تقديم الدكتور حسن حميد لكتابي عولمة الاقتصاد والتحول إلى اقتصاد السوق في الدول العربية


مصطفى العبد الله الكفري
2023 / 4 / 16 - 04:52     

عولمة الاقتصاد كتاب يؤخذ باليدين
أعرف،
أنني أخطو نحو حقل دلالي أجهله تماماً، ولا أعي من نظرياته ومقولاته، وأفكاره.. سوى خطورة الأدوار التي يلعبها في حياتنا ومصائرنا، وتوجهاتنا نحو المستقبل.. لهذا أدخل إلى هذا الحقل الحيوي المؤثر (علم الاقتصاد) والروح عطشى للمعرفة الوارفة من ينابيعها الروايات.. وأحد ينابيعها الثرَّات الدكتور مصطفى الكفري الذي أنجز في رحلة بحثه، وجولانه المعرفي.. كتباً اقتصادية باتت اليوم حجر الزاوية في مدونة الاقتصاد العربية ليس في سورية وحسب، وإنما في البلاد العربية أيضاً، فهو قامة علمية في مجال الاقتصاد واستراتيجياته عربياً، وهو أيضاً خبير اقتصادي معروف على صعيد المؤسسات والمراكز والهيئات الدولية المعنية بالاقتصاد وشؤونه عامة.
شرَّفني الدكتور مصطفى الكفري، وهو رجل أشبه بدمعة العين حناناً، وصفاءً، وتعبيراً، كي أقدم لهذا الكتاب الخطير علمياً، والمتحشد بالأفكار والأسرار، حتى يكاد يقر في ذهن القارئ أن العالم لا تحركه السياسة، ولا الحروب والنزاعات، ولا مشاريع الهيمنة والاستحواذ، ولا مفاعيل القوة،
.. وإنما تحركه قوة الاقتصاد، وتنقله من مكان ظليل إلى آخر ظليل أو غير ظليل.. عجلة الاقتصاد.. لا بل الكتاب يقول صراحةً إن كل شيء متحرك في هذا العالم لا يتم إلاَّ حسب الاستراتيجيات الاقتصادية.. فالاقتصاد اليوم، ومستقبلاً، هو الأبوة المسيطرة على كل قرارات العالم، وهو الجاذبية المطلقة التي تؤاخي بين البلدان فتكون صداقات، وهو الجاذبية المطلقة التي تنفّر البلدان بعضها من بعض فتكون العداوات.. فلا شيء، كما يقول الكتاب، خارج حياض الاقتصاد، فالاقتصاد لا يعني التجارة، والأسواق، والاتفاقيات، والأرباح المادية كما يظن الكثيرون، وإنما يعني العولمة بوصفها الحامل للثقافات الوافدة، والعادات، والتقاليد، والسلوكيات، والتصورات.. أي هو بيئة اجتماعية جديدة تحيّد بيئة اجتماعية قارّة فتحلُّ في مكانها وتأخذ أدوارها فتغير منظومة القيم والمرجعيات المعرفية وفق مصالحها وتوجهاتها وأهدافها البادية والمضمرة.
إذن، الاقتصاد، وحسب ما يقوله الكتاب، هو المرآة التي تمشي وفقها الجماعات، والمجتمعات، والدول، وهو الهدف المباشر والأبعد لكل ما يحدث فوق الكوكب البشير..
بلى، قيّضت لي الظروف، ظروف عملي، ومحبتي للحقول العلمية والإنسانية الأخرى، أن أقرأ هذا الكتاب وهو في هيئة مخطوط، فرأيت أنه نبع علم لرجل مهموم بالعلم والمعرفة، وذات حباها الله بالموهبة والقدرة على الإحاطة والتفسير والتأويل، وكشف ما وراء الحُجب.. كي يصير حراك العالم، على اختلاف وجوهه وأهدافه، حراكاً بادياً ومدركاً، وكي تصير المناقلات، وأحوال الطمي والإلحاق، والباديات من الهيمنة والاستحواذ.. أكثر وضوحاً وجلاءً بعدما أفصح الاقتصاد عن رغائبه واستراتيجياته.
في هذا الكتاب، تتجلى ثقافة الدكتور مصطفى الكفري ببعديها الاقتصادي والمعرفي، فالكتاب موسوعة علمية باذخة، ودائرة معارف تهمُّ الفرد والجماعة، والمجتمع.. بقولة أخرى.. تهم كل كائن حي شديد الارتباط بالانتماء، والوطنية، والإنسانية.. فالاقتصاديات داخل هذا الكتاب تعمل عمل المفسر والشارح لكل الظواهر التي سادت المجتمعات قديمها وحديثها، ذلك لأن الاقتصاد أشبه بعنصر الخيال داخل النص الأدبي، فلا نصوص أدبية بهّارة دونما خيال ثر، فالاقتصاد وعبر مروحته الواسعة يشمل الاجتماعي، والسياسي، والعسكري، والديني، والثقافي.. لذلك فهو وأينما مشى حل وتوطد.. وجاء بمنظومة معرفية جديدة تُنبت بيئة اجتماعية جديدة.. ومن هنا ينبت تخوفُ الدكتور مصطفى الكفري في أن تدهم المصالح الاقتصادية مجتمعاتنا فتغيّر بيئاتنا وفق توجهاتها لا وفق توجهاتها.
هذا أمر، والأمر الآخر المهم والحيوي أيضاً يتمثل في تسليط الضوء على أهمية الاقتصاد من حيث الأدوار التي يلعبها تثميراً لقدرات البلدان، وتأييداً لثقافاتها.. لهذا فإن الدكتور الكفري يبدي الأسباب التي تنهض بالاقتصاد المتطور والمؤثر، والنتائج الاقتصادية التي تحمي الثقافات الوطنية من كل حيف وظلم، والبيئات الاجتماعية من كل طيّ وهيمنة..
وبعد، إن الدخول إلى هذا الكتاب، والجولان في عوالمه ومعرفة ما فيه من غنى، يحيلنا إلى الثقافة العميقة التي أنتجته، وإلى الهمة العالية التي أنجزته، والمعرفة الرائية التي حبّرته، وإلى المقدرة العلمية التي أحاطت بموضوعه..، وإن الخروج منه، والتفكير بمعطياته يحيلنا إلى عوالم الدهشة، وقد كنا نجهل علماً كان ولا يزال يتحكم بكل مفاعيل القوة في العالم..
إنها المعرفة، وتجليات الحكمة والصوابية، والعطش الإنساني للتزود بالسراني.. كي لا يخترم الواضح خرمة الثقافة الإنسانية.
وإنها لتهنئة، من أعماق قلبي، وقد أفدت من هذه المعرفة، لصديقي العالم الدكتور الكفري، راجياً الله عز وجل، أن يجعل علمه كتاباً مقروءاً كهذا الكتاب الذي يؤخذ باليدين كي يفيد منه أولو البصيرة، وأولو العزم.. أيضاً.
الدكتور حسن حميد