انقلاب 11 أبريل محاولة يائسة لاجهاض الثورة


تاج السر عثمان
2023 / 4 / 13 - 02:25     

1
مرت الذكرى الرابعة لانقلاب 11 أبريل 2019 الذي ادعي زورا وبهتانا الانحياز للثورة ، والبلاد تمر بنفس الأوضاع السابقة لثورة ديسمبر، لقد كان الانقلاب بداية لسلسلة انقلابات هدفت لاجهاض وتصفية الثورة مثل : انقلاب مجزرة اعتصام القيادي العامة التي كانت انقلابا دمويا مازال الشعب يطالب بمحاسبة القتلة ، اضافة للانقلاب علي الوثيقة الدستورية باتفاق جوبا الذي يهدد وحدة البلاد وتصفية الثورة وتحول الي فساد مناصب ومحاصصات ، وانقلاب 25 أكتوبر الذي شارك فيه قادة اتفاق جوبا والكيزان واللجنة الأمنية المعبرة عنهم، ومليشيات الجنجويد، بدعم خارجي (مصري – إماراتي، اسرائيلي – سعودي . الخ) الذي تدهورت بعده الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، والقمع الوحشي للمواكب السلمية الذي أدي لاستشهاد (125) شهيدا ، واصابة أكثر من 8 الف شخص ، فضلا عن الابادة الجماعية الجارية في دارفور وآخرها ما يجرى في منطقة فورابرنقا من إبادة أدت لمقتل (25) شخصا ، ونزوح الالاف ، والمجازر في جنوب النيل الأزرق وجنوب وغرب كردفان . الخ ، بهدف نهب الموارد ، والفساد وتهب ثروات البلاد ، والتصرف في اراضي وموانئ البلاد في غياب الحكومة الشرعية ، اضافة لخطورة الجيوش والمليشيات في المدن، وما يجرى حاليا في مطار مروى من حشود بين قوات الدعم السريع والجيش، مما يهدد حياة المواطنين في مروي حسب بيانهم الأخير ، وتهديد الارهابيين لدرجة ممارسة العنف في حي كوبر ، والتهديد باغنيال فولكر رئيس البعثة الأممية، واتساع موجة الاضرابات من أجل تحسين المعيشة والأجور التي تدهورت ، وتنصل الحكومة من الدعم الصحي ، والرسوم الدراسية الباهظة على التعليم ، وتدهور الأوضاع الصحية ، والإنتاج الزراعي والصناعي ، مما يهدد بتعرض 15 مليون شخص لخطر المجاعة حسب الأمم المتحدة.
هبت مواكب 6 أبريل لتؤكد أن شعب السودان قادر علي استمرار تقاليده الثورية في تفجير الثورات مثلما قام بها في ثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس- أبريل 1985 ، التي قرر فيها الشعب نهاية ديكتاتورية نظام النميري في 6 أبريل ، وصادفت المواكب ذلك اليوم التاريخي. واستطاعت الحشود الهادرة من كل فج عميق أن تصل القيادة العامة للجيش في العاصمة والأقاليم، ووجدت التضامن والتعاطف والحماية من بعض الوطنيين في القوات المسلحة.
2
جاء انقلاب 11 أبريل 2019 الذي وُلد ميتا، لقطع الطريق أمام الثورة ، الذي قاده الفريق ابنعوف وما يسمي باللجنة الأمنية ، الذي لم يجد الانقلاب تأييدا من أي دولة في العالم ، ورفضته القوى السياسية المعارضة في الداخل، فقد كان متوقعا أن يكرر الإسلامويون تجربة الفريق سوار الذهب الذي أجهض انتفاضة مارس- أبريل 1985 ، حين تم الإبقاء علي ترسانة النظام السابق من قوانين مقيدة للحريات مثل : قوانين سبتمير 1983 ، وتم تفصيل قانون انتخابات علي مقاس الاسلامويين والتي كانت واضحة في انتخابات الخريجين ، فضلا عن تزوير الانتخابات.الخ ، مما أدي في النهاية لاجهاض وتخريب الديمقراطية الثالثة ، والانقضاض عليها بعد الوصول لاتفاق سلام حول الجنوب ( اتفاق الميرغني – قرنق) ، بانقلاب يونيو 1989 ، الذي دمر البلاد فاكثر فيها الفساد وقاومه شعب السودان حتي اندلاع ثورة ديسمبر 2018 ، والذي حاول انقلاب ابنعوف الالتفاف عليها، بتغيير رأس النظام مع استمرار جسد وجوهره الفاسد الذي ثار الشعب عليه.
أبقي انقلاب ابنعوف علي كل القوانين القمعية المقيدة للحريات ، واعلن حالة الطوارئ لمدة 3 شهور ، وحظر التجول لمدة شهر، بل حتي الغي ما تبقي من دستور 2005 ، ووثيقة الحقوق في الدستور ، كما أبقي علي هياكل مؤسسات النظام القمعية مثل : النظام القضائي ، وجهاز الأمن ، ومليشيات النظام القمعية وكتائب الظل ، مع اعتقالات شكلية ، وصفها ابنعوف مثلا في اعتقال البشير بأنه في مكان آمن !!!، وحدد فترة انتقالية لمدة عامين بطريقة فوقية وصلف دون الرجوع لقوى الثورة ، والابقاء علي كل التزامات ومعاهدات النظام الدولية التي تحمى وتبقي علي مصالح القوى الدولية والاقليمية ، ولم يتخذ مثلا قرارا بسحب القوات السودانية من حرب اليمن التي لامصلحة لشعب السودان فيها.
كما تحدث عن تهيئة المناخ لانتقال سلمي للسلطة وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية ، ومعلوم أنه في ظل استمرار القوانين المقيدة للحريات ومليشيات وكتائب النظام وجهاز أمنه ، وجهاز الدولة الذي يديره وكلاء الوزارات والولاة الاسلامويون ، والجهاز القضائي الاسلاموي ، فان نتيجة الانتخابات ستكون معروفة ومزوّرة لصالح الاسلامويين كما حدث في السابق ، كما أبقي الانقلاب علي الأجهزة الفوقية التي شكلت عبئا علي ميزانية الدولة مثل : المؤتمر الوطني ، ونقابات واتحادات السلطة وتنظيمات الطلاب والنساء والشباب ، والجمعيات الخيرية. الخ من المؤسسات التي تشكل اذرعا للاسلامويين .
خلاصة الأمر كان متوقعا انقلاب قصر يحدث تغييرا شكليا ، ويبقي علي جوهر النظام الدموي الفاشي الذي ثار الشعب ضده ، بل استبدل رئيسا مطلوبا للعدالة الدولية برئيس آخر مطلوب أيضا للعدالة بارتكابه جرائم حرب في دارفور ، فكيف يدعو حاملي السلاح للحوار كما جاء في بيانه!؟!!.
لذلك لم يكن غريبا أن رفض شعبنا مسرحية الانقلاب وكل قواه المعارضة ، فالانقلاب ولد ميتا ، وزاد الشعب صلابة وقوة لاسقاطه، كما وضح من الحضور الكبير في الاعتصام، وتكسير قرار حظر التجول ، والطوارئ التي تم تجاوزها منذ انقلاب البشير، وقررت القوي المعارضة مواصلة المعركة حتي التصفية الكاملة للنظام الفاشي الفاسد ، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، وتصفية المليشيات ، واستعادة قومية القوات المسلحة والخدمة المدنية ، ومحاسبة الفاسدين ، واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ، وتصفية جهاز الأمن القمعي ، وأن يكون دوره محصورا في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها.
نجحت الثورة في إزاحة الديكتاتور البشير بعد ثلاثين عاما من التسلط والقهر والنهب ، كما نجحت في يوم في الاطاحة بمجرمي الحرب في دارفور ابنعوف وكمال عبد المعروف ، ولكن النظام الفاسد ما زال باقيا ، وكان رد الثوار هو الوجود في ساحة الاعتصام والشارع حتى التصفية الكاملة للنظام الإسلاموي الفاسد بشعار تسقط ثالث ورابع وخامس. الخ ، حتي يروا بأعينهم اعتقال كل رموز النظام الفاسد ومعرفة مكان اعتقالهم ، حتي يتم تقديمهم لمحاكمات ، وحتي تسليم الحكم لنظام مدني ديمقراطي عبر فترة انتقالية مدتها أربع سنوات تنفذ المهام التي تم الاتفاق عليها في ميثاق قوى " الحرية والتغيير" ، ورفض أي انقلاب عسكري ، يعيد إنتاج النظام السابق والحلقة " الجهنمية" ديمقراطية – انقلاب – ديمقراطية – انقلاب. الخ، التي دمرت البلاد لأكثر من 60 عاما بعد استقلال السودان . فضلا عن رفض إعادة تجربة انتكاسة ثورة الاستقلال 1956 ، وثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس- أبريل 1985 .
3
كان من المفترض لضمان نجاح الثورة وجود قيادة ثورية من صفوف الجماهير تواصل الثورة حتى اسقاط حكم العسكر وقيام حكومة مدنية ديمقراطية تحقق الاجراءات والتدابير الثورية مثل :
- التصفية الكاملة للتمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة ، واإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، وتصفية كل مؤسسات ومليشيات الانقاذ الفاسدة ، وعودة كل المفصولين المدنيين والعسكريين، والاصلاح العسكرى والأمني والعدلي والقانوني والقضائي تحت سلطة مدنية.
- استعادة أجهزة الإعلام " تلفزيون ، اذاعة ، صحف ، وكالة الأنباء - سونا ...الخ " وتسخيرها لصالح الثورة والشعب.
- التصفية الكاملة لجهاز الأمن وضم كل ممتلكاته من عقارات وشركات للدولة، بحيث يصبح جزءا من الداخلية ، يختص فقط في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها ، وتسليم كل اسلحته العسكرية للجيش ، وتصفية كل سجون وبيوت أشباح الأمن ، ومحاكمة كل الذين تورطوا في اعتقال وتعذيب وقتل المتظاهرين السلميين ونهبوا ممتلكات الشعب.
- التفكيك الناجز للتمكين داخل القوات النظامية، ليصبح الجيش جيش السودان ، لا الكيزان..
- حل مليشيات الدعم السريع وضم كل اسلحتها وممتلكاتها وعتادها العسكري للدولة ومحاكمة من تورطوا في نهب ممتلكات الشعب ومجازر الحرب في دارفور. لا يمكن ضمان بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة في وجود مليشيات خارج القوات النظامية ، في ذاكرة شعب السودان الفوضي التي خلقتها تلك المليشيات بعد الاستقلال في مارس 1954 ، وبعد ثورة أكتوبر 1964 ، التي أجهضت الثورة ، وتكوين المليشيات بعد الديمقراطية الثالثة التي عارضها الجيش ودورها في أحداث الضعين. الخ ، وبعد قيام الانقلاب الإسلاموي الفاسد تم تكوينها والتي لعبت دورا وحشيا في الابادة الجماعية في دارفور.
- عقد الجمعيات العمومية للعاملين لانتزاع النقابات واسقاط التابعة للسلطة واستعادة كل ممتلكاتها ودورها لصالح جماهيرها التي بنتها بعرقها وقيام حركة نقابية تؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، كما يجرى حاليا في نقابات الاالصحفيين والأطباء. الخ.
- اصدار قرار فوري بسحب قواتنا السودانية من اليمن.
- استعادة السيادة الوطنية بوضع برفض القواعد العسكرية والجلاء لقوات "فاغنر الروسية من البلاد ، استعادة الأراضي المحتلة (حلايب ، شلاتين، ابوركاد ، الفشقة) ، وإعادة النظر في اتفاقات الأراضي الزراعية الشاسعة التي تم تأجيرها لمدة تصل إلي 99 عاما،وعقود التعدين ، باعتبارها اتفاقات باطلة تمت في غياب الشعب السوداني ومؤسساته الدستورية المنتخبة. ومحاسبة كل الذين وقعوا علي هذه الاتفاقات التي فرطت في السيادة الوطنية.
- عقد المؤتمرات التعليمية والصحية ، والاقتصادية. الخ ، لمعالجة كل الخراب الذي حدث ، وتوفير خدمات التعليم والصحة لكل المواطنين وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، وإعادة تأهيل المشاريع الزراعية والصناعية والحيوانية والخدمية التي تم تدميرها، مما يرفع من الإنتاج ودعم الصادر وتوفيرفرص العمل للعاطلين، وتقوية الجنية السوداني.
- التفاوض مع المجتمع الدولي الاقليمي حول القروض التي وصلت إلي60 مليار دولار ، باعتبارها لم تذهب للتنمية ولخزينة الدولة، بل تم نهبها من المسؤولين الإسلامويين الفاسدين ، ولا يتحمل مسؤوليتها شعب السودان ، بل تتحملها العصابات الإسلاموية الفاسدة والذين تعاملوا معها. من المهم حصر تلك القروض ومحاكمة الذين نهبوها ولم يدخلوها في خزينة بنك السودان.
- عودة النازحين في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق فورا إلي قراهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم التي تم نهبها، وجمع السلاح وحل الجنجويد ، وتقديم مرتكبي الابادة الجماعية للمحاكمات ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية ، وعودة النازحين لحياتهم الطبيعية من زراعة ورعي. وتوفير كل الخدمات لهم من تعليم وصحة وعناية بيطرية بمواشيهم.
- فتح مسارات الاغاثة التي أغلقها النظام المجرم الفاسد.
كل تلك الخطوات تمهد لوقف الحرب فعلا لا قولا.
وبالتالي بحل وتصفية المليشيات العسكرية وضم كل أسلحتها وعتادها الحربي، ووقف الحرب واستعادة الإعلام لصالح الشعب ، واستعادة الأموال المنهوبة ، واستعادة مؤسسات الشعب ونقاباته التي بناها بعرقه ولجان الحكم المحلي ، نضمن فعلا لا قولا تأمين الثورة ، والسير بها قدما نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع ، ويسود فيها حكم القانون ، واستقلال القضاء ، وفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، واقرار دستور دائم ديمقراطي بمشاركة الجميع ،إضافة لاستقلال الصحافة والإعلام عن الدولة.
4
لكن قوى "الهبوط الناعم" في قوى الحرية والتغيير، كما فصلنا في مقالات سابقة ، تحالفت مع العسكر وقطعت الطريق أمام الثورة بالتوقيع علي الوثيقة الدستورية "المعيبة" بتدخل خارجي ( اماراتي ، سعودي ، الاتحاد الأفريقي ، دول الترويكا، امريكا ،والاتحاد الأوربي. الخ) التي انقلب عليها العسكر في 25 أكتوبر ، ولم تتعظ من تجربة الشراكة الفاشلة مع العسكر وتحاول أن تعيدها في قناني جديدة باسم الاتفاق الإطارى المفروض من نفس القوى الخارجية التي فرضت الوثيقة الدستورية ، وسط مقازمة جماهيرية واسعة حتما سوف تتراكم حتى لحظة الانفجار الشامل والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب وقيام الحكم المدني الديمقراطي.