لعبة نواب الحارة


محمد علي مقلد
2023 / 4 / 12 - 11:52     


في البلدان الطبيعية يتبارى المرشحون في وسائل الإعلام وأمام الناخبين، وفي يد كل منهم سيرة ومسار وبرنامج. في البلد العجيبة لبنان، يختار البرلمان آليات أخرى، هي أقرب إلى مقالب المسلسلات التركية، حيث يغلب المكر والتنصت من خلف الأبواب والمناورات والحوارات الملغومة. وهل من المستبعد أن تكون الجينات السلطانية التي روى عنها ولي الدين يكن قد انتقلت بالوراثة وحلت في رؤوس نواب الأمة؟
في البلدان الطبيعية يلتئم البرلمان بحضور الحكومة لعلاج شكوى، حتى لو أتت على شكل خبر في جريدة. في البلد العجيبة يجيز البرلمان نصب الكمائن لمعاقبة الصحيفة أو الصحافي بقوة عسس الأمن وعسس القضاء لا بقوة القانون. ربما لأن برلمان البلد العجيبة تربى على آليات عمل المخابرات لا على واجب التشريع وسن القوانين.
في البلدان الطبيعية يلتئم البرلمان ليحاسب الحكومة ويراقب عملها. أما البرلمان العجائبي فهو كالمتفرج في ملهاة، دوره التصفيق والضحك عند الحاجة والتعليق على المسرحية بعد إسدال الستائر. سئل فلاح من كفررمان، لماذا تفلح على بغل لا على ثورين، جواب الفلاح كان بليغاً. هذا وضع البلد، "ما في حدا بيشتغل شغلته". الفلاح كان يستشرف على بعد ستين عاماً فحكام زمانه في ستينات القرن الماضي كانوا رجال دولة لا خريجي حروب وميليشيات.
في البلدان الطبيعية يتلو الرئيس يمينه الدستوري أمام من ينتخبه، أي أمام البرلمان في حالتنا. وحين يصبح رئيساً يتلو كبار الموظفين قسمهم أمامه بصفته مؤتمناً على الدستور. في البلد العجيبة لبنان يحمل القسم الرئاسي أمام البرلمان معنى فولكلورياً فحسب، لأن نواب الأمة ليسوا ناخبين، بل هم مجرد شهود بل مشاهدين. وفي البلد العجيب وحده نحتت عبارة "البرلمان سيد نفسه". رحم الله فرويد أول من فسر علمياً معنى العقد النفسية ومن بينها عقدة النقص.
في البلدان الطبيعية يلتئم المجلس النيابي حين يحس بأوجاع الناس ليعالجها. في البلد العجيب مات هذا النوع من الإحاسيس لدى نواب الأمة، وصح فيهم قول المتنبي، "ما لجرح بميت إيلام". الانتحار صار ظاهرة، وكذلك الموت على ابواب المستشفيات وتفشي جرائم السرقة والاغتصاب والقتل، صراخ وشكاوى من تردي الأوضاع المعيشية وانهيار العملة الوطنية وسرقة المال العام، ونوابنا ينطبق عليهم نص الآية "صم بكم عمي فهم لا يعقلون"، وهذه من صفات المنافقين بحسب بعض المفسرين من الصحابة.
في حكم الرعيان تعوي كلاب الحراسة ليأمن القطيع خطر الذئاب. في بلادنا يغيب الراعي وينام الحراس ملء جفونهم فيعوي القطيع. في بلادنا الراعي هو الدستور، أو وهو "الليث ملك القفار" في قصيدة أحمد شوقي، فلا تتأخروا في انتخاب الرئيس القدوة للبلاد وانتظروا أن يقال لكم ذات يوم ما قالته القصيدة، رأي الرعية فيكم من رأيكم في الرئيس.
لا يضيرهم أن يدان بعضهم بتهمة ما ولا يزعجهم أن يطالبهم صاحب الغبطة بخلع صفة "القاصرين والفاشلين" عنهم، و"بالخروج من الحيرة وانتظار كلمة السر. منهم من كان حاضراً قداس الفصح ومنهم من بلغ سمعه فحوى الخطبة البطركية بالتواتر ووسائل الإعلام. لكن خلوتك ببعضهم يا صاحب الغبطة ليست ببعيدة، وأنت سيد العارفين. صم بكم وما لجرح بميت إيلام.
مع الاعتذار من أكثر من نصف نوابنا الأحرار، هذا التقريع موجه لمن يمارسون السياسة كأنها لعبة صبيان الحي، ولمن يعطلون الدولة والدستور والانتخابات الرئاسية.