من يتحمل مسؤولية أحداث ومآسي وآلام الشعب العراقي


فلاح أمين الرهيمي
2023 / 4 / 16 - 18:52     

لم يحدث في التاريخ القديم والحديث مثل ما يحدث الآن في العراق من جرائم ومآسي وتعاسة جردت المجتمع العراقي من إنسانيته ويصبح وحش مفترس يمارس العنف المفرط والقتل ببرودة أعصاب وكأنه يمارس عمل يقوم بإنجازه وأصبح يقتل الزوجة شريكة حياته وأبنائه فلذات كبده وأمه الحنون والأب الشفيق العطوف والأخ الشقيق والصديق الحميم .. من يلاحظ الحيوانات تدافع عن أطفالها وتستميت من أجلهم والإنسان في العراق يدفعه هروبه من الحياة والواقع المؤلم التي أغلقت أبوابها أمامه إلى قتل أفراد عائلته لأنه أصبح عاجزاً عن توفير لقمة العيش لهم .. إنه الفقر الذي قال عنه صوت العدالة الإنسانية ونصير الفقراء والجياع والمظلومين الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) : (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) ويقول عنه الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري : (أينما ذهب الفقر قال الكفر له خذني معك) ويقول أيضاً (أعجب لإنسان يذهب إلى بيته ولم يجد فيه رغيف خبز ولم يخرج من بيته شاهراً سيفه) .. إن المسؤولية تتحملها الحكومات السابقة التي أفرزت ظاهرة الفقر في العراق واستناداً إلى دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية وبالتعاون مع البنك الدولي في النصف الثاني من عام/ 2020.
إن نسبة الفقر في العراق قد بلغت (8,24%) وهذا يعني أن نحو عشرة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر وما تزال المحافظات الجنوبية الشيعية تتصدر معدلات الفقر وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 52% تليها محافظة الديوانية 49% ثم محافظة ذي قار 48% وفي محافظة البصرة 30% ووصلت نسبة الفقر إلى 40% كمعدل عام في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى بحكم تأثيرها بظروف احتلال داعش لتلك المدن والحرب وما نتج عنها من تهجير وخراب وقد وصلت نسبة الفقر في محافظات الوسط إلى 20% وكانت النجف وكربلاء الأكثر سوءً وقسوة وتضرراً مما أدت إلى انفجار الانتفاضة التشرينية في المدن الشيعية الجنوبية والوسطى التي تعتبر المدن المحتشدة والجماهيرية للأحزاب والكتل السياسية الشيعية التي تمثل الآن الإطار التنسيقي للبيت الشيعي وهذا يعني أن المدن الشيعية هي التي انفجرت فيها الانتفاضة ضد الحكم الذي كان قائماً تحت سلطة الأحزاب والكتل السياسية الذي استمر عشرون عاماً وفق قاعدة المحاصصة الطائفية والتوافقية التي أفرزت الفساد الإداري وانفلات السلاح واقتصاد ريعي وبطالة مكشوفة ومقنعة أدت إلى الفقر والجوع وتدمير الأسس التربوية (البيت والمدرسة وسلطة الحكم) فأصبح البيت متسيب ومنفلت بسبب تفكك العائلة بسبب الفقر والجوع وتفشي ظاهرة المخدرات والعنف الأسري والانتحار وأصبحت المدرسة لا تربية ولا تعليم بسبب قيام الجامعات بتخرج وجبات من الطلبة وترميهم في مستنقع البطالة أما سلطة الحكم فقد تسرب وتفشى فيها الفساد الإداري والمحسوبية والمنسوبية مما أدى إلى تنفيذ أحد مطاليب الانتفاضة (الانتخابات المبكرة) التي كانت نتائجها خسارة الأحزاب والكتل السياسية وفوز قوى الإصلاح والتغيير بسبب اعتكاف وامتناع مدن الوسط والجنوب الشيعية لعدم منح أصواتها للأحزاب والكتل السياسية وهذا يعني أن النظام السابق المحاصصي الطائفي قد وصل إلى حالة الخسارة والاستقصاء ولم يعد بالإمكان إصلاحه فلابد من الإصلاح والتغيير الشامل في نظام الحكم وإن التغيير تعتبر عملية ديناميكية وواقعية وليست عملية ميكانيكية ولا تمثل رغبات ولا إرادات سوى رغبات وإرادات الشعب ومن هنا فإن الإصلاح والتغيير لا يمكن تجاوزهما خارج محددات الواقع الموضوعي الذي يتطلب تغيير موازين القوى والتحول من حالة التوافق إلى الأغلبية الدستورية التي تشكل العامل الأساسي في إنهاء التوافقية والمحاصصة الطائفية وتمهد الطريق لبناء دولة المواطنة والقيام بحملة من الإصلاحات الجذرية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي توفر للشعب العراقي الأمن والاستقرار والحياة السعيدة والمستقبل الأفضل.