أعطاب اليسار : المغرب نموذجا


أحمد زوبدي
2023 / 4 / 14 - 19:16     

الإطارات الحزبية والنقابية اليسارية تآكلت لأربعة أسباب، لا الحصر :
١) انهيار التجربة الإشتراكية( وليست الإشتراكية ) جعل الرأسمالية العالمية تجد مخرجا لمأزقها وبالتالي تفرض نوعا من الفاشستية على العالم كالحرب بالوكالة والتدخل في شؤون الدول باسم الإرهاب على أن الإمبريالية هي قلعة الإرهاب بسبب هيمنة السياسات النيوليبرالية وتوظيف الأنظمة الرجعية لتطبيق السياسات التقشفية،
٢) تفكيك الأحزاب والنقابات بسبب هيمنة السياسات النيوليبرالية وتوظيف الكثير منها من قبل الأنظمة الرجعية في تطبيق السياسات التقشفية،
٣) تحول هيكلي في الديموغرافيا عبر العزوف عن السياسة( abstensionnisme) من طرف السكان وخاصة الشباب والمثقفين الذين غيروا مساراتهم بحثا عن المصلحة والريوع، وأعتقدوا خطأ أن التغيير من خلال السياسة والنضال أصبح من الماضي،
٤) صعود الحركات الإجتماعية ( mouvements sociaux) كبديل للإطارات الحزبية والنقابية. كل هذا جعل الحزب والنقابة يفقدان القاعدة الشعبية. مما أدى إلى ارتهال هذين الإطارين وبالتالي عدم قدرتهما على التأثير في المشهد السياسي ( paysage politique) وصياغة بدائل جديدة منها البدائل الفكرية والتنسيق مع المثقفين العضويين و العمل على نشر ثقافة الاحتجاج ( culture de la contestation) بشكل جذري ولو أدى ذلك إلى الاصطدام مع الأنظمة والسلط الحاكمة.
مغربيا، أحزاب اليسار غير الرسمي أي اليسار المستقل نسبيا عن القصر تعاني من الكثير من المعيقات الجوهرية لركوب النضال من أجل التغيير.
في نظري، وهذا كنت قد عبرت عنه العديد من المرات، المعيق الأول هو غياب الفكر لدى الأحزاب إياها. هذا لا يعني أنها مدعوة بالضرورة لإنتاج الفكر الذي يبقى غالبا من أعمال المفكرين. لكن غياب فضاء ومجال للنقاش الفكري هو المعيق الذي يحول دون تطورها. يغلب على أحزاب اليسار المذكور اليوم، أحزاب الألفية الثالثة، الممارسة البراغماتية (pragmatisme) عبر امتهان سياسة الفرجة ( politique-spectacle) والطموح إلى السلطة. العائق المحايث للعائق الأول هو غياب العمل الميداني مع الجماهير. العمل الميداني هو الدعامة الأساسية لكل حركة تغييرية فضلا على أن الممارسة السياسية لا يمكن أن تعطي أكلها دون النظرية. وقد سبق للينين في زمنه أن قال " ليس هناك نظريةثورية دون ممارسة ثورية ".
العائق الآخر، وليس الأخير، يتمثل في اختراق الأحزاب هاته من طرف الأجهزة الأمنية بشكل فضيع. آن الأوان للتخلص من هذه العاهة الكبرى التي تشكل حجرة عثرة قوية في وجه تقدم اليسار المستقل نسبيا عن طاحونة المخزن.
اليسار غير الرسمي أي غير المشارك في سياسة الدولة التي افقرت نصف السكان في حاجة ملحة اليوم لتغيير طرق عمله من خلال العمل مع المثقفين النزهاء الملتزمين بقضايا الوطن والشعب. اليسار الذي لا يتوفر حتى على جريدة يومية أو صحيفة أسبوعية أو نشرية أو مجلة فضلا عن مواقع إلكترونية ولا يقوم بتنظيم ندوات باستمرار للنقاش الفكري وللتواصل مع السكان، هو يسار غير موجود أو قل هو يسار موجود لكن معطوب ! الشطحات الإعلامية الموسمية المنرفزة والمستفزة لبعض أعضائه تسيء لليسار اليوم الذي يحتاج للحكمة وللاتزان ويحتاج إلى تدبير الاختلاف لتكوين جبهة شعبية ( front populaire) واسعة تضم الحركات الإجتماعية الجادة والمثقفين المستقلين والشباب.. ، جبهة شعبية لتغيير ميزان القوى في أفق توفير شروط الإصلاح الراديكالي بدءا بإقامة مجلس تأسيسي لإعداد دستور نابع من سيادة الشعب ( souveraineté populaire) لبناء الديموقراطية والدولة الوطنية المستقلة.
اليسار اليوم إما أن يكون يسارا فاعلا أو لا يكون !
أما اليسار المزيف ( gauche faussaire) والانتهازي، فيوهم نفسه على أنه يسار حقيقي، وهو يشعر أنه ليس كذلك لأنه يعرف نفسه أنه تابع للمخزن أي للقصر وحلفاؤه بل أنه جزء منه وأنه ينتظر في أية لحظة نصيبه من الكعكة. هذا اليسار الانتهازي المخزني لا يومن بالأفكار اليسارية الداعية إلى التغيير بل أنه لا يقشع مغزاها أو قل فلسفتها لأنه بكل صراحة يسار مزور. فحين يلتقي بصانعه أو قل سيده أي المخزن، فتراه يردد نفس القاموس المخزني بل إنه يتفنن في تقديس الاستبداد. وحين تفرض عليه قوانين الصراع، التي لا يقشع فيها شيئا، أن يجد نفسه إلى جنب اليسار المناضل، فيكون محرجا غاية الإحراج مواجها صعوبة كبيرة في نقاش الأفكار من العيار الثقيل لأنه أمي ولا يثقن فن المراوغة إزاء اليسار الحقيقي الذي يعرف بطون أصحابه المغشوشة. هذا اليسار المدلس صنعه المخزن بل قل الاستبداد ليشوه سمعة اليسار المناضل وليعرقله. اليسار الحقيقي لا يقبل المساومة. اليسار المشوه يقبل في أي لحظة أن يتصدق عليه المخزن بهدية سمينة كوزير أو سفير أو مدير عام وغير ذلك من المناصب العليا والمكاسب. هذا اليسار المزور لا مكان له في النضال لأنه لم يناضل بصدق ليكون كذلك. هذا اليسار الانتهازي لا يقول الحقيقة لأنه غير مؤهل لها لا فكريا و لا ممارسة لأنه لا يقرأ الفكر المناضل ولا يتقن فن الممارسة لأنه حبيس سياسة المخزن مثله مثل الأحزاب التي صنعها هذا الأخير. مصير هذا اليسار الزوال لينسحب مذلولا ومفضوحا إلى مزبلة التاريخ.
الإطارات الحزبية والنقابية اليسارية غير تلك المشاركة في مهازل النظام السياسي السائد مدعوة اليوم للإجابة على الأسئلة الجوهرية أعلاه وتجاوز الكسل الفكري في أفق إعادة بناء نفسها بشكل صحي في تناغم كبير مع حليفاتها أي الحركات الإجتماعية وكل الفئات الناقمة على الوضع لتكوين جبهات شعبية قطرية تنسق قي ما بينها لإسقاط الأنظمة الرجعية ودحض الإمبريالية والفاشستية.