الروايات البوليسية


خالد بطراوي
2023 / 4 / 13 - 20:57     

يقول الخبر الذي نشرته بتاريخ 11/4/2023 وكالة "وطن" في الأرض الفلسطينية المحتلة تحت عنوان " الوثائق السرية: خطة مصرية لإنتاج 40 الف صاروخ وشحنها سرا لروسيا" أن وثيقة استخباراتية أمريكية مُسربة قد أظهرت بأن " الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أحد أقرب الحلفاء لواشنطن بالشرق الأوسط، أمر مرؤوسيه مؤخراً بإنتاج عشرات الآلاف من الصواريخ ليتم شحنها سراً إلى روسيا، التي تشن منذ أكثر من عام هجوماً على أوكرانيا حليفة الغرب".
وورد أيضا في الخبر أن صحيفة الـ " Washington Post " قد قالت بتاريخ 10/4/2023 " إن الوثيقة مصنفة على أنها سرية للغاية مؤرخة في 17 فبراير/شباط 2023، مشيرةً إلى أن السيسي يُعد مستفيداً كبيراً من المساعدات الأمريكية بالمنطقة". وقد أشارت الصحيفة إلى أن السيسي " أمر بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ لإرسالها إلى روسيا".
وأضاقت وكالة وطن أنه " وبحسب الوثيقة أيضاً، فإن السيسي أمر المسؤولين المصريين بالحفاظ على سرية إنتاج وشحن الصواريخ من أجل "تجنب المشاكل مع الغرب"، وتقول إن السيسي أصدر تعليمات في 1 فبراير/شباط 2023 بهذا الخصوص، وتتحدث الوثيقة عن إخبار شخص يشار إليه فقط باسم صلاح الدين أنه "يجب إخبار عمال المصنع بأن المقذوفات موجهة للجيش المصري، وأشارت الصحيفة إلى أن صلاح الدين الوارد اسمه بالوثيقة، "هو على الأرجح محمد صلاح الدين، وزير الدولة للإنتاج الحربي"، كما نقلت الوثيقة عن صلاح الدين قوله إنه سيأمر موظفيه بالعمل بنظام الورديات إذا لزم الأمر، "لأنه أقل ما يمكن أن تفعله مصر لرد الجميل لروسيا"، مقابل المساعدة في وقت سابق، فيما لم توضح الوثيقة ما هي المساعدة الروسية. كذلك نقلت الوثيقة المسربة عن صلاح الدين قوله إن "الروس أخبروه أنهم على استعداد لشراء أي شيء"، وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن موسكو والقاهرة وقعتا مؤخراً العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك اتفاق بشأن السكك الحديدية بمصر".
الى هنا ينتهي الخبر، ولكن أولا، وقبل كل شىء لا بد من الإشارة الى أن ما تتناقلته وسائل الإعلام الغربية من أخبار أو تسريبات وإحاطتها بحالة من الغموض ووصفها بالأمر السري ما هي إلا أكذوبة ممنهجة بغية إثارة الفضول، فالكون قد أصبح قرية صغيرة، وكل تحرك أو إتفاق بات مكشوفا بفعل وسائل التكنولوجيا المتطورة، وكما تقول الشاعرة الفلسطينية المرحومة منال النجوم ( التي كانت فعلا منالا للنجوم) .. مكشوفة أسرار كوننا على حبل غسيل ... فلماذا حبنا سرّ دفين؟
ثانيا فإن هذا الخبر يحتمل إما أن يكون صحيحا أو أن يكون كاذبا، وذلك وفقا لنظريات الإحتمالات وعلى هدي التفكير العلمي المنظم.
فلنفترض أن الخبر ليس صحيحا، رغم أن مصر أو روسيا لم تنفيا الخبر ولم تؤكدانه، إلا أن إفتراض أن الخبر ليس صحيحا، يقودنا الى السؤال الأكبر والذي يتمثل في الهدف من وراء نشر مثل هذا الخبر.
ومع الأخذ بعين الأعتبار مجموعة من الحقائق أولها أن روسيا لديها من العتاد العسكري المتطور والتقليدي ما لا تحتاج إثره حتى ولو رصاصة واحدة، وثانيها مع معرفة حقيقة واحدة ثابتة تتعلق بانحياز مصر السيسي الى الغرب، فيكون الهدف من وراء نشر هذا الخبر هو إحكام السيطرة الغربية على النظام المصري، خاصة مع إرتفاع حدة ووتيرة المشاحنات ما بين مصر وأثيوبيا بخصوص سد النهضة الإثيوبي. فيكون من باب الدبلوماسية الهادئة أن تهرع مصر عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية الى الاتصال بواشنطن أولا مستفسرة عن صحة ومصدر هذه الوثائق السرية وثانيا نافية لمضمونها.
ولو كان الخبر صحيحا، بمعنى أن روسيا قد تعاقدت بالفعل مع مصر من أجل تصنيع هذه الأسلحة لها، وهي التي لا تحتاجها، فإن أول ما يتبادر الى الذهن أن روسيا التي ربما بعد تسلمها لشحنة الأسلحة من مصر قد تضعها في مخازنها ولا تستخدمها، فإنها تريد أن تضغط على الغرب بالايحاء الى أن روسيا قادرة على الوصول الى حلفاء الغرب الأستراتيجيين في المنطقة وليس فقط تحييدهم بل وضمهم الى جانبها.
كل ذلك أيها الأحبة مجرد "خرمشة قطط" ليس أكثر خاصة وأننا نعلم تمام العلم أنه لو تحركت "ناموسة" من الأراضي المصرية الى الأراضي الروسية، فإن أجهزة الاستخبارات في كافة الدول ستقوم برصد ذلك، لا بل وحركة "الناموسة" سيتم الترتيب لمسارها بموافقة الجميع.
هناك منظومة عالمية تعمل بتناغم وانسجام وتحافظ على توزان القوى والمصالح ولنترك جميعا أيها الأحبة الروايات البوليسية.