وفاة الرفيق -جهاد منصور- ( Marc Rodin ) يوم الثامن من نيسان/ابريل 2023


الطاهر المعز
2023 / 4 / 13 - 16:13     

تكريمًا لذَوينا من المُناضلين والمقاومين والشهداء

مارك رودين ( Marc Rudin ) - جهاد منصور - مناضل ثوري وفنان سويسري، مارس كافة أشكال المُقومة الثورية في صفوف الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، ورسم لفلسطين ما يزيد عن مائتَيْ مُلصق
وُلِدَ جهاد منصور ( Marc Rodin ) بسويسرا سنة 1945 وتُوُفِّيَ بها في 08 نيسان/ابريل 2023، بعد معاناته من مرض مزمن.
كرّسَ هذا المناضل والفنان التقدّمي والأممي حياته النضالية والفنية للدّفاع عن قضايا الشعوب، وبالخصوص القضيّة الفلسطينيّة، ولذلك فإننا، نحن التقدّميون العرب، فقدنا رفيقًا انتمى إلى صفوف الثورة الفلسطينيّة والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين منذ منتصف السبعينات، مقدّمًا فنّه وموهبته في الرسم والتصميم في خدمة القضيّة الفلسطينيّة، فضلاً عن مُقومته بالسلاح وبأشكال أخرى.
بعد اغتيال غسان كنفاني (1936 - 1972 )، رسم جهاد منصور واحدة من أفضل الملصقات التي تستحضر حياة وأعمال غسّان كنفاني أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمسؤول عن الإعلام والناطق باسم الجبهة ومؤسس مجلة "الهدف"، وهو بدوره رسّام ماهر ومُبدع لأشهر مُلصقات الجبهة الشعبية ويعود الفض لغسان كنفاني في اكتشاف موهبة ناجي العلي ( حنظلة)، ثم أنتج "جهاد منصور" ملصقات تاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تناولت مواضيع مختلفة: يوم العمال ويوم المرأة والنكبة ومآسي اللُّجوء ومذابح صبرا وشاتيلا ، وبؤس اللاجئين وانخراطهم في المقاومة، ومذابح صبرا وشاتيلا الخ.
تميزت ملصقات مارك رودين ببساطة ونقاء الخطوط والتّعَرُّجات وتَخلّت عن كل ما هو غير ضروري، لتترك المكان دائمًا لما يرمز إلى معاناة النكبة وتبعاتها وإلى المجازر الصهيونية وإلى مخيمات اللاجئين التي تحولت من رموز إذلال إلى بُؤَر المقاومة.
انخرط مصمم الغرافيك الشاب مارك رودين، سنة 1968، في حركات الاحتجاج السويسرية، وكان مُلاحقًا من قِبَل الشرطة، فذهب إلى المنفى في باريس وناضل مع المنظمات اليسارية، قبل أن ينْضَمَّ سنة 1977 إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقاوم في صفوفها في لبنان تحت إسم "جهاد منصور"، الذي أتقن اللغة العربية، كلامًا وكتابةً، وشارك في تنفيذ عمليات في مناطق أخرى من العالم، وفي السّطو على بعض المصارف للمساهمة في تمويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي تخطيط وتنفيذ عدة عمليات مسلحة، في دول مختلفة، وغادر مع الجبهة الشعبية لبنان إلى سوريا بعد اجتياح الجيش الصهيوني، حيث بقي في مخيم اليرموك، بدمشق من أواخر سنة 1982 إلى سنة 1991، واعتقله النظام العسكري التركي سنة 1991، بتهمة "الإرهاب"، أثناء مروره عبر تركيا، حيث قضى قرابة 18 شهرًا في سجونها، قبل تسليمه إلى الدنمارك التي اتهمته بارتكاب "أعمال إرهابية" على أراضيها، حيث أمضى ثماني سنوات قبل تسليمه إلى سويسرا التي سمحت له كمواطن ( أُصيبَ في الأثناء بمرض مُزْمن) بالاستقرار في زيورخ وتعليم التصميم الغرافيكي في معهد فنون الرّسم، وتمكّن من عَرْضِ أعماله ( التي تم إنقاذها من قِبَل الفلسطينيين وإرسالها له إلى سويسرا) والمشاركة في النشاط الفني بسويسر، حيث أصبح مناضلاً نشطًا بمجموعة "أول أيار"، وأكّدَ على الدّوام التزامه بالمقاومة بالسلاح والفن، ورفض التراجع عن التزاماته أو نقدها أو التعبير عن "الندم"، لما حاولت سُلُطات الدنمارك وسويسرا مُساوَمَتَهُ، وفضّل تحمُّل الإعتقال والأسر، ولم يتوقف حتى وفاته عن دعم القضية الفلسطينية، مُردِّدًا: لن أتراجعَ ولن أندمَ على أي شيء قُمتُ به من أجل فلسطين.
وثّقتْ رسوماته النكبة والتشريد والنضال الذي خاضه ويخوضه الشعب الفلسطيني ضدّ العدوّ الصهيونيّ، وتحتفظ مكتبة مجلة الهدف بملصقات عديدة صمّمها للجبهة الشعبيّة تتناول مواضيعها الشّهداء ومجزرة مخيم تل الزعتر (1976) ويوم الأرض (1976) ويوم العمال والانتفاضة ( 1987) ويوم المرأة العالمي وتكريم الأسرى، ويوم الطفل...
يعد الفنان السويسري "مارك رودين" الذي اختار اسم "جهاد منصور" ليوقع به ملصقاته أحد الفنانين الذين ساهموا في تطوير خصوصيات فن الملصق الفلسطيني، فقد رَسَمَ الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية من النكبة والمجازر إلى المُقومة المُسلّحة والانتفاضة واحتوت رسوماته على رموز فلسطينية منها العلم الفلسطيني والكوفية والبندقية والبرتقال والمساجد والكنائس وكذلك البشر، من الطفل إلى المُقاتل والأسير والشّهيد، مرورًا بالمرأة والعُمال والفلاحين، ليُساهم بذلك في التعريف بقضية الشعب الفلسطيني وفي توسيع حركة التضامن معه، ولذلك بقيت رُسُوماته وملصقاته خالدة، وزيّنت معظم شوارع المخيمات ومكاتب وبيوت العديد من الفلسطينيين والعرب ومُناصري المقاومة الفلسطينية، ويُعتبر هذا المناضل من الأصوات والأقلام التي أنصفت شعب فلسطين وقدّمته كشعب متحضّر واعي وحر، ونشرت قضيته في مناطق عديدة من العالم، ومن المقاومين بالسّلاح في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن المُؤَرّخين لسنوات المقاومة برسوماته التي أَبّنَتْ إحداها الأديب والقائد الفلسطيني الراحل غسان كنفاني إبّان استشهاده سنة 1972، وخلّده بمُلصَقٍ شهير، وبعد عودته إلى سويسرا، خَلّدَ ذِكْرى غسان كنفاني برسم جِدارِيٍّ كبير في ساحة بلدته السويسرية، كما رسم لوحاتٍ وملصقاتٍ داعمة لثوار العالم في كوبا وسلفادور، في إشارة إلى وحدةَ المسار والمصير بين الشعوب المقاومة للإمبريالية، وشارك في مئات المعارض الداعمة لفلسطين، وعموما، لم يتوقف مارك رودين – جهاد منصور حتى وفاته عن دعم قضايا الشعوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني.