روسيا اليوم


خالد بطراوي
2023 / 4 / 12 - 00:45     

روسيا اليوم وكما سبق وأن كتبت في مقالات سابقة لي، هي ليست الاتحاد السوفياتي بالأمس وليست وريثة لإرثه التاريخي وبشكل خاص أنه كان الطرف الرئيسي في دحر النازية.
حتى الاتحاد السوفياتي نفسه لم يكن يتحرك على الساحة الدولية إلا وفقا لمصالحه، وخير دليل على ذلك أنه كان من بين أولى الدول التي سارعت الى الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني.
تمكن الاتحاد السوفياتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية من تشكيل المعسكر الاشتراكي الذي بدوره أصبح قطبا جاذيا في مواجهة القطب الإمبريالي الرأسمالي الاستعماري. وناصر الاتحاد السوفياتي حركات التحرر في العالم وتدخل في بعض قرارات الأمم المتحدة واستخدم حق النقص " الفيتو" الممنوح له وطربنا جميعا لحادثة حذاء الزعيم السوفياتي تيكيتا خرتشوف في الأمم المتحدة التي ضرب بها طاولة الأمم المتحدة معلنا "الفيتو" وظننا جميعا أنها حدثت اعتراضا على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ولكنها في الحقيقة وكما تفيد سجلات الأمم المتحدة قد حدثت في العام 1960 اعتراضا على كلمة رئيس الوفد الفلبيني التي انتقد فيها ما اسماه " السياسات الاستعمارية السوفياتية" في اوروبا الشرقية.
بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية برمتها وفشل التطبيق العملي لنظريات اليسار حول تعايش القوميات المختلفة، سمحت روسيا وغضت بصرها إزاء إختراقات الغرب وإثارته للنعرات القومية بين التشيك والسلاف في تشيكسلوفاكيا ، وتفتت يوغسلافيا وحصلت جرائم الحرب في كرواتيا وفي البوسنة والهيرسغ.
إبان ما يسمى " بالربيع العربي" وقفت روسيا موقف المتفرج ورأت بأم عينها إنهيار نظام حسني مبارك في مصر والترتيبات التي جرت بعد ذلك من قبل الدوائر الغربية في اعتلاء الاخوان المسلمين سدّة الحكم ثم الإطاحة بهم من خلال الجيش، وتركت روسيا للغرب الميدان في ليبيا، وقبلها سمحت باحتلال العراق وإنهيار نظام البعث العربي الاشتراكي العراقي، وفي السنوات الأولى من أحداث سوريا التزمت روسيا الصمت والحياد الى أن باعت لنظام الأسد السواد الأعظم من عتادها العسكري القديم البالي وخارج الخدمة، ثم وبعد أن أصبح النظام السوري كـ "الغريق الذي يتمسك بقشة"، ووافق على إبرام إتفاقية تأجير قاعدة حميم الروسية المقامة على الأراضي السورية وعندها فقط لملم النظام السوري بقاياه وإنقلبت المعادلة لصالحه، وما زلنا نتابع وبصورة متكررة الغطرسة الجوية الصهيونية شبه اليومية وهي تضرب بعض المواقع في سوريا دون أن يكون هناك أي رادع من هذه القاعدة الروسية.
وجاء إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتوغل الجيش الروسي داخل الأراضي الأوكرانية ما يشكل بالتوصيف الدقيق حالة إحتلال حربي، رغم أننا جميعا نتفهم أسبابها ودوافعها لكننا لا نبرر لها احتلال الأراضي الأوكرانية، خاصة وأننا نعلم تمام العلم، أن روسيا وعلى إمتداد السنوات السابقة هي من سمحت لغطرسة العرب بالتوسع والسيطرة على القرار السيادي الأوكراني وكان بامكانها أن توقف ذلك في مهده وليس بعد أن وصل " الفأس للرأس" كما يقولون.
لذلك، وكما أن أمريكا هي " دبور ما في منو عسل" فروسيا هي أيضا كذلك، رغم إختلاف النوايا المعلنة، إلا أنها جميعها تصب في خانة واحدة، مفادها أن الدول العظمى تدافع عن مصالحها، بل ومصالحها القومية الضيقة، وهي تقوم بين الفينة والأخرى بعملية جرد حسابات وإعادة موازين وتوازن القوى والانتشار والسيطرة على شتى بقاع العالم في إطار منظومة واحدة كاملة متكاملة تخدم كرتيلات السلاح والدواء والمخدرات.