فاتح مايو 2023: لا خلاصَ للشغيلة وعامة المقهُورين سوى بنضالٍ سياسي يرومُ تغييراً شاملاً وعميقاً


المناضل-ة
2023 / 4 / 29 - 09:33     


تمكن النظام من إخماد الحراكات الشعبية، آخرها حراك الريف وجرادة، بالقمع والتنازلات الطفيفة، وأفلح في احتواء المنظمات النقابية بأحبولة «الحوار الاجتماعي»، مستفيدا من تعاون القيادات النقابية على هذا الدرب الذي لا يخدم سوى مصلحة الطبقة البرجوازية.
لقد ضاعت مكاسب عديدة، وأخرى مهددة بفعل تسارع الهجوم، حيث تعمد الدولة إلى إرشاء هذا الفئة أو تلك لتمرير مخططات خطيرة على مستقبل الطبقة العاملة برمتها، منها تغيير الأنظمة الضابطة لعلاقات الشغل بالوظيفة العمومية، والقانون المُجَرِّم للإضراب، وما يسمى قانون النقابات، وتحطيم ما تبقى من مكاسب التقاعد. هذا فضلا عن الخصخصة المتسارعة لقطاع الصحة العمومية، بعد ربع قرن من تخريب المدرسة العمومية لصالح تجار التعليم بمعاول ما سمي «ميثاقا وطنيا» جرى تمريره بتوقيع القيادات النقابية.
الحالة النقابية اليوم لا تُرضي غير أعداء الطبقة العاملة، فنقابة كل مقاولة، وكل فئة مهنية بقطاعات الدولة، وفي كل مركزية نقابية، الكل منطو على نفسه، لا يرى غير مصلحته المهنية الضيقة، بروح أنانية، تعدم الأساس الذي يقوم عليه التنظيم العمالي، ألا وهو التضامن. وهذا التفكك، المفاقَم بتناسل التنسيقيات، في ظل غياب عمل وحدوي، يجعل الجميع غافلا عن القضايا الكبرى التي توحد الطبقة العاملة، أولها مصيبة البطالة المهولة، وهشاشة التشغيل بشركات السمسرة في اليد العاملة وخدعة المقاولة من باطن، وفرط استغلال قوة العمل لدرجة تدميرها، وبالمقدمة النساء العاملات، والتردي الخطير لظروف العمل بنحو بلغ مستوى الجرم المشهود، وهدر كرامة الشغيلة بالمعاملة المهينة والتحرش الجنسي، وقضايا الزيادة العامة في الأجور والسلم المتحرك للأجور والأسعار، والحماية الاجتماعية وضمنها التقاعد المتربص به، وعدم فعالية جهاز تفتيش الشغل المفرغ من محتواه بقطع الإمكانات البشرية والمادية عنه، ومسألة الحريات النقابية المعدومة بالقطاع الخاص لدرجة تحويله إلى صحراء نقابية… كلها قضايا كبرى يجري الانشغال عنها بالترقي إلى هذا السلم أو ذاك، وما شابه من المطالب المجهرية.
بعد إبطال كل مقاومة عمالية جماعية، ترفع الدولة البرجوازية سرعة شن هجماتها على كافة الجبهات، وتُبدي إصرارا لا يلين على فرض غلاء المعيشة على سواد الشعب الأعظم، وتسارع في تفكيك الخدمات العامة، بمشروع الشركات الجهوية بقطاع الكهرباء، المضر بشغيلة القطاع وبالمستهلك على السواء، والخصخصة الزاحفة على قطاع الصحة، وهلمجرا.
هذه الكوارث لن يردها النضال النقابي كما توجهه القيادات النقابية اليوم، بل هي لا تقوم في آخر المطاف سوى بوضع الخاتم النقابي على ما تقرره الدولة البرجوازية.
حجم المصائب الاجتماعية الحالَّة بالطبقة العاملة وعامة الطبقات الشعبية يستوجب التخلص من خدع «الحوار الاجتماعي»، وبث روح النضال الطبقي في المنظمات النقابية، والعمل بمنطق الوحدة في النضال، بين المركزيات النقابية كافة، وبين الحركة النقابية والتنسيقيات العاملة خارجها، ومع الحراكات الشعبية التي يحبل بها واقع القهر الاجتماعي غير المسبوق. وبموازاة هذا لا يكفي النضال النقابي والاجتماعي، حيث أن هجوم الدولة ما هو إلا تنفيذ لسياسة طبقية بواجهة حكومية عابرة، سياسة لا رد عليها سوى بنضال سياسي، يروم تحسين الوضع الاجتماعي ومعه المقدرة النضالية للشغيلة وعموم المقهورين، وتغييرا للوضع بالمغرب على نحو شامل وعميق. المطلوب تغيير السياسات الراهنة التي لا تخدم سوى الرأسماليين وكبار الملاكين العقاريين، بسياسة تروم تلبية الحاجات الأساسية للشعب، لا أرباح أقلية تغدو أصغر فأصغر بقدر تعاظم ما تستولي عليه من ثروات. إن نضال حراك 20 فبراير 2011 الذي انتزع تنازلات مادية غير مسبوقة في تاريخ النضال النقابي كان نضالا سياسيا يتوخى تغيير نظام الحكم وسن سياسات بديلة.
وعلى غراره، لا خلاص سوى بالنضال السياسي من أجل تغيير السلطة القائمة بسلطة شعبية منتخبة، ذات برنامج يلغي السياسات القائمة المدمرة بالخوصصة، بمسميات متنوعة، لكل ما هو اجتماعي، ويلبي الحاجات الأساسية للجماهير الشعبية، من شغل، وسكن، ومعيشة لائقة، وخدمات عمومية جيدة ومجانية، بمقدمتها الصحة والتعليم، وحريات سياسية. وهذا النضال السياسي لن يكون عفويا، بل يحتاج أداة سياسية تنظم أكثر قوى الشغيلة وعيا، وتنير الطريق لسائر ضحايا نظام الاستبداد والاستغلال والاضطهاد القائم. كل من يصف طريقا آخر غير طريق التنظيم والنضال السياسيين غافل أو دجال سياسي.
هذا الحل الوحيد الذي سيُنهي أهوال واقعنا المرير هو ما يجب أن يناقشه الشغيلة الواعون، ويعملون على نشره لإيقاظ أقسام طبقتنا وعامة المقهورين- ات الذين لا تزال أجهزة الدولة، من مدرسة ومسجد وتلفزيون، تخرب وعيهم- هن الطبقي.
وهذا الحل هو الذي يهدف إليه أنصار ونصيرات جريدة المناضل-ة التي أكدت التطورات الحاصلة منذ صدورها صحة التنبيهات والتحذيرات التي صدحت بها بشأن سياسة الدولة وكذا بشأن نهج القيادات النقابية، ومختلف التشكيلات السياسية غير العمالية.
إننا نخاطب كل عامل-ة ساخط-ة على الوضع الاجتماعي المفروض كي يناقش مع رفاقه في العمل سبل نشر الوعي والتنظيم العماليين، ورفض كل أشكال تشتيت الصف العمالي بتحدي الحدود المصطنعة بتعدد النقابات، بممارسة التضامن الطبقي مع النضالات الجارية، وبإشاعة فكرة حل التغيير السياسي بما هو الحل الحقيقي الوحيد لإنهاء مصائب الرأسمالية التي تسحقنا.
عاشت طبقة الشغيلة، وعاش فاتح مايو يوما للكفاح الطبقي الأممي
تيار المناضل-ة 28 ابريل 2023