تجارب التنمية الصناعية في الدول العربية


مصطفى العبد الله الكفري
2023 / 4 / 26 - 15:25     

أولاً – ـ الملامح العامة لاستراتيجية التنمية الصناعية العربية:
تهدف استراتيجية التنمية الصناعية في الوطن العربي الى توسيع وتنمية النشاط الصناعي وتعميق دوره في مهمات التنمية العربية الشاملة، وتطوير الهيكل الصناعي وتعميق وتوسيع قاعدته التشابكية. وهذا يعني أن السياسات الصناعية العربية قد حددت أهدافاً تسعى لتحقيقها أهمها:
ـ زيادة معدلات نمو الانتاج الصناعي وزيادة حصته في تكوين الناتج الاجمالي.
ـ التركيز على تصنيع الخامات المحلية ومشتقاتها بما يؤدي الى زيادة حجم القيمة المضافة وتقليل صادرات الوطن العربي من المواد الاولية الخام.
ـ الاهتمام بتصنيع السلع اللازمة لإشباع حاجات السكان الاساسية وتقليل الاعتماد على الاستيراد في تأمينها.
ـ تشجيع الصناعات التصديرية ضماناً لتدفق العملات الأجنبية.
ـ اقامة صناعات متقدمة تقنياً وذات قيمة مضافه عالية.
ـ تحقيق درجة من التكامل الافقي والعمودي بين فروع الصناعة من جهة وبينها وبين فروع الاقتصاد الأخرى من جهة ثانية.
ـ تطوير أساليب وقدرات التدريب والتأهيل الصناعي.
ـ خلق مناخ استثماري مستقر مناسب لتشجيع مشاركة رأس المال الأجنبي والعربي في تمويل المشروعات الصناعية.
ـ استيراد التكنولوجيا والتجهيزات المتقدمة وتوطينها وتعظيم الاستفادة منها في تطوير القدرات التكنولوجية المحلية.
ـ تعزيز القدرات التنافسية للصناعات العربية
ـ تحسين الكفاءة الإنتاجية في قطاع الصناعي.
ـ تطوير القطاع الخاص وبخاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ـ اصلاح الإدارة الصناعية.
ـ تخفيف آثار التلوث البيئي الناتج عن الصناعة.
ـ تحقيق التنسيق والتكامل الصناعي بين الدول العربية.
وتعكس هذه الاهداف طبيعة المرحلة التي تمر بها التنمية الصناعية في معظم الدول العربية. وتتطلب إستراتيجية التنمية الصناعية العربية إقامة وتطوير الهياكل الأساسية وبخاصة مرافق النقل (الطرق لجسور ـ الموانئ ـ المطارات ـ وسائط النقل شركات الشجن، محطات الكهرباء، المدن الصناعية، والمناطق الصناعية الحرة) وغيرها.
والتنمية الصناعية في البلدان العربية يجب أن تستند بالضرورة الى توجه اقتصادي، اجتماعي يمثل رؤية السلطة العامة للمصالح القائمة.
تعد هذه الرؤية حجر الأساس في تحديد الإطار العام للتصنيع الذي يجيب على السؤال المبدئي.. ماذا ننتج.. ولمن ننتج؟ وهذا يعني تحديد اتجاهات النمو العامة لفروع الصناعة الأساسية وارتباطاتها بالقطاعات الأخرى. وكذلك تعيين الاتجاهات العامة لحجم وطبيعة المردود الاجتماعي للتصنيع. وتوزيع العائد الصناعي بين التنمية المحلية والتصدير … وتوزيع الناتج الصناعي بين العمل ورأس المال.
ولابد من اختبار مدى توافق السياسة الصناعية مع التوجهات والأهداف التنموية سواء على المستوى النظري أي مدى استجابتها لتطوير الفكر التنموي أو على المستوى العملي أي مدى استجابتها لمتطلبات الوثائق التنموية الرسمية ومدى كفاءة تنفيذها، ومدى توافقها مع الضرورات الفعلية للاقتصاد والمجتمع.

ثانياً – ـ واقع الصناعة العربية – تتميز الصناعة العربية بعدد من الخصائص أهمها
1 ـ انخفاض نصيب القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي لغالبية البلدان العربية، باستثناء الدول الرئيسية المصدرة للنفط، والتي تزداد فيها أهمية هذا القطاع، وإن كان ذلك يرجع الى ارتفاع نصيب الصناعة الاستخراجية دون التحويلية، والتي عادة ما تعتمد على انتاج مادة واحدة، وتتصف ( أي الاستخراجية ) بعزلتها عن بقية الأنشطة الإنتاجية في المجتمع، بحيث لا يمكن أن تتخذ معياراً لتقدمه الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأنها ترتبط بالاقتصاديات الأجنبية أكثر من ارتباطها بالاقتصاديات الوطنية، سواء من ناحية الإدارة أو الأساليب الفنية أو العمالة أو استثمار عوائدها. ومن أوضح الأمثلة على ذلك اتجاه الجانب الأكبر من الفوائض النفطية للاستثمار خارج البلدان العربية، وسيطرة العمالة الأجنبية على قطاع التعدين في موريتانيا، والذي يمثل دعامة أساسية لاقتصادها الوطني، بينما جانب كبير من العمالة الوطنية يعمل في فرنسا.
2 ـ اعتماد الصناعة الاستخراجية على وحدات ذات أحجام كبيرة بهدف تصدير إنتاجها في صورته الأولية بغير تجهيز أو إدخال أية تعديلات عليه، وإن حدث ذلك ففي أضيق نطاق، وفي حدود نسبة ضئيلة. مثال ذلك النفط والفوسفات وجانب من خام الحديد، فما زالت الصناعة الاستخراجية في البلدان العربية بصفة عامة تعتمد أساساً على تصدير انتاجها في صورته الأولية.
3 ـ اقتصار مشروعات الصناعة التحويلية في البلدان العربية، بصفة عامة، على إنتاج السلع الاستهلاكية، كالمنتجات الغذائية والغزل والنسيج، وبعض المنتجات الكيميائية كالسماد والإسمنت، بينما تتضاءل فيا مشروعات الصناعة الثقيلة والميكانيكية ذات الأهمية البالغة في مجال الإنماء والتقدم. ذلك نتيجة لتخلف غالبية البلدان العربية في مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة. وحاجة مثل هذه المشروعات الى استثمارات ضخمة، قد تعجز عنها بعض البلدان العربية، لعدم وجود خطط أو برامج تعتمد على إستراتيجية واقعية وموضوعية للتنسيق الصناعي في الوطن العربي، كأحد مظاهر تكامله الاقتصادي.
4 ـ ضعف إنتاجية الصناعة التحويلية العربية، وعدم قدرتها على منافسة إنتاج الدول النامية المتقدمة نسبياً في مجال التصنيع، ولا نقول منافسة إنتاج الدول الصناعية المتقدمة، وقيامها في الأصل، كصناعات تقليدية بديلة للاستيراد، في إطار من الحماية للحد من أخطار المنافسة الأجنبية.
5 ـ اعتماد مشروعات الصناعة التحويلية في البلدان العربية بصورة شبه كلية على المعدات والآلات والتكنولوجيا والخدمات الاستشارية الأجنبية، مما يحد من سرعة تطويرها ونموها، ويؤكد تبعية الاقتصاد العربي للاقتصاديات الأجنبية، تلك التبعية التي قد تمتد لتشمل مجالات التكنولوجيا والعلوم والمعلومات، وأنماط الاستهلاك والسلوك، ومن ثم المجالات الثقافية والاجتماعية.
كما يؤدي الاعتماد على استيراد الآلات والمعدات الرأسمالية والتقنية الأجنبية، الى ارتفاع تكاليف إقامة الصناعات التحويلية في البلدان اذا ما استغرقت عمليات الإنشاء مدداً طويلة، وهي العادة، مما يقلل من عوائد الاستثمار.
6 ـ انخفاض مستوى كفاءة وخبرات الأجهزة الفنية والإدارية التي تتولى إدارة المشروعات الصناعية في غالبية البلدان العربية، وعدم توافر أقسام البحوث لتطوير هذه المشروعات، أو ضآلة إمكانياتها، وافتقارها الى روح الابتكار والتطور. مما يؤدي الى انعدام مرونة العرض، والتكيف مع الطلب المحلي أو الأجنبي، وإضعاف قابلية غالبية المشروعات الصناعية العربية للمنافسة، والخروج الى آفاق الأسواق الخارجية.
7 ـ عدم توافر العمالة الصناعية الماهرة، نتيجة لحداثة عهد غالبية البلدان العربية بالصناعة أو نتيجة لعدم الاهتمام ببرامج التدريب والتعليم الفني. وذلك الى جانب انخفاض عرض العمالة العربية (باستثناء مصر والجزائر والمغرب وسورية)، والذي يوضحه ضعف المعدل العام للمشاركة في القوى العاملة في الوطن العربي. فبينما يتراوح هذا المعدل ما بين 25ـ27% من مجموع سكان الوطن العربي، يرتفع هذا المعدل الى ما بين 40ـ45% من مجموع سكان أوروبا الغربية.
ومن ناحية أخرى، أدت عدم رغبة مواطني البلدان الخليجية خاصة والنفطية بصفة عامة، في ممارسة الأعمال اليدوية أو المهنية وتفضيلها الوظائف الإشرافية والإدارية الى الحد من معدل مشاركة العمالة الوطنية في مختلف المشروعات وخاصة الصناعية (والخدمية) فانتشرت ظاهرة استيراد العمالة الأجنبية سواء من داخل الوطن العربي ( مصر والسودان واليمن وسورية والأردن )، أو من آسيا (الباكستان والفيلبين وكوريا).
يتبين من العرض السابق أن القطاع الصناعي في البلدان العربية يتصف بصفتين أساسيتين:
ــ تواضع مساهمته في الناتج المحلي وفي تغطية احتياجات الأسواق المحلية.
ــ بساطة هيكل الناتج الصناعي وضعف تنوعه.
انطلاقاً من هاتين الخاصتين للصناعة العربية، فإن كافة خطط التنمية والبرامج الاقتصادية في الدول العربية تسعى الى توسيع نطاق النشاط الصناعي لتزداد أهميته ومساهمته في الناتج المحلي وليتمكن من تغطية احتياجات السوق المحلية بأكبر درجة ممكنة بل ليتجاوز ذلك ويتمكن من تصدير بعض السلع الصناعية، كما تسعى الى تطوير الهيكل الصناعي وتعميق قاعدته التشابكية.

ثالثاً – ـ آفاق النمو الصناعي في الدول العربية:
ربما يبدأ التحول الحقيقي في نشاط القطاع الصناعي للدول العربية عندما يتم توجيه الانتباه لكسر دائرة تطوير وإنتاج المنتج الجديد. فإذا لم يكن بالإمكان جعل تطوير المنتج يبدأ في الدول العربية، فإنه بالإمكان خلق منتجات ذات تقنية ملائمة لاحتياجات وشروط الاستهلاك المحلي لهذه الدول. وليس من الضروري دائماً السعي الى تسويق المنتجات الصناعية العربية في أسواق الدول الصناعية لضمان استمرارية نمو النشاط الصناعي. فالأسواق المحلية في العديد من الدول العربية تمثل طاقة طلب كبيرة وهي لاتزال غير مستغلة بالإضافة الى ذلك يمكن التوجه الى أسواق الدول النامية وهو أمر يحتاج لعمليات اكتشاف للسوق وخلق وسائل التوزيع المناسبة وتذليل العوائق الجمركية وصعوبات المواصلات.
تبدو فرص النمو المستقبلية للصناعة مشجعة في أغلب الدول العربية رغم النتائج الضعيفة التي حققها القطاع حتى الآن فالكثير من الدول العربية قد شارف على الانتهاء من إنجاز البنية الأساسية اللازمة لنمو طويل الأجل في القطاع الصناعي، إضافة الى بدء العديد من المشروعات الصناعية في الإنتاج منذ عدة سنوات. وقد يشكل ذلك رصيداً من الخبرة العملية والإدارية في إنشاء وتشغيل وإدارة المشروعات الصناعية مما يسهم في تقليل تكلفة التوسع المستقبلي. وهذه الخبرات ستمكن الدول العربية من استغلال الموارد وتطوير وإنتاج شريحة متنوعة من السلع الصناعية، سواء من المنتجات البتروكيماوية والمنتجات المرتبطة بالطاقة أو منتجات الصناعات الأساسية والمنجمية أو منتجات الصناعات الغذائية وغيرها.
لا يزال التكامل الصناعي العربي ضرورة لعدد كبير من الصناعات التحويلية الحديثة في أغلب الدول العربية. ففي ظل التكتلات الاقتصادية المتزايدة، تحتاج الصناعة العربية الى السوق العربية الواسعة من أجل الانتفاع من وفور الحجم والانتفاع بالمزايا النسبية للمنتجات نتيجة وجود وفرة المدخلات ذات التكلفة المنخفضة، وأخيراً التأثير العام من حيث التشجيع على البحث والتطوير الذي يخلقه مجتمع صناعي يعتمد في كفاءة أدائه على تكامل مدخلات إنتاجه وتوافر أسواق المخرجات على مستوى الوطن العربي.

المصادر:
1 ـ الدكتور مصطفى العبد الله، السياسات الصناعية في البلدان العربية، بحث قدم لمؤتمر الاقتصاد الثالث، جامعة اليرموك، إربد الأردن 1994.
2 ـ الدكتور يونس أحمد البطريق، الملامح الرئيسية في اقتصاديات البلدان العربية، دار النهضة العربية بيروت 1985.
3 ـ التقرير الاقتصادي العربي الموحد، صندوق النقد العربي، أبوظبي 1987.
4 ـ إستراتيجيات وسياسات التصنيع في الكويت، ندوة، منشورات غرفة تجارة وصناعة الكويت، الكويت 1981.