خرافة دولة الرسول


نضال نعيسة
2023 / 4 / 13 - 14:52     

من جملة الخرافات السائدة عن قريش وتجربتها السياسية "الفذة" والرائدة بالمنطقة وجزيرة العرب، على نحو خاص، وفي عملية ترويج دعائي وتسويق تصورات واختلاق أوهام ومحاكاة نماذج حياتية وسلطوية معاصرة وإسقاطها على مجتمع بدوي مغلق وإخراجها بشكل إفلاطوني مثالي دقيق، هو أن مؤسس الإسلام أقام، وتماماً، على غرار الدول الحديثة والعصرية في العالم، دولة ونظام حكم صارم ودقيق ومتقدم، في تلك البقعة من العالم في ذلك الزمن، وفي ذاك الجزء المعزول من العالم الفقير بالموارد والإمكانيات والبيئة الصحراوية المقفرة والذي-أي النظام - اعتمد، أساساً، على الغزو والسلب والغنائم واعتراض سير القوافل والسطو لتأمين "ميزانية" ومورد رزق وعيش وتسليح مؤسسي وأصحاب تلك الدولة المزعومة.
وهنا لا بد، وفي عجالة قصوى، من توضيح مفهوم الدولة بشكلها الحديث والعصري المؤسساتي الديمقراطي المتطور في الغرب تحديداً، وليس بالشكل الكاريكاتوري الهزلي المضحك والسطحي والخفيف، بالمنظومات الفاشية العائلية الوراثية والاستبدادية البوليسية الشرقية والقيصرية والقبلية التي تدّعي وتزعم أنها دول. فالدولة هي كيان سياسي قائم على بقعة جغرافية معترف بها وذات سيادة وتحكمه مجموعة من القوانين والدساتير والمؤسسات وفيها موارد بشرية ومادية ودورة إنتاج ورأس مال وعلاقات إنتاج وعمل ونظام حكم تداولي يؤمن ويحفظ ويحافظ على حقوق ومصالح وممتلكات تلك البقعة الجغرافية ورعاية شؤون أبنائها وحمايتهم وتحقيق الرفاهية والعدل والمساواة فيما بينهم جميعاً بعيداً عن الاعتبارات السياسية والفروقات الثقافية والتباينات العرقية والحزبية والعقائدية ...إلخ. فهل هذا كان متوفراً في دولة الرسول التي يتكلمون عنها ويدعون لإعادة بنائها وتحقيقها في الألفية الثالثة، وبعد 1400 عاماً من الصراعات والحروب الدموية التي نشبت مع ظهور تلك الدعوة السياسية.
هل كان هناك دولة حقاً في الجزيرة العربية وقتذاك على غرار الدولة العصرية الحديثة؟ أي كان هناك كيان سياسي قائم بذاته ومستقل على بقعة جغرافية محددة لها حدود معترف بها وفيها مؤسسات وعلم ونشيد وطني (على غرار منا الوليد ومنا الرشيد)، وجيش وطني وخدمة إلزامية وحرس شرف واستقبل وودع وحرس جمهوري وأجهزة مخابرات (جوية، وعسكرية، وأمن للدولة، وسياسية وجنائية ؟؟)، وهيئات حكم ووزارات ووزراء كل في اختصاصه ورئيس مجلس وزراء ومقر لرئاسة مجلس الوزراء وله سفارات وموظفون يديرون شؤون الرعية وبه –أي الكيان- برلمان منتخب وانتخابات ديمقراطية والأهم وجود مقر للنخبة السياسية الحاكمة ولرئيس تلك الدولة يقيم به بشكل دائم ويدير شؤون الدولة منه مثل "قصر جمهوري"، "بيت أبيض"، "كرملين"، "قصر الشعب"، "رايخستاغ"، وسكرتارية وديوان رئاسي وبريد سري وآخر عام ومستشارون ومستشارات ووو؟ ومن هنا لا بد من التساؤل من أين وكيف كانت تدار تلك الدولة؟ وهل كان هناك لواحق وملحقات أساسية في بناء وتصور ومفهوم الدولة كوجود بنية تحتية خدمية واقتصادية، جسور مستشفيات مدارس جامعات طرق ومواصلات وفنادق ومصانع ومعامل وبنوك وتعاملات مصرفية ودورة إنتاج ورأس مال وميزانية سنوية ورواتب وتأمينات اجتماعية وقانون تقاعد؟ وهل كان هناك جوازات سفر وهويات بطاقات "ID"، وهناك مواطنون محترمون متساوون بالحقوق والواجبات أمام القانون بعيداً عن أية اعتبارات عقائدية؟ فهل كان يتساوى في دولة الرسول المؤمن والكافر والملحد والعلماني و"النصراني" واليهودي والموالاة والمعارضة والمرتدين والمشركين ووو؟ وهل كان هناك أحزاب سياسية أم أن "حزب الله" هم الغالبون، كما ورد في "دستور" تلك الدولة، أم هناك تمييز بين المواطنين بناء على العقيدة والدين والولاء؟ وهل يصح في الدولة المحترمة والعادلة، وكما تفترض أدنى متطلبات العدالة، وجود مواطنين درجة أولى مصطفين ومبشرين بالجنة وهناك مواطنون مذمومون ملاعين و"أهل ذمة" يجب أن يدفعوا الجزية، لا يمكن الوثوق بولائهم وانتمائهم لهذه الدولة كما تفعل الدولة الشمولية الفاشية الاستبدادية اليوم مع مواطنيها؟ وهل كان هناك قضاء حر نزيه وقضاة ومحاكم عادلة ومداولات واستئناف ومستقلة غير مسيسة ولا منحازة ولا لون "مذهبي" أو "طائفي" وعقائدي لها، ووزارة للعدل ومحامون يدافعون عن المظلومين والمعارضين وأصحاب الرأي الحر والمفكرين والمثقفين وينالون فيها أحكاماً عادلة؟
هل كان كل هذا موجوداً أيام دولة الرسول المزعومة حتى نطلق عليها اسم الدولة كما يروج ويسوّق لها المتأسلمون وسواهم من أصحاب إعادة إحياء و"بعث" هذا المشروع الخرافي الوهمي الذين يتغنون به ويطـبـّلون ويزمّرون له، على نحو إفلاطوني مثالي، آناء الليل وأطراف النهار؟