لا عيد لعمال من دون عمل


حسن خليل غريب
2023 / 4 / 30 - 12:18     

اعترافاً بحقوق العمال، يحتفل العالم بعيدهم في الأول من أيار من كل عام، والعامل يحتفل بعيده لأنه حق له، وواجب على الدولة أن تسهر على تلك الحقوق. وعدد من الدول العربية في هذه المرحلة، ومن أهمها لبنان والعراق واليمن،.. هي من تلك الدول التي ليس للعمال فيها حقوق، لا بل كادت أن تلغي مفهوم العمل والعمال.
فأية علاقة تربط تلك الدول بحقوق العمال فيها هذا العام، ناهيك عن الأعوام التي سبقتها؟
وهل يمكن لعمال تلك الدول أن يحتفلوا بعيد حقيقي؟
بداية لو رحنا نفتش عن مفهوم الدولة في الترويكا المذكورة، لعجزنا عن وجوده. لأن من يحكمها أنظمة ميليشياوية ولا علاقة لها بالدولة الوطنية الحديثة التي تعتبر أن العمال ركيزة الإنتاج الاقتصادي.
وإذا رحنا نفتش عن مفهوم للعامل، لن نجد مفهوماً له كما هو متعارًفٌ عليه في علم الاقتصاد، ولن نجد سوى ما أصبح متعارف عليه بـ(العامل الميليشياوي) الذي يستثمر فيه أمراء الطوائف جيوشاً من الشباب لحماية مصالحهم الاقتصادية ومواقعهم السياسية، وتمتين التحاقهم بالدول الخارجية.
إن الأكثرية الساحقة من عمال تلك الدول، تنتسب إلى مؤسسات أمنية تحمي أمراء الميليشيات، وهي التي تستثمر بهؤلاء العمال من أجل الحصول على جزاءات ومساعدات مادية ومالية من الدول الخارجية، أو لحماية سرقاتهم لأموال وطنهم وثرواته. وهؤلاء يصح فيهم الوصف بأنهم عاطلين عن العمل المنتج، بل هم يعملون بـ(السخرة) عند أولياء أمورهم، يرتضون بالقليل لكي لا يموتوا جوعاً. وإن هؤلاء يشكلون الأكثرية الساحقة من الأجيال الشابة التي يجب أن تستند إليها الدول لتعزيز اقتصادها في الحقلين الزراعي والصناعي.
وأما الأكثرية من بين الأقلية الساحقة من عمال ترويكا تلك الأنظمة، فهم من العمال غير الفنيين الذين بالكاد يلتقطون لقمة عيشهم وعيش عيالهم. والأقلية منهم من ذوي المؤهلات الفنية المتوسطة، أو الاختصاصات العليا، فقد شحَّت مداخيلهم إلى ما دون الحد الأدنى لضمان قوت يومهم، فقد اتجهوا إلى الهجرة في أنحاء المعمورة. أو أنهم يتسولون في الشوارع عملاً فلا يجدونه.
وإذا أضفنا إلى هؤلاء وأولئك مئات الآلاف من الموظفين والمستخدمين في مؤسسات القطاع العام، الذين هجروا وظائفهم، فعطلوا تلك المؤسسات، فكم تبدو الصورة قاتمة؟
في هذه المرحلة، تمر ترويكا تلك الأنظمة الطائفية السياسية، في أسوأ حالات الفشل والتخلف،
وتمر الحركة العمالية بأسوأ حالاتها، لأنها تحولت إلى حركة عاطلة عن العمل، بل إلى حركة من دون عمال، وقطاع عام من دون موظفين، وأراض خالية من المزارعين، ومصانع خالية من العمال...
وإذا، كان كل هؤلاء من العمال والموظفين، عمال ميليشياويون، وعمال زراعيون، وعمال صناعيون، وموظفون لا تقوم مؤسسات الدولة من دونهم، لأنهم يشكلون عصب الدولة الحديثة المنتجة، فإذا كانوا كلهم عاطلين عن الإنتاج الزراعي والصناعي، فبأي عيد سيحتفلون؟
لا عيد من دون عمال، فبأية طريقة سيستقبل العمال عيدهم العالمي؟
إن عيد العمال الخالي من العمال أصبح حديث خرافة، كما هي بقية الأعياد الوطنية، والأعياد الدينية قائمة بالشكل خالية من المضمون.
وفوق هذا كله، والأسوأ من هذا كله، هو أن ترويكا تلك الأنظمة متشابهة المناهج في الحكم، ويجمعها نظام الطائفية السياسية، وهو أحد أنظمة التبعية لأنظمة خارجية تعتاش على الترويج للطائفية وتنخر تفتيتاً في النسيج الوطني. وهذه الأنظمة أكثر خطورة من أنظمة التبعية الاقتصادية. وأما السبب فيعود إلى أنها تنسب نفسها إلى القدسية الإلهية، أي أنها تعمل لتنفيذ أوامر إلهية، وهي أشد فتكاً من كل أنواع الأنظمة الأخرى.
ففي مناسبة عيد العمال العالمي، نرى أنه لا خلاص للعمال في ترويكا الأنظمة الطائفية، من دون الكشف عن وسائل الخداع الطائفي التي تمارسها قيادات تلك الأنظمة على أنصارها وتابعيها لتجميع عشرات الآلاف من (العمال الميليشياويين) بقصد استغلال أعدادهم للحصول على المزيد من المال والسلاح والقوة السياسية من مصادرها الخارجية. وليعلم كل هؤلاء أن أموال الخارج سوف تنضب آجلاً أم عاجلاً، وحينذاك سوف يفقدون قيمتهم عند أمرائهم، وسوف يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، لا مؤهلات فنية عندهم تسمح لهم بالالتحاق بأي عمل منتج. ولن يجدوا سوى العمل في مجالات خدمات التنظيف في الشوارع، أو في غيرها من الخدمات التي لايحتاج الذي يمارسها لأية خبرة فنية.
وعلى العمال الميليشياويين الذين لا يجيدوا سوى استخدام السلاح، أو البلطجة بالسلاح، أن يعلموا بأن الله يرزق فقط العاملين المنتجين في الأرض والمصنع، وليس المنكفئين عن العمل المتسكعين في الزوايا المظلمة ممن ينتظرون لقمة العيش ممن يستثمرون بهم لأهداف خارجية.
وعلى قادة الميليشيات الطائفية أن يتقوا الله الذي يزعمون بأنهم يعبدونه. وبدلاً من صرف الرواتب والمساعدات لهم، أن يقوموا بتسريح ميليشياتهم وتأهيلهم كعمال فنيين، وإنشاء المصانع واستصلاح الأراضي، لتوفير العمل لهؤلاء الشباب.
ولكي يستعيد عيد العمل بريقه، لا بد من تعزيز الزراعة والصناعة، وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة الموحدة، والإقلاع عن أحلام بناء الدويلات الطائفية التي تؤهل (عمالاً ميليشياويين) التي في ظلها نفقد الوطن بفقدان العمال الفنيين الذين وحدهم يشكلون أعمدة الإنتاج الاقتصادي، وإذا فقد الوطن لا مكان سوى للمعتاشين من أموال السرقة والنهب ومشاريع الخارج المشبوهة. ومن بعدها ألف سلام على وطن لا يقوم اقتصاده على أكتاف العمال والفلاحين وموظفي الإدارات العامة الذين يتميزون بالكفاءة والنزاهة، والبعيدين عن المحاصصات الطائفية والميليشياوية.