استراتيجية تعويم الغباء


نضال نعيسة
2023 / 4 / 11 - 13:28     

أُتـْرعت وأُتـْخمت مؤسسات وحكومات وشركات أوروبا وأمريكا وبقية دول العالم المتحضر الأخرى بمئات الأسماء والشخصيات اللامعة والبراقة والمتفوقة والمبدعة ولعلماء في مجالات الطب والهندسة والفنون وعلوم الكومبيوتر، فالرجل رقم واحد اليوم، مثلاً، في علوم الذكاء الصناعي هو (أ. خ)، وهو سوري-أمريكي مقيم من عقود هناك، ومواهب أخرى لا تحصى متميزة ومتفوقة على نحو لافت في كافة الاختصاصات. ويبدو أن الأمر لم ولن يقتصر الأمر على هذه المجالات والنواحي الحياتية ذات الطبيعة المهنية والعملية، بل تعداه لصعد الدبلوماسية وأنظمة الحكم وتولي المناصب القيادية والارتقاء السياسي في تلك الدول، وأما التخمة والوفرة المادية والمالية والعيش الرغد، فحدّث ولا حرج. وتتواتر أنباء يومية عن تولي "مهاجر" سوري لأمانة حزب، أو منصب عمدة، ونائب بالبرلمانات المنتخبة، ومحافظ وعمدة لمدينة، ووزير في هذه الدولة أو تلك، فيما لو بقي في بلده الأصلي لبقي مغموراً وطواه النسيان، وتحاصره الشكوك والنظرات والغمزات، وتطارده الشبهات، وتكبـّله أحقاد العرفاء والجنرالات، وتلاحقه الظنون والتقارير الأمنية الكيدية والعبثية، وينهي مسيرة عمره بالعيش، منبوذاً، على هامش الحياة، بدون نفع ولا أمل أو رجاء.
ولقد بات الأمر واضحاً وجلياً جداً وواقعاً يلمسه ويدركه الجميع بوجود استراتيجية ونهج داخلي، متعوب عليه، ومتابع على أعلى المستويات القابضة على الأوكسجين والماء والهواء، ومدروس ومقصود ومرتب سلفاً تتولاه، وتتبناه، وتنفـّذه وتتابعه جهات معروفة يقضي بتحييد كل النخب المتميزة وإقصائها عن الواجهات والعمل العام، وتهميشها والتعتيم عليها ومن ثم الإجهاز والقضاء عليها بشكل متدرج أو عاجلاً إن اقتضت الضرورات ودفن وخنق اي صوت أو مجرد" حشرجة" وحركة ونشاط لها ومحاربتها بلا هوادة في عيشها والتضييق عليها في مصادر رزقها وقطع الطريق عليها وسد أي قناة ومنفذ لعيش كريم امامها وفي وجهها بغية إمّا تطفيشها بالنهاية أو إجبارها على الاستسلام والقبول بشروط النهج وهو الصمت مقابل البقاء وضمان السلامة والأمان..
ومقابل ذاك النهج المدمـّر والسيناريو المرعب المكتوب والمعدّ بعناية فائقة ومعتمد رسمياً، هناك دأب بيـّن وسعي محموم وواع لتسليط الضوء على بعض المهرجين والطبول الفارغة من الجهلة والتافهين والأدعياء الضحلين وعديمي الخبرة والموهبة والثقافة واشباه المتعلمين (بكالوريا أدبي شحط وتالت ابتدائي راسب ويعيد أو ما يعرفون بدكاترة روسيا القيصرية السوفييتية وشهاداتهم المسروقة والمزوّرة) واشتراط كونهم، حصراً، من المقربين والمحاسيب والأزلام وحائزين على "ثقة" اصحاب القرار، لتفويضهم برقاب ومصائر ومستقبل العباد، وإطلاق يدهم في البلاد، وفرضهم على "أذواق" الناس ورفعهم درجات وتعويمهم وتلميعهم اجتماعياً ومادياً وإعلامياً وإبقائهم في الضوء ومراكزهم لعقود وعقود، وإعادة تدويرهم وتحريكهم وتثبيتهم وتنقيلهم في لعبة الشطرنج وتبديل الطرابيش الشهيرة، رغم كثرة الفشل وتعفن روائحهم وتعدد الفضائح وتنوع الإخفاقات...هذا حصل مع شرائح عريضة وتيار طويل عريض منذ عقود، وللآن، وبشكل مبرمج وممنهج، كما أسلفنا، ما يفسر حالة الشلل والجمود والانهيار التام على كافة الصعد والمجالات والتصحر الكامل الذي يكابده الجمهور واوصل الجميع للحضيض والقيعان...