المفهوم الماركسي للحزب والعالم الرقمي الافتراضي!!


ماجد لفته العبيدي
2023 / 4 / 28 - 12:42     

ان تكوين الحزب البروليتاري الثوري وطبيعة مهامه من وجهة النظر الماركسية يعتمد على الموقف الطبقي من الصراع الدائر بين البروليتاريا والبرجوازية وعلى موقع الطبقة العاملة وحلفائها في الصراع الدائر الذي يتطلب بناء حزبا سياسيا ينقل الطبقة العاملة من طبقة بذاتها يدور نضالها في أطار العمل النقابي الاجتماعي الى طبقة لذاتها عبر تشكل حزبها السياسي البروليتاري الثوري والذي وضع كارل ماركس برنامجه بخطوطه العامة في البيان الشيوعي الذي كتبه في 1848 في خضم الاحداث الثورية العاصفة في اوربا ، وقد قام ماركس وأنجلس بتشكيل شبكة المراسلين في فرنسا وانكلترا وألمانيا في 1846 وبعد اتحادها مع عصبة العادلين بقيادة كارل شابر في عام 1847 ، حيث قام ماركس بالخطوة العملية الاولى لتكوين منظمة سياسية للطبقة العاملة اطلق عليها (العصبة الشيوعية ) وطرح برنامج يعتمد النضال السلمي للطبقة العاملة ونبذ روح المغامرة والعنف .
وانطلق ماركس من خلال ذلك للعمل على بناء منظمة عالمية للطبقة العاملة مؤكدا على أهمية الحزب الثوري في نضال الطبقة العاملة وحلفائها الفلاحين والمثقفين الثورين وسائر الشغيلة والكادحين وقد تحقق ذلك في لندن(1864_1876) بتأسيس جمعية الشغيلة العالمية (الاممية الاولى ) والتي ضمت في صفوفها جمعيات و منظمات من أقصى اليمين الى أقصى اليسار من البروندين والبلانكيين والشارتين والباكونيين والقوميين البولنديين والاشتراكيين الالمان والجمهوريين الايطاليين ، واستطاع ماركس بحنكته ودبلوماسيته أدارة الصراع بين هذه الاتجاهات المختلفة والمتصارعة .
لقد ارتبط مفهوم ماركس للحزب الثوري في ظروفه الزمكانية وتغير مفهوم الحزب الثوري وطبيعته ومهامه منذ تشكيل الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وظهور الاممية الثانية (1889) وأنتهاجها سياسية التوافق الطبقي والعمل النقابي وقضايا الدفاع عن الوطن والتخلي عن مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا والتعويل على التحول السلمي البرلماني لتحقيق الاشتراكية .
وقد جرى صراع فكري حول هذه القضايا بين الاصلاحيين والثورين في داخل الاممية الثانية وتجلى ذلك في النقاشات التي جرت في المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي 1903 بين مارتوف ولينين حول شروط العضوية والتي ادت الى انشقاق الحزب الى المناشفة والبلاشفة ومهدت لولادة الاممية الثالثة الشيوعية لاحقا عام 1919، وقد أظهرت النقاشات التي دارت في المؤتمر الفارق بين المفهومين ، حيث لينين اراد للحزب ان يكون منظمة قوية تضم رفاق مناضلين لديهم واجبات وحقوق يتحملون أعباء النضال الطبقي ويساهمون في رسم وتطبيق سياسية الحزب ويدعمونه ماليا ، بينما اراد مارتوف الارتباط المعنوي والاختيار الفردي للارتباط بالحزب من دون تحديد الالتزامات والواجبات وكذلك عدم تحديد اللاشتراكات المالية وهذه الشروط لا ترتقي حتى الى عضوية الجمعية او النادي الاجتماعي ، وتجعل الحزب نادي للثرثرة والنقاشات البيزنطية !!
ان الصراع حول مهام الحزب وعضويته وإيديولوجيته وسياسته ظل دائرا لعشرات السنين و ادى الى انشقاقات وخسائر بشرية ومعنوية كبيرة تتطلب منا اليوم الوقوف عندها و دراسة تجارب الحركة الشيوعية والعمالية والاستفادة منها و ايجاد الوسائل والطرق الجديد في العمل في ظل العالم الافتراضي الرقمي الذي بات مؤثرا وفاعلا في كافة مجالات الحياة بما فيها حياة الحزب وعضويته وطبيعة عمله وأساليبه ووسائل كفاحه اليومي .

لذى شكلت النقاشات في اروقة المجلس السابع لحزبنا المنعقد في 24 شباط 2023 محطة هامة على طريق تطوير عمل الحزب ومعالجة اشكالاته وإيجاد طرق وأساليب وأشكال جديدة للعمل تتلائم مع الواقع وتساعدعلى رفع مستوى العمل الحزبي وفق التحديات والمهام الراهنة .
وكان في مقدمة القضايا التي عالجها المجلس الربط الجدلي بين العمل التنظيمي والفكري و التصدي للعمل الجماهير وتوسع دائرة الاحتجاج وأشكاله وتجسير العلاقة مع الشبيبة والطلبة والمرأة وتغير التركيبة العمرية والطبقية للحزب والعمل على تربية كوادر شبابية قادرة على قيادة العمل واعتماد وسائل التواصل والفضاء الرقمي في تنظيم وتحشيد الالاف من الشبيبة والطلاب والنساء للمشاركة في العمل الجماهيري والسياسي وتطوير التجارب الواعدة في مجال العلاقات والتبرعات الالكترونية وخلق حركة جماهيرية مؤازرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي لتصبح ظاهرة عملية في الحياة الحزبية والسياسية على المد البعيد .
كما تضع التطورات التكنولوجية والمعلوماتية الهائلة التي احدثتها العولمة امام الشيوعيين واليساريين بشكل عام مهام جديد يتطلب التصدي لها واستعادة دور اليسار من خلال التقيم المتائني لتجاربنا النضالية بشكل شفاف لتجديد وسائل وطرق عملنا وقد تميز الحزب الشيوعي العراقي عن باقي الاحزاب بتقييم جميع مراحل نضاله في الكونفرس الثاني 1956 وفي الكونفرس الثالث 1967 وفي المؤتمر الرابع 1985 والمؤتمر الخامس 1995 تم تقيم تجربة الكفاح المسلح ومن المؤمل ان يخوض الحزب نقاشات هادئة وشفافة وموضوعية لوضع وثيقة تقيمية هامة امام مندوبي المؤتمر الثاني عشر لحزبنا 2025 يعكس فيها تصورات العقل الجماعي للحزب وتقيمه الموضوعي لتجربة الحزب خلال الثلاث عقود الماضية .
أن الحزب الشيوعي العراقي يناضل اليوم من اجل خلق تحالف واسع لقوى التغير الديمقراطية المدنية والاجتماعية لتحقيق التغير المنشود عبر العمل الواعي والمنظم لخوض حرب المواقع وربط الممارسة الثورية في الواقع الموضوعي وتجاوز القوالب القديمة واعتماد الاساليب والطرق الحديثة في العمل التي تمكنه من التصدي لمحاولة القوى المتنفذة لإشاعة اليأس والإحباط والعفوية والقدرية في صفوف الجماهير للاستمرار حكمها الطائفي المحاصصاتي .