلا بعد مرور 10 سنوات على اتخاذ القانون.( )
الرأي الثالث: يؤكّد على أن العمل النقابي بدأ عام 1948م، ويستشهد على ذلك بأنه في سبتمبر 1948م أضرب عمّال شركة تجارية هي (الشركة الأنجلو إيرانية) مقدّمين مطالب اقتصادية.( )
ونذهب إلى تأييد الرأي الثاني الذي يقرر بأن نشأة النقابات العمّالية تعود إلى مطلع الخمسينات، فوجود حراك عمّالي، وإضرابات عمّالية عفوية قبل الخمسينات لا يعني بالضرورة وجود نقابات عمالية منظمة بالأسلوب والمعنى الفعلي لها. ( )
لقد شهد مطلع الخمسينات سلسلة إضرابات عمالية، وبدأت الطبقة العاملة في التعبير عن نفسها بين تيارات ثلاثة:
1- تيار الانفصالية، ومثّلته الجمعية العدنية بقيادة: حسن علي بيومي، وأحمد محمد خليل، وعلي محمد لقمان، وأحمد محمد العلوي، وعبده حسين الأهدل، ومحمد علي الأسودي.
وعبّر هذا التيار عن مصالح البرجوازية التجارية العدنية التي ارتبطت بالمستعمر، وعُرف بالنّزعة الانفصالية الضيقة التي نادت بالحكم الذاتي لأبناء عدن، واتخذ مواقف عدائية تجاه العمال المهاجرين القادمين، سواء من المحافظات الجنوبية، أو المحافظات الشمالية.
2- تيار تبنّى الدعوة لوحدة الجنوب العربي، ومثّلته رابطة أبناء الجنوب العربي، تأسّس عام 1951م، بقيادة: محمد علي الجفري، وشيخان عبدالله الحبيشي، وعبدالله علي الجفري.
وقد مثلت الرابطة أولى المنظمات السياسية في جنوب اليمن، ورفعت في بادئ الأمر شعارات وحدوية الجنوب، وشعارات قومية، وشعارات وطنية ضد الاستعمار.
وانخرط في صفوفها خليط من السياسيين من ذوي التوجّهات السياسية، والمنابت الطبقية المختلفة، فقد ضمّت من أبناء الأسر السلاطينية، والعائلات الغنية، إلى جانب القوميين، والماركسيين. وبسبب هذا الخليط غير المتجانس، شهدت الرابطة حالة انشقاقات في صفوفها، لاسيما عام 1955م، بعد أن شاركت قيادة الرابطة في انتخابات المجلس التشريعي الشكلية، التي أشرفت عليها السلطات الاستعمارية في مستعمرة عدن.
3- تيار ثوري بدأ يهتم بالمصالح الطبقية للعمّال وأكد على وحدة اليمن الطبيعي (جنوبًا وشمالًا) بقيادة المناضل والصحفي الأبرز عبدالله عبدالرزاق باذيب.( )
شهد العام 1951م نشوء نقابة "رابطة عمّال الصناعات المتنوعة"، وفي 1952م "اتحاد عمّال وموظفي شركة عدن للطيران".( )
وأسّس اتحاد عمّال وموظفي عدن في عام 1952م تحت التأثير المباشر من جانب رابطة أبناء الجنوب العربي.( )
وهكذا جرى تأسيس النقابات العمالية، ووصل عدد النقابات الكبيرة حتى العام 1955م في عدن إلى (12) نقابة، من بينها نقابة شركات الاستيراد والتصدير: شركة "البس"، وشركة "لوك تامس"، وشركة "كوري براذرز"، وغيرها.( )
بدأ الحَرَاك النقابي يتنامى، ففي عام 1955م نفذت النقابات حملة مقاطعة لانتخابات مجلس عدن التشريعي، لكونها انتخابات شكلية، وتلبّي مصالح السلطات الاستعمارية، وقد انضمت لحملة المقاطعة كل الهيئات والمنظمات الوطنية عدا حزبي "الجمعية العدنية"، و"رابطة أبناء الجنوب" الرجعيين. لقد كانت هذه المقاطعة بمثابة مظاهرة هامة لقوة الحركة النقابية وشاهد على أهمية منظمات الطبقة العاملة. كما مثلّت أول موقف سياسي للنقابات ليس فقط ضد الاستعمار، وإنما أيضًا ضد الأحزاب السياسية الرجعية التي شاركت في هذه الانتخابات".( )
لقد كان من نتائج مشاركة الرابطة في هذه الانتخابات أن حدث انشقاق بعض الوطنيين، والنقابيين منها وقيامهم بتأسيس كيان سياسي جديد هو "الجبهة الوطنية المتحدة" بزعامة: محمد عبده نعمان رئيس نقابة المعلّمين، وعبدالله الأصنج، رئيس نقابة شركة طيران عدن، ومحمد سالم علي، رئيس نقابة عمّال المواصلات، وعبدالقادر الفروي، رئيس نقابة شركة لوك توماس، وعبده خليل سليمان، رئيس نقابة عمّال الميناء، وعبدالله عبدالرزاق باذيب، سياسي وصحفي ذو التأثير الواسع.
وبدأت الطبقة العاملة، وفصائل الحركة الوطنية تتبين بوضوح أنه بدون وحدة النضال ضد الحكم الإقطاعي في شمال البلاد، والاستعمار في جنوبها لا يمكن أن يحقق الشعب اليمني أهدافه الوطنية والاجتماعية.( )
إنّ إعلان الجبهة المتحدة عبّر أساسًا عن وجود جناح يساري في الحركة الوطنية في ذلك الوقت وخاصة عام 1955م، وعن أماني العمّال، وصغار الموظفين، والطلبة.( )
وقد رفعت الجبهة المتحدة شعار الوحدة اليمنية في وجه المحاولات الاستعمارية الرامية لتفتيت وحدة الطبقة العاملة، وزرع بذور الشِقاق بين أبناء الجنوب، وبين العمّال القادمين من الشطر الشمالي، فقد أصدرت السلطات الاستعمارية قانون "حقوق المواطنة في عدن" الذي نصّ على اعتبار كل "أبناء الكومنولث البريطاني مواطنين في عدن". وعلى الضد من ذلك فقد صنف القانون اليمنيين من أبناء الشطر الشمالي، والمحميات مهاجرين لا يملكون حقوق المواطنة، هؤلاء اليمنيون الذين مثّلوا حتى عام 1955م، حوالي (72%) من إجمالي سكان عدن.( )
لقد أدرك الاستعمار البريطاني خطورة هذا النهج الجديد الذي أرسته الجبهة الوطنية المتحدة، فعمل على نفي قادتها، وكان أبرز من تم نفيه محمد عبده نعمان، الأمين العام للجبهة الوطنية المتحدة ورئيس نقابة المعلمين.( )
استمرت عملية نفي وطرد القيادات النقابية، والسياسية، وكذلك العمال، فحتى بداية عام 1956م قامت السلطات الإنجليزية بطرد حوالي (700) عامل من عدن، لقد سبّب هذا النفي التعسفي أزمة في الكوادر المجرِّبة، والواعية في قيادة النقابات، الأمر الذي اضطر الجبهة الوطنية المتحدة والنقابات إلى التفكير الجدّي في إنشاء اتحاد يضم كل النقابات في عدن.( )
تشكيل مؤتمر عدن للنقابات:
تأسّس مؤتمر عدن للنقابات في 3 مارس العام 1956م، كإطار نقابي، توحيدي لجميع النقابات التي بلغ عددها في ذلك الوقت (25) نقابة، وهي:( )
1- نقابة العمّال والفنيين.
2- نقابة عمّال (أنجلو إيرانيين) كمبني.
3- نقابة الموظفين المدنيين للقوات المسلحة.
4- نقابة عمّال المصافي.
5- نقابة عمّال شل.
6- نقابة عمّال كالتكس.
7- نقابة عمّال موبيل أويل.
8- نقابة عمّال أمانة ميناء عدن.
9- نقابة عمّال لوك توماس.
10- نقابة عمّال الملح.
11- نقابة عمّال محطات البترول.
12- نقابة عمّال البنوك.
13- نقابة عمّال المعلمين.
14- نقابة عمّال الينو.
15- نقابة عمّال البرق واللاسلكي.
16- نقابة عمّال البريد والتلفون.
17- نقابة عمّال خطوط عدن الجوية.
18- نقابة عمّال محلج القطن.
19- نقابة عمّال البلدية.
20- نقابة عمّال الحكومة والحكومات المحلية.
21- نقابة عمّال الباصات.
22- نقابة عمّال القوات المسلحة.
23- نقابة عمّال سائقي التاكسي.
24- نقابة عمّال المطابع.
25- نقابة جمعية الموظفين العدنية.
وتشكلت قيادة المؤتمر من: عبدالله الأصنج- رئيسًا، وعضوية علي حسين القاضي، وصالح محسن، وعبدالله عبدالمجيد السلفي، وعبده خليل سليمان، ومحمد سعيد مسواط، ومحمد عبده نعمان الحكيمي، ومحمد سالم علي، عبدالله علي عبيد، وزين صادق الأهدل، وغيرهم.
وقد تضمّن دستور المؤتمر شعارات تقدمية، ودخلت فيه عناصر قيادية تقدّمية كان لها إسهام كبير في تنظيم الطبقة العاملة.( )
ما من شك، أن واقع الاستغلال الذي مارسته الشركات الاحتكارية، وواقع القهر الذي مارسه الاحتلال البريطاني، وصعود القومية العربية، وأصدائها قد وفرّت الأرضية الملائمة لنشوء النقابات وانتظامها في كيان نقابي موحّد. إنّ هذه الخطوة قد شكّلت أهمية كبيرة على صعيد الطبقة العاملة والحياة السياسية في البلاد، فقد أصبحت الطبقة العاملة قوة اجتماعية، وسياسية مؤثّرة في المشهد الوطني، واكتسبت نضجًا وتمرُّسًا في النضال، فقد تعددت أساليب نضالها بين الإضرابات، والمظاهرات، والانتفاضات، كما انخرطت بفاعلية في النضال الوطني الساعي إلى تحرير الشطر الجنوبي من سيطرة الاستعمار البريطاني وتخليص الشطر الشمالي من قبضة الحكم الإمامي الكهنوتي.
ومع ذلك، لم يكن وضع مؤتمر عدن للنقابات منذ تأسيسه مُستقرًا، فقد بدأت الانقسامات، والصراعات تتكشف بين اتجاهين أساسيين:
الاتجاه الأول: الاتجاه التريديونيوني "الإصلاحي/ الاقتصادوي" بقيادة عبدالله الأصنج، الذي أراد حصر نشاط المؤتمر، والنقابات المنضوية فيه على الجانب المطلبي الاقتصادوي فقط، وعزله عن النشاط السياسي، والنضال الوطني العام بدعاوى زائفة.
الاتجاه الثاني: الاتجاه الثوري "اليساري"، الذي أكد على ارتباط، وتواشج مسار النضال النقابي المطلبي بمسار النضال الوطني العام، فالقهر، والاستغلال الذي يطال سواءً العمال أم المواطنين اليمنيين ينبثق من منبع واحد، وهو الاستعمار البريطاني، وشركاته الاحتكارية، وعليه أدركت القيادات النقابية الثورية أنه لا يمكن تحقيق خلاص جزئي للطبقة العاملة إلا في إطار تحقيق الخلاص العام لليمن من الاستعمار، ومن الإمامة.
يشير عمر الجاوي إلى أن محاولات الأصنج، وجماعته لصرف النقابات عن الانخراط في النضال الوطني العام قد جاء بتأثير من حزب العمّال البريطاني الذي وضع ضمن أهدافه توجيه النقابات في المستعمرات على أساس "النقابية" المحدّدة سلفًا بالمطالب الاقتصادية، والابتعاد عن السياسة. فلقد زار عدن كثير من النقابيين الإنجليز بحجة المساعدة في تنظيم النقابات.. ونتيجة لنشاطهم وُجدت بعض التغييرات في تركيب قيادة مؤتمر عدن للنقابات وفي الدستور نفسه. فقد تمكّن الخبراء المرسلون من النقابات البريطانية أن يقنعوا قيادة مؤتمر عدن للنقابات بتطرّف الدستور الأول "ويساريته" التي لا يمكن أن تساعد على إيجاد لغة مشتركة بين النقابات، والشركات الاحتكارية في عدن.( )
وكان من ثمار هذه المساعي أن تم تغيير الدستور الأول للمؤتمر، وإصدار دستور جديد لم ينص لا من قريب ولا من بعيد على نضال العمّال من أجل أهدافهم السياسية، والطبقية المشروعة.
كما تم تغيير الشعار من "الخبز، الحرية، السلام" ورفع شعار قومي: "وحدة، حرية، اشتراكية" وتغيير الاسم من "مؤتمر عدن للنقابات" إلى المؤتمر العمّالي عام 1958.
ويضيف الجاوي قائلًا: يفسّر هذا التقبّل السريع لمثل هذه السياسة "الغربية" المنشأ الطبقي، والفئوي للقادة في عدن، الذين لا ينتمون إلى الطبقة العاملة إطلاقًا من ناحية التركيب، والانتماء الأيديولوجي، فعلى سبيل المثال: كان رئيس مؤتمر عدن للنقابات العيدروس واحدًا من أكبر التجار الوسطاء في عدن، والأمين العام للمؤتمر عبدالله الأصنج، مديرًا لفرع شركة الطيران البريطانية (BOAC)، ولقد ساعدته السلطات والشركة في القفز على رأس مؤتمر عدن للنقابات.( )
في أغسطس 1960م أصدرت سلطات الاستعمار البريطاني قانون العلاقات الصناعية، وقد تضمن القانون تحريم الإضرابات، وإنشاء محكمة عمالية تقوم بحل الخلافات، والمنازعات التي تحدث بين العمّال وأرباب الأعمال( )، وقد مثل هذا القانون سوطًا على رقاب العمال، وقد تسبّب بتداعيات كبيرة تمثلت في حالة سخط عام، وإضرابات عمالية شملت مختلف القطاعات.
لقد كان موقف قيادة المؤتمر العمالي مواربًا، فقد حاولت تقديم تنازلات للسلطات، ودعت العمال للكفّ عن الإضرابات، لأجل الحفاظ على الحركة النقابية، وفي الوقت نفسه لم تعترف بالقانون المعادي للعمّال، غير أن القيادات النقابية الثورية واصلت تنظيم الاضرابات، بينما ظلّت القيادة الإصلاحية التريديونينية تصوب جهودها نحو عقد اتفاقات بين النقابات، وأرباب العمل، من شأنها تخلّي العمّال عن الإضرابات.( )
تواصلت إذن عملية تنظيم الإضرابات واتسع نطاقها، رغم وجود قانون يمنع الإضراب، ورغم الموقف المتخاذل للقيادة الإصلاحية في المؤتمر العمالي. وكان من أبرز تلك الإضرابات: إضراب نقابة العمّال والفنيين 1961م، وإضراب عمال المصافي 1962م، وإضراب المزارعين في لحج وأبين والعواذل ضد سيطرة الإنجليز على السوق المركزية لبيع الخضار، والفواكه 1961، بالإضافة إلى الانتفاضة الطلابية في فبراير 1962 ضد السياسة التعليمية.( )
وفي عام 1963م، نفّذ عمال زراعيون في سلطنة الفضلي( ) بمحافظة أبين إضرابًا شاملًا بسبب العسف الذي مارسه السلطان الفضلي بحق العمال الزراعيين.( )
واجهت السلطات الاستعمارية هذه الإضرابات، والانتفاضات بعنف وحشي، وقد سقط العشرات من الشهداء والجرحى، وزجّ بالعشرات من القيادات العمالية، والعمّال في المعتقلات، فيما تم نفي المئات إلى الشطر الشمالي، ومع كل ذلك لم تتمكّن هذه الإجراءات القمعية من إخماد جذوة الاحتجاجات العمّالية.
المؤتمر العمّالي أمام مُفترق طرق.. وبروز النقابات الست:
جاءت الأحداث والتطوّرات التي شهدتها المناطق الجنوبية منذ عام 1963م لتزيد من حدة الاستقطاب في أوساط الحركة النقابية، وتضع المؤتمر العمالي على مفترق طرق، ويمكن تبيان ذلك من خلال موقفين هامّين:
الأول: انطلاق شرارة ثورة 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان، وبدء سريان الكفاح المسلح بقيادة الجبهة القومية( ) ضد الاستعمار البريطاني، وقد أعلنت القيادات النقابية الثورية عن مساندتها لهذا الخيار، فيما وقفت قيادة المؤتمر العمّالي على النقيض من ذلك؛ ووضعت رهانها على خيار المفاوضات مع الاستعمار.
ولما كشفت الأيام خطأ موقف قيادة المؤتمر العمّالي، والتفاف الجماهير حول الجبهة القومية، وخيار الكفاح المسلّح حاولت قيادة المؤتمر العمّالي تدارك الأمر. ففي منتصف عام 1965م، أعلن عبدالله الأصنج، وجماعته عن حلّ حزب الشعب الاشتراكي( ) وتشكيل منظمة تحرير الجنوب المحتل، وقد ضمّت هذه الجبهة قادة رابطة أبناء الجنوب العربي وعددًا من السلاطين، والمشائخ، وكان الهدف من وراء تشكيل هذه الجبهة هو مواجهة الجبهة القومية، لكن أتت الرياح بخلاف ما اشتهته سفن الأصنج وجماعته، وارتد الأمر عليها.
يعلّق عمر الجاوي بالقول: لقد وضع هذا الحدث النهاية المؤسفة لقادة المؤتمر العمّالي كونهم اشتركوا مع الرابطة التي تعتبر أكثر المنظمات رجعية في المنطقة، وانتهى معهم تاريخ من الخداع السياسي للعمال من قبل القادة.( )
الموقف الثاني: في مايو 1965م نُفِذَّ أول عمل تضامني عمّالي نظّمته العناصر الثورية( ) في النقابة العامة لعمال البترول تضامنًا مع عمال المصافي الذين تعرضوا للطرد من قبل إدارة الشركة، وكان عددهم (200) عامل، حيث امتنع العمال عن العمل ما تسبب بشل الحركة في عموم البلاد، فقد تعطّلت المطارات، والموانئ، ووسائل النقل البرية في عدن، وما كان يسمّى المحميّات الشرقية والغربية، وبذلك استطاعت النقابة من خلال هذه الخطوة أن ترغم إدارة شركة المصافي على إعادة العمّال المطرودين ودفع رواتبهم كاملة. وقد مثّلت هذه الخطوة البداية الفعلية لنشاط النقابات الست الثورية.( )
اتخذت قيادة المؤتمر العمّالي موقفًا سلبيًا حيال هذه القضية، وتخلّت عن العمّال، وكشفت هذه الخطوة عن حاجة العمّال لقيادة نقابية ثورية، تتبنّى قضايا العمال، وتقف إلى صفّهم، قيادة بديلة عن القيادة المتربّعة على رأس المؤتمر العمّالي.
كما أكّدت هذه الخطوة على قيمة الوحدة النقابية، والتضامن العمّالي، فوعي العمّال وتضامنهم ووحدتهم كفيل بإرغام الرأسمال المستغل للانصياع لشروطهم، وتحقيق مطالبهم.
لقد كان من نتائج ذلك أن تغيّر التركيب الداخلي للمؤتمر العمّالي، فمن التسعة الاتحادات التي تشكل قوام المؤتمر، انسحب ستة وسمّوا أنفسهم بالنقابات الست( ) وهي:
1- النقابة العامة لعمّال البترول.
2- نقابة عمّال وموظفي البنوك المحليين.
3- نقابة عمّال وموظفي أمانة الميناء.
4- النقابة العامة للمعلمين.
5- نقابة عمّال وموظفي اتحاد الطيران المدني.
6- نقابة عمّال وموظفي البناء والإنشاء والتعمير.
تكشف التجربة النضالية للنقابات الست عن دروس هامة في النضال الوطني، وأساليب العمل بين الجماهير، وحري الاستفادة منها.
لقد حققت هذه النقابات الست انتصارات متتالية على القيادة التريديونيونية، واستطاعت كسب القاعدة العمّالية العريضة، وذلك بفعل العوامل الآتية:
1- دعم قادة النقابات الست لخيار الكفاح المسلّح بقيادة الجبهة القومية منذ أول وهلة باعتباره الخيار الوطني الكفيل بتحقيق الاستقلال.
2- كسب العمّال، وذلك بسبب المواقف المبدئية التي اتخذتها قيادة النقابات الست، وتبنّيها لقضايا العمّال والوقوف في صفّهم.
3- الأنشطة المتنوعة التي مارستها قيادة النقابات الست، من إضرابات وخلافه، وانخراطها في النضال السياسي الوطني، وعدم تقوقعها في النشاط المطلبي.
4- رفع شعار الوحدة اليمنية، والاستقلال الوطني.
5- قيام قادة النقابات الست بنسج علاقات خارجية مع الاتحاد العمالي العربي، وجامعة الدول العربية، وتوضيح حقيقة الانقسام في المؤتمر العمالي، ومن ذلك على سبيل المثال: قيام قادة النقابات الست في يناير 1966م ببعث برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية توضح فيه انتهاء شرعية قيادة المؤتمر العمّالي، استنادًا إلى القانون الأساسي للمؤتمر الذي حدّد نهاية الولاية القانونية للمجلس التنفيذي للمؤتمر نهاية 1965م.( ) وكان من نتائج ذلك أن دعا الاتحاد العام للعمال العرب قادة كلّ النقابات في عدن إلى القاهرة لإدارة حوار بينهم وقد تم الاتفاق على إجراء انتخابات لانتخاب مجلس تنفيذي جديد للمؤتمر العمّالي، وقد أيدت النقابات الست هذا الاتفاق.( ) وهكذا أسدل الستار على الأصنج، وجماعته، وأصبح النقابيون الثوريون في صدارة المشهد النقابي.

الحركة النقابية الجنوبية فيما بعد الاستقلال، وحتى قيام الوحدة:
بُعيد تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، والذي كان للحركة العمّالية وللحركة النقابية إسهام وافر في تحقيقه، جرى تغيير اسم المؤتمر العمّالي إلى الاتحاد العام لعمّال اليمن الجنوبية( )، وضمّ في إطاره (8) نقابات عامة بعد توحيد كياناتها، وشكلت له فروع في مختلف المحافظات.( ) وأصدر صحيفة صوت العمّال كصحيفة ناطقة بلسان حال الاتحاد.
تحققت للحركة العمالية الجنوبية مكاسب كبيرة، سواءٌ على مستوى التشريع، أم على المستوى المعيشي؛ بفعل التوجّه التقدّمي للنظام الحاكم في اليمن الديمقراطي، فالتنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية (1968 – 1978م)، ولاحقًا الحزب الاشتراكي اليمني (1978 – 1990م)، قد عرّفا نفسيهما كتنظيمين سياسيين للطبقة العاملة، وحلفائها من الفلاحين، والكادحين، والمثقفين الثوريين، واعتمدا الاشتراكية العلمية كنظرية لقيادة الدولة والمجتمع، وعلى أساس برنامج راديكالي للتحويل الوطني الديمقراطي في مختلف المجالات.
جرى تنفيذ جملة من الإجراءات "الثورية"، أبرزها: الإصلاح الزراعي، وتأميم الشركات والملكيات الأجنبية والمحلّية، والتوسّع في إقامة المشاريع التنموية، وفي البنية التحتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واعتماد سياسة اقتصادية وطنية متحررة من هيمنة الرأسمال الأجنبي، وتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد خدمات إلى اقتصاد إنتاجي ممركز بيد الدولة، وقد مثّل القطاع العام القطاع الأول والأساسي في البلاد.
وسعت اليمن الديمقراطي إلى الارتباط الوثيق بالمنظومة الاشتراكية الأممية، في إطار الاستقطاب الدولي آنذاك بين كتلة اشتراكية، وكتلة رأسمالية.
وأقامت اليمن الديمقراطي مع الاتحاد السوفياتي، وبعض البلدان الاشتراكية علاقات اقتصادية حصلت من خلالها على منح المساعدات والقروض لتمويل الخطط التنموية، وهي قروض بلا فوائد وإنشاء مشاريع اقتصادية صناعية وزراعية، منها مزرعة لينين في أبين التي تعتبر أكبر المزارع المملوكة للدولة، وإقامة مصانع مثل مصنع لتعليب الأسماك في المكلا، واستصلاح الأراضي الزراعية، وإنشاء الحواجز والسدود المائية، وإقامة بنى تحتية، ورصف الطرق، وبناء محطات للكهرباء، والاتصالات، ومحطات مياه الشرب، ومشافٍ ومدارس.
كان لجملة هذه الإجراءات نتائج إيجابية في رفع المستوى المعيشي للسكان، وللطبقة العاملة، وتوفير الخدمات العامة المجانية: التعليم، والطبابة، والرعاية الصحية، والكهرباء، والإسكان... إلخ، وتوسيع القاعدة العمّالية، والقضاء على شتّى أشكال الاستغلال الاقتصادي، والتمييز الاجتماعي، وتمكين العمال من المشاركة الفاعلة في قيادة العملية التنموية، وإدارة المؤسسات الإنتاجية، وإشراك المرأة بصورة فعالة في العملية الاقتصادية والإنتاجية وفي قيادة الدولة.
ورغم كل هذه المنجزات، فقد شابت تجربة اليمن الديمقراطي الكثير من الأخطاء، وأوجه القصور، التي تحتاج إلى دراسة مستقلة، وسنقصر الحديث على خطأين اثنين:
الخطأ الأول: يتعلّق بعملية التأميم، فقد اتخذت طابعًا متطرّفًا؛ إذ وصلت إلى حد تأميم الملكيات الصغيرة، الأمر الذي انعكس سلبًا على النشاط الاقتصادي، وجمود الحركة العمرانية، وأنتج حالة من الجمود، والتكلّس، والبيروقراطية.
الثاني: الشمولية، وحكم الحزب الواحد، فقد فرضت السلطة سيطرتها المطلقة على المجال السياسي، وعلى العمل النقابي، متخذةً أسلوب النقل الميكانيكي للتجارب النقابية في البلدان الاشتراكية. وقد ظهرت المنظمات الجماهيرية عمومًا، ومنها النقابات كمُلحق بالدولة، والحزب، وبذلك افتقدت لروح المبادرة والاستقلال. وتوطدت داخل قيادة الحركة النقابية نفسية الاعتماد على قوة الحزب الحاكم.( )
دور التيار الماركسي في تثوير وعي الطبقة العاملة، وفي النضال الوطني:
يتسرّب الوعي الثوري للطبقة العاملة من خارجها، من المثقفين الثوريين، والحزب السياسي الطليعي.
ولقد كان التيار الماركسي والذي عُرف باتحاد الشعب الديمقراطي منذ 22 أكتوبر 1961م بزعامة المناضل عبدالله عبدالرزاق باذيب، بمثابة الإشعاع التنويري، التثويري للطبقة العاملة، ولحركتها النقابية.
فقد كانت صحيفة الأمل، التي أصدرها عبدالله باذيب وترأس تحريرها، منبر العمّال وصوتهم الصادح، وساهمت في إذكاء الوعي العمالي، والطبقي، والوطني في صفوف الطبقة العاملة.
وقد صدرت عن اتحاد الشعب الديمقراطي وثيقة برنامجية هي "الميثاق الوطني"، وتحت شعار "نحو يمن حُر ديمقراطي موحّد"، إذ أعلن اتحاد الشعب أنه يناضل من أجل التحرّر الوطني، والوحدة اليمنية الديمقراطية، ومن أجل الإسهام في بناء الوحدة العربية على أسس صحيحة. واستند الحزب في تحديد المهمات المطروحة إلى خصائص الوضع في البلاد، وطبيعة مرحلة النضال التي تمر بها، مسترشدًا في ذلك بمبادئ الاشتراكية العلمية.
ودعا اتحاد الشعب إلى مساندة الحركة الوطنية الشعبية الديمقراطية المعادية للاستعمار، والإقطاع والرجعية المحلّية، وضدّ التجزئة المفروضة على الشعب اليمني، كما أشار الميثاق إلى أن الاستعمار هو العدو الرئيس والأشد خطرًا الذي يحتل الجنوب، ويرعى جميع قوى التخلّف ويعيق توحيد الشطرين.
كما دعا إلى النضال ضد الاستعمار، وركائزه من السلاطين والحكّام الإقطاعيين، وأشار إلى الوضع في شمال البلاد داعيًا إلى وحدة النضال الوطني ضد الاستعمار، وقوى الإقطاع، والسلاطين في الجنوب، وضد النظام الإمامي الكهنوتي في الشمال.
لقد مثّلت وثيقة الميثاق الوطني محاولة جديّة لإجراء تحليل موضوعي للوضع في جنوب وشمال اليمن، ومهام النضال الوطني من مواقع الاشتراكية العلمية.( ) وعبرّت تعبيرًا صادقًا عن وعي اتحاد الشعب بالظروف الموضوعية للمنطقة وطبيعة المرحلة التاريخية، ولم نلمح في البرنامج اتجاهًا إلى الطفولة اليسارية، أو القفز على المرحلة، بل عرض البرنامج موضوع الوحدة الوطنية، وطبيعة المهام الوطنية عرضًا موضوعيًا.( )
في أواخر عام 1961م أسّس الماركسيون اليمنيون إلى جانب اتحاد الشعب منظمة احتياطية لهذا الحزب: المنظمة المتحدة للشباب اليمني، وهي تنظيم شبيبي، ثقافي، اجتماعي، ديمقراطي برئاسة الشهيد عبدالله عبدالمجيد السلفي، أحد القيادات العمالية البارزة آنذاك. اضطلعت المنظمة المتحدة للشباب اليمني بدور ثقافي تنويري في أوساط الشبيبة لتوحيد صفوفها وربطها بالحركة الوطنية، ونظمت محاضرات، ومناقشات سياسية، وفتحت صفوفًا دراسية مجانية لتعليم الكبار، ومحو الأمية، ومثّلت المنظمة شبيبة اليمن الجنوبية في الندوات العالمية، كما ساعدت الشبان اليمنيين في الحصول على منح دراسية في الاتحاد السوفياتي.( )
لاقى الماركسيون اليمنيون قمعًا، واستهدافًا كبيرين من قِبل الاستعمار، وأعوانه، بل وحتى من قِبل بعض فصائل العمل الوطني، ذات الاتجاه القومي!
ومن تلك الاستهدافات والقمع: قيام السلطات الاستعمارية في عدن بمحاكمة عبدالله باذيب، بسبب مقال كتبه بعنوان (المسيح الجديد يتكلّم الإنجليزية)، الذي نشر في صحيفة "النهضة" عام 1955م، ورد فيه على الدعوات المشبوهة التي تنادي بالسلام، والمحبة، والتآخي الطبقي، والسياسي بين الجماهير الشعبية، والقوى الاستعمارية، والأجنبية، والرجعية المحلية، والتي برزت مع نهوض الحركة الوطنية ونضالها من أجل التحرر من الاستعمار، وسيطرة الشركات الأجنبية بهدف طمس الصراع الطبقي والسياسي. ولكن تحوّلت المحاكمة إلى محاكمة للمستعمرين، وشركاتهم الاستعمارية، الذي وصفهم عبدالله باذيب، في قاعة المحكمة "بمصّاصي دماء الشعوب"، كما تحولت، أيضًا، إلى تظاهرة سياسية، شعبية، نظّمتها القوى الوطنية، والهيئات الشعبية تأييدًا للكاتب ودفاعًا عن القضايا التي أثارها في مقاله.( )
وفي 28 أبريل 1966م اغتيل رئيس نقابة عمال وموظفي البنوك، ورئيس منظمة الشبيبة المناضل الثوري عبدالله عبدالمجيد السلفي.. وقد كان لهذا الحادث تداعيات كبيرة، فقد عمت المظاهرات الجماهيرية في عدن، وفي معظم المحميات، وفي حضرموت.( )
بُعيد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، وإثر سيطرة الجبهة القومية على المشهد السياسي وإعلانها كممثل وحيد لليمن الجنوبية، اضطر عبدالله باذيب ورفاقه أن يبتكروا تسمية جديدة لتنظيمهم السياسي، وأسموه (رفاق الشهيد السلفي) بحيث لم توحِ التسمية الجديدة بوجود تنظيم سياسي، وقد أصدرت هذه المجموعة في يناير 1968م برنامجًا تحت شعار (من أجل يمن حُر ديمقراطي موحّد)( ) دعت فيه إلى إطلاق الحريات الديمقراطية، وحذرت من الاستئثار بالعمل الوطني، واحتكار العمل السياسي، وحرمان أي فصيل ثوري من ممارسة حقه في النشاط، والعمل الثوري، كما دعت إلى إطلاق الحريات النقابية وتشكيل مجلس شعبي يضم ممثلين عن جميع القوى والفصائل الثورية والوطنية.
ثانيًا: النقابات العمّالية في الشطر الشمالي (1961 – 1990):
تأخر نشوء النقابات في الشطر الشمالي من البلاد عن الشطر الجنوبي بحوالي عقد من الزمان، وذلك بفعل عوامل عديدة تمثلت بتخلّف الوضع الاقتصادي، والاجتماعي، وضعف الطبقة العاملة، والطبيعة القروسطية المتخلّفة للنظام الإمامي الحاكم، وقبضته الأمنية التي حالت دون تنظيم العمّال لأنفسهم في نقابات عمّالية علنية، فلجأ العمّال إلى تكوين نقابات سرية أول الأمر. وقد أنشئت أول لجنة نقابية سرية عام 1961م لعمّال مشروع الطرقات في مدينة تعز.( )
وفي 20 يونيو 1962م، أي قبل قيام ثورة 26 سبتمبر بثلاثة أشهر فقط تداعت عناصر عمّالية بعضها عاد من الشطر الجنوبي إلى لقاءٍ عمالي أسفر عن الاتفاق على تكوين لجنة عمّالية تضطلع بمهام التحضير، والإعداد لتكوين نقابة عمّالية.( )
وقد نشطت هذه اللجنة في ظل ظروف سرّية، ومحفوفة بالمخاطر، وأسهمت في التأثير والقيادة أحيانًا لبعض نضالات العمال قبيل اندلاع الثورة، مثل إسهامها في توجيه الإضراب الذي نفذه عمّال "النقطة الرابعة الأمريكية" في تعز، الذي وعلى الرغم من أنه أسفر عن فصل (70) عاملًا إلا أنّه حقّق أهدافه في زيادة الأجور، والاعتراف بحق العمال في الإجازات، كما أسهم في رفع وعي العمّال بضرورة تضامنهم، وتكاتفهم.( )
وفي يوليو 1962م، تشكلت لجنة نقابية لعمال مشروع طريق المخاء تعز صنعاء.
كان لاندلاع الثورة ضد الحكم الإمامي في 26 سبتمبر 1962م، والتي أسهمت فيها العناصر العمالية بدور مشهود، تأثير كبير على مسار الحركة النقابية، فقد وفرّت المناخ الملائم للنشاط النقابي العلني، إذ نشأت أربع نقابات في مدينة تعز وتكونت نقابات في كل من الحديدة، وصنعاء، والمخاء، وإب، والراهدة. وفي مايو 1963م تم افتتاح مقر النقابة العامة بتعز، وبهذا سجّل التاريخ قيام أول منظمة جماهيرية بمفهومها الحديث معترف بها في تاريخ شمال اليمن.( )
أفضى هذا التوسّع في تكوين النقابات إلى عقد المؤتمر الأول للاتحاد العام لعمّال اليمن في الفترة من 14 – 17 يوليو 1965م. وقد تشكّل قَوام الاتحاد من 12 نقابة عامة.( )
الاتحاد العام لعمّال اليمن في مجرى النضال الوطني العام:( )
مثّل تأسيس اتحاد عام للعمّال علامة فارقة في سيرورة الحركة النقابية في الشمال، وقد لعب الاتحاد، منذ السنوات الأولى لتأسيسه، دورًا ثوريًا فاعلًا في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وتدعيم مداميك النظام الجمهوري، ومواجهة المخططات الرامية للالتفاف على أهداف الثورة وإجراء مصالحة بين اليمين الجمهوري، والقوى الملكية.
كما أيّد اتحاد العمّال ثورة 14 أكتوبر 1963م، وأكّد على قضية الوحدة اليمنية منذ أول وهلة، إذ لم تكن تسمية الاتحاد العام منذ تأسيسه باسم الاتحاد العام لعمال اليمن عفوية، بل كان الهدف منها التأكيد على رفض عمّال الشمال للتجزئة السياسية القائمة لليمن، وإلى عدم الاعتراف بشرعية القيادة النقابية الرجعية المهيمنة على المؤتمر العمالي بعدن. ليس ذلك وحسب، بل قام الاتحاد بإقامة تنسيق مباشر مع النقابات الست الثورية في الجنوب، وعمل معها بشكل موحّد ومنسجم، ومن ذلك: ما حدث في المؤتمر الثالث لاتحاد عمال العرب، فقد رفض الأصنج، رئيس المؤتمر العمّالي السماح لممثّلي النقابات الست بحضور المؤتمر، فما كان من اتحاد عمّال اليمن إلا أن قام بتخصيص نصف مقاعده في المؤتمر لممثلي النقابات الست، وهكذا تم للنقابات الست فضح القيادة الرجعية للمؤتمر العمّالي.
استمر الاتحاد يلعب أدوارًا وطنية مختلفة، مجسّدًا جدلية الارتباط العضوي بين النضال المطلبي للحركة العمالية، والنضال الوطني العام، وأنه لا يمكن فصل مسار أحدهما عن الآخر بأيّ حالٍ من الأحوال.
ونتيجة لهذه الأدوار النضالية، فقد تعرض الاتحاد بُعيد انقلاب 5 نوفمبر 1967م الأسود لإجراءات سلطوية قمعية، حيث داهمت السلطة الانقلابية مقر الاتحاد، واستولت على كلّ محتوياته، واعتقلت معظم قيادات الاتحاد.
على الرغم من قساوة هذه الإجراءات القمعية، إلا أنها لم تنل من همّة العمّال، واتحادهم النقابي للاستمرار في النضال الوطني، والدفاع عن الثورة المجيدة. فقد اشترك بفاعلية في المقاومة الشعبية إبان حصار السبعين يومًا (28 نوفمبر 1967 – 7 فبراير 1968م)، وهو الحصار الذي فرضته القوى الملكية المدعومة من السعودية على العاصمة صنعاء، والذي شكّل أكبر خطر واجهته الثورة والنظام الجمهوري الوليد، "واستشهد على الخطوط الأمامية المئات من العمّال، والنقابيين، سواء في الدفاع عن صنعاء، أم في غيرها من المناطق."
لم يشفع هذا الدور البطولي للعمال ولاتحادهم العام من الإجراءات السلطوية القمعية، فبدلًا من الإفراج عن القيادات النقابية، والسماح بإعادة فتح مقر الاتحاد، وإعادة الممتلكات المُصادَرة، أقدمت السلطة على اتخاذ قرار بحلّ الاتحاد، وحظر العمل النقابي بشكل عام.
وفي 4 سبتمبر 1969م قامت السلطة بتشكيل اتحاد موالٍ لها، لكن النقابيين قاوموا هذا الشكل اللاشرعي وتمكنوا من إفشاله في المظاهرة الكبيرة في 1 مايو 1970م. وعملوا للإعداد للمؤتمر الثاني للاتحاد العام للعمال الذي انعقد في الفترة 2- 8 أغسطس 1970م بمدينة تعز. وقد خرج هذا المؤتمر بعدة قرارات، وتوصيات من أبرزها:
- مطالبة السلطة برفع الحظر العام على الاتحاد العام لعمّال اليمن، وإعادة ممتلكات العمل النقابي التي نهبت في أحداث أغسطس 1968، وإفساح المجال أمام العمل النقابي الديمقراطي.
- العمل من أجل توفير وضمان العلاج المجاني، والتعليم لأبناء العمال، والفلاحين، والمرأة العاملة، وتوفير المواصلات، وإنشاء التعاونيات، والعمل على محو الأمية في الأرياف.
- مطالبة الحكومة بإصدار القوانين والتشريعات العمالية وتعيين عناصر محايدة في مصلحة الشئون الاجتماعية والعمل.
استمرت القيادات النقابية في مقاومة الإجراءات القمعية للسلطة، وتمكّنت من إفشال مساعيها في السيطرة على الحركة النقابية، بل وتوسيع قاعدة الحركة النقابية، وتشكيل لجان نقابية جديدة وهي: نقابة عمّال وعاملات مصنع الغزل والنسيج صنعاء، ونقابة عمّال ومستخدمي شركة الكهرباء صنعاء، ونقابة عمّال ومستخدمي الطباعة والنشر صنعاء، ونقابة عمّال ومستخدمي الخطوط البرية اليمينة صنعاء، ونقابة عمّال المخاء، ونقابة عمّال ومستخدمي سائقي السيارات صنعاء وتعز، ونقابة عمّال ومستخدمي الطرقات تعز.
المزيد من القمع السلطوي.. والمزيد من المقاومة العمالية:
تزايدت وطأة القمع السلطوي ضد الطبقة العاملة، وحركتها النقابية في الشمال خلال السبعينات، فقد تعرّضت قيادات عمالية للمطاردات، والاعتقال، والتعذيب الوحشي في سجون صنعاء، ومنهم من استشهد تحت التعذيب، أمثال: علي قاسم سيف، عضو اللجنة المركزية للاتحاد، وأحمد مرشد، بالإضافة إلى اغتيال يحيى عبدالملك، عضو المجلس التنفيذي للاتحاد، الذي اغتيل بحادثة دهس سيارة في أكتوبر 1977.
كما تعرّض المئات من العمّال للفصل التعسفي من العملن بسبب نشاطهم النقابي، وبموجب قانون جائر، قضى بعدم السماح بتوظيف أي عامل حتى في القطاع الخاص ما لم يحمل من الأمن شهادة حسن سيرة وسلوك، ولا تُعطى هذه الشهادة لمن يكتشف أن له أيّ نشاط نقابي.( )
اضطرّت بعض القيادات النقابية للنزوح إلى عدن وفتح مكتب للاتحاد، ومزاولة النشاط النقابي والسياسي هناك، وكان من أبرز هؤلاء: علي سيف مقبل الأمين العام لاتحاد عمال اليمن، وحسن الجراش، وعبده سلام الدُبعي، عبده سالم (نصر) الحكيمي، بينما استمر النشاط النقابي في الشمال في ظروف عمل سرّي في الغالب الأعم.
وفي ديسمبر 1977م، انعقد اجتماع نقابي موسّع وقف أمام أوضاع الحركة النقابية، ووضع برنامجًا للعمل وانتخاب لجنة تنفيذية، وقد حدّد البرنامج المطالب المُلحة والأهداف العلنية للحركة النقابية التي تمثلت بإطلاق الحريات العامة، والنقابية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإنهاء النفوذ الخارجي على مقاليد السلطة، وانتهاج سياسة وطنية، ديمقراطية، داخلية، وخارجية، والحفاظ على السيادة الوطنية.. إلخ. وقد انتخبت لجنة تنفيذية، وانتخب علي سيف مقبل رئيسًا لها.( )
شهدت ثمانينات القرن العشرين انحسارًا كبيرًا في نشاط المنظمات النقابية العلنية التي تحول الكثير منها إلى العمل السرّي كموقف تكتيكي دفاعي جراء تشديد أعمال القمع السلطوي، وكان لهذا الموقف التكتيكي أثر سلبي على مصير العمل النقابي. فقد لجأ النظام وبواسطة عناصره الاستخباراتية إلى إنشاء منظمات نقابية رسمية، وشكلية، وكان الهدف من وراء إنشائها منافسة المنظمات المناظرة لها في الشطر الجنوبي في إطار الصراع بين النظامين، واحتواء أيّ توجه لوجود حركة نقابية مستقلّة في الشمال.( ) وهكذا جرى تدجين الحركة النقابية، واتحاد العمال في الشمال الذي تم تغيير اسمه إلى الاتحاد العام لنقابات العمّال في الجمهورية العربية اليمنية، وعقد في أبريل 1984 مؤتمرًا تأسيسيًا له، وبذلك أصبح مواليًا للسلطة بصورة كلّية.
من الأخطاء التي وقعت فيها قيادة الاتحاد العام للعمال، وأثرت سلبًا على وحدة العمل النقابي، استبعاد وتهميش "نقابة الصيقّل العمّالية" رغم ثقلها وتأثيرها الكبير في أوساط العمّال في الحديدة، وذلك لأسباب سياسية، وأيديولوجية.
فنقابة الصيقل العمّالية، كانت ذات توجّه ماركسي، فيما اتحاد العمّال غلب عليه التوجّه القومي، ومن المعلوم أن شطرًا من ستينيات القرن العشرين كان يشهد صراعًا أيديولوجيًا محتدمًا بين القوميين، والماركسيين.( )
ثالثًا: الحركة النقابية في اليمن الموحّد (1990 – 2022):
شكّل الإعلان عن توحيد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية في إطار كيان سياسي واحد حمل اسم "الجمهورية اليمنية" في 22 مايو 1990م بارقة أمل جديدة أمام الطبقة العاملة، والحركة النقابية لتوحيد كيانها، وممارسة نشاطها في الضوء مستفيدةً من المناخ الديمقراطي التعددي الذي أتاحه دستور اليمن الموحد.
وقد جرى دمج الكيانات النقابية الشطرية في إطار "الاتحاد العام لنقابات عمّال الجمهورية اليمنية" في 7 يونيو 1990( )، وتولَّى النقابي راجح صالح ناجي، رئاسة الاتحاد، غير أن هذا الدمج قد انحصر في نطاق الهياكل الفوقية للاتحادين الشطريين فقط( )، ولم يُعمّم على المستويات القاعدية؛ الأمر الذي أثّر سلبًا على وحدة العمل النقابي وظل في حالة من التشتت والتخبّط، ورهينًا للإرث الشمولي، وللاستقطابات السياسية، وللصراعات الداخلية.
شهدت سنوات (91 – 93م) حراكًا نقابيًا، وعمّاليًا متناميًا، وبدأ بعض النقابيين بتشكيل وإحياء بعض النقابات العمّالية، والمهنية، مثل: نقابة عمّال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير، ونقابة المهن الفنية الطبية، ونقابة الأطباء والصيادلة، ونقابة المهن التعليمية.
وتركّز النشاط النقابي خلال الفترة المذكورة في محافظات تعز، والحديدة، إذ تشكّل أول مجلس تنسيق للعمل النقابي في تعز برئاسة علي محمد المسني رئيس نقابة عمال شركة النفط بتعز، وضمّ المجلس نقابات: عمّال النفط، وعمّال النقل، وعمّال الكهرباء، وعمّال البلدية، وعمّال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير، وعمّال وموظفي مؤسسة المياه، وبعض النقابات المهنية ك: نقابة المهن الفنية الطبية، ونقابة المهن التعليمية، ونقابة المهندسين، ونقابة الأطباء والصيادلة.
عمل هذا المجلس على التنسيق والارتباط بالاتحاد العام بعدن، وسعى إلى نسج علاقات تنسيق مع بعض النقابات في المحافظات الشمالية، كنقابة عمّال شركة النفط، ونقابة عمّال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير في العاصمة صنعاء، ونقابة المهن التعليمية في محافظة ذمار وغيرها.
وشهد 21 مارس 1991م إضرابًا شاملًا سبّب شللًا في الحركة، وفصل اليمن عن العالم بسبب وقف تمويل الطائرات، والسفن، والبواخر بالوقود، ووقف التحويلات المالية، وقد طالب العمّال المضربون بتحسين ظروف، وشروط العمل، وتحسين الأجور، ورفض ارتفاع الأسعار.
وقد برز خلال الفترة المذكورة العديد من الكيانات والقيادات النقابية:
• في عدن: فرع الاتحاد العام للعمال بكل مكوناته، ومن أبرز القيادات النقابية:
عبده فارع نعمان (ترأس هيئة تحرير صحيفة صوت العمال) وراجح صالح ناجي، ومحمد قاسم نعمان (تولى رئاسة تحرير صوت العمال خلفًا لعبده فارع نعمان)، وعبدالله مغارف، وعبد الجبار سلام، وعبدالله المحروق، ومحمد عبد الواحد.
• في تعز: برز مجلس تنسيق النقابات الذي ضمّ: نقابة عمّال النفط، ونقابة عمّال النقل، ونقابة عمّال الكهرباء، ونقابة عمّال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير، بالإضافة إلى بعض النقابات المهنية ك: نقابة المهن التعليمية، ونقابة المهندسين اليمنيين، ونقابة المهن الفنية الطبية، ونقابة الأطباء والصيادلة.
ومن القادة النقابية برز كلٌ من: علي محمد المسني، وعبد القوي عبدالله سعيد الحكيمي، وعبد الدائم مانع، وعبدالله طه القرشي، وعلي محسن الدميني، وأحمد عيسى الدبعي، وعبد الجليل محمد عثمان الزريقي.
• وفي الحديدة: برزت النقابات التالية: نقابة عمّال الموانئ، ونقابة عمّال ميناء الحديدة، ونقابة عمال ميناء الصليف ونقابة عمال الغلال ونقابة عمال النقل وغيرها.
وبرز القادة النقابيون: سلطان عبد المجيد المعمري، وناصر علي صالح الشيباني، وناصر حسن ناصر، وعبدالله محمد الحاج، وعبد الحميد سرور، ومصطفي طاهر، وعمر علي عبيد، وعبدالله القدسي.
• وفي صنعاء: برزت نقابة عمال شركة النفط ونقابة عمال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير. والقادة النقابيون: محمد نعمان "البترول"، وسعيد عبد المؤمن، وعبدالله عبد الحميد الحمادي.
• وفي ذمار: برزت نقابة المهن التعليمية، بقيادة النقابي حسني الشامي.
لعبت هذه النقابات دورًا فعالًا في تنشيط العمل النقابي، وبذلت مساعي دؤوبة بهدف توحيد العمل النقابي، وإعادة ترتيب أوضاع النقابات، وإجراء انتخابات للجان النقابية، والنقابات العامة، فضلًا عن تشكيل نقابات جديدة في مؤسسات لم تعرف العمل النقابي من قبل كدواوين بعض الوزارات وبعض المؤسسات، كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
وحققت الحركة النقابية إبان الفترة الزمنية المذكورة مكاسب للعمّال، منها: تثبيت وتوظيف المتعاقدين في الشمال (سابقًا)، إرغام الحكومة على إصدار قرار بمنع التعاقد، واعتماد التوظيف بدلًا عن التعاقد، وقد تضمن هذا القرار في قانون الخدمة المدنية رقم 19 لعام 1991م، وكذا قانون التأمينات والمعاشات وقانون العمل، وإحلال عمالة يمنية محل العمالة الأجنبية في بعض القطاعات ولاسيما قطاع الصحة.
وأسهمت الحركة النقابية بدور مشهود في العمل السياسي الوطني، فقد كان لها دور أساسي في المؤتمر الجماهيري بتعز، وأصدرت العديد من البيانات، والمنشورات، أكدت فيها على موقفها الثابت والداعم لمشروع دولة الوحدة، دولة النظام والقانون، والتمسّك بالعمل الديمقراطي، والشراكة الوطنية في السلطة والثروة، ونبذ سياسة الإقصاء والإلحاق والضم.
وعلى الرغم من ازدهار العمل النقابي خلال الأعوام 91- 93م، فقد شابته العديد من مظاهر القصور والاختلال، كان من أبرزها:( )
1- انعدام وجود رؤية موحّدة تجاه الحركة النقابية، وطبيعة دورها في بناء دولة الوحدة، وانعكاس التجاذب السياسي بين أطراف النظام الحاكم على وحدة العمل النقابي وتطوّره.
2- نشوب خلاف حول مسألة وحدة العمل النقابي من تعدّديته، فقد برزت وجهتا نظر، وجهة النظر الأولى رأت أن انتهاج العمل الديمقراطي والإعلان عن التعددية السياسية، والحزبية يُملي بالضرورة السماح بالتعدّد النقابي، والجماهيري، فمن حق كل حزب أن يشكّل منظمته الجماهيرية، ومن حق المستقلّين أن يشكّلوا بدورهم منظمات خاصة بهم. فيما ذهبت وجهة النظر الثانية إلى توحيد الحركة النقابية، والمنظمات الجماهيرية، وأن يُسمح بالتعدّد في الانتماء الحزبي السياسي داخلها عبر تأثير الأعضاء الحزبيين العاملين في هذه المنظمات ويتوقف الفوز في الانتخابات لأيٍّ كان على أساس الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
إن عدم حسم هذه المسألة شكّل عائقًا أمام إعادة بناء المنظمات النقابية، وفق شروط العمل الديمقراطي في المرحلة الجديدة.
3- برزت إشكالات أخرى حول هيكل المنظمات النقابية، وحدود تمثيلها الاجتماعي فمثلًا: ضمّ اتحاد النقابات في تركيبته كلّ المنظمات النقابية للعمّال، وفئة الموظفين بمختلف شرائحهم، بينما تشكّلت منظمات ذات طابع نقابي خارج الاتحاد العام للنقابات، ولا تختلف من حيث طبيعة مهامها عن مهام النقابات مثل: نقابة عمّال المهن الطبية.
حرب 94م، وتداعياتها الكارثية على الطبقة العاملة، وكيانها النقابي:
مثلّت حرب صيف 1994م ضربة قاصمة للمشروع الوطني الديمقراطي، ونزعت عن الوحدة مضامينها التوافقية الطوعية الوطنية، وحوّلتها إلى وحدة معمّدة بالدم، ومشفوعة بثقافة الفيد، والإقصاء، والتهميش.
ومثلما شكّلت الحرب كارثة وطنية عامة، فقد ألحقت بالطبقة العاملة أضرارًا فادحة، يمكن إيجازها بالصورة الآتية:
1- جرى خصخصة، ونهب شامل للقطاع العام، وقد شمل هذا الإجراء ما يزيد على (65) منشأة صناعية، وتجارية، وزراعية، كالمصانع، والمؤسسات، والورش، والمنشآت الخدمية، ومزارع الدولة، والتعاونيات.( ) ومن أبرز المنشآت، والمؤسسات التي جرى خصخصتها، أو الاستيلاء عليها:
- المؤسسة اليمنية للصناعات النسيجية.
- مصنع معجون الطماطم.
- مصنع الثورة للمنتجات الحديدية.
- مصنع الأدوات الزراعية والمعدنية
- المؤسسة العامة للألبان.
- مؤسسة أوسان للبسكويت، والحلويات، والمخبز الآلي.
- مصنع الأحذية الجلدية.
- المخبز الشعبي.
- تعاونية المرأة للخياطة.
- تعاونية الصناعات الجلدية.
- مصنع الشهداء للملابس.
- مصنع الزيوت النباتية.
- المؤسسة الوطنية للمشروبات.
- مصنع الدباغة الوطني.
- موقع مصنع الصابون.
- مصنع البطاريات.
- مصنع الرصاص.
- مصنع العطور الوطني.
- مصنع الطلاء.
- مصنع المطاط.
- مصنع الألمنيوم.
- مصنع الكبريت.
- مصنع السجائر، والتبغ الوطني.
- مصنع الأدوات، والقواطع الكهربائية.
بالإضافة إلى:
- شركة طيران اليمدا.
- عدد من مصانع السلاح والذخيرة.
- ورش تصنيعية، وصيانة تابعة للقوات المسلحة.
- نهب وتخريب (266) تعاونية.
- نهب وتخريب (255) مرفقًا حكوميًا من المقرات الحكومية والخاصة.
- الاستيلاء على عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي.
2- تسريح ما يزيد على (200) ألف عامل وموظف عام، وإحالتهم إلى التقاعد القسري وبأجور متدنية، حيث كان هؤلاء يشكلون قوة العمل للدولة في الجنوب في مختلف المؤسسات الإنتاجية، والخدمية. وقد تسبب هذا الإجراء التعسفي بارتفاع مؤشرات البطالة، والفقر، والبؤس إلى مستويات قياسية، وشكّل مع الوقت الجذر الحقوقي للقضية الجنوبية، ووفر العامل الموضوعي لتنامي الدعوات لفك الارتباط.
3- جرى فصل تعسفي لمعظم القيادات النقابية والعمالية من أعمالهم، وفي مقدمتهم النقابي راجح صالح ناجي، الأمين العام لاتحاد عمّال اليمن، وفصل (21) عضوًا من أعضاء المجلس المركزي للاتحاد.
4- نفذّت أجهزة السلطة أعمال تصفية وتنكيل بحق بعض القيادات النقابية، فقد اغتيل حسني الشامي رئيس نقابة المهن التعليمية في محافظة ذمار، وجرى اعتقال النقابي علي محمد المسني، وطالت الملاحقات والحرمان من الحقوق القانونية قيادات نقابية أخرى، أبرزها: سلطان عبد المجيد المعمري، وعبدالله محمد الحاج القدسي، وعبد الجليل الزريقي، وعبد القوي عبدالله سعيد.
5- التعدّي على الحريّات النقابية، وتخريب بيئة العمل النقابي، وإلغاء المكتسبات التي حققتها تجربة العمل النقابي والجماهيري في المحافظات الجنوبية، والشرقية، والشمالية خلال أكثر من ربع قرن، ومصادرة حقوق وممتلكات تلك المنظمات، والنقابات، والتصرّف بمقراتها وممتلكاتها بدون وجه حق.( )
6- قيام عناصر أمنية وعناصر نقابية انتهازية بالسيطرة على النقابات مما حوّل العمل النقابي إلى عمل شكلي يقوم بتغطية فساد القيادات الإدارية في القطاع العام والجهاز الإداري.( ) ناهيك عن استخدام أساليب التفريخ، والاستنساخ للكيانات النقابية وتفتيتها، فعلى سبيل المثال كان القطاع الصحي ممثلًا بنقابتين فقط، هما: نقابة الأطباء والصيادلة، ونقابة المهن الفنية الطبية، وبدأ تفريخ وتفتيت نقابة الأطباء والصيادلة إلى ثلاث نقابات: نقابة الأطباء، ونقابة أطباء الأسنان، ونقابة الصيادلة، ثم تلا ذلك تفتيت نقابة المهن الفنية الطبية إلى ثلاث نقابات: نقابة المهن الفنية الطبية، ونقابة الطب التشخيصي، ونقابة المختبرات. والحال نفسه جرى في قطاع التعليم الذي كان يضم نقابتين فتحولتا إلى ثلاث نقابات، هي: نقابة المهن التعليمية، ونقابة المعلمين، ونقابة المهن التربوية.
7- إجراء تعديلات تشريعية في قانون العمل، وقانون الخدمة المدنية قلصّت من حقوق العمال وكبلّت العمل النقابي.

متغيرات جديدة وانتعاش الآمال:
استمرّت أعمال التنكيل، والحصار السلطوي ضدّ الحركة النقابية، والعمالية في عموم البلاد حتى العام 2002م الذي شهد ولادة "اللقاء المشترك" كتكتّل سياسي، معارض ضمّ معظم الأحزاب السياسية المعارضة في الساحة اليمنية، وقد أنعش هذا المتغير الجديد الآمال في أن تستعيد الحركة النقابية دورها، وبدأت بالفعل قيادات نقابية تنشط في صفوف النقابيين، والعمّال، وأمكن لها العمل على تحرير بعض النقابات السابقة من قبضة النظام، وتشكيل مجالس تنسيق نقابية، وجماهيرية في بعض المحافظات، من أبرز هذه المجالس: مجلس تنسيق النقابات ومنظمات المجتمع المدني (متين) بمحافظة تعز، الذي بدأت إرهاصات نشوئه عام 2003م، من خلال الدور الذي قاده فرع نقابة الأطباء برئاسة د. علي محسن الدميني، وفرع نقابة المهن الفنية الطبية، ممثلة برئيسها عبد الجليل محمد عثمان الزريقي، حيث بدأتا في التواصل مع النقابات الأخرى، وطرح فكرة تشكيل مجلس تنسيق يضم النقابات، ومنظمات المجتمع المدني بمحافظة تعز، وقد شهد العام 2005م ولادة مجلس تنسيق النقابات، ومنظمات المجتمع المدني (متين)، وكان حينها يضم (11) نقابة واتحادًا، وهي:
- فرع نقابة الأطباء والصيادلة.
- فرع نقابة المهن الفنية الطبية.
- فرع نقابة المهن التعليمية.
- نقابة عمال محطة الكهرباء (عصيفرة).
- فرع نقابة المحامين اليمنيين.
- فرع نقابة المعلّمين اليمنيين.
- فرع نقابة المهندسين اليمنيين.
- فرع اتحاد نساء اليمن.
- اتحاد طلاب اليمن (جامعة تعز).
- فرع اتحاد شباب اليمن.
- جمعية النجّارين.
ثم توسّع بعد ذلك وأصبح يضم أكثر من ثلاثين كيانًا نقابيًا.
وقد اضطلع مجلس التنسيق (متين) بالعديد من الأنشطة النقابية المتنوّعة: إضرابات، اعتصامات، ومطالبات، هدفت إلى تحسين ظروف العمال ورفع الأجور، وصرف المستحقات القانونية للعمال والسماح لهم بممارسة النشاط النقابي، كما انخرط (متين) في النضال السياسي المعارض للنظام خلال الأعوام 2005 – 2011م في محافظة تعز.
أما في المحافظات الأخرى فقد سجلت بعض النقابات العمّالية، والمهنية حضورًا متميّزًا في النشاط النقابي خلال الفترة المشار إليها، وعلى رأسها: نقابة المعلمين، ونقابة الصحفيين، ونقابة المحامين، ونقابة الأطباء، ونقابة المهن الفنية الطبية.
أما الاتحاد العام لنقابات عمّال اليمن فقد بقي رهين القبضة السلطوية، والقيادة الانتهازية. فطوال سنوات عديدة جرى تأجيل "عقد المؤتمر العام للاتحاد الذي كان يفترض أن ينعقد في الأعوام الأولى بعد الوحدة، وظلّت توصيات المجلس المركزي بإنجاز الدورة الانتخابية الشاملة، بدءًا من اللجان النقابية، مرورًا بالنقابات الفرعية، والنقابات العامة، وانتهاءً بمؤتمر الاتحاد، حبرًا على ورق. بالإضافة إلى تجميد المجلس المركزي للاتحاد العام، وعدم عقد أية دورة له خلال الأعوام (2003 – 2006م) رغم أن اجتماعاته شكلية ولا تقدّم شيئًا يُذكر للممارسة النقابية السليمة، وللدفاع عن حقوق العاملين.( )
شهد العام 2007م استكمال الدورة الانتخابية، حيث عقدت بعض النقابات العامة، وفروع الاتحاد في عدد من المحافظات دورات انتخابية، حيث بلغ عدد النقابات العامة التي عقدت مؤتمراتها عشر نقابات عامة، وهي:
- النقابة العامة للنفط والتعدين والكيماويات.
- النقابة العامة للتجارة والمصارف والأعمال المالية.
- النقابة العامة للنقل والاتصالات.
- النقابة العامة للصناعات الغذائية والزراعية والأسماك والغزل والنسيج.
- النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية.
- النقابة العامة للمهن الفنية والطبية.
- النقابة العامة للبلديات والإنشاءات.
- النقابة العامة للتعليم العالي والمهن والطباعة والثقافة والإعلام.
- النقابة العامة للمهن الحرة.
- النقابة العامة للخدمات الإدارية.
- النقابة العامة للكهرباء.
- النقابة العامة للمياه والصرف الصحي.
كما بلغ عدد اللجان النقابية التي عقدت مؤتمراتها: أربعة (4947) لجنة نقابية، وبرغم هذا الجهد الملحوظ فإنه قد تم تأجيل عقد المؤتمر العام للاتحاد إلى العام 2008م، وهو ما لم يحدث، وظلت عملية التأجيل، والتسويف، والمماطلة حتى يوم الناس هذا!!
ثورة 11 فبراير الشعبية.. والفرص المهدورة:
جاء الانفجار الشعبي والاجتماعي في 11 فبراير 2011م تعبيرًا عن وصول أزمة النظام إلى الذروة، واستحالة استمرار الشعب في العيش بالأوضاع القائمة.
شكّلت الطبقة العاملة بمختلف شرائحها بمن فيها المعطّلون والمسرّحون من أعمالهم طليعة الثورة الشعبية، فهؤلاء أكثر من اكتووا بنار الاستغلال، والإملاق، والظلم الاجتماعي، وغياب تكافؤ الفرص، وانسداد أبواب الأمل أمامهم، فاندفعوا إلى الثورة رغبة في الخلاص، وتحقيق حياة كريمة، ومواطنة متساوية.
لقد شهدت ساحات الثورة على امتداد محافظات الجمهورية تدفق عمال القطاع الإنتاجي والخدمي، الذين سارعوا إلى تكتيل أنفسهم في حركات، وائتلافات ثورية، كان أبرزها: الحركة العمالية الشبابية الثورية بساحة الحرية بتعز، بالإضافة إلى تأسيس لجان عمّالية لعمال شركات القطاع الخاص وعمال المهن الحرة، وقد تمخّض عنها تأسيس مجلس تنسيق لنقابات عمال القطاع الخاص والمهن الحرة في مارس 2012م كأول وأوسع كيان نقابي يضمّ عمال القطاع الخاص، وقطاع المهن الحرّة في اليمن.
ومن ناحية أخرى شكّل عمّال القطاع الهامشي (غير الرسمي/ غير المهيكل) النسبة الأكبر في خارطة الحركة العمّالية الثورية، وضمّ هذا القطاع طيفًا واسعًا من عمّال البناء والتشييد، وعمّال المهن الحرة: النجّارين، والسمكريين، والحدادين، والخياطين، وعمّال النظافة، وعمّال المطاعم والمحلات التجارية ...إلخ. وكان مبعث انخراطهم في مجرى الثورة بدافعٍ من الأوضاع السيئة التي يعيشونها، فهؤلاء العمال يبيعون قوة عملهم لقاء أجور زهيدة، ويتعرّضون لأسوأ أصناف الاستغلال من أرباب العمل في وقتٍ لا وجود فيه لقانون يحميهم، ويكفل حقوقهم في الأجر العادل، والإجازات، والضمان الاجتماعي، والضمان الصحي، والتأمين بعد التقاعد.
وعلى الرغم من طبيعة عملهم الشَّاق، والظروف الخطِّرة التي يتعرضون لها، في ظل غياب كلي لمعايير السلامة، فإنَّ غالبيتهم يعملون في إطار علاقة عمل غير واضحة، فلا عقود كتابيّة، ولا لوائح، ولا ضوابط تحدّد علاقتهم بربّ العمل، عدا الاتفاق الشفوي على الأجور، وفق منطق السوق (العرض والطلب).
وتزداد مأساويّة هذا الوضع مع عمّال الأجر اليومي، الذي يمكن لرب العمل الاستغناء عنهم في أيّة لحظة بسبب أو بدونه، ولا يجد هؤلاء العمّال من يُمثلهم ولا من يُدافع عنهم.( )
كما اضطلعت الحركة النقابية بأدوار مشهودة في مسار الثورة الشعبية، فقد انخرط عدد من القيادات النقابية في الثورة منذ الوهلة الأولى، وبرزت في هذا المضمار نقابات عمّالية، ومهنية عديدة مثل: نقابة المحامين، ونقابة الصحفيين، ونقابة المهن الفنية الطبية، ونقابة الصيادلة، ونقابة الأطباء، ونقابة المعلمين، والعديد من نقابات عمّال وموظفي القطاع العام والمؤسسات العامة.
وقد نفذّت هذه النقابات الإضرابات، واشتركت في المسيرات الثورية، وقدّمت تضحيات مشهودة، فقد سقط من أعضائها شهداء وجرحى.
ورغم أن ثورة 11 فبراير قد أزالت العائق الموضوعي، وفتحت الباب واسعًا أمام الحركة النقابية لتستعيد أدوارها، وتعيد تنظيم صفوفها، وبشكل مستقل، وبإرادة حرّة، غير أنه لم يتحقق شيء من ذلك باستثناء تشكيل مجلس تنسيق لعمّال القطاع الخاص، وعمّال المهن الحرة في محافظة تعز، حيث ضمّ هذا المجلس ما يزيد على (14000) عامل منضوين في (12) نقابة عمّالية، هي:
- نقابة عمّال مصنع الإسفنج والبلاستيك.
- نقابة عمّال مصنع السمن والصابون.
- نقابة عمّال شركة المتنوعة.
- نقابة عمّال شركة الجند.
- نقابة عمّال شركة البحر الأحمر (الحاشدي).
- نقابة عمّال الشركة المتحدة.
- نقابة عمّال مصنع الألبان.
- نقابة عمّال شركة التكامل الدولية.
- نقابة عمّال شركة هزاع طه.
- نقابة عمّال شركة عبدالجليل ردمان.
- نقابة عمّال المهن الحرة.
وقامت نقابات عمّال القطاع الخاص ببلورة مشروع قانون عمل جديد، وقانون تأمينات اجتماعية وسعت إلى استصدارهما عبر الدوائر الرسمية ومجلس النوّاب، غير أن ظروف الحرب المندلعة منذ مارس 2015م عطّلت هذا المسار.

الحرب الجارية.. وتداعياتها الكارثية على عُمّال وشَغِيلّة اليمن:
تسببت الحرب التي تشهدها البلاد منذ مارس 2015 في حدوث أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم بحسب تقارير أممية، فقد أصبحت الغالبية الكاسحة من المجتمع اليمني مُحاصرة بالحرب والفقر والمجاعة والأمراض والأوبئة والغلاء وانسداد أبواب الأمل. وقد نالت الحركة العمالية النصيب الأوفر من ذلك، يمكن تبيانه على النحو الآتي:( )
1- تشير بعض التقديرات إلى أن عدد العمال الذين سرحوا من أعمالهم بفعل الحرب وصل إلى نحو (1.8) مليون عامل، معظمهم من عمال القطاع الخاص.
2- (70%) من إجمالي العاملين في مختلف القطاعات فقدوا أعمالهم بسبب توقف مشاريع الإنشاءات الحكومية، بالإضافة إلى توقف معظم مشاريع الإنشاءات التابعة للقطاع الخاص التي باتت ترى في اليمن بيئة غير ملائمة للاستثمار، وأخرى قلصت نشاطها في اليمن إلى أدنى نسبة ممكنة مما يجعلها مهددة بالتوقف.
3- تعرض عدد من المصانع، والمنشآت الإنتاجية، والخدمية للتدمير إما بفعل قصف طيران التحالف العربي أو بفعل قذائف الانقلابيين، وقد ذهب ضحية هذه الأعمال الاجرامية العشرات من العمال والعاملات.
4- تفاقم عدد الفقراء بسبب الحرب إلى نحو (80%) من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة.
5- ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة متوسطة (75%) عام 2018 مقارنة بالعام 2015.
6- تدهور قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، فقد ارتفع سعر الدولار مقابل الريال اليمني في العام 2018م بنسبة (153%)، ووصل الارتفاع في عام 2022 بنسبة (500%)، ما انعكس سلباً على قيمة الأجور، إذ تشير تقارير صحفية إلى أن العامل اليمني فقد أكثر من ثلثي أجره مقارنة بالعام ٢٠١٥. وبالتالي أصبح (90%) من عمال وموظفي القطاع الحكومي يعيشون تحت خط الفقر الدولي.
7- انقطاع دفع رواتب وأجور عمال، وموظفي القطاع العام في معظم المحافظات اليمنية ولمدة تزيد عن عامين، بل إن بعض المحافظات تجاوزت هذا الحد الزمني، ووصل إلى الضعف. لقد خلقت أزمة انقطاع دفع الرواتب آثار مدمرة وضعت الملايين من أبناء الشعب اليمني أمام شبح المجاعة، فضلًا عما أنتجته من مشكلات اجتماعية، كارتفاع نسب الطلاق، والعنف الأسري، والتفكك الأسري، وتزايد نسبة التسوّل، ونسبة المصابين بالأمراض النفسية والعصبية.
8- قيام الحكومة السعودية بفرض رسوم باهظة على العمّال اليمنيين المهاجرين، ما يهدّد بعودة مائتي ألف منهم لبلدهم، رغم حالة الحرب، أو البقاء، وتسليم الأجور مقابل الرسوم الباهظة التي تُفرض عليهم.

المبحث الثالث
عقبات على الطريق

يُكرّس هذا المبحث لتناول قضايا، ومشكلات الطبقة العاملة، وقبل الولوج إلى صلب الموضوع، من المفيد إعطاء صورة بانورامية للحركة العمالية، وتوزعها الديمغرافي، وتركيبها الاجتماعي.
(ج - 1) التركيب الاجتماعي للطبقة العاملة اليمنية:
وفقًا لآخر إحصائية رسمية( )، يبلغ عدد السكان في سن العمل (من عمر 15 فأكثر) (13.4) مليون نسمة، ويشكّلون نسبة (48%) من إجمالي عدد السكان البالغ (28) مليونًا.
ويشكّل الذكور نسبة (50.8%) من مجموع القوى العاملة، في حين تشكّل النساء نسبة (49.2%).
وعلى الرغم من هذه النسب المرتفعة إلا أن نسبة المشاركة في قوة العمل لا تتجاوز (36.3%)، نسبة مشاركة الرجال (65.8%)، و(6%) فقط للنساء.
ويشكل العاملون بأجر نسبة (70%)، (30%) منهم يعملون في القطاع الحكومي، والباقون يعملون في القطاع الخاص، والقطاع غير الرسمي.
ويتوزعون على مختلف الأنشطة الاقتصادية، كما يلي:
1- عمّال الصناعة (البروليتاريا الصناعية): ويشكلون نسبة (14.5%) من إجمالي القوة العاملة.
2- عمّال الزراعة: ويشكّلون نسبة (29.2%)، وهؤلاء يتألفون من قسمين: القسم الأول: العاملون بأجر (بروليتاريا فلاحية)، ويعملون في المزارع الكبيرة المملوكة للرأسماليين وإقطاعيين، ويتركز هؤلاء بدرجة أساسية في المحافظات والمناطق الزراعية في تهامة، وحجة، وإب، وصعدة، وعمران، والمحويت، وذمار، وأبين، وحضرموت.
والقسم الثاني: فلاحين كادحين، يعملون لحسابهم في ملكيات صغيرة مملوكة لهم أو مستأجرة.
3- عمّال الخدمات والتجارة: ونسبتهم (55.6%)، ويتألفّون من قسمين: القسم الأول العاملون بأجر (بروليتاريا رمادية)، والقسم الآخر عمّال يعملون لصالح أنفسهم في القطاع الهامشي وتجارة التجزئة.
(ج - 2) بعض قضايا، ومشكلات الطبقة العاملة اليمنية:
البطالة:
البطالة ظاهرة إشكالية.. وتبدأ إشكاليتها في التحديد المفاهيمي، وفي طرق احتساب مؤشراتها مرورًا بتفسيرها، وانتهاءً بوضع تصورات لمعالجتها.
فعلى مستوى التحديد المفاهيمي يتم اختزال "البطالة" في صورة البطالة السافرة، أي وجود أفراد قادرين على العمل، ويرغبون فيه، ويبحثون عنه، ولكن لا يحصلون عليه.
يستثني هذا التعريف أولئك الأفراد القادرين على العمل، والراغبين فيه، وكانوا يبحثون عنه، ووصلوا إلى حالة يأس، وهؤلاء يشكّلون نسبة لا يُستهان بها من المُعطَلّين.
كما يستثني أشكالًا أخرى من البطالة مثل: البطالة الجزئية، والبطالة الموسمية، والبطالة المقنعة، وغيرها، والقاسم المشترك لهذه الأشكال البطالية، يتمثل في هدر المورد البشري بما يجعله عاجز عن تحقيق مستوى إنتاجية يتناسب مع قدراته، واحتياجاته.
وعلى مستوى احتساب مؤشّرات البطالة: تقوم الإحصائيات الرسمية على احتساب نسبة البطالة في الغالب الأعم كنسبة عدد العاطلين إلى مجموع قوة العمل مضروبًا في (100).
وهذه الطريقة تعطي نتائج مضلّلة، ولا تعكس الواقع الفعلي، ذلك أنها لا تأخذ بعين الاعتبار عدد الأفراد المعطّلين في لحظة زمنية معينة، والأفراد الذين يعانون حالة البطالة الموسمية، أو المقنعة، وأولئك الأفراد المعطلين قسرًا، ونعني بهم أولئك الذين جرى تسريحهم من أعمالهم قسرًا لأسباب سياسية، أو لغيرها من الأسباب.
أما على مستوى تفسير ظاهرة البطالة، ففي العادة يتم إرجاعها إلى العوامل، والأسباب الآتية:
1- ارتفاع معدّلات النمو السكّاني.
2- الهجرة من الريف إلى المدينة.
3- عدم مواءمة سياسة التعليم الجامعي مع احتياجات سوق العمل.
ويتم صرف النظر عن العامل البنيوي المولّد للبطالة، المتمثّل في النهج الليبرالي الذي تتبعه الدولة في إدارة الثروة والاقتصاد. وما ينبثق عنه من سياسات الخصخصة، والتخلّي عن القطاع العام، والاعتماد على المصادر الريعية (النفط، والغاز، والنشاط العقاري، والمصرفي) في تمويل الميزانية العامة للدولة، وتهميش الصناعة، والزراعة كنشاطات إنتاجية، والانفتاح غير المنضبط للاستثمار الأجنبي، ناهيك عن تسييس الوظيفة العامة، واستخدامها في شراء الولاءات وبناء شبكات مصالح زبونية تخدم الطبقة الحاكمة، وتؤمّن شروط استمرارها.
وتُعدّ البطالة من أكثر المشكلات التي تمسّ الطبقة العاملة، ومجموع الكادحين، نظرًا لما يترتّب عليها من هدر للمورد البشري، وشعور بالحرمان، والمعاناة، واتساع رقعة الفقر المدقع، لاسيما مع انعدام التأمين الاجتماعي ضد البطالة، الأمر الذي يخلق بيئة خصبة لانتشار العنف، والتطرف والانحراف، والجريمة في المجتمع.
وإذا تحدّثنا بلغة الأرقام، فقد وصلت نسبة البطالة عام 2014م إلى (66.17%).( )
واستمرّت في التصاعد بعد ذلك، ووصلت إلى (90%) مع ظروف الحرب الجارية وفق تقارير صحفية.
إنّ التغيرات التي طرأت على ظاهرة البطالة في العقدين الأخيرين، لم تعد تنحصر في العمال غير المَهَرة أو غير المتعلّمين، بل اتسع نطاقها، وباتت تطال العمال المؤهلين، بل حتى حملة الشهادات العليا!
هذا عن الوجه السافر/ المرئي للبطالة، فماذا عن وجهها اللامرئي؟؟
البطالة ليست مجرد مشكلة يعاني منها المتعطلون وحسب، بل هي خلل بنيوي، وهيكلي في النظام الاقتصادي ذاته.
يمثّل الاقتصاد الهامشي، أو "القطاع غير الرسمي"، صورة غير مرئية للبطالة. وآية ذلك أن هذا القطاع يضم جيشًا هائلًا من خريجي الجامعات، والمعاهد الفنية، والمدارس الثانوية، وغير المتعلمين، والذين أَعْيَتهم الحِيلة عن الحصول على عمل فاضطروا لممارسة بعض المهن لتأمين لقمة العيش.
ويتوزّع هؤلاء في قطاع البناء، والتشييد، وقطاع الخدمات، وفي التجارة، وفي معامل الإنتاج الصغير والورش الحرفية، ويعملون في المهن التالية: أعمال البناء، والنظافة، والحدادة، والنجارة، والخياطة، والسمكرة، وإصلاح السيارات، وصيانة المعدات، والسباكة، والكهرباء، ويعملون نادلين في الفنادق والمطاعم والمتنزّهات، وفي مجال التجارة: محاسبون وموزّعون وباعة، وفي مجال النقل: سائقو مركبات نقل البضائع، وسائقو مركبات الأجرة، وحمّالون، وفي مجال الزراعة: عمال باليومية، وفي مجال الاصطياد: صيادون.. إلخ، وقسم آخر يعمل ك باعة جائلين.
يعمل عمّال القطاع غير الرسمي في ظل ظروف، وشروط عمل قاسية، يمكن إيضاحها بالصورة الآتية:
1- لا توجد جهة تدير هذا القطاع، لا الدولة، ولا القطاع الخاص. لذا لا توجد قوانين، ولا لوائح تنظّم علاقة العمل بين العمّال، وبين صاحب العمل.
2- لا توجد عقود عمل مكتوبة بين العامل، وصاحب العمل إلا فيما ندر، ويتم الاكتفاء باتفاق شفوي حول الأجرة بين العامل، وصاحب العمل.
3- لا يتمتّع العامل بأيّ حماية قانونية، ولا بتأمين اجتماعي، ولا بتأمين صحي، ولا يحصل على التعويض المادي العادل في حال إصابته أثناء العمل.
4- في حال وقعت خلافات بين العامل، وصاحب العمل، يتعرّض العامل للطرد، والفصل التعسفي من العمل، وأحيانًا يُحرم من أجوره اليومية، أو الشهرية المُتفق عليها (شفويًا في الغالب) مع ربّ العمل!
5- غياب أدنى شروط السلامة المهنية، والصحية، والجسدية.
6- يمارس عمال القطاع غير الرسمي أعمالًا شاقة، ولساعات طويلة تتراوح ما بين (9 – 13) ساعة يوميًا، يكدّون طوال ساعات النهار، وقِطعٍ من الليل، ولا يحظون بأوقات فراغ، ولا أوقات راحة سوى النزر اليسير.
7- لا يحظون بالإجازات الرسمية (عدا يوم الجمعة)، ولا بإجازات مرضية كما يحظى بها عمال القطاع الحكومي، أو القطاع الخاص. بل الأنكى من ذلك يُحرمون من إجازة يومهم العالمي 1 مايو/ أيار الذي يعدُّ مناسبة عمّالية، وإجازة لكل العمّال في الأرض قاطبة!
8- لا يحصلون على خدمات المعاش التقاعدي بعد بلوغهم سن التقاعد.
9- يعيش غالبيتهم في مساكن رديئة التهوية، في بدرومات، أو محلات ضيّقة يتكدّسون فيها مثل تكدّس أعواد في علبة ثقاب! تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية. ليس ذلك وحسب، بل قسم منهم ينامون في أماكن العمل في الورش بجوار الآلات المعدنية، والأتربة والقاذورات، ويتعرّضون طوال الوقت للأدخنة العادمة، ولروائح المواد الدهنية، والطلاء، التي تسبّب أمراضًا خطيرة مثل: السرطان، والفشل الكلوي، وأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض الجهاز الهضمي.
10- المحظوظون منهم يعيشون مع أسرهم في مساكن صغيرة، لا تتعدّى غرفتين ضيقتين في أحياء فقيرة، ومكتظّة بالسكان ذات بيئة صحية، وخدمية سيئة للغاية، تفتقر للصرف الصحي، ولا تتوفّر فيها المياه النقية.
11- يُجبرون على العمل في ظل هذه الظروف القاسية بهدف تأمين لقمة العيش لأسرهم (غالبيتها من الأسر الممتدة!) التي تتصف بارتفاع معدّلات الخصوبة، وارتفاع معدّلات الإعالة بين أفرادها.
12- أجورهم في تدهور مستمر، ويعيشون في حالة كفاف، ويجدون صعوبة كبيرة في تأمين الاحتياجات الأساسية للمعيشة، وتعليم أطفالهم، وغالبًا ما يضطرون إلى إلحاق أطفالهم بالعمل في سنٍّ مبكّرة ليساهموا في تأمين دخل إضافي للأسرة، حتى تتمكّن من مواجهة متطلّبات العيش.
13- مُشتتون، وغير منظّمين، ويجهلون حقوقهم، ولا توجد نقابات عمّالية تهتم بقضاياهم.
رغم أن نسبة لا يُستهان بها من هؤلاء العمّال يعملون لحسابهم الخاص، لكنهم أيضًا يمثّلون وجهًا آخر للبطالة، فالكثير من العمّال العاطلين من حاملي الشهادات، وخلافهم من الأميين، والذين لم يجدوا عملًا يضطروا إلى اقتراض قروض مُيسّرة، لإنشاء مشاريع صغيرة وأصغر، كفتح محل تجاري صغير، أو شراء سيارة أجرة، أو درّاجة نارية، أو عمل كشك، أو بسطة لبيع مواد غذائية، وأدوات استهلاكية لتأمين لقمة العيش.
الفقر:
يُعرِّف البنك الدولي الفقر بأنه: "عجز الفرد عن تحقيق الحد الأدنى من المستوى المعيشي".
يختزل هذا التعريف الفقر في بُعد واحد وهو الجانب المعيشي المباشر، ويغفل عن الحاجات الإنسانية المتصّلة بالتعليم، والصحة، والخدمات العامة، والرعاية الاجتماعية، وصولًا إلى المشاركة السياسية، والحاجات المعنوية.
لقد تجاوزت نسبة الفقر في اليمن في عام 2009م حاجز ال (60%)( )، واستمرّت في خطٍّ تصاعدي حتى وصلت اليوم إلى (90%)، وفقًا لتقارير صحفية.
عادةً، تعتمد الإحصائيات في قياسها لنسبة الفقر وفقًا لمؤشر خط الفقر الدولي، أي نسبة السكان ممن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
هذا المقياس مضلّل، لأنه يعتمد على نسبة الفقراء من إجمالي عدد السكان، بينما لا يتم قياس معدل الثراء.
إن قياس معدل الثراء في مقابل قياس معدل الفقر سيعطينا صورة واضحة عن معدّل التفاوت الاجتماعي.
يُشير تقرير صادر عن معهد تشاتام هاوس( ) إلى أنّ أقلية لا تتجاوز (8%) من السكان تسيطر على (90%) من الثروة الوطنية.
وثمّة مؤشرات تدل على تفاقم التفاوت الاجتماعي في اليمن، إذ تعيش أقلية عددية في بحبوحة من العيش والبذخ، وشتّى مظاهر الاستهلاك الترفي، وتمتلك العقارات، والشركات، والمصارف، والأرصدة البنكية في الخارج، في مقابل أكثرية تعاني من تدهور القدرة الشرائية، وسوء التغذية، وتعيش في أحياء عشوائية مكتظّة بالسكان، وتفتقر إلى خدمات النظافة، والصرف الصحي، والمياه النظيفة.
التدهور المستمر للأجور:
على الرغم من أننا نسمع بين الفينة، والأخرى عن قرارات تصدرها الحكومة تقضي بزيادة الأجور، إلا أن هذه الزيادة تظل زيادة اسمية أكثر منها حقيقية، فالملاحظ أن الأجور الحقيقية في انخفاض مستمر منذ عقدين، ونصف على الأقل.
ولتوضيح ذلك لابد من التمييز بين الأجر الاسمي، والأجر الفعلي، فالأجر الاسمي هو مقدار ما يحصل عليه العامل من مبالغ نقدية (أجرة) مقابل ما يؤديه من أعمال، في حين يعبّر الأجر الفعلي عن القوة الشرائية التي يحصل عليها العامل بهذا الأجر، أي مقدار السلع، والخدمات التي يستطيع شراءها من أجره النقدي، لإشباع حاجاته.
يتأثّر الأجر الاسمي بمجرد حدوث تضخّم، وارتفاع الأسعار حيث تنخفض قيمته الحقيقية، وبالتالي تنخفض القدرة الشرائية.
لقد أدت سياسات الإصلاح الاقتصادي، واعتماد نهج الخصخصة، ورفع الدعم عن السلع الغذائية إلى تدهور متسارع في القيمة الفعلية لأجور العمّال، الأمر الذي أدى إلى تقلّص النفقات المادية وانعكاس ذلك على تزايد سوء الأحوال المعيشية لهم ولأسرهم.
إنّ هيكل الأجور في اليمن مجحف وبشكل صارخ، فقد أبان حجم توزيع الأجور عن درجة عالية من انعدام المساواة، فنسبة (23.8%) من إجمالي العمال يكسبون أقل من ثلثي متوسط الدخل الشهري والمُحتسب (35.000 ريال = 35 دولارًا حاليًا!)( ) وهو أجر هزيل لا يفي بالمتطلبات الأساسية للعيش!
في حين، توجد امتيازات أو ما يعرف ببنود الأجور غير الثابتة، كالبدلات، والمكافآت، والحوافز وغيرها، التي تُمنح للمشرفين، والمدراء، والمسؤولين الكبار، وبأرقام عالية، بينما لا يحصل العمال والموظفون الصغار إلا على الفتات.
الهجرة:
تمثّل الهجرة بنوعيها: الداخلية، والخارجية الوجه اللامرئي الآخر للبطالة.. فالهجرة خيار اضطراري للمعطّلين الذين فقدوا الأمل في الحصول على فرص عمل في موطنهم، فيضطرّون إما إلى الهجرة داخل الوطن، أو الهجرة إلى الخارج، بحثًا عن فرص عمل تؤمّن لهم ولأسرهم لقمة العيش.
الهجرة الداخلية:
تنشأ بدرجة رئيسة عن هجرة العمّال الريفيين إلى المدن، بسبب تدهور الزراعة، ومحدودية فرص العمل في الريف، وافتقاره (أي الريف) إلى المقومات الأساسية للعيش، مثل: الغذاء، والمياه، والتعليم، والصحة، والكهرباء، والطرق.
واتخذت هجرة العمّال الريفيين إلى المراكز الحضرية بما يشبه موجات نزوح قسرية، أثّرت سلبًا على البنية الحضرية، وخلقت مظاهر عديدة من التشوّهات: نمو المناطق العشوائية، وأحياء الصفيح في أطراف المدن، وتتسّم هذه المناطق بافتقارها للتخطيط العمراني، والحضري، والاكتظاظ السكاني مما يسبب ضغطًا على الخدمات، وتدهور مستوى معيشة القاطنين فيها، وارتفاع معدّلات الجريمة، والانحراف.
ناهيك عن ضعف الاندماج الاجتماعي للمهاجرين الريفيين، وتمسُّكهم بالروابط القروية، والأسرية، فقد لُوحظ أن توطّن المهاجرين الريفيين في المراكز الحضرية يتخذ طابعًا مناطقيًا، فأبناء قرية ما يتجمّعون في منطقة، أو منطقتين في المدينة التي يهاجرون إليها، ويتحوصلون حول أنفسهم، ويظلّون مُتمسّكين بالروابط السابقة، وبالعادات، والتقاليد الريفية القديمة، ويُقاومون عملية الانصهار، والاندماج في المجتمع الجديد، وفي الفضاء الأيكولوجي للمدينة التي يَفِدون إليها.
الهجرة الخارجية:
عجز العمال عن الحصول على فرص عمل لائقة داخل وطنهم تدفعهم إلى التفكير في الهجرة إلى خارج البلاد، وعلى وجه الخصوص دول الخليج، للبحث عن ظروف عمل أفضل، وأجور أعلى.
تتخذ حركة الهجرة الخارجية شكلين:
1- الهجرة غير الشرعية:
تشتهر في اليمن باسم "التهريب"، وتشكّل النسبة الأكبر في حركة الهجرة إلى دول الخليج، حيث يجازف الشباب المُعطَّل في عبور الحدود اليمنية السعودية مع ما تحمله هذه المجازفة من مخاطر على حياتهم. فمصير الكثيرين ينتهي إلى الموت برصاص حراس الحدود، ومن يحالفهم الحظ ويتمكّنون من الدخول إلى السعودية، غالبًا ما يظلون يعملون في خفية من السلطات السعودية، ويتركّز هؤلاء في المناطق، والمدن الجنوبية السعودية، لتبدأ معها فصول درامية هروبًا من ملاحقات السلطات الأمنية السعودية، ولكن غالبًا ما يقعون في قبضتها، ويتعرّضون للمعاملة المُهِينة، ومن ثمّ يتم ترحيلهم.
2- الهجرة الشرعية:
تُشير الإحصائيات إلى أن نسبة العمّال المهاجرين الشرعيين تفوق (20%) من إجمالي القوى العاملة، وتتركّز الغالبية العظمى في دول الخليج وبشكل أكثر تحديدًا في المملكة العربية السعودية.
يُسمح الدخول للعمّال اليمنيين إلى السعودية عبر ما يسمّى "الفيزا"، أو "تصريح إقامة"، وعلى الرغم من ذلك يُفرض عليهم نظام الكفيل، ويُحرمون من حقهم في التملّك، كما يعانون من قيود إدارية وإهدار لحقوقهم، وغياب قانون ينظّم علاقتهم بالكُفَلاء، وبأرباب العمل، وفرض رسوم وضرائب باهظة، والتعرّض للمعاملة المهينة من قبل الكُفلاء.
ويظل مصير العمالة المهاجرة في الخليج مرهونًا بتطوّرات الوضع السياسي، وتحسّن أو تأزُّم العلاقة بين الحكومة اليمنية، والحكومات الخليجية، ففي مستهل تسعينات القرن المنصرم وأثناء حرب الخليج الثانية، وعلى خلفية موقف الحكومة اليمنية من الحرب، أقدمت دول الخليج على ترحيل ما يزيد على مليون عامل يمني، وقد أحدثت عودة هذا الكم الهائل من العمّال أزمة اقتصادية واجتماعية حادّة.
أما بالنسبة لوضع العمّال المهاجرين إلى دول في أمريكا الشمالية، وأوروبا، وشرق آسيا، وجنوب شرق أفريقيا فهو أفضل نسبيًا عن غيرهم.
تعتبر العمالة المهاجرة جزءًا لا يتجزّأ من الطبقة العاملة الوطنية؛ لسبب بسيط وهو أن جزءًا كبيرًا من دخولها يتم تحويلها إلى الأُسر اليمنية في داخل الوطن، ويتم إنفاقها في شراء المواد الغذائية والاستهلاكية، وبالتالي فهي تحتسب ضمن الدخل المحلّي الإجمالي.
وعلى كل حال تمثّل الهجرة الخارجية أحد الاختلالات البنيوية في الاقتصاد التابع، وهي إدانة للنهج النيوليبرالي الفيروسي، وللسياسات الرسمية التي ألغت حق المواطن في الحصول على فرصة عمل في بلده، فيضطر تحت ضغط المعيشة لمغادرة وطنه، ومفارقة أهله، وأطفاله، ومكابدة معاناة الغربة من أجل تأمين حياة كريمة لأسرته.
الاستثمار الأجنبي والعمالة الأجنبية:
تدأب الطبقة المسيطرة، وشرائحها الطفيلية، والكمبرادورية على أسطرة الاستثمار الأجنبي، وتقدّمه في صورة المنقذ من الأزمات الاقتصادية، وبناءً على ذلك تسعى إلى تهيئة المجال الوطني أمام الاحتكارات الأجنبية، وإطلاق العِنَان لها.
وفي الوقت الذي يُمنح الاستثمار الأجنبي حرّية شبه مطلقة، ويُعفى من الضرائب، ويحظى بامتيازات، وتسهيلات كثيرة، يُحرَم الاستثمار المحلي من كل ذلك!
وتفسير هذه المفارقة ينطوي على بُعدين:
الأول: طبيعة، وعمق المصالح المشتركة التي تجمع الاحتكارات الأجنبية بالشريحة الطفيلية اللصة التي لا تتورع عن خيانة شعبها ووطنها، وتُبرم صفقات مشبوهة مع الاحتكارات الأجنبية.
والثاني: عقدة النقص التي تتملّك النخبة الحاكمة يُفضي بها إلى المراهنة على الاستثمار الأجنبي بشكل مبالغ فيه، في مقابل تبخيس قيمة الذات، والتسليم بعجزها عن تحمّل أعباء النهوض المطلوب.
شكّل الاستثمار الأجنبي إحدى ميكانيزمات سيطرة الرأسمال الاحتكاري المعولم على اقتصاديات البلدان النامية.
وتسبب ولا يزال في خلق نتائج مدمّرة للاقتصاد الوطني وللطبقة العاملة بسبب تناقض أهدافه وأجندته تناقضًا صارخًا مع متطلبات التنمية الوطنية. فالاستثمار الأجنبي يفضّل الاستثمار في قطاعات هامشية: كالخدمات، والسياحة، والعقارات، والمضاربات المصرفية، أو في مجالات استخراج النفط والغاز، ويَعزف عن الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الحقيقي: في الصناعة والزراعة، والموارد البشرية.
ومن بين النتائج السلبية المترتّبة عن الاستثمار الأجنبي غير المنضبط:
- تكريس، وتعميق حالة التبعية الاقتصادية، وإغراق السوق الوطنية بالسلع الاستهلاكية المستوردة.
- استنزاف الموارد، والثروات، والعملات الصعبة، وتسرّبها إلى الخارج.
- التسبّب بإغلاق الكثير من المؤسسات العامة، وتسريح الألوف من العمّال، وارتفاع معدّل البطالة.
- ارتفاع معدّل التضخّم، وتدهور معيشة السكان.
- نشوء نمط من الفساد الكبير، ويتمثّل في قيام البيروقراطية الحاكمة بإبرام صفقات مشبوهة مع ممثّلي الشركات الأجنبية تمس المصالح الوطنية، مقابل الحصول على نسبة من الفوائد أو الدخول كمساهم في هذه الاستثمارات. وللتدليل سنشير إلى مثالين صارخين:
الأول: الصفقة التي أبرمتها الحكومة اليمنية مع شركة "توتال" الفرنسية عام 2005م، التي بموجبها بِيْعَ الغاز اليمني بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية، فيما كانت أسعار السوق آنذاك تتراوح ما بين 11 و12 دولارًا لكلّ مليون وحدة حرارية.
والمثال الثاني: إبرام الحكومة اليمنية صفقة مع شركة موانئ دبي العالمية في نوفمبر عام 2008م بغرض تأجير ميناء عدن، وإعادة تأهيله. وقد شابت هذه الصفقة الكثير من الثغرات القانونية، وأثارت ضجة واسعة في مختلف الأوساط حينها.
ناهيك عما سبق، يلحق النشاط الاحتكاري الأجنبي أضرارًا بالعمالة الوطنية، فهي ضحيته الأولى، ويمكن تبيان ذلك من زاويتين:
الأولى: يتم تشغيل العمالة الوطنية في الشركات الأجنبية وعلى وجه خاص العمالة غير الماهرة بأجور زهيدة، وفي ظروف عمل قاسية، وبدون حماية قانونية.
الثانية: يتم استقدام، وتشغيل العمالة الأجنبية، وبأجور منخفضة، وبساعات عمل طويلة، وعلى حساب العمالة الوطنية.
إنّ الشركات الاحتكارية فوق القومية قوة دولية، وتستغل العمالة الوطنية، وغير الوطنية، على السواء. وانطلاقًا من ذلك تنطرح على جدول أعمال الطبقة العاملة اليمنية إقامة الصلات الوثيقة مع عمّال وشغيلّة العالم، لأن المصير واحد، وربّ العمل المستغل واحد.

ظاهرة تشغيل الأطفال.. جريمة بحق الطفولة:
يزخر عالم العمل الرأسمالي بالكثير من المفارقات المدهشة، والعسيرة على الفهم، ومن تلك المفارقات: اتسّاع دائرة البطالة، وارتفاع نسب المتعطلين، في الوقت الذي تتسع فيه ظاهرة تشغيل الأطفال!
تشكّل فئة الأطفال، وهي الفئة العمرية ما دون (15) عامًا ما يقارب نسبة (46%) من الإجمالي العام للسكان البالغ تعدادهم (28) مليونًا. وتتميّز هذه الفئة بخصائص وسمات اجتماعية وسيكولوجية خاصة تفرض على الأسرة والمجتمع إيلاءها اهتمامًا خاصًا، وتلبية حاجاتها الصحية، والنفسية، والفكرية، والاجتماعية.
وتعدُّ ظاهرة تشغيل الأطفال من أخطر المشكلات المرتبطة بالطفولة في اليمن، وتشير الاحصائيات إلى أن عدد الأطفال العاملين في اليمن يصل إلى مليون عامل.
وتشغيل الأطفال مشكلة مزمنة في اليمن، وتقف وراءها عوامل وأسباب مختلفة، أبرزها:
1- الفقر وتردّي الأحوال المعيشية للأسر اليمنية، مما يؤدي بتلك الأسر إلى دفع أطفالها إلى سوق العمل لكسب العيش.
2- تراجع الدولة عن تطبيق مبدأ مجانية التعليم وإلزاميته، والذي نصّ عليه دستور دولة الوحدة في 1990م ودستور(ج.ي.د.ش) قبل ذلك.
3- سوء الوضع التعليمي في مدارس التعليم العام، إذ أمست المدرسة بيئة طاردة للطفل إما بسبب سوء المعاملة، أو بسبب افتقار المقومات المدرسية الجاذبة للطفل، أو بسبب زيادة تكلفة التعليم ووطأتها على الأسر الفقيرة التي لديها عدد كبير من الأطفال.
4- تخلّي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية في مجال الرعاية الاجتماعية للمجتمع بصفة عامة وللأطفال على وجه الخصوص.
5- التفكّك الأسري، وشعور الأطفال بالحرمان من الرعاية، وتلبية احتياجاتهم، يدفع بالكثير منهم إلى ممارسة أعمال لإشباع حاجاتهم، أو للهروب من الوضع الأسري المفكّك إلى بيئة أخرى.
6- المعايير الاجتماعية عن الرجولة، إذ يسود تصوّر راسخ لدى الكثير من الآباء والأمهات أن من الواجب عليهم دفع الطفل إلى العمل "كي يصبح رجلًا" (يقع رجّال وفق اللهجة الدارِجة)، وقادر على تحمُّل المسئولية في المستقبل، وحفاظًا عليه من الضياع والانحراف، وغيرها من التصوّرات الخاطئة.
7- فقدان الأسرة لمُعِيلها، بسبب الوفاة، أو لأي سبب آخر، يدفع الطفل ليحلّ محلّ المُعيل المفقود.
8- تفضيل بعض أصحاب العمل عمالة الأطفال، وذلك لرخصها، وعدم وجود التزامات قانونية يلتزمون بها.
9- عدم جدّية السلطة في تطبيق المعاهدات، والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الطفولة، فعلى الرغم من أن الدستور والقوانين الخاصة بالعمل، وكذلك اتفاقية العمل الدولية رقم (138) لسنة 1973م بشأن الحد الأدنى لسنّ الاستخدام، والاتفاقية رقم (182) لسنة 1999م بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، واللتان صادقت عليهما اليمن، تحظر تشغيل الأطفال، إلا أنّ ظاهرة تشغيل الأطفال تتوسّع يومًا عن يوم.
مجالات وظروف عمل الأطفال:
يستحوذ القطاع الزراعي على النصيب الأكبر في تشغيل الأطفال، إذ يتركّز (93%) من الأطفال في هذا القطاع، ويليه قطاع تجارة الجملة، والتجزئة، وإصلاح المركبات، والسلع، وأعمال الصيانة، ويعمل فيه (4.8%). ويزاول الأطفال خمسة أنواع من المهن التي لا تتطلّب مهارات عالية. وهناك علاقة مباشرة بين المهن التي يُزاولها الأطفال، ومهن أرباب أسرهم، ما عدا الأطفال العاملين في مهن عمال التشغيل والتجميع.( )
ويتعرّض الأطفال العاملون لشتّى أنواع الاستغلال والمخاطر. إذ يتم تشغيلهم في أعمال شاقة، وفي ظل ظروف وشروط عمل بالغة السوء، وبدون عقود عمل مكتوبة، ولساعات طويلة تصل إلى (57) ساعة في الأسبوع، وبأجور بخسة، وفي ظل بيئة عمل سيئة لا تتوفّر فيها شروط السلامة المهنية. فضلًا عن تعرّض هؤلاء الأطفال للتحرّش الجنسي، والعنف البدني، إما من قبل أصحاب العمل، أو من قبل العمّال البالغين الذين يعملون في نفس نطاق العمل.( )
ويتولّد عن ظاهرة تشغيل الأطفال العديد من الآثار السلبية على الطفل، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع ككل: فاحتمالية إصابة الطفل العامل بالأمراض، والإصابات الجسمية، والعاهات تبقى كبيرة، فضلًا عمّا تولّده ظروف العمل من آثار نفسية، وعصبية سلبية في الطفل، وعلى مستوى تكوينه الجسماني. وتُفضي إلى التسرّب من التعليم، وارتفاع نسب الأمية، والجهل، والانحراف في المجتمع.
تظل ظاهرة تشغيل الأطفال إحدى التحديات الكبيرة التي تواجه الطبقة العاملة، وإدانة أخلاقية لعالم العمل الرأسمالي المتوحش.
المرأة العاملة.. معاناة مريرة:
يكمن أكبر القيود الاجتماعية المكبّلة للمرأة في الفكرة القائلة: إن البشر غيريّون بالفطرة، وأنّ المرأة متكيّفة بيولوجيًا مع دور رعاية وتربية الأطفال في الأسرة.( )
هذه الفكرة التي تربط وضع المرأة في المجتمع كمواطنةٍ من الدرجة الثانية، عمومًا، بدورها داخل الأسرة النووية (Nuclear Family).
وإذا كانت هذه الفكرة تمتد جذورها إلى مرحلة تاريخية موغلة في القدم، وهي مرحلة التحوّل من المجتمع الأمومي إلى المجتمع الذكوري، أو وفقًا لفريدريك إنجلز "الهزيمة العالمية التاريخية للجنس الأنثوي"( )، فلا تزال هذه الفكرة راسخة في الوعي الاجتماعي اليمني، ف"المرأة ما لها إلا بيتها والمطبخ"!
وتفيد الإحصائيات بأن النساء يشكّلن (49.2%) من إجمالي السكان النشيطين اقتصاديًا، ومع ذلك فإن نسبة مشاركة النساء في العمل لا تتعدّى (6%)( )، الأمر الذي يعني أن (94%) عن النساء اليمنيات ما يزلن خارج إطار العمل. رغم أن ما يقارب (70%) منهن يعملن بدون أجر لأسرهن كربّات بيوت و/ أو في الملكيات الزراعية العائلية، وفي الأراضي المستأجرة، ولا تزال النظرة القاصرة تجاه خروج المرأة للعمل تحكمها عوامل، ومعايير اجتماعية، وثقافية، ودينية كثيرة، وتحتاج إلى دراسة منفصلة.
ما يعنينا هنا هو تناول أوضاع النساء العاملات، وما يواجهن من مصاعب، وتحدّيات جمّة، تبدأ بالنسق الأسري، وتنتهي إلى طبيعة نظام تقسيم العمل السائد.
فعلى المستوى الأسري تعترض المرأة العاملة المصاعب والمشكلات التالية:
1- تتحمّل مسؤوليات مضاعفة، فهي مُطالبة بأنّ تكون أمًّا، وزوجة، وربّة منزل، وفي موقع العمل مطالبة بأن تؤدي عملها، وتنفذ كل ما يُوكل إليها من مهام.
وتشير الدراسات السيكولوجية إلى أن المرأة العاملة تعاني من القلق، والإحساس بالذنب، تجاه أطفالها، وهذا ما يدفعها للتعويض عن غيابها بأن تميل للين أحيانًا حتى تكون أمًا صالحة، ولكن في ذات الوقت فإن الأسر التي تعمل فيها الأم، غالبًا ما تكون أكثر انتظامًا وحسمًا في أمور الحياة والتربية، وتشجّع الأطفال على الاستقلال في أمورهم البيتية الخاصة. إلاَ أنه لوحظ في بعض الأسر أن عمل المرأة يؤثّر سلبًا على علاقتها بزوجها، وطبعًا هذا ناجم عن الفهم الخاطئ من الزوج لعمل ونفسية المرأة، وعدم مساعدتها.( )
2- أدّى انخراط المرأة في العمل إلى تغيُّر بعض الأدوار، والوظائف في نسق الأسرة لكلٍ من الرجل والمرأة، فحظيت المرأة العاملة بفعل استقلالها الاقتصادي بمكانة اجتماعية وسلطة تخوّلها اتخاذ القرار في الأسرة، الأمر الذي يعني تهديد السلطة المطلقة للرجل. وإذا كان الرجل تقليديًا ويحمل نظرة دونية عن المرأة، فسيؤدي ذلك إلى إحدى نتيجتين: إما إجبار المرأة على ترك عملها، أو إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق.
أما على مستوى نظام تقسيم العمل السائد، الذي يتخذ طابعًا ذكوريًا، فيقوم على أساس حصر عمل المرأة في مجالات خدمية معينة، مثل ممارسة مهنة التدريس في المدارس، والأعمال الإدارية والمكتبية، ومهنة التمريض. وبدرجة أقل في مهنة الطِبابة، وفي مهنة التدريس بالجامعات، والمحاماة، والإعلام، والتجارة... إلخ.
وفي مجالات العمل الإنتاجي، تساهم المرأة في الريف بنسبة معتبرة للعمل في الزراعة، غير أن هذه المساهمة لا تعدو أن تكون عملًا في ملكيات، وحيازات زراعية عائلية صغيرة، بمعنى آخر أن نسبة النساء اللائي يعملن بأجر في مجال الزراعة لا تكاد تذكر.
ويضمّ قطاع الصناعة الآلاف من النساء العاملات، مُوزّعات على مختلف مجالات التصنيع، في المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. وبحسب دراسة قديمة فإنّ (68%) من النساء اللائي يعملن في المصانع أميات، في مقابل (8%) يُجدن القراءة والكتابة، ونسبة (1%) فقط مؤهلات، ونسبة (31%) منهن مطلّقات وأرامل، وقد توصّلت الدراسة إلى أن غالبية هؤلأ النسوة قد اضطررن للعمل في المصانع بحثًا عن لقمة العيش رغم انخفاض أجورهن، إذ يعشن على أقل من دولار أمريكي واحد في اليوم، وذلك لعدم توفّر فرصة عمل أخرى، فالكثيرات منهن معيلات لأسرهن، إذ تشكّل النساء اللواتي يصرفن أجورهن للإنفاق على الأسرة نسبة (52%).
وتعاني النساء العاملات في المصانع من عزلة، وتهميش، وحصار اجتماعي، وأسري، فنسبة (56%) منهن لا يخرجن من المنزل إلا بمحرم، والغالبية العظمى منهن لم يسافرن داخل اليمن طيلة حياتهن. كما يعانين من ضغوط العمل في المصنع، والعمل في البيت، وهذا يحول بينهن وبين أوقات الفراغ.( )
وإذا كان وضع المرأة العاملة في قطاع الصناعة يتسم بهذا القدر من البؤس، فماذا عن وضع المرأة العاملة في القطاعات الأخرى؟؟
تعاني النساء العاملات في القطاعات الخدمية من "تمييز مركّب"، إن جاز التعبير، فهنّ يعانين من تمييز على مستوى الأجور والمكآفات، إذ يقبضن أجورًا أقل من أجور الذكور، وذلك بسبب أن الغالبية الكاسحة من النساء العاملات يحتللن مواقع متدنية في السلّم الوظيفي، والمهني، حيث "تدفع الأجور على أساس المنصب، وليس على أساس الجنس".( )
ويعانين من نظرة دونية من قبل أرباب العمل، أو من المدراء التنفيذين، والمشرفين في مواقع العمل، ويجري تهميشهنّ، وحرمانهنّ من حقهنّ في الترقّي والحصول على فرص التأهيل، والتدريب، واكتساب الخبرات، وبالتالي حرمانهنّ من إمكانية تحسين أجورهنّ.
هذا فضلًا عن تعرّضهنّ لمشكلات "مسكوت عنها"، مثل: التحرّش الجنسي، والابتزاز، والاستغلال العاطفي.
وفي المجمل يمكن القول: إنّ خروج المرأة إلى العمل، يمثّل خطوة تقدّمية هامة، وانتصارًا كبيرًا للحركة النسوية، ويضيف إلى الطبقة العاملة رافدًا اجتماعيًا، وإنتاجيًا لا غنى عنه، فالمرأة تشكّل نصف المجتمع، وتؤثّر على النصف الآخر. وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في العمل يزيد من إمكانيات الإنتاجية الاقتصادية، والتنموية للمجتمع، ويخفض من نسب الإعالة، والفقر، والأمية، والتخلف، ويُساهم في التطوّر الاجتماعي والثقافي بوجه عام.
وصارت الحاجة ملحّة لسنّ تشريعات، ووضع سياسات تساعد المرأة العاملة على التغلّب على المشكلات التي تعترضها، وتحقيق المساواة، والعدالة في التوظيف، والأجور، والترقّي أسوة بزميلها الرجل، ونشر الوعي المجتمعي، والأسري بأهمية عمل المرأة، وضرورة التعاون بين أفراد الأسرة لمواجهة الالتزامات الأسرية.
تشريعات العمل.. قصور النص، واختلال الممارسة:
تتكوّن المنظومة التشريعية المتعلّقة بالعمل وبالحقوق العمّالية في اليمن من مصدرين:
المصدر الأول: التشريع الوطني: ويشمل:
1- الدستور:
الذي لا يزال قائمًا منذ آخر تعديل أُجري عليه في العام 2001م، وقد تضمّن عددًا من المواد المتعلقة بالعمال، وتنظيم علاقة العمل بين أطرافه، ومن تلك المواد:
- المادة (24)، وتنص على أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا.
- المادة (29): "العمل حق، وشرف، وضرورة لتطور المجتمع، ولكل مواطن الحق في ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز فرض أي عمل جبرًا على المواطنين إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، وبمقابل أجر عادل، وينظّم القانون العمل النقابي، والمهني، والعلاقة بين العمال وأصحاب العمل."
- المادة (58): "للمواطنين في عموم الجمهورية بما لا يتعارض مع نصوص الدستور الحق في تنظيم أنفسهم سياسيًا ومهنيًا ونقابيًا، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحق.. كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته، وتضمن كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية."
الثغرات، وأوجه القصور في المواد الدستورية المذكورة:
أ. في المادة (24): استخدم لفظ "المواطنين" واستُثنِيَ لفظ "المواطنات"، فقد جاء النص محمولًا بالطابع الذكوري كانعكاس لذكورية النظام الاجتماعي السائد.
فلفظ "المواطنين" جمع مذكر سالم، أي هو جمع للذكور حصرًا، ولا يشمل الإناث، بخلاف جمع التكسير الذي يشمل الذكور والإناث، ولمّا لم يوجد جمع تكسير في العربية ل "المواطن"، كان من الضروري على المشرّع أن يورد لفظ "المواطنات" إلى جوار لفظ "المواطنين" لتصبح المادة شاملة للذكور والإناث.
ب. في المادتين (29)، تم الإحالة إلى القانون في العبارة التالية: " وينظم القانون العمل النقابي والمهني والعلاقة بين العمال وأصحاب العمل."
لقد مثلت "الإحالة إلى القانون" إحدى الآليات التي يتم عبرها إفراغ مضامين الدستور وتقييد الحريات والحقوق، حيث يستغل المشرّع عمومية النص وانعدام وجود ضمانات ومحددات في الدستور ويقوم بإصدار قوانين تتضمن قيود وضوابط تحصر الحقوق وتفرغها من مضامينها ومقاصدها، بل وتتصادم مع نصوص الدستور، ومثال ذلك: حظر العمل النقابي على العاملين في دواوين الوزارات وفروعها في المحافظات وهو ما يتعارض مع نص المادة (58).

2- القوانين: تشمل ثلاثة قوانين أساسية خاصة بالحقوق العمالية وهي:
- قانون العمل: وهو القانون رقم (5) لسنة 1995م، وتعديلاته بالقانون رقم (25) لسنة 1997م.
- قانون الخدمة المدنية رقم (19) لسنة 1991م، ويتعلق بحقوق وواجبات العمال والموظفين في مختلف أجهزة الدولة، وفي القطاعين العام والمختلط.
- قانون تنظيم النقابات العمالية رقم (35) لسنة 2002م، وينظم حق تكوين النقابات وفقًا لشروط.
وهناك مآخذ كثيرة على هذه القوانين، نعرضها فيما يلي:( )
أ. اختلاف كل قانون من هذه القوانين في تعريفه للعامل.
فقانون العمل اليمني يعرّف العامل: بأنه كل شخص يعمل لدى صاحب العمل، ويكون تحت إدارته، ولو كان بعيدًا عنه لقاء أجر، ووفق عقد مكتوب، أو غير مكتوب، ويشمل ذلك الرجال، والنساء، والأحداث.
بينما تضمنت المادة (2) من قانون تنظيم النقابات العمالية، تعريفًا مختلفًا للعامل: كل شخص يعمل ويتقاضى أجرًا معينًا مقابل جهد عضلي، أو ذهني، أو يعمل لحسابه الشخصي."
ونلاحظ في التعريف الأخير مدى اتساعه ليشمل كل شخص يعمل.. حتى العامل لحسابه. فلم يأخذ بمفهوم التبعية القانونية، والاقتصادية في علاقات العمل.
ب. إن المنظمات النقابية في النظام القانوني اليمني تدرج من اللجان النقابية إلى النقابات العامة، وإلى الفروع، وإلى الاتحاد العام.. وبالتالي لا يسمح في هذا النظام بتعدد النقابات، أو الاتحادات العامة فلا يجيز القانون تشكل أكثر من اتحاد عام على مستوى اليمن، وهذا الحظر رغم ما هو عليه من ميزة، وهي توحيد العمل، والجهود النقابية وعدم تشتّتها، إلا أنه يخالف المعايير الدولية التي تتيح للعمال حق تعدد النقابات والاتحادات العامة، وقد حصلت بعض الانقسامات داخل الحركة النقابية في اليمن وارتفعت بعض الأصوات التي تنادي بتشكيل اتحاد عمّال حر.
ج. تُصادر الدولة حق موظفي دواوين الوزارات في تشكيل نقابات عمالية، وذلك يتعارض مع ما جاء في دستور الجمهورية اليمنية الذي كفل حق التنظيم النقابي لكل العمال من موظفين، وغيرهم دون استثناء، ويتعارض هذا الحظر أيضًا مع المواثيق الدولية الصادرة من منظمة العمل الدولية، والتي صادقت عليها اليمن، ومنها على سبيل المثال: الاتفاقية الخاصة بحماية حق التنظيم وإجراءات تحديد الاستخدام في الخدمة العامة والصادرة عام 1978م.
د. ومن النصوص المُخلّة بحرية العمل النقابي، ما ورد في الفقرة (ب) من المادة (7) في قانون تنظيم النقابات العمالية التي لا تعترف بالتنظيم النقابي إلا بعد إشهارها، وتسجليها لدى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل.
المصدر الثاني: الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها اليمن:
وقعت اليمن وصادقت على أكثر من (29) اتفاقية متعلقة بحقوق العمال.( ) ناهيك عن التزامها وبموجب نصوص الدستور بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وبالحقوق المدنية، والسياسية.
ومجمل هذه المواثيق والمعاهدات قد نصّت على جملة من الحقوق العمالية، أبرزها:
- الحق في الحصول على عمل، والحق في التمتّع بشروط عمل عادلة ومُرضِية.
- الحق في الحصول على أجر عادل وبدون تمييز.
- الحق في إنشاء النقابات وحرية الانضمام إليها، وعدم جواز وضع القيود على ممارسة هذا الحق. وضمان ديمقراطية
- الحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية.
- حظر العمل الإجباري، وحظر عمل الأطفال، وحظر التمييز في الاستخدام والمهنة.
- تحديد الحد الأدنى للأجور.
وعلى الرغم من كثرة هذه الاتفاقيات التي صادقت عليها اليمن، إلا أنها لا تلتزم بها، وثمة اختلالات، وانتهاكات كثيرة يمكن عرضها على النحو الآتي:


الانتهاكات بحق العمّال والحريات النقابية:
تتمثّل مظاهر الانتهاكات الشائعة من قبل أصحاب العمل، والسلطة، ضد العمال، والحريات النقابية فيما يلي:( )
1- اشتراط طلب الإذن، أو إيداع اللوائح، والنُظُم الداخلية، أو التسجيل قبل تكوين النقابات، أو وضع شروط لاكتساب الشخصية القانونية (الاعتبارية).
2- اشتراط انتماء القادة النقابيين إلى نفس المنشآت التي يمثلونها.
3- تحديد بنيان وتركيب النقابات واشتراط إقامة منظمة نقابية واحدة في أية منشأة، أو مهنة، أو صناعة.
4- فرض لائحة نموذجية، أو نظام أساسي على النقابات سواء بصفة مباشرة، أو غير مباشرة.
5- تحديد الإجراءات التي تنظّم الانتخابات تفصيلًا، أو تدخل السلطات في إجراء الانتخابات بحضور ممثلين عن وزارة العمل، أو غيرها.
6- قصر الأنشطة النقابية على المسائل المهنية، ومنع الأنشطة السياسية.
7- حظر تنظيم أعمال الاحتجاج، والاضراب للدفاع عن مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية، وتدعيمها، وغيرها من الانتهاكات التي ترتكبها كثير من الدول، منها اليمن.
بالإضافة إلى ما ورد سلفًا، هناك اختلالات أخرى هي:
- اقتصار التشريعات، والقوانين على عمال القطاعات المُهيكَلة (القطاع العام، والقطاع المختلط، والقطاع الخاص) فقط، وعدم شمولها لعمال القطاع الهامشي (عمال القطاع غير المُهيكَل) والذين يشكّلون نسبة تفوق (70%)!!
- عدم شمول قانون التأمين الصحي والاجتماعي لنحو (90%) من إجمالي عمّال اليمن!!
- غياب قانون للتأمين الاجتماعي ضد البطالة.
- ثمة حظر غير معلن للعمل النقابي في القطاع الخاص، إذ يمارس أصحاب العمل أساليب من الإرهاب المعنوي، والفصل التعسفي ضد العمّال إذا طالبوا بحقوقهم، أو فكروا في تنظيم أنفسهم في نقابات عمالية، وعلى الرغم من أن الدستور، والقانون يكفل لهم الحق في النشاط النقابي، إلا أن غياب الحماية الكافية للعمال وللنقابيين في القطاع الخاص يجعلهم مكشوفي الظهر أمام تعسّفات أصحاب العمل.
- ثمة شكاوى من النقابيين بخصوص تبعية "المحاكم العمّالية" للغرف التجارية، والتي تستغلّها الإدارات الوسطية، وتوظّفها في مُمارسة التعسّف ضد العمّال.
ضعف الوعي الطبقي:
يشير مصطلح الوعي الطبقي إلى وعي الطبقة بمصالحها، ومواقفها، ومكانتها في نظام الإنتاج الاجتماعي كطبقة.
ولكل طبقة اجتماعية وعيها الخاص بها، ويتحدّد الوعي الطبقي للطبقة من خلال عدة محددات: طبيعة العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية السائدة، والموقع الطبقي الذي تحتلّه الطبقة في عملية الإنتاج، والتعليم، ومستوى التطور التكنولوجي، ومستوى المعيشة، ووجود/ غياب التنظيم الاجتماعي للطبقة.
ولكن وبما أن المجتمع الطبقي تسود فيه أيديولوجيا الطبقة السائدة، فإن الوعي الطبقي للطبقة المسودة لا يصل إلى درجة الوعي بالمصالح، والمهام التاريخية، وهو الشيء الذي ينطبق على الطبقة العاملة، فهَاتِه الأخيرة خاضعة لنير الأيديولوجيا البرجوازية، ولكن وبسبب موقعها في الإنتاج فهي تمتلك وعيًا جنينيًا بذاتها كطبقة، غير أنّ هذا النظام القائم بكل جوانبه يحول دون رفع ذاك الوعي، لذا كان من الضروري رفع هذا الوعي الجنيني إلى مستوى الوعي الطبقي.
ومن المعلوم أن درجة الوعي الطبقي تختلف من طبقة إلى أخرى، فالوعي الطبقي للطبقة السائدة يتبلور بشكل أبكر، ذلك لأن هذه الطبقة تسيطر على وسائل الإنتاج، ومصادر القوة والمعرفة في المجتمع، ولأنها تحرص على أن تظل مسيطرة، فإنها تلجأ إلى منع الطبقات الأخرى من امتلاك وعيها بمصالحها الطبقية، عبر التضليل والتزييف الأيديولوجي، وتلعب وسائل الإعلام، ودُوُر العِبادة، والمؤسسات التعليمية، والثقافية دورًا حاسمًا في ذلك.
وهذا يعني أن وعي الطبقة المسودة (الطبقة العاملة) يأتي متأخرًا عن وعي الطبقة السائدة للأسباب المذكورة سلفًا.
إنّ ضعف وتأخر وعي الطبقة المسودة، لا يعني غيابها، فالوجود الموضوعي للطبقة سابق على وعيها الطبقي. وتأسيسًا على ذلك يتم التمييز بين حالتين: "الطبقة في ذاتها"، و"الطبقة لذاتها" كما أشرنا إلى ذلك في مقدمة هذه الدراسة.
يتسم الوعي الطبقي للطبقة العاملة، والشغيلة في اليمن بالضعف والتأخّر، وتقف عدة عوامل ومُسببات وراء هذا الضعف، والتأخّر، نُوجزها على النحو الآتي:
عوامل موضوعية:
1- ضعف وهشاشة البنية الاقتصادية، فالملكيات الإنتاجية الكبيرة لا تشكّل سوى نسبة ضئيلة جدًا، فيما يشكّل قطاع الإنتاج الصغير، وقطاع الخدمات، والقطاع الهامشي النسبة العظمى.
2- تخلّف وسائل الإنتاج، وغياب التقنيات، والهياكل الحديثة في مختلف القطاعات الإنتاجية.
3- الاقتصاد الريعي القائم على الاستثمار في الثروات الطبيعية (النفط والغاز)، وتهميش القطاعات الإنتاجية، وما ينتج عن ذلك من نشوء قيم جديدة تبخس من قيمة العمل، والإنتاج، وتُعلي من شأن الاتكال على الآخر، وتمجّد الاستهلاك المظهري والتفاخري.
4- قيام الطبقة المافياوية المسيطرة بتشويه حقيقة الصراع، وإلباسه لبوسًا دينية، أو طائفية، أو مناطقية، أو قبلية، في محاولة منها لوأد أيّ بذرة صراع طبقي قبل نموّها. إنّ الطبقة المسيطرة تعتاش على استغلال الطبقة المنتجة، وتذريرها، وتخريب وعيها من خلال ما تملكه من رأسمال رمزي، ورأسمال ثقافي، ومال سياسي، ووسائل إعلام، ومؤسسات تعليمية، ودينية، وثقافية.
5- التبعية الاقتصادية، واعتماد النهج النيوليبرالي وتجريف القطاع العام، وتنصُّل الدولة عن التزاماتها الاجتماعية، وعلى وجه الخصوص: مجانية التعليم وإلزاميته.
عوامل ذاتية:
1- انحدار غالبية العمّال من أصول فلاحية، أجبرتهم ظروف الريف للهجرة إلى المدينة بحثًا عن فرص عمل، مما ترك بصمات واضحة على تدني وعيهم السياسي والطبقي والفكري.
2- تمسّك العمّال المهاجرين بصلاتهم الريفية، والاحتفاظ بالرواسب القروية التي تحول دون اندماجهم في حياة المدينة.
3- استمرار بعض الرواسب الإقطاعية القديمة، واتخاذها شكلًا حديثًا، مثل التوارث المهني لمهن معينة، إذ تلحظ أن الأب يورث لابنه المهنة التي يعمل بها، والأخ الأكبر يُورّث لأخيه الأصغر مهنته، وابن القرية الذي هاجر في وقت مبكر يرشد أبناء قريته من العاطلين لذات المهنة، وهكذا... إلخ.
4- الخلل في التوزيع الجغرافي للقوى العاملة: تعدّ عاصمة الدولة أكبر مركز جاذب للعمال، وبعض المدن الرئيسية كعدن، وتعز، والحديدة، والمكلا، ومأرب، أما بقية المدن فلا يتواجد بها إلا أعداد ضئيلة، وذلك بسبب ضعف البنية التحتية، ومحدودية الأسواق، وغياب الخدمات، وغيرها.
5- التشتّت، والتبعثر، وعدم الاستقرار، إذ يتوزّع العمّال والشغيلة على أربعة قطاعات، هي: القطاع العام والجهاز الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع غير الرسمي، والقطاع الأجنبي.
وهذه القطاعات تتشابك، وتتداخل حيث ينتقل العمّال من قطاع لآخر، بل ويقومون بوظائف متعددة في أكثر من قطاع في آنٍ واحد.
ناهيك عن أن قسمًا لا يُستهان به من العمّال يعملون في أعمال موسمية، ومتغيرة، وينتقلون من مكانٍ إلى آخر في البلاد بحثًا عن فرص عمل أفضل، وهذا كلّه يقف عائقًا أمام انتظامهم واستقرارهم.
6- تأثير العامل المناطقي على نوعية المهن، ومجالات النشاط الاقتصادي، إذ نلاحظ أن العمّال المنحدرين من محافظة تعز ينتشرون في مختلف محافظات الجمهورية، ويعملون كحرفيين، أو موظفين، أو عمّال خدميين، في حين نجد العمّال المنحدرين من المحافظات الجنوبية نادرًا ما يعملون في مثل تلك المجالات، أما العمّال المنحدرين من محافظتي إب وحضرموت فالغالبية مهاجرون إلى الخارج. وبالنسبة لأبناء مناطق شمال الشمال فإما فلاحين، أو يشكلون جزءًا من جيش الدولة، وذلك بسبب سمات البنية الاجتماعية والاقتصادية السائدة في تلك المناطق التي يغلب عليها الطابع العصبوي القبلي، والنشاط الزراعي شبه الإقطاعي.
7- تدنّي مستوى التحصيل التعليمي للعمّال، فالغالبية (حوالي الثلثين) لم يكملوا التعليم الثانوي وفقًا لمسح القوى العاملة لعامي 2013/ 2014م.
8- نقص في التأهيل، والتدريب، والمهارات لدى العمال، إذ تشكّل العمالة غير الماهرة نسبة تفوق (40%).
9- ضعف التنظيم النقابي، وسيطرة القيادات الانتهازية عليه، مما يؤدي إلى تجريف الوعي الطبقي للعمال.
10- اغتراب الحزب الطليعي (والمقصود هنا الحزب الاشتراكي اليمني) عن العمال وعن قضاياهم.
من المعلوم أن الوعي الطبقي للعمّال يأتي من الخارج، من الحزب الطليعي، إذ لا يمكن لعمّال يعيشون في أوضاع مزرية أن يمتلكوا وعيًا بمصالحهم الطبقية من تلقاء أنفسهم.
لكن الحزب الطليعي هذا يعيش أزمة، وتكمن أزمته في غياب الرؤيا الواضحة تجاه الطبقة العاملة وجماهير الكادحين.
لقد انجرف الحزب وراء الدعاوى الليبرالية المشكّكة بجدوى العمل في أوساط العمال، والكادحين، وكان انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي قد ساهم في ترسيخ هذه الدعاوي حتى ارتفعت إلى مصاف اليقينيات الراسخة التي لا تقبل التمحيص، أو إعادة النظر فيها.
إنّ الحاجة باتت مُلحّة ليقوم الحزب الاشتراكي بإجراء مراجعة فكرية نقدية تستند إلى دراسات علمية لواقع تحولات البنى الاجتماعية، والاقتصادية، ومن ثمّ تحديد طبيعة المهام، والآليات الملائمة للعمل في أوساط الطبقة العاملة، وسائر الكادحين.

المصادر والمراجع:
أولًا: الكتب:
1. أحمد عطية المصري، النجم الأحمر فوق اليمن، ط3، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 1988.
2. إيلينا جولوبوفسكايا، ثورة 26 سبتمبر في اليمن، ترجمة: محمد قائد طربوش، بيروت، دار ابن خلدون، 1982.
3. جورج لابيكا وجيرار بن سوسان، معجم الماركسية النقدي، ترجمة جماعية، بيروت، دار الفارابي، بيروت، 2003.
4. حسين عبدالحميد أحمد رشوان، علم الاجتماع الصناعي، الإسكندرية، دار المكتب الجامعي الحديث، 2005.
5. سعيد الجناحي، أوائل المغتربين وحكايات العبور إلى الوطن، صنعاء، مركز عبادي للدراسات والنشر، 2002.
6. سيف علي مقبل، من تاريخ الحركة الوطنية اليمنية (منتصف الخمسينات من القرن العشرين 1967م)، صنعاء، دار عبادي، 2004.
7. عبدالله علي مرشد، نشوء وتطور الحركة النقابية والعمالية في اليمن، بيروت، دار ابن خلدون، 1981.
8. عصام الخفاجي، ولادات متعسرة.. العبور إلى الحداثة في أوروبا والمشرق، القاهرة، المشروع القومي للترجمة، العدد (2293)، 2013.
9. عمر الجاوي، الصحافة النقابية في عدن (1957 – 1967م)، عدن، مؤسسة 14 أكتوبر، (د.ت).
10. فواز طرابلسي، الطبقات الاجتماعية في لبنان.. إثبات وجود، بيروت، مؤسسة هينرش بل، 2013م، ص11.
11. فوزية حسونة، المرأة اليمنية والتصنيع، دراسة ميدانية، تعز، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، مايو 2002.
12. فيتالي ناؤومكين، الجبهة القومية في الكفاح من أجل استقلال اليمن الجنوبية والديمقراطية الوطنية، موسكو، دار التقدم، 1984.
13. فيليكس فولكوف وتاتيانا فولكوفا، ما هي القيمة الزائدة، موسكو، دار التقدم، 1988، سلسلة مبادئ المعارف الاجتماعية السياسية (12).

ثانيًا: المجلات والدوريات:
1- خالد راجح شيخ، عمالة الأطفال في اليمن، مجلة حوليات العفيف الثقافية، صنعاء، مؤسسة العفيف الثقافية، العدد (3)، 2003.
2- عبدالرحيم محسن سيف، الوعي الاجتماعي ووعي الطبقة العاملة اليمنية، مجلة النهج، دمشق، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية، العدد (27)، 1989.

ثالثًا: التقارير وأوراق العمل:
1- التقرير الإستراتيجي اليمني للعام 2007م، صنعاء، المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية.
2- تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2009م.
3- عبده سلام عبده، وعبدالجليل عثمان الأكحلي، ورقة مقدمة للندوة التي نظمتها منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة تعز، بتاريخ 9/5/2012.
4- يحيى محمد النجار، حقوق العمال النقابية في ضوء المعايير الدولية، دراسة تحليلية للتشريعات اليمنية، صنعاء، الدار العربية للمحاماة بالاشتراك مع الصندوق العربي لحقوق الإنسان، 2012.

رابعًا: المقالات والندوات والتقارير المنشورة في الإنترانت:
1. إيمان أحمد ونوس، سيكولوجية المرأة العاملة، الحوار المتمدن، مقال، تاريخ النشر: 26/ 4/ 2015، متاح على الرابط التالي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=96242

2. بيتر سلزبري، اقتصاد اليمن: النفط والواردات والنخب، لندن، تشاتام هاوس، أكتوبر 2011، متاح على الرابط التالي:
https://www.chathamhouse.org/sites/default/files/media_wysiwyg/1011pp_yemeneconomy_arabic.pdf
3. شارون سميث، في تنظير قمع المرأة: العمل المنزلي واضطهاد النساء، الحوار المتمدن، تاريخ النشر: 18-3-2019، متاح على الرابط التالي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=531479
4. عمال اليمن لا عيد لهم (تقرير)، المصدر أونلاين، 1 مايو 2018م.
5. عيبان محمد السامعي، 11 فبراير 2011م في دلالة الحدث ومآله، موقع أكاديميا، متاح على النت
6. فاروق الكمالي، الحرب تزيد فقراء اليمن إلى 80% من السكان، (تقريرصحفي)، العربي الجديد، 6 فبراير 2016، متاح على الرابط التالي:
https://www.alaraby.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-80-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86
7. قبسات من تاريخ الحركة النقابية اليمنية، صحيفة صوت العمال، العدد (1917)، 1 مايو 2013م.
8. مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، تقارير صحفية متاحة على موقع المركز الرابط التالي: https://economicmedia.net/
9. مسح القوى العاملة في الجمهورية اليمنية 2013 – 2014م، الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، 2015، متاح على الرابط التالي:
https://www.ilo.org/beirut/publications/WCMS_419008/lang--ar/index.htm
10. منظمة العمل الدولية: اتجاهات تشغيل المرأة في اليمن، المكتب الاقليمي للدول العربية، بيروت، يونيو 2005، متاح على الرابط التالي:
https://www.ilo.org/beirut/countries/yemen/WCMS_561721/lang--ar/index.htm
11. نجيب العدوفي، عُمال اليمن .. الموت المجاني من نصيبهم (تقرير صحفي)، العربي الجديد، تاريخ النشر: 1 مايو 2016، متاح على الرابط التالي:
https://www.alaraby.co.uk/%D8%B9%D9%8F%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D9%86%D8%B5%D9%8A%D8%A8%D9%87%D9%85