جنرالات السودان يتصارعون ضد بعضهم.. ولابد أن يتخذ الشارع موقفًا مستقلًا عن كلا الفصيلين

سيد صديق
2023 / 4 / 18 - 21:32     

ترجمة سيد صديق

وقع قادة القوى المناهضة للديمقراطية التي نظَّمت انقلابًا عسكريًا في السودان ضد بعضهم، ويقاتل أنصارهم ضد بعضهم بالسلاح من أجل السيطرة. بحلول صباح أمس الأحد، قالت إحدى لجان الأطباء في السودان إن عشرات المدنيين قد قُتِلوا في أرجاء البلاد، مع سقوط عدد أكبر من العسكريين.

قد يتمزَّق السودان تحت وطأة هذه المنافسة الشرسة بين النخب العسكرية. وهنا لابد أن يتحرك الناس الذين كافحوا منذ أواخر 2018 من أجل تغييرٍ ثوري في السودان، بصورةٍ مستقلة عن كلا المعسكرين الرجعيين. ولابد من إزاحة كليهما تمامًا من المشهد.

يقول أناسٌ في العاصمة، الخرطوم، إنهم سمعوا صوت إطلاق نار كثيف وقصف بالدبابات أول أمس السبت. وجاء كل ذلك في أعقاب مفاوضات فاشلة بين الجيش والقوات شبه العسكرية والمدنيين حول اتفاقية لتقاسم السلطة.

منذ الانقلاب في أكتوبر 2021، يُدار السودان بواسطة مجلس للجنرالات العسكريين. هناك رجلين عسكريَّين رئيسيَّين في قلب هذا النزاع. الأول هو الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يرأس القوات المسلحة ويتولَّى رئاسة البلاد فعليًا. والآخر هو نائبه، قائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير باسم حميدتي. اتَّحد كلاهما في الانقلاب من أجل ضرب الاتفاقية التي كان من المُفترض أن تؤسس للحكم المدني. وقد وافق الجيش على ذلك مع جناح ليبرالي ساذج من الحركة الجماهيرية التي أطاحت عمر البشير في 2019.

لم يكن الجيش ليسلِّم السلطة طواعيةً أبدًا. لذا، حين آن الأوان لتتولَّى حكومة مدنية السلطة في البلاد، خلع الجنرالات قناع الديمقراطيين الأخيار ومرةً أخرى استولوا على السلطة. اعتقد الجيش، الذي يحفل سجله بالقتل والتعذيب واسع النطاق، أن بإمكانه ترهيب 45 مليون نسمة ليقبلوا حكمه خوفًا منه. في المقابل، واجه الجيش مقاومة محمومة.

اندلعت حركات جماهيرية بطولية في الشارع، استنادًا إلى لجان المقاومة القاعدية، وناضلت ضد النظام وجعلت من المستحيل عليه أن يرسِّخ حكمه. وكان الجيش يخشى أن إمكانية إطاحته من قِبَلِ القوى الثورية، لذا سعى إلى ترتيبٍ جديد من أجل تحييد بعض قوى المعارضة وتشكيل حكومة مقبولة لدى الإمبريالية الغربية. وهذا التمويه الليبرالي كان مُصممًا لإفساح الطريق أمام صفقات التمويل والتجارة.

أراد كلٌّ من البرهان وحميدتي أن يضمنا احتفاظ الجنرالات بثرواتهم واستبعاد الشعب السوداني من عملية اتخاذ القرار. وعلاوة على ذلك، كانا مُصممين على منع المساءلة عن جرائم الجيش، بما يتضمَّن قتل ما لا يقل عن 186 شخصًا في مذبحة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019.

وافق الجيش وقطاع من المعارضة، بقيادة قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، على اتفاقٍ إطاري في 5 ديسمبر من العام الماضي. ومرة أخرى، ادَّعى أنه يهدف إلى تنصيب حكومة مدنية وتنظيم انتخابات في غضون عامين. لكن على الفور تقريبًا بعد هذا الاتفاق، قال البرهان لقواته: “لا تسمعوا لما يقوله السياسيون عن إصلاح الجيش. لا أحد يتدخَّل في شئون الجيش على الإطلاق”.

ومنذ ذلك الحين، أصبح كلٌّ من البرهان وحميدتي قلقين من أن يطيح أحدهما الآخر. ومن أجل البقاء في القمة، تحدث البرهان مرارًا عن دمج قوات الدعم السريع التي يبلغ قوامها 100 ألف جندي في قواته. وبينما أرادت قوات الدعم السريع تأجيل الدمج لمدة عشر سنوات، يرغب الجيش في أن يجري ذلك في غضون عامين. حاول حميدتي أن يبدو في مظهر الديمقراطي الجديد الذي يؤمن بأن الانقلاب كان خطأً وأنه الآن جادٌ في الحكم المدني. لا ينبغي لأحدٍ أن يثق في أيٍّ من هذين السفاحين اللذين شاركا سويًا في قمع المظاهرات والإضرابات خلال العام ونصف الماضي.

تمتد جذور الدعم السريع إلى ميليشيا الجنجويد سيئة الصيت التي قمعت المتمردين في دارفور بكل شراسة، وقتلت مئات الآلاف من الناس هناك.

إن أحد أهم الجوانب الإيجابية في لجان المقاومة هي أنها لطالما أصرت على رفع شعار “لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية”، والإشارة هنا إلى المتآمرين في الانقلاب بالطبع. وهذا الشعار أصبح على محك الاختبار الآن. وهنا، لعل من المثير للقلق أن أحد المصادر التي تستخدمها لجان المقاومة غرد على تويتر يوم السبت مشدِّدًا على أن “يلجأ المواطنون كافة إلى أقرب ملاذات آمنة إذا لزم الأمر”، مضيفًا: “الطريق إلى الاستقرار يمر عبر تحقيق مطالب الثورة بإطاحة الطغمة الانقلابية، وتوحيد الجيوش، وتأسيس جيش وطني احترافي واحد قادر على حماية الأرض”.

بالتأكيد لابد من إسقاط قوى الانقلاب، لكن الدفع في سبيل جيش “احترافي” أو “مُوحد” يغذي الوهم بأن قوات الدولة يمكن أن تكون في صف الشعب. لا ينبغي أن تكون هناك أي مساومات مع أيٍّ من القادة العسكريين. ولابد أن تناضل القوى المناهضة للانقلاب على نحوٍ أكثر نشاطًا لطرح مركزٍ للسلطة السياسية بديلٍ عن البرهان وحميدتي. قد تشير الإضرابات، عند ربطها بالمظاهرات الجماهيرية، إلى الطريق أمام لجان المقاومة لتأخذ زمام الأمور بين يديها.

* المقال بقلم تشارلي كيمبر – صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية