الحرب الروسية-الغربية الدائرة في أوكراينا


كوسلا ابشن
2023 / 4 / 13 - 22:11     

أثناء الحرب الباردة التي عرفها القرن الماضي بين المعسكر الشرقي و بين المعسكر الغربي, دفعت الإمبريالية الأمريكية بالإتحاد السوفياتي الى سباق التسلح لإنهاك قدراته الإقتصادية و إنهيار منظومته الإجتماعية, و النتيجة للإستراتيجية الإمبريالية كانت إنهيار الإتحاد السوفياتي و معه الكتلة الشرقية و إنهيار المشروع الإشتراكي الذي لم يصمد إلا سبعة عقود.
التاريخ يعيد نفسه بشكله التقليدي و بمساعدة غير مباشرة من النظام البوتيني, الذي يقدم للإمبريالية الغربية الفرصة المنتظرة للإطاحة بما تبقى من القوة الإقتصادية و العسكرية و العزة الروسية. إعلان بوتين الحرب ضد أوكراينا من دون التفكير في عواقبها و نتائجها العكسية على روسيا و الشعب الروسي, حرك المشروع الإمبريالي الغربي الى إعادة خطة تدمير الإقتصاد الروسي المنافس من خلال دفعه الى نهج سياسة إقتصاد الحرب, و التخلي عن المرافق الإقتصادية الآخرى مما يخلق تناقضات و أزمات بسبب التكلفة العالية للتحول الى إقتصاد الحرب من إنتاج الأسلحة أو إسترادها من الخارج و بالتالي تقليص الخدمات الإجتماعية و تعميق إنخفاض القيم الإجتماعية و الثقافية في المجتمع, ما أنتج الإحتججات الشعبية الرافضة للحرب, التي واجهها بوتين بالقمع البوليسي و الإعتقالات التعسفية.
أوكراينا تخوض الحرب نيابة عن الدول الإمبريالية الغربية, وهذا ما صرح به الرئيس الأوكرايني صراحة, فالحرب الدائرة في أوكراينا هي حرب بين الناتو و روسيا, والخاسر الرئيسي فيها هي دولة أوكراينا و معها الشعب الروسي الذي يدفع ثمن إقتصاد الحرب و أخطاء القيصر بوتين, و الرابح الرئيسي هو التحالف الغربي, فالناتو الممول للحرب الدفاعية, لا يقدم الأسلحة بالمجان, فهي ليست مساعدات خيرية, بل ستدفع قيمتها مع الأرباح الإضافية بعد نهاية الحرب, و كما ستحصل الشركات الغربية على مناقصات إعادة الإعمار, و هذه الوضعية ستعمق الأزمة السسيو-اقتصادية في أوكراينا و ستهدد القوت اليومي للشعب و ستزيد من التبعية للغرب الإمبريالي. حاليا كما هو واضح أن الغرب يستبعد خيار السلام و يرفض مساندة المبادرات السلمية لإنهاء الحرب. أمريكا هي المغذي الرئيسي للحروب في كل العالم, و إنفاقها على الإنتاج الحربي يصل الى مئات المليارات من الدولارات, لكن ليس لتكديس هذه الأسلحة في المخازن, بل لبيعها و بأثمان مرتفعة للزبناء و خاصة في أوقات الحرب, وليس من مصلحة السياسة الأمريكية حاليا إيجاد مخرج للحرب الروسية-الأوكراينية.
القيصر الروسي و الكوميدي الأوكرايني مدعوان الى إيجاد حل عادل للحرب يرضي الطرفين, عوض التصعيد الذي يؤججه التحالف الإمبريالي و جناحه العسكري الناتو. عدم قبول المبادرات السلمية و الهروب الى الأمام بتزويد أوكراينا بالأسلحة المتطورة و الضغط أكثر على القيادة الروسية, هو خطأ دبلوماسي لا يقيم خطر الحرب, فروسيا ليست أفغانستان و لا العراق, و التصعيد الإمبريالي, قد يدفع بالرئيس بوتين, و كما صرح بذلك, الى إستخدام السلاح النووي التكتيكي.
تحول الحرب الى مواجهة نووية, و هذا مستبعد في الفترة الحالية, إلا أن سياسة المغامرات الأمريكية قد تتجه الى تزويد أوكراينا بالسلاح النووي تحت مبرر منع روسيا من التفكير في إستعمال أسلحتها النووية, فالسياسة المغامراتية المعروفة عن الأمريكان, إن طبقت ستهدد الآمن و السلام العالميين, ستهدد حياة الملايين من الناس في أوروبا و العالم.
البوتنيون عليهم التفكير في مصير روسيا و العالم و إستبعاد فكرة إستعمال السلاح النووي لتجنب كارثة الدمار الشامل, و خصوصا الإمبريالية الأمريكية تخوض حروبها بأيدي الآخرين و خارج أراضيها و بعيدة عن أمريكا. خيار الحرب في حد ذاته بين رفاق و إخوة الأمس خطأ سياسي و إستراتيجي, لا يخدم الشعبين و لا يخدم السلام العالمي, فالخيار الوحيد لوقف مآسات الشعبين, هو التوصل الى صيغة سلمية ترضي الروس و الأوكرانيون و تضع حد لنزيف دماء الشعبين.