ثورة البقر في الرباط


عذري مازغ
2023 / 4 / 11 - 16:13     

في مشهد رهيب، شاهدت فيديوهات لبقر يجري في شوارع الرباط وهو يجر حبل مرتبط برجله أو بعنقه! كان مشهدا رهيبا بالفعل، البقر غريب عنا أيضا ويشبه إلى حد ما الحيوان الخرافي المثير للأهوال في الذاكرة الجمعية المغربية: "يشبه بغلة القبور" او هكذا تخيلته انا شخصيا. قال لي صديق يعيش بفرنسا وهو أيضا متأثر بالمظهر: "حتى لحمه "مسوس" (يقصد غير طري).
لا أعرف كيف استخلص صديقي أن لحمه غير طري، لكن يمكنني أن اتأمل حجم المؤثرات التي تذهب الذوق.
أثارني بالفعل تعليق صديقي، تساءلت هل هو ذاق لحم البقر هذا، لكن تراجعت من منطلق أمور أخرى تخص ثقافة الأكل واختلافها عند الشعوب وربما بقرنا الأحمرالوديع الجميل الذي يقاوم الجفاف ويكتفي بالقليل من العشب والماء لن ترضاه اذواق الدولة التي اتت منها هذه الأبقار التي تشبه عندنا ذلك الحيوان الخرافي الذي تجسد الآن في شوارع الرباط على انه بقر برازيلي.
إني أتفهم اصطدام الشعوب بأكل معين غير معروف، إني اتفهم امتعاض الكثير لأكل لحم الكلب في الصين، لكن عندنا نحن في الأطلس المتوسط ناكل لحم الذئب وهو ابن عم الكلب ، وحتى اكلة الأرز امتعض منها العرب الأوائل حين اصطدموا بها، اعتبروها سما (ابحث عن اول مرة دخل الأرز المنطقة العربية في جوجل وستعرف لماذا اثرت هذه الإشارة)
تأملت البقر وهو يجري عشواء في شوارع الرباط مجفولا بشكل غريب، الناس تجري وراءه وهي تزداد جفولا، في خضم ذلك شاهدت بقرة في فيديو تهمس لأختها: "هؤلاء البشر وحوش، آكلة لحمنا، هذه أرض الموت، لنهرب ونبحث عن خلاص، هذه ليست أرضنا.. قالتها ثم بدأت تركض إلى أن وقفت الأخرى بالحديقة العمومية: "هذه الحديقة تشبه أرضنا فلنسترح قليلا! " ردت عليها البقرة الاخرى: ولو! هذه حديقة سم، حتى العشب فيها قصير لا يشبه عشبنا بالبرازيل ..
تذكرت شعر غنائي أمازيغي بالأطلس المتوسط حول البقر، ذكرني إياه شكل هروب البقر وهو يجر حبال كان مربوطا بها بشكل أثار حفيظتي في اتهام الوزير الأول المغربي الذي كان سابقا وزيرا للفلاحة: إنه لص البقر
"ثافوناسْثْ إوينْتْ إخْوَّان ثيويد إزيكْرْ غُو ضارْ
وَنَّا مييْحلَّا المال نَّسْ أُور إِباض العبد إيشا "
(البقرة أخذها اللصوص فعادت وهي تجر حبل رباطها، مَنْ ماله حلال لا يسقط في أيدي اللصوص، ترجمة بتصرف)
المحدد هنا للص هو البقر وليس أخنوش السارق لسبب بسيط، البقر قطع حباله وتظاهر في شوارع الرباط وهو يجر حبال رباطه ولو كان واعيا كالبشر لانتظم هروبه في مظاهرة نحو برلمان المغرب واحتج كباقي هذه الفئات الاجتماعية التي لها أنفة الاحتجاج على الأوضاع مثل هذا البقر "المسكين" والتي دائما ما تتظاهر أمام البرلمان وتنتهك بالعنف والهراوات احتجاجاتها السلمية، وبما أن البقر لم ينتظم والمظاهرة عشوائية ربما لظروف تشبه تلك التي منعت السود من التنظيم والتظاهر زمن العبودية فإن البقر البرازيلي عبر بشكل رائع على موقفه من تهجيره من خلال رفع حبل الربط في شوارع الرباط معلنا انه مسروق: مسروق من بيئته الإستوائية ليوضع في بيئة ليست بيئته.
هذا الاحتجاج البقري الرائع بليع في التعبير، وحتى دون ان ينطق رفع شارات تعبر عن مطالبه او مطلبه الوحيد: هذا الوطن ليس وطني
قال لي صديقي المغربي بفرنسا: إنه ضعيف وتظهر عظامه من تحت جلده..
ــ نعم وهو أمر موضوعي، لقد امضت أكثر من شهر في عبور الأطلنتيكي وقد تصاب بالمجاعة والعطش في العبور ولما وصلت إلى بر الأمان لم تجد تلك الأعشاب التي ألفتها في المنطقة الاستوائية حيث الأعشاب متنوعة ومليئة بالندى وليس كأعشاب "الكرملة" بالمغرب (المكرمل في المغرب هي تلك الحبوب التي توضع في النار قبل أكلها)
أنفة البقر البرازيلي
يمكننا فهم إشارت ذكية من البقر، حتى وهو يمر فوق أعشاب حدائق الرباط العمومية لم ينزل رأسه لتناولها مما يعني أنه مضرب عن الطعام.
البقر في بيئته "مْفَطَّحْ" وحتى حين قدموا له وجبة العلف المُكَرْمَلْ (الكاف هنا تنطق g اللاتينية) رفضها لأنها ببساطة ليست وجبته وأكثر من ذلك هي وجبة لا تكفيه وتشبه الوجبات الداخلية التي تمنح للطلبة في الجامعات المغربية.
حجم تلك الأبقار بحجم الفيلة الإفريقية وهذا يعني انك لكي تستوردها عليك أن تنشئ غابة استوائية صناعية وليس كما تعامل معها السيد أخنوش الذي تعامل كأنه يجلب فيل إلى حديقة حيوان (يمكن توفير علف لفيل وفيلة في حديقة حيوان لكن لا يمكن توفيره لقطيع).
بكل صدق أدين هذه العملية من الاستيراد بأي خلفية كانت، سواء بخلفية توريد اللحوم الحمراء، او بخلفية الحفاظ على نوع بقرنا، نزع حيوان من بيئته هو امر فظيع، يمكن استراد اللحوم الحمراء بطابع حلال الغشيم دون توريد البقر بروحها البيئية ولا احتقر ذلك الحيوان بسبب شكله وهيأته ولا أظن أيضا ان لحمه هو لحم "بغلة القبور" الخرافية ولا ان لحمها "مسوس" كما قال صديقي المغربي في فرنسا الذي لم يتذوقه أصلا ، ضعفها (غياب سمنتها) ناتج عن الظروف التي مرت بها في رحلة العبور وفي وصولها إلى بيئة غير بيئتها، الجميل فيها انها بقر ثوري رائع ذا أنفة عبر ببساطة على إدانة وزير أول مغربي يخشاه القطيع البشري عندنا في المغرب كما ادان أيضا رئيس الدولة البرازيلية لولا الذي سمح بتوريد بقر يملك أنفة الانتماء .
الجميل في بقر البرازيل أنه تظاهر بدون حتى رخصة التظاهر وفي عاصمة دولة يصعب على سكانها التظاهر على اوضاعها الاجتماعية .
يحيى البقر !
تحيى الكتيبة الثورية البقرية!