النضال ضد البطالة مهمة آنية في مواجهة الهجوم البُورجوازي


المناضل-ة
2023 / 4 / 11 - 21:01     


يمثل استشراء البطالة آلية بيد الرأسماليين للضغط على الأجور وتكثيف الاستغلال، فوجود جيش احتياط من العاطلين- ات، المستعدين للعمل بأية شروط لاتقاء الجوع والتشرد، يصب في مصلحة أرباب العمل، متيحا لهم تحكما في أجور العمال- ات ومستوى الاستغلال، باجبار العاملين/ات على قبول ظروف عمل متردية و بإضعاف التنظيم. بهذا المعنى تشكل البطالة مشكلة مركزية للطبقة العاملة، بينما هي وسيلة للبرجوازية ودولتها للحفاظ على مردود مرتفع للرأسمال، ولا تشكل إزعاجا لهم إلا إذا انتظم العاطلون- ات عن العمل في منظمات نضال.

تهتم دولة الرأسمال وتنظيمات ـأرباب العمل بتتبع مؤشرات البطالة بشكل دقيق، حيث تصدر التقارير تلو التقارير، بما يساعدها على ضبط وتوجيه خططها بالشكل الذي يفيد الاستراتيجية أعلاه. لا يلقي الرأسماليون بالاً للأهوال التي تنتج عن البطالة، فذلك آخر همهم، بل يرون المسألة من منظور السعي الدائم لتعظيم الأرباح وازدهار الأعمال. في المقابل لا تهتم المنظمات النقابية بموضوع النضال ضد البطالة، ولا تعتبره جزءا من مهامها التنظيمية والدراسية والنضالية والإعلامية، وهو تهرُّب من مسألة أساسية لا يمكن فصلها عن النضال النقابي العام من أجل تحسين شروط الاستغلال.

مرت ثلاثة عقود على انطلاق نضال نوعي ضد بطالة خريجي- ات الجامعات بالمغرب، ميزه تأسيس تنظيم للمعطلين- ات عن العمل من حاملي- ات الشهادات، رَفَدَ النضال الشعبي العام بدفعة قوية في تسعينات القرن الماضي خاصة، وأرسى تقاليد جديدة في الاحتجاج استفادت منها مختلف الحركات الاحتجاجية فيما بعد، كما ساهم في تأطير جزء لا بأس به من الشباب في ظل انتفاء المنظمة الطلابية وتراجع التنظيمات الشبيبية ناهيك عن تكلس المنظمات النقابية.

لكن النضال ضد البطالة لم يحرز انتصارات استراتيجية على دولة الرأسمال، حيث لم يتم انتزاع التعويض على البطالة، ولم يتم تقليص ساعات العمل لخلق فرص عمل جديدة حتى يعمل الجميع، ولم يتم الحفاظ على الوظيفة العمومية السائرة نحو تفكيك مدمر، بل تفاقمت بطالة حملة الشهادات مع تعميق الهشاشة في التشغيل بالقطاع الخاص، وانتشر العمل المجاني تحت غطاء التدريب … وظل حاملو-ات السواعد المعطلون-ات بلا تنظيم يوحدهم مع الحركة النقابية المغربية ويجعلها تتبنى منظورا جديا للنضال ضد البطالة.

حتى المكسب التنظيمي المتمثل في وجود جمعية ينتظم داخلها المعطلون- ات حاملي- ات الشهادات، شهد تقهقرا كبيرا مقارنة بعقد التأسيس. شهدت الجمعية منذ مدة غير يسيرة مسلسل تراجع تنظيمي ونضالي كبير، وتعرضت حركة النضال ضد البطالة لنفس ما تعرضت له باقي حركات النضال، حيث تناسلت التنسيقيات الفئوية الخاصة بكل ملف على حدة.

في الوقت الراهن، الذي يتميز بهجوم الرأسمالية التابعة بالمغرب بمستويات عالية من الشراسة، بما ينذر بمزيد من الضغط على أجور العمال والعاملات عبر التضخم وبمزيد من الاستغلال عبر تعميم الهشاشة وبمزيد من البطالة عبر التسريحات ونقص استيعاب الوافدين/ات الجدد على سوق الشغل، يصبح النضال ضد البطالة مهمة مركزية للنضال العمالي والشعبي بالمغرب. خاصة وأن للبورجوازية منظورا “متكاملا” يقوم أساسا على رافعتين: أولاها السعي لإلغاء الحد الأدنى للأجر، ومرحليا اعتماد حد أدنى للأجر بشكل جهوي، والثانية إطلاق يد أرباب العمل ليسرحوا عمالتهم كما يحلو لهم عبر ما يسمى بالمرونة في التشغيل، ومؤقتا تطبيق ما تم الاتفاق عليه مع البيروقراطيات النقابية في الاتفاق الاجتماعي الأخير لـ 30 أبريل 2022 بهذا الشأن.

هذا المنظور الليبرالي الجديد، سيحقق في نظر أرباب العمل توازنا دائما بين عرض قوة العمل والطلب عليها. بينما لا نجد في المقابل منظورا عماليا مضادا يتم الاستناد عليه في بناء جديد لحركة فعلية للنضال ضد البطالة، أضحت ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، حركة نضال تستند على المنظمات النقابية وعلى عموم المعطلين-ات عن العمل، سواء وافدين جددا على سوق الشغل أو ضحايا تسريحات، وترفع المطالب والشعارات المناسبة يكون في القلب منها خفض عدد ساعات العمل اليومية وتوفير دخل للعاطلين-ات عن العمل، وتدمج في عملها التنظيمي الخبرات المكتسبة من عقود من النضال ضد البطالة وضد التسريحات مع بنيات مرنة وديموقراطية مستندة على المبادرات الحرة لقاعدة واعية.

تنتصب أمام بناء هاته الحركة معيقات موضوعية كثيرة، لكن الأهم منها ذاتية، فالحركة النقابية تعيش منذ عقود دون منظور نضالي عمالي فعلي، ودون حياة داخلية ديمقراطية، حيث تم تكريس سلبية القواعد واتكاليتها، وانتشر فقر فكري وسياسي، وتسود منظورات “الشراكة الاجتماعية” مع أعداء الأجراء. وأضحت الحركة الاجتماعية تعيش على وقع سيادة المنظورات الفئوية والمناطقية دون سعي لتملك فهم شامل للواقع وسبل تجاوزه، بينما يتعرض الشباب لقصف إيديولوجي كثيف مضمونه أن لا خلاص من البطالة إلا بشكل فردي وبالضرورة عبر جحيم القطاع الخاص أو قبول أشكال التشغيل الجديدة في القطاع العمومي (التوظيف بالعقدة، التوظيف الجهوي).

لكن بجانب هاته المعيقات الذاتية هناك صبوات نضالية تبرز كمون طاقة كفاح كبرى تنفجر من حين لآخر، كانت نضالات المعطلين-ات والمطرودين-ات من العمل إبان حراك 20 فبراير 2011 ، وبعدها نضالات شباب جرادة والريف والهَبَّة الشبيبية (طلاب ومعطلين) ضد إجراءات إقصاء من اجتياز مباريات التوظيف بالعقدة في قطاع التعليم (سنة 2021)، أقوى تعبير عنها، مبرزة إمكانية تجاوز كل المعيقات الذاتية، إن اندرج كل ذلك في خطة نضال مستوعبة لدروس وتجارب الحركة النقابية وحركات العاطلين في مواجهة البطالة.

للمناضلين-ات العماليين-ات دور هام في هذا الشأن، إنهم-ن مطالبون-ات بالانتباه للمسألة وطرحها بشكل دائم داخل البنيات النقابية وشرح ارتباطها الوثيق مع باقي المطالب التي تناضل من أجلها المنظمات النقابية. وتمثل الحلقة الجديدة من الهجوم على أنظمة التقاعد التي يتم إعدادها فرصة أخرى مناسبة لدمج النضال ضد البطالة ومن أجل التشغيل مع مطلب الحفاظ على مكاسب التقاعد (إن خفْضَ سن التقاعد لستين سنة ورفع الأجور وخفض عدد ساعات العمل الأسبوعية إلى 35 ساعة في الأسبوع من شأنه أن يرفع عدد المشتغلين مقابل المتقاعدين ويرفع من الإنتاجية ويرفع من موارد صناديق التقاعد بما يضمن ديمومتها). بينما تبقى المهمة الأهم هي مواجهة منظورات الطبقات السائدة بالمغرب لقضايا التشغيل والبطالة وتبيان تهافتها وعدوانيتها، وتهييئ الشعارات والمطالب المناسبة والبحث عن سبل تنظيم العاطلين-ات، داخل المنظمات النقابية وبجانبها.

إن بناء حركة نضال ضد البطالة ومن أجل الشغل للجميع، رافعة أساسية من روافع المسيرة نحو رقي فعلي في مستويات وعي الأجراء والأجيرات، خاصة الشباب-ات، ومحطة لدمجهم في بنيات النضال العمالي لأجل إحداث الرجة المطلوبة في منظمات النضال كي تتخلص من كل ما يعيق تقدمها نحو الاضطلاع بعلة وجودها. بناء هاته الحركة هي مهمة كل المنتسبين-ات لقضية تحرر العمال والعاملات.