تشكيل النظرة المادية الدياليكتيكية الى العالم عند أطفال المدارس


مالك ابوعليا
2023 / 4 / 16 - 14:23     

تأليف يوري ايفغينيفيتش ديوراسيفيتش*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

من أهم أهداف مدارس البولتيكنيك للتعليم العام هو التنشئة الشيوعية للتلاميذ. ان تشكيل نظرة مادية دياليكتيكية الى العالم، له أهمية كبيرة جداً.
ان تدريس الفيزياء يقدّم لنا فرصةً واسعةً لتحقيق هذا الهدف.
يُشكّل مُحتوى مناهج الفيزياء دليلاً قاطعاً على طبيعة العالم المادية، ووجود العلاقات السببية بين ظواهر الطبيعة. تتأسس المفاهيم المادية بشكلٍ تدريجي كلما دَرَسَ المرء الظواهر الميكانيكية والحرارية والكهرومغناطيسية وغيرها من الظواهر.
تتوفر فُرَص هائلة لتشكيل قناعات التلاميذ المادية ليس فقط من خلال دراسة مسائل الفيزياء المُعاصرة وحسب (قابلية تحول الجُسيمات الى بعضها البعض، والعلاقة بين الكُتلة والطاقة، وما الى ذلك)، ولكن أيضاً من خلال دراسة مثل هذه المسائل في الفيزياء الكلاسيكية كالتفاعل الميكانيكي للأجسام، وقانون حفظ الطاقة، والتغيرات في حالات تجمّع المادة، وما الى ذلك. يُمكن لعملية تدريس الفيزياء المُنتظمة بشكلٍ صحيح أن تُساعد بنشاط على تشكيل نظرة شيوعية الى العالم لدى الطُلّاب.
يجب الاستفادة القُصوى من امكانيات مُقرر الفيزياء في تشكيل نظرة علمية الى العالم لدى الطلاب. ولدن فعل ذلك، لا يجب أن يتم تعليم هذا العمل في مراحله الأولى خصوصاً على شكل تلقين ميكانيكي للمعلومات. يلزم التفريق بين مُحتواه، وأشكاله التنظيمية ومناهجه. على سبيل المثال، نحن نعلم أن مستوى تطور طُلاب الصف السادس لا يسمح بإجراء تحليل عميق لميكانيزمات الظواهر أو وضع تعميمات واسعة. ومع ذلك، لا يترتب على ذلك أنه يجب على دروس فيزياء الصف السادس أن تقتصر على دراسة الحقائق دون تحليل وتعميم. يجب أن يُؤخذ عامل عُمر الطُلّاب في الاعتبار عند اختيار الحقائق المُراد تحليلها ومدى عُمق تحليلها ودرجة تعميمها، وفي اختيار الأشكال والمنهجيات المُناسبة للتحقق العملي من الاستنتاجات التي تم التوصل اليها.
يُمكن تحديد ثلاثة مراحل في مهمة تعميم معارف الطلاب بالفيزياء(1).
هكذا، يجب على المعلم عند تدريسه للصف التاسع حول الحركة الدائرية المُنتظمة، وتحولات الحركة، والافتراضات الأساسية لنظرية الحركة الجُزيئية للمادة، أن يُعدّ الطُلّاب لتعميمات مُعينة ويُعرفهم بمُصطلحات جديدة.
الهدف من المرحلة الثانية من المهمة، هو تعميق تصورات الطلاب فيما يتعلق بجوهر الظواهر الفيزيائية المادي وطبيعتها الدياليكتيكية، وطرح مفاهيم وتعميمات فلسفية مُعينة. على سبيل المثال، يجب على المُعلّم عند تدريسه الطلاب لقانون حفظ الطاقة وتحولها، أن يُشير الى العلاقة بين الحركتين الميكانيكية والحرارية. ويجب التركيز على عالمية وشمولية هذا القانون، وعلى حقيقة أن تحوّل شكل من أشكال الحركة الى شكلٍ آخر لا يُعني أنه من المُمكن اختزال التنوع الواسع لهذه الأشكال الى شكلٍ واحد، مثل الحركة الميكانيكية.
في المرحلة الثالثة، يجب الكشف عن الطابع العالمي للتعميمات التي تم اجراؤها، وكذلك أهميتها العلمية والعملية. يُمكن تحقيق ذلك بمُساعدة مُراجعة أو مناقشة الفصول الفرعية للمُقرر في الفيزياء (قوانين الميكانيكيا، خصائص الغازات والأبخرة، الظواهر الحرارية، الخ). يُمكن، على سبيل المثال، عند مُناقشة قوانين الغازات، أن يتم لفت الانتباه الى طابعها النسبي (لا تنطبق سوى على الغازات)، واستخدام هذا الأمر لتوضيح حدود تطبيق قوانين مُعينة على الواقع المادي، تبعاً لطبيعة تلك المادة.
يُمكن العثور على عدد من التوصيات المُفيدة فيما يتعلق بالعمل الذي يتعين القيام به في تشكيل نظرة الطلاب العلمية الى العالم في الأدبيات المُتعلقة بالمناهج(2).
لكن لم تُسلّط هذه الأدبيات الضوء على عددٍ من المسائل، المهمة للغاية، برأينا. مثلاً، لم تُحدد هذه الأدبيات نطاق المسائل الفلسفية التي يجب بحثها عند دراسة الفيزياء في المدرسة.
يُمكننا، على أساس تحليل مُقرر الفيزياء وفي خبرتنا في تدريس هذه المادة في مدرسة لينين Gorki Leninskie Moskovskoi obl، أن نوصي بقائمة الموضوعات التالية التي تُعالح النظرة الى العالم والتي يجب أخذها في الاعتبار عند تدريس الصف السادس (الصياغات التالية، موجهة الى المُعلّم).

1- الظواهر الفيزيائية والقيَم الفيزيائية وقياسها
الظواهر الفيزيائية حقيقية. الظواهر الخارقة للطبيعة غير موجودة. هناك علاقات سببية بين الظواهر. تُعبّر القوانين الفيزيائية عن الخصائص العامة لعلاقات الظواهر. القوانين الفيزيائية لا يصنعها الانسان، بل يكتشفها فقط. ان معرفة قوانين الطبيعة تجعل من المُمكن استتخدام هذه القوانين لمصلحة الانسان. يُنكر الدين امكانية معرفة الطبيعة، ولكنه هو نفسه يستخدم العلم لتضليل الناس. لا يُمكن التوفيق بين العلم والدين. يُمكّننا العلم من معرفة الظواهر التي لا يُمكن يُمكن الشعور بها بالمُلاحظة والتجربة المُباشرتين.

2- خصائص المواد الصلبة والسائلة والغازية
يتميز كل جسم مادي بالعديد من الخصائص. تعتمد مُقارنة خصائص المواد على الظروف. قد يؤدي تغيّر الظروف الى تغير كبير في خصائص الأجسام. تدرس الفيزياء الخصائص الفيزيائية للأجسام في ظروفٍ مُختلفة. ان كل الظواهر في الطبيعة يُمكن التوصل الى معرفتها. يتقدم العلم على أساس وحدة النظرية والمُمارسة. ان دراسة العلاقات المُتبادلة بين الظواهر تجعل امكانية التنبؤ بالظواهر قائمة. لا يوجد أي شيء مُشترك بين التنبؤات العلمية ونبؤات الناس المؤمنين بالخرافات المبنية على الاستنتاجات الخاطئة أو العرَضية. يوظّف الانسان المُكتشفات العلمية لتطوير التكنولوجيا. تخدم المُكتشفات العلمية في الدول الرأسمالية مصالح الرأسماليين وتُستخدَم للتحضير لشن حربٍ جديدة. العلم في الدول الاشتراكية يخدم قضية السلام وتطوير التكنولوجيا وتحسين ظروف جميع العمال المعيشية.

3- البيانات الأساسية حول بُنية المادة
الحركة، خاصية مُلازمة لجميع الأجسام. توجد أشكال مُختلفة من الحركة. المواد التي تتكون منها الأجسام ليست واحدة، بل مُتمايزة. يؤكّد اكتشاف جُزيئات الذرات ودراسة قوانين حركتها الاحتمالات اللامحدودة أمام الانسان لمعرفة الطبيعة. لقد قدّم علماء بلادنا مُساهمةً هائلةً في معرفة بُنية المادة.

4- ظاهرة الحرارة
قد تشترك عدد من الخصائص بين مجموعةٍ من الأجسام، أو قد تخص أجساماً مُحددة (تُميز أجساماً مُعينة وتغيب في أجسامٍ أُخرى). يجب دراسة الظواهر ليس فقط من حيث حالتها النوعية، ولكن أيضاً في حالتها الكمية. التغيرات النوعية والكمية مُترابطة بشكلٍ لا ينفصم.

وهكذا، يفترض إقامة فهم مادي دياليكتيكي في وعي طُلّاب الصف السادس، دراسة الأُطروحات الأساسية التالية في مقررات الفيزياء: الوجود الموضوعي للظاهرة الفيزيائية. الطبيعة المادية للعالم. حقيقة أن الحركة هي خاصة مُلازمة لأي مادة. الطبيعة الموضوعية لقوانين الفيزياء. امكانية معرفة كُل الطبيعة. الدور الرجعي للكنيسة وتأثيرها المُعيق على تطور العلم وانتشار المعرفة. أهمية العلم لتطوّر قُوى المُجتمع المُنتجة.
دعونا نُوظّف مو ضوع "الاهتزازات والأمواج الكهرومغناطيسية" في مقرر الفيزياء للصف الحادي عشر لتوضيح طبيعة المسائل الموجودة في تشكيل نظرة مادية دياليكتيكية الى العالم عند طلاب الصفوف العُليا.
يشهد تحوّل الطاقة في دائرة مُتذبذبة oscillating circuit (أ) على الوحدة المادية للمجالات الكهربائية والكهرومغناطيسية. يؤكد صلاحية قانون حفظ الطاقة وتحولاتها في العمليات الكهرومغناطيسية على طبيعته العالمية. ان لدى المجال الكهرومغناطيسي، باعتباره أحد أشكال وجود المادة، قواسم مُشتركة كثيرة مع المادة العالمية، وهو في نفس الوقت يختلف عنها: الحركة هي خاصية لا تنفصم عن المجال والمادة. المجال يحوز على طاقة وكُتلة وزخم مثله مثل المادة. وهو (المجال) يحوز على خصائص مُنفصلة أيضاً. يشترك المجال الكهرومغناطيسي مع طبيعة الموجات في نفس الوقت: تترابط الخصائص الموجية والكمية للحقل الكهرومغناطيسي بشكلٍ لا ينفصم، وهذا يعكس وحدة الخصائص المُنفصلة والمُستمرة للمادة (وحدة الأضداد). وبتميزه عن المادة، يتميز المجال بغياب التحدد الدقيق للحجم والمكان. يُغيّر المجال حالة المادة، وتؤثر المادة بدورها على المجال. تخضع كل الخصائص في المجال والمادة الى قوانين حفظ الكُتلة والطاقة والشُحنة وكمية الحركة. تشهد صحة قانون حفظ الطاقة على المجال، على وحدة الطبيعة المادية للمجال والمادة. يُعد اكتشاف المجال الكهرومغناطيسي والأمواج وخصائصها، مثالاً واضحاً على وحدة النظرية والمُمارسة في معرفة طبيعة التنبؤ العلمي ودوره الهائل. يُعد تقدم الهندسة الراديوية مثالاً رائعاً على تأثير احتياجات المُجتمع البشري على تطور العلوم. ان محدودية أعضاء الحس البشري في ادراك ظواهر العالم المُحيط، لا تعني أن هناك حدوداً لقدرات الانسان المعرفية.
الممارسة لا تتضمن التجارب العلمية وحسب، ولكن نشاط الانسان الاجتماعي والانتاجي والتكنولوجي أيضاً.
ان تكوين قناعاتٍ مادية عند الطلاب، لا يحدث في دروس الصف وحسب، بل ويحدث أيضاً في عملية نشاط العمل. ان النشاط الذي يُقرّب الطلاب أكثر الى حياة الناس ويجعل فهمه للدور الابداعي للعمل الجسدي والعقلي أعمق، هذا النشاط فقط هو الذي يُمكن أن نسميه نشاطاً ذو قيمةٍ تعليميةٍ حقيقية.
يقول نيكيتا خروتشيف في مؤتمر معلمي عُموم روسيا: "ان عمل Labor الطلاب ليس مهماً بحد ذاته، لاتكمن أهميته فيما يُنتجه وحسب. الأهم من ذلك هو الاستخدام الصحيح والشامل لدروس العمل لغرس حُب العمل في نفوس الشباب من أجل الخير العام وصالحه".
ان غرس حُب العمل والموقف الشيوعي تجاهه يفترض مُسبقاً تنظيم عملية تعليم الطلاب وعملهم بحيث يظهر الجانب الواعي لهذا النشاط في المُقدمة. هذا ما تؤكده خبره المُعلمين الأكثر خبرةً.
يكتب المُعلم والتربوي السوفييتي فاسيلي اليكساندروفيتش سوخوملينسكي Vasily Alexandrovich Sukhomlinsky (مدرسة بافليتش Pavlysh School في أوكرانيا الاشتراكية) في كتابه (تعليم الموقف الشيوعي تجاه العمل): "كلما ازدادت قناعة الطلاب أن العمل البدني... قائم على قانونٍ اكتشفه العلم، وهو فهم يجعل من المُمكن للانسان أداء العمل العقلي والبدني في وقتٍ واحد، لكما ازدادت جاذبية هذا العمل البدني".
تحدّثَ أ. سيدوف، وهو مُدرّس في مدرسة موسكو رقم 18، في مؤتمر عموم روسيا للمعلمين حول الدور التربوي للتدريب على الانتاج. يؤسس التدريب على الانتاج وحدةً وثيقةً بين المدرسة والمصنع. صار المصنع موطناً لطلاب الصفوف العُليا ومُعلميهم. هنا لا تتشكل معارف وقدرات الطلاب فقط، بل وتتشكل أيضاً خصائصهم الأخلاقية: الحزم والتصميم وعدم الخوف من الصعوبات.
ان توضيح المُنجزات العلمية والتكنيكية في الدروس بشكلٍ مفهومٍ للتلاميذ، والكشف عن أهمية علم الفيزياء في خلق القاعدة المادية التكنيكية للشيوعية، واظهار الطبيعة البطولية لعمل العُلماء والمهندسين والمزارعين السوفييت، يُساهم في التنشئة الشيوعية للطلاب. من المهم جداً أن يطرح مُدرّس الفيزياء في دروسه أمثلةً واضحةً عن حب العمل الموقف الشيوعي منه من خلال ذكر أعمال العمال والمهندسين في المصنع أو المؤسسة التي يتدربون فيها. تؤثر لقاءات الطلاب مع أفضل عمال الصناعة والزراعة وأعضاء فِرَق العمل الشيوعية في المصانع، تأثيراً كبيراً عليهم.
من المُهم أن نُظهِر للطلاب دور الاتحاد السوفييتي الريادي في غزو الفضاء، وهو الدور المُعترف به عالمياً، وبناءه لأول كاسحة جليد ذرية في العالم (لينين)، وبناء محطات ذرية هائلة هو كله، نتيجةً لتقدم الفيزياء في بلادنا ونتيجةً لتضحية الشعب السوفييتي وعمله الخلّاق. يُعتَبَر ادراك الطلاب للأهمية العلمية الهائلة للفيزياء في بناء الشيوعية أمراً مُهماً حتى يتمكن الطلاب من اتخاذ موقفٍ واعٍ تجاه دروسهم. بالاضافة الى ذلك، تكتسب الدروس طبيعةً هادفة، وتُصبح، في ظل هذه الظروف، عملاً ذهنياً ، وتكتسب قيمةً تعليميةً جديدةً نوعياً.
تحتل القراءة خارج المنهاج الدراسي أهميةً كبيرةً في تعلّم الفيزياء. يفترض تنظيم القراءة الخارجية اجراء مُناقشات دورية حول الكُتب والمجلات والصحف التي يقرأها التلاميذ. هذا النقاش هو أحد أشكال التعلّم واكتساب المعارف الوثيقة، وشكلاً من أشكال غرس الروح الوطنية السوفييتية والأُممية، والموقف الشيوعي تجاه العمل.

* يوري ايفغينيفيتش ديوراسيفيتش 1908-1992 تربوي ماركسي سوفييتي، دَرَسَ في كُلية التربية التابعة لجامعة موسكو الحكومية، ودرّسَ هُناك منذ عام 1972-1983. تخرّجَ عدد كبير من علماء التربية والنفس السوفييت على يده. لدى ديوراسيفيتش أبحاث تربوية وسيكولوجية كثيرة، منها: (التعليم في الريف-من الخبرة الحالية للمدارس) 1962، (تشكيل النظرة المادية الدياليكتيكية الى العالم عند أطفال المدارس) 1971، (تشكيل النظرة الالحادية الى العالم عند أطفال المدراس) 1983. تُرجِمَت مقالاته وأبحاثه الى اللغتين الألمانية والتشيكية، ونُشِرَت في تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية وألمانيا الديمقراطية.

1- G. I. Gavrina, Raskrytie Dialektikomaterialisticheskogo Kharakteva Fizicheskikh Iavlenii v Kurse 9-go Klassa Srednei Shkoly, Stalingradskii IUU, 1959
2- V. K. Gladkikh, “Materialisticheskoe Vospitanie na Urokakh Fiziki,” Compendium Nauchnoateisticheskoe Vospitanie v Shkole, edited by N. V. Skvortsova, Gorky, 1958 S. S. El’manovich, -Nauchno- ateisticheskoe Vospitanie na Urokakh Fiziki, Uchpedgiz, Moscow, 1959.
أ- الدائرة المُتذبذبة، هي الدائرة الالكترونية، التي يتم فيها تحوّل التيار من مُستمر DC الى مُتناوب AC. تستخدم هذه الدائرة ملف ومكثف مشحون بالكامل في مكوناتها، حيث يبدأ المكثف في التفريغ عبر الملف، ممّا يؤدي إلى تحويل طاقته الكهربائية إلى مجالٍ كهرومغناطيسي والذي يمكن تخزينه في الملف، وبمجرد تفريغ المكثف تماماً فلن يكون هناك تدفق تيار في الدائرة.

ترجمة لمقالة:
Iu. E. Durasevich (1961) Forming the Dialectical Materialist World Outlook of Students, Soviet Education, 4:1, 28-31