عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها الضار و المُضلِّل


الحزب الشيوعي اليوناني
2023 / 4 / 10 - 20:56     

 

مقال لقسم العلاقات الأممية للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني


أدَّى وقوع الحرب الإمبريالية في أوكرانيا إلى زيادة حدة التناقضات ضمن صفوف الحركة الشيوعية الأممية حول مسائل إيديولوجية سياسية جادة، و هي التي كانت تُضنيها منذ سنوات و تُعرب عن تمظهُرِ التأثير الانتهازي ضمن صفوفها.
 
و بالتأكيد تواجدت على رأس هذه المسائل، تلك المتعلقة بالموقف تجاه الطابع الإمبريالي لحرب الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي مع روسيا الرأسمالية، الجارية على أراضي أوكرانيا، و بالموقف من الطبقة البرجوازية وممثليها السياسيين، كالاشتراكية الديمقراطية و بالتحليلات الإشكالية للنظام الإمبريالي و موقع الصين وروسيا ضمنه، وغيرها من المسائل التي ترتبط ارتباطاً أعمق بمسألة الاستراتيجية الخاطئة للمراحل نحو الاشتراكية، كما و بدعم الحكومات البرجوازية والمشاركة بها.
 
و في ظل هذه الظروف، ظهرت في باريس عشية اللقاء الأممي ال22 للأحزاب الشيوعية والعمالية المنعقِد في هافانا في تشرين اﻷول-أكتوبر الماضي، منظمة دولية جديدة باسم "المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية"، و التي نظَّمت سلفاً في الفترة المنقضية سلسلة من الأنشطة في بلغراد وأثينا و مؤخرا في كاراكاس، حيث كان قد استضافها الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا. و كان نشاط "المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية" المُقام في فنزويلا قدتزامن مع الهجمة المناهضة للشعب التي شنتها حكومة الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا على الطبقة العاملة للبلاد و شرائحها الشعبية، و ذلك في وقت كانت الحكومة قد توصلت إلى إبرام اتفاقيات مع المعارضة اليمينية و مع الولايات المتحدة، مع تشديد هجماتها المناهضة للشيوعيةوأعمالها التقويضية المُمارَسة ضد الحزب الشيوعي الفنزويلي.
 
حيث من المهم أن نرى تلك القوى التي تُشكِّل هذه المنصة وكذلك أن نرى المواقف الإشكالية الرئيسية لها.
 
"سبيكة" غريبة لِقوىً سياسية
 
شاركت في أنشطة المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية"سبيكة" قوى سياسية، حيث تلعب قوى الاشتراكية الديمقراطية الدور الرئيسي، كالحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا المذكور أعلاه ومنظمة كورية جنوبية "هبطت منالسماء" (حزب الديمقراطية الشعبية) و كذلك بعض الأحزاب الشيوعية والعمالية، كحزب العمال المجري و الحزب الشيوعي (إيطاليا) و الحزب الشيوعي اليوغوسلافي الجديد و الحزب الشيوعي اللبناني و حزب العمال الشيوعي الروسي، و الحزب الشيوعي الماوي لبريطانيا و قطب إعادة إحياء الشيوعية في فرنسا و غيرها.
 
و بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لشكوى الحزب الشيوعي المكسيكي[1]، فقد شاركت في نشاط المنصة المُقام في كاراكاس حتى قوى سياسية قومية وعنصرية و رجعية. كمثال المنظمة القومية الإسبانية "Vanguardia Española" ("الطليعة الإسبانية") ، التي تعود جذورها إلى الفيلسوف القومي غوستافو بوينو، الذي كان مقاتلاً نشيطاً في الكتائب و مؤيداً للديكتاتور الفاشي فرانكو في الخمسينيات. كما و شاركت نظيرتها منظمة "Vanguardia Venezolana" ("الطليعة الفنزويلية").
 
و من اليونان تشارك في المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية، منظمتان غير معروفتان لا تملكان أي عمل جماهيري و سنداً اجتماعياً، و هما: "جماعة النضال من أجل التوحيد الثوري للبشرية" (ذيميتريسباتيلِّيس) و "المنصة من أجل الاستقلال" (فانغيلِّيس غوناتاس)اللتان تميزتا مؤخراً بحدة مشاعر عدائهما للحزب الشيوعي اليوناني، مع اختيارهما غالباً للمسار الزلق للهجمات الاستفزازية عبر الإنترنت.
 
عن اعتبار الإمبريالية "وضعاً شاذاً" يمكن تصحيحه ...
 
تُقدم المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية صورة مقلوبة تماماً للواقع العالمي الذي نعيشه. و من تحليلاتها فإننا لن نفهم أننا نعيش في النظام الرأسمالي، حيث تم محو مفهوم الرأسمالية من أي تموضع لها ذي صلة (على سبيل المثال في إعلانها التأسيسي الصادر في باريس، و في مواد لقاء كاراكاس الأخير).
 
و مع قيامنا هنا بفتح قوسين، دعونا نُسجِّل أن الترجمة اليونانية للإعلان التأسيسي لباريس قامت بإضافة كلمة "رأسمالي" قبل كلمة "إمبريالي" التي لا توجد في الُنسخ الإنكليزية والإسبانية والفرنسية لهذه الوثيقة. حيث يبدو أن "المترجم" اليوناني حاول عن عمد "ترقيع" هذا البيان بالذات، و هو ما لا يغير بالتأكيد جوهر اﻷمر.
 
في الوقت نفسه تُسيء المواد الصادرة عن المنصة استخدام كلمات "الإمبريالية" و"الإمبرياليين" و"مناهضة الإمبريالية". وهكذا تُواجَهُ الإمبريالية التي يعتبرها لينين رأسمالية احتكارية، بنحوٍ ملتوٍ باعتبارها سياسة خارجية عدوانية، بعيداً عن أساسها الاقتصادي (الاحتكارات واقتصاد السوق الرأسمالي) و بعيداً عن جوهرها الطبقي كسلطة للطبقة البرجوازية.
 
و في الحاصل، ليس من قبيل الصدفة على الإطلاق عدم طرح المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية في تموضعاتها لمسألة إسقاط السلطة البرجوازية بنحو ثوري، و ذلك بالتأكيد حين تغييب هدف النضال من أجل الاشتراكية الذي استُعيض عنه بهدف "السيادة الوطنية" و "الهندسة الاقتصادية العالمية الجديدة الخالية من العقوبات و الحروب التجارية" من أجل "الإطاحة بالنظام الاستعماري الذي يجلب عدم الاستقرار والفقر وانتهاك حقوق الإنسان للجماهير من خلال القمع السياسي والنهب الاقتصادي والإكراه العسكري".
 
و موصوفة هي في جميع تموضعات المنصة، مُطابقةُ مفهوم الإمبريالية مع القوة الأعتى للآن في النظام الإمبريالي العالمي، مع الولايات المتحدة. و حتى عند ذِكر الاتحادات الإمبريالية الأخرى، كالاتحاد الأوروبي أو الناتو، أو صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي و ما شاكلها، فإن تقديراتها تقول أننا بصدد "مصالح إمبريالية أمريكية". بهذه الطريقة، يجري بنحو يشبه السِحر، إخفاء المسؤوليات والمصالح المستقلة للطبقات البرجوازية للدول الرأسمالية الأخرى عدا الولايات المتحدة، و التي تشاركُ في التحالفات المحددة. و بهذا النحو يتم تقديم الولايات المتحدة بشكل مشوَّه على أنها إمبراطورية لنظام استعماري حديث، حيث تكون جميع الدول الحليفة "مُطيعة" لها.
 
و على العكس من ذلك، تقول تقديراتها أن "روسيا والصين ليستا قوتين إمبرياليتين عدوانيتين" ويتم تقديمهما مع دول أخرى مثل كوريا الشمالية وإيران على أنها "مناهضة للإمبريالية" و هي التي تقاوم الإمبريالية إلى جانب ما يسمى بالحكومات "التقدمية" لأمريكا اللاتينية.
 
و باﻹضافة لذلك، نرى تخلياً عن أية مقاربة طبقية عندما يجري تمجيد مختلف الاتحادات الإقليمية، كاتحادي ALBA و CELAC الذين يعودان أساساً إلى دول رأسمالية، لكن المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية تُقدِّرُ أن هذين اﻹتحادين "سيُقرِّبان بين الأمم المُضطهَدة في أمريكا اللاتينية".
 
و أخيراً، و فيما يتعلق بالحرب الإمبريالية في أوكرانيا، فإن المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية تُقَدِّرُ أن الحرب هي فِعلٌ عدواني من جانِبِ الولايات المتحدة، التي تستخدم أوكرانيا لمهاجمة ... روسيا والصين "المعاديتين للإمبريالية".
 
 
«لا توجد بيانات اقتصادية تبرر توصيف الصين أو روسيا على أنهما إمبرياليتان. إنهما بلدان لا يعيشان من الاستغلال المفرط أو من نهب للعالم». وفقاً لمزاعم المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية....مكتوب على لافتة نقابة عمال ميناء بيرياس الذي يمتلكه احتكار Cosco الصيني: "لا لوقوع عامل قتيل آخر من أجل أرباح  Cosco".
 
 
نقد موجز للمواقف الرئيسية للمنصة العالمية المناهضة للإمبريالية
 
1- ما هي الإمبريالية و من هو المُناهض لها؟ نرى في اﻷيام الحالية استغلال مفهوم الإمبريالية حتى من قبل ممثلي الطبقات البرجوازية، حيث يسمي أحد هؤلاء نظيرها الآخر "إمبريالياً"، كما فعل مؤخراً المستشار الألماني أولاف شولز، عند حديثه عن الرئيس الروسي فلاديميربوتين. حيث ليس بقليلون هم ممثلو الطبقات البرجوازية الذين يصفون أنفسهم بأنهم "مناهضون للإمبريالية".
 
هذا و تزرع سلسلة من القوى الانتهازية التباساتَ مماثلة عِبر مواقفها، فضلا عن مواقف المنصة، التي توصِّف على سبيل المثال حتى دولة إيران الرأسمالية - التي تستخدم الدين أيضاً لتكثيف الاستغلال الطبقي و التفاوت الاجتماعي، والتي تُنكر الحقوق الأساسية للمرأة -   بأنها دولة "مناهضة للإمبريالية". حيثُ قيل هذا في وقت اهتزاز إيران من التحركات الكبيرة المُطالبة بحقوق مدنية ديمقراطية أساسية. هذا و كانت إيران "المناهضة للإمبريالية" قد وقَّعت بوساطة من الصين مؤخراً اتفاقا مع السعودية التي "أدارت ظهرها" للولايات المتحدة. و لربما أصبح الملوك والأمراء السعوديون "مناهضين للإمبريالية" بعد حدوث هذه الواقعة؟ إننا لن نتفاجأ من مثل هذا التقييم إذا ما تذكرنا إقدامَ قوى معينة من أمريكا اللاتينية منذ بعض الوقت على توصيف إردوغان بأنه "مناهضٌ للإمبريالية" و هو رئيس تركيا، التي تحافظ على قوى احتلال في 3 بلدان على الأقل (قبرص، سوريا، العراق). و هو توصيفٌ كان مؤاتياً لإردوغان الذي صرَّح وقتها أن "الولايات المتحدة لا تحبه لأنه ... مناهض للإمبريالية".
 
يبدو مما سبق أن سوء الاستخدام والاستخدام التعسفي لمفهوم الإمبريالية والكلمات المشتقة منها يقود إلى التباسات كبيرة.
 
و في الحاصل، فمن المهم أن يُواجه مفهوم اﻹمبريالية بنحو علمي اجتماعي اقتصادي، لا على النحو الذي يريد البرجوازيون والانتهازيون فرضَهُ، من أجل تبرير الطبقات البرجوازية والقوى الإمبريالية، و تعميد اللحوم و اعتبارها سَمَكاً، على غرار ما فَعَل بعض الرُهبان أثناء صيامهم. لقد وثَّق لينين الخصائص الأساسية للإمبريالية: "1) تركيز الإنتاج ورأس المال، الذي وصل إلى مرحلة عالية من التطور إلى حد خلق احتكارات تلعب دوراً حاسماً في الحياة الاقتصادية ، 2) اندماج رأس المال المصرفي مع رأس المال الصناعي و نشوء طغمة مالية فوق أساس "رأس المال المالي" هذا، 3) اكتساب تصدير رأس المال أهمية بالغة، مقارنة بأهمية تصدير السلع، 4) تَشكُّل اتحادات احتكارية دولية للرأسماليين تقوم باقتسام العالم، 5 ) انتهاء اقتسام الأرض بين أكبر القوى الرأسمالية[2]".
 
و لذلك فإننا نعيش في عصر تتسم فيه الرأسمالية بخصائص معينة و محددة، والتي أشار إليها لينين في عمله. إننا نتحدث عن خصائص موحدة تتعلق بهيمنة الاحتكارات، والشركات المساهمة العاتية و احتدام المزاحمة الرأسمالية، و تَشكُّل رأس المال المالي، وزيادة أهمية تصدير رأس المال مقارنة بتصدير السلع، والصراع من أجل إعادة اقتسام الأسواق والأراضي بين الدول الرأسمالية والمجموعات الاحتكارية الدولية. إن لينين يُجابه الإمبريالية باعتبارها "أعلى مراحل الرأسمالية" وفقاً لعنوان كتيبه ذي الصلة، حيث أبرز أن الرأسمالية الاحتكارية "هي اﻹعداد المادي اﻷكمل للاشتراكية، إنها عتبتها، هي تلك الدرجة من سلم التاريخ التي لا يوجد بينها (أي يبن هذه الدرجة) و بين الدرجة المسماة بالاشتراكية، أي درجات وسطية[3]".
 
إن المقاربة العلمية اللينينية للإمبريالية - كما نرى - هي بعيدة كل البعد عن الاستخدام الشائع لمفهوم الإمبريالية باعتباره سياسة خارجية عدوانية أو التماهي مع دولة واحدة و حتى لو كانت الأقوى، كما تزعم بين أمور أخرى المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية. و بالإضافة إلى ذلك، فإن المنصة تقوم في ممارستها بترتيب كل دولة - بمعزل عن مرتبة اﻷخيرة في الهرم الإمبريالي - تحت يافطة "مناهضة الإمبريالية" معتمِدةً معياراً وحيداً هو ما إذا كانت القيادة السياسية للدولة الرأسمالية المحددة تُعارض الولايات المتحدة و خياراتها أو تصطدم معها في لحظة معينة، في إطار المزاحمة الدولية المُشتدَّة للاحتكارات و للدول التي تمثل مصالحها.
 
إن الإمبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية، حيث مُدمَّجة في النظام الإمبريالي الحالي هي جميع الدول الرأسمالية التي تتميز بحيازة علاقات تبعية متبادلة غير متكافئة، كما و بحيازة علاقات المزاحمة والتعاون. إن هذا لا يعني و بالتأكيد أن جميع الدول تمتلكُ نفس القوة و الإمكانات، بل يعني أن كافة الطبقات البرجوازية تشارك في اقتسام الغنائم، في اقتسام فائض القيمة الذي تنتجه الطبقة العاملة أينما وُجدت، و ذلك على أساس القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لكل دولة.
 
2. أفي صالح "السيادة الوطنية" و"الاتحادات الإقليمية" و"الهندسة الاقتصادية العالمية الجديدة" أم في صالح الاشتراكية؟
 
كما أوضحنا سلفاً فقد استبعدت المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية الصراع من أجل الاشتراكية مع إبرازها للصراع من أجل "السيادة الوطنية" و تشكيل اتحادات إقليمية و من أجل "هندسة اقتصادية عالمية جديدة"، و ادعائها بأن ذلك سيضمن "الحرية والمساواة بين الدول، مما يسمح لكل بلد باتباع أجندة اقتصادية مستقلة وذات سيادة دون تدخل خارجي" و ذلك على الرغم من واقعة الحفاظ على علاقات الإنتاج الرأسمالية.
 
و تعتبر رؤية المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية أن جميع المشاكل قادمةٌ من "الخارج"، من "فرض" إرادة القوى الإمبريالية والولايات المتحدة بنحو أساسي على كل بلد، وهي تسعى عملياً إلى إيجاد تحالفات في "الحضن الآمن" لما يسمى ب"الطبقة البرجوازية الوطنية". حيث تتجلَّى هنا إلى جانب الالتباس حول ماهية الإمبريالية، الاستهانةُ بالطابع الدولي لعصر الرأسمالية الاحتكارية، الذي ينعكس في كل دولة رأسمالية عِبر احتدام التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل، مع تعزيز اتجاه التدهور المطلق والنسبي لوضع الطبقة العاملة.
 
إن المقاربة الخاطئة أعلاه ليست جديدة كونها "تَحمِل" مقاربات مشوهة سادت لسنوات عديدة في الحركة الشيوعية الأممية و كانت تركِّزُ على المستوى المتفاوِت لتطور القوى المنتجة، معتبرة بنحو خاطئ أن أي تأخُّرٍ كان ناتجاً بنحوِ حصري عن التبعية لدولة أجنبية ما و ليس عن عوامل تاريخية، كالتأخُّر في ظهور العلاقات الرأسمالية، و عن واقعة وجود سوق وطنية صغيرة نسبياً، و عن الظروف التاريخية التي دفعت الطبقة البرجوازية لدولة رأسمالية ما إلى الاستثمار على سبيل المثال في تصدير حوامل الطاقة أو الاستثمار في رأس مال بناء السفن لا في الصناعة. و على هذا الأساس، طُوِّرت استراتيجية المراحل نحو الاشتراكية، حيث ظهرت كمرحلة أولية استراتيجية التخلص من "التبعية الأجنبية" و استراتيجية "السيادة الوطنية" التي كانت ستتحقّق من خلال التحالف مع الطبقة البرجوازية "ذات التوجه الوطني" ضمن المواجهة مع "الكومبرادورية" التابعة و الخاضعة لتوجيهات الإمبرياليين.
 
إننا نعلم اليوم أن "تجزئة" استراتيجية الحزب الشيوعي إلى مراحل قد فشلت!
 
كما و ثَبُتَ أن تقسيم البرجوازية إلى "خاضعة للأجانب" و "وطنية" و السعي لتشكيل تحالف مع قطاعها الثاني لا يستندُ إلى الواقع. فالطبقةُ البرجوازية، على الرغم من بعض الاختلافات في المصالح الاقتصادية التي قد توجد داخلها، تمتلكُ أداتها الموحَّدة لاستغلال الطبقة العاملة واضطهاد الشرائح الشعبية، و هي الدولة البرجوازية. التي تشكِّلُ أيضا "الناظِم" لأي خلافات قائمة بين مختلف قطاعات الطبقة البرجوازية. هذا و تساهم كل دولة برجوازية وطنية (يوجد حالياً ما يقارب 200 دولة مماثلة على كوكبنا) في صياغة إستراتيجية طبقة البلاد البرجوازية و إدارة تحالفاتها الدولية، عِبر مشاركتها في هذا الاتحاد أم سواه المُكوَّن من قبل دول رأسمالية، حيث تسري هناك قوانين الاقتصاد الرأسمالي إلى جانب الترتيبات الدولية ذات الصلة.
 
إن لينين يشير في مقاله "حول شعار الولايات المتحدة الأوروبية" إلى المقاربات الخاطئة في فترته حول "الولايات المتحدة الأوروبية الجمهورية" مؤكداً عدم كِفاية مجرد الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية التي كانت موجودة في أوروبا حينها، و على أن الأهمية هي لماهية الأساس الاقتصادي الذي سيُقام هذا الاتحاد فوقه، و أن مع دوام الرأسمالية كونها أساساً له، فإن هذا الاتحاد سيكون رجعياً. و ذلك لأن «الرأسمالية إنما هي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و فوضى الإنتاج. و لذا كان الوعظ بتقاسم الدخل على هذا اﻷساس بصورة "عادلة" ضرباً من البرودونية و من البلادة و الغلاظة اللتين يتصف بهما البرجوازي الصغير و التافه الضيق الأفق» كما كتب لينين، حتى أنه سجَّل «أن مجرد التفكير بهذا اﻷمر يعني الهبوط إلى مستوى كاهن صغير، يَعِظُ اﻷغنياء كل أحدٍ بالعظمة المسيحية ويوصيهم بأن يتصدَّقوا على الفقراء ... إن لم يكن ببضعة مليارات، فببعض مئات الروبلات بالسنة». و ذلك ليَخلُصَ لينين لاستنتاجٍ مفادُه أن هذا الشعار هو خاطئ، لأن «بإمكانه التسبُّب في تفسير خاطئ مفاده استحالة انتصار الاشتراكية في بلد واحد[4]».
 
إن مقاربة المنصة القائلة بالحاجة إلى "إسقاط الاستعمار" و حول "السيادة الوطنية" وإنشاء اتحادات إقليمية لـ "دول ذات سيادة"، تتجاوز بنحو منافٍ للتاريخ حقيقة مرور النظام الاستعماري كاستعماري و منذ عقود إلى الماضي. و الذي نشأت في مكانه العشرات من الدول "ذات السيادة"، حيث تتمظهّرُ داخل كل دولة برجوازية "ذات سيادة" تناقضات طبقية لا هوادة فيها بين رأس المال والطبقة العاملة وأن العلاقات الحالية القائمة بين الدول البرجوازية "ذات السيادة" تُنظَمُ بعلاقات تبعية متبادلة غير متكافئة، تنخرطُ بها جميع الطبقات البرجوازية وفقاً لقوتها، و هي اﻷمور التي اختفت من تحليل المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية.
 
إن التبعيات التي تنشأ لكل دولة رأسمالية داخل هذا "الهرم" الإمبريالي ليست عِلَّةً وانحرافاً و تشوُّهاً، سيتم تصحيحه بهزيمة الولايات المتحدة و ما يسمى بـ "عالم متعدد الأقطاب"، كما تدَّعي المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية، بل هي ظاهرة متأصِّلة في تطور الرأسمالية و التدويل الرأسمالي. و إضافة إلى ذلك، تسكُتُ المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية عن الجوهر: أي عن استحالة كسر شبكة التبعية المتبادلة غير المتكافئة هذه، إلا من خلال الإطاحة بالسلطة البرجوازية و دولة ديكتاتورية رأس المال، من خلال بناء المجتمع الاشتراكي الشيوعي الجديد.
 
 
إن الجانب الصحيح من التاريخ عند صدام "الجوارِح" الإمبريالية، لا يتواجد في اختيارك جانب "الجارِح" الأوهن، كي يحُلَّ اﻷخير مكان الأعتى. إن الجانب الصحيح هو في الصراع ضد كل "الجوارِح" و ضد كل طبقة برجوازية و تحالف إمبريالي.
 
 
3.ما هي طبيعة الصين و روسيا؟
 
تزعم المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية «عدم وجود بيانات اقتصادية تبرر توصيف الصين أو روسيا على أنهما إمبرياليتان. إنهما بلدان لا يعيشان من الاستغلال المفرط أو من نهب للعالم. إنهما لا يستعبِدان بلداناً أخرى عسكريا أو تكنولوجيا أو عِبر الدُيون» وحتى أن القوتين «ليستا قوتين إمبرياليتين عدوانيتين، بل على العكس من ذلك، يجري استهدافهما من قبل أعدائنا لأنهما تقفان عائقاً في طريق الهيمنة العالمية الكاملة للولايات المتحدة».
 
تسعى المنصة عبر تموضعاتها المحددة، مرة أخرى إلى تشويه الواقع. كما لو أن الصين وروسيا لا تشاركان في اجتماعات مجموعة العشرين، أي مجموعة أعتى 20 دولة رأسمالية في العالم، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا و غيرها. و كما لو أن الاحتكارات الصينية والروسية لا تُصدِّر رأس المال إلى بلدان أخرى، و أن هدفها ليس الربح المتأتِّي من استغلال قوة العمل ليس فقط لعمال بلديهما، بل و أيضاً لعمال العديد من البلدان الأخرى في أوروبا و في آسيا و أفريقيا و أمريكا، في كل مكان حيث تتنامى احتكاراتهما. و كما لو أن الجيش الروسي الخاص "فاغنر" ينقضُّ على إفريقيا لأسباب خيرية، لا من اجل الدفاع عن مصالح الاحتكارات الروسية الناشطة هناك. كما لو أن الصين لم تعد تتحرك في اتجاه مماثل من أجل حماية ما يسمى بـ "طريق الحرير" أيضاً عبر الوسائط العسكرية. هذا و نموذجي هو مثال "الطريق" المذكور، في دولة جيبوتي الصغيرة و لكنها برغم ذلك هامة جداً جغرافياً، و التي تصل ديونها للصين نسبة 43٪ من إجمالي الدخل القومي، حيث افتتحت في هذا البلد أول قاعدة عسكرية للصين خارج حدودها عام 2017 .
 
و يقال ما بشأن "عدم المشاركة في التبعية العسكرية والتكنولوجية والديون" عن دول لها دور خاص في تجارة الأسلحة، وهي دول دائنة حالياً، كالصين، التي تتواجد في المراتب الأولى ذات الصلة.
 
يقال ذلك عن روسيا، التي تستغل احتكاراتها العملاقة (غازبروم، روسنفت، لوك أويل، روساتوم، سبيربنك، نوريلسك نيكل، روسفوروزينيا، روستيك، روسال، و غيرها) ملايين العمال ليس فقط في روسيا، بل و أيضاً في الجمهوريات السوفيتية السابقة، و في رابطة الدول المستقلة وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا والشرق الأوسط والخليج و غيرها من المناطق. وكما هو معروف، فإن تصدير رأس المال بخلاف تصدير البضائع، يعني انتزاع فائض القيمة المُنتج في البلد المضيف من قِبل رأس مال بلد المنشأ. و كانت روسيا حتى عام 2014 قد احتلت المرتبة الثامنة في العالم بين مصدري الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تراجعت مرتبتها بسبب العقوبات المفروضة عام 2018 إلى المركز الثامن عشر عالمياً. بينما بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الروسي عام 2021، 65.189 مليار دولار، منها 18.08 مليار استثمرت في بلدان رابطة الدول المستقلة و 63.381 في دول "أقصى الخارج". و بحسب بيانات البنك الدولي تحتل روسيا المرتبة الخامسة بين الدول المُقرِضة للبلدان "النامية" بعد الصين واليابان وألمانيا وفرنسا[5].
 
و يُقال هذا عن الصين، التي يتهمها منافسوها بأن: «الصين لديها الآن مسؤولية خاصة في الاقتصاد العالمي، فهي أكبر مقرض في العالم، متجاوزة مجموع قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و أعضاء نادي باريس (...) هناك 44 دولة مدينة بأكثر من 10 ٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للمقرضين الصينيين (...) إن الغموض المحيط بالقروض الصينية يعني في بعض الحالات -   كما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى - نشوء "دَينٍ خفي" و هو أمر تسعى إليه الحكومات لأن هذا يعني أنه دين غير مُدرج في التقارير والإحصاءات الرسمية للمنظمات الدولية، و هو بالتالي "يَحمي" المقترضين من أن يُنظر إليهم على أنهم يمتلكون دَيناً غير قابل للخدمة. تتطلب العديد من هذه القروض مُسبقاً وجود حسابات خاصة، في بنك يقبله المُقرِض، ومخصصات لسدادها من عائدات المشاريع التي مولها كمقرض، أو من تدفقات نقدية أخرى. إن هذا يعني جوهرياً أن جزءاً كبيراً من إيرادات الدولة يتم وضعه خارج سيطرة الدولة السيادية المقترضة. حيث تحتوي العديد من هذه القروض على شروط واضحة تقول بأن الدولة المقترضة لا يمكن أن تلجأ إلى نادي باريس لإعادة هيكلة الديون المحددة أو إلى أي منظمة مماثلة. و موسَّعةٌ للغاية هي الشروط التي تسمح للمقرِض بإنهاء القرض والمطالبة بالسداد الفوري، في العديد من هذه القروض، وتنصُّ حتى على صياغات شروط عامة كالإجراءات التي تضر بكيان جمهورية الصين الشعبية، أو في حال قيام تغيرات كبيرة في سياسة الدولة المُقتَرِضَة[6]».
 
وفي إشارة إلى 68 بلدٍ "نامٍ" تظهر البيانات المقابلة الصادرة عن البنك الدولي، أن قروض الصين لهذه البلدان بلغت عام 2020 110 مليار دولار، مع احتلال الصين المرتبة الثانية كمقرضٍ بعد البنك الدولي[7]. إن فنزويلا هي إحدى البلدان التي تُحصى ديونها المستحقة للصين بمليارات الدولارات، حيث استضاف حزبها الحاكم أعمال مؤتمر المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية الأخير[8].
 
بالإضافة إلى ذلك، هناك فئة أخرى من القروض ذات الوزن الخاص وهي حيازة السندات، وفي مقدمتها سندات الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الصين ممتلكة في كانون الثاني-يناير 2023 سندات أمريكية بقيمة 859.4 مليار دولار، محتلة المرتبة الثانية بعد اليابان[9].
 
إن المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية ترفض رؤية الواقع و رؤية مواصلة رأسماليي جانبي الحرب وحكوماتهم في الحفاظ على تعاون مستقر بما فيه التجاري، وإن كان محدوداً مقارنة بما كان قبل شباط-فبراير 2022، إلى جانب تناقضات و صدامات الولايات المتحدة الأمريكية - الناتو - الاتحاد الأوروبي مع روسيا الرأسمالية، في الوقت الذييُذبح فيه آلاف البشر. و على هذا النحو، لا تزال روسيا مثلاً، تبيع للولايات المتحدة وفرنسا اليورانيوم من أجل منشآتهما النووية. حتى أنها تغطي 20٪ من حاجات ال 92 مفاعل نووي للولايات المتحدة الأمريكية[10]، بينما استوردت فرنسا عام 2022 ما يبلغ 153 طناً من اليورانيوم الروسي، مما يُغطي 15٪ من حاجاتها[11]. و أعلنت شركة "غازبروم" الروسية في آذار- مارس أنها أرسلت ملايين اﻷمتار المكعبة من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط أنابيب أوكرانيا التي تجتاحها الحرب، مما أبهّجَ مالكي أسهم الشركة الرأسماليين. و تواصل شركة "شيفرون" الأمريكية تحميل النفط الذي تستخرجه في كازاخستان من ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود و هو النفط الذي يصل الميناء المذكور عبر خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر متخللاً أراضي كازاخستان و روسيا. إن خط الأنابيب هذا "يصُبُّ" في السوق العالمية ثلثي النفط المستخرج في كازاخستان.
 
و بنحو مقابل، على الرغم مما يسمى بـ "الحرب الباردة الجديدة" بين الولايات المتحدة والصين فقد «وصلت قيمة تجارتهما البينية عام 2022 إلى مستويات قياسية، ودحضت نظريات فك ارتباط الاقتصادين. وبحسب بيانات رسمية لوزارة التجارة الأمريكية، بلغ حجم التجارة الثنائية 690.6 مليار دولار، مع زيادة الصادرات الأمريكية إلى الصين بمقدار 2.4 مليار دولار لتصل 153.8 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، زادت واردات المنتجات الصينية إلى السوق الأمريكية بمقدار 31.8 مليار دولار، ليصل إجمالي قيمتها 536.8 مليار دولار[12]».
 
بليغٌ هو التساؤل: أيُعقَلُ في وقت تطبيق العقوبات الاقتصادية و وصول الإنفاق العسكري " إلى مستوى قياسي"، في وقت إراقة الدماء في أوكرانيا و تلويح مختلف أطراف النزاع بـ "هراوة" الأسلحة النووية، إن يربح رأسماليو كلا الجانبين من صفقات مباشرة تبرم بينهم أو من خلال أطراف ثالثة؟ لقد قال ماركس بصدد ذلك: «إن رأس المال وُلِد و هو ينزف دماً و قذارة، من جميع مسامه، من الرأس حتى أخمص القدمين....يدفعه ربح 10٪ للعمل في أي مجال ... و مع 20٪ يزيد اندفاعه و توقه، و مع ربح 50٪ يغدو طائشاً و متهوراً، و مع 100٪ يدوس بأقدامه كل القوانين البشرية، و مع 300٪ لن يتورع عن ارتكاب أية جريمة[13]».
 
تُخفي المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية و بعناية أن الطبقة البرجوازية و الاحتكارات على حد السواء يقودان الصين وروسيا، و أنها تُبرم التبادلات و تتصادم مع احتكارات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي و باقي الدول الرأسمالية، وكذلك فيما بينها. و في الحاصل، فما من وجود ل"حمامة برئية" ...على أي من طرفي الصدام، كتلك التي توصِّفها لنا المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية، بل تشكِّل جميعها "ضوارٍ". حتى أن الصين تُشكِّكُ بنحو مباشر بصدارة الولايات المتحدة في النظام الإمبريالي. وكما أوضح لينين، فإن الجانب الصحيح من التاريخ عند صدام "الضواري" الإمبريالية، لا يتواجد في اختيار جانب "الضاري" الأوهن، كي يحُلَّ اﻷخير مكان الأعتى. إن الجانب الصحيح من التاريخ هو اختيار الوقوف بجانب الشعوب ضد معسكر الرأسماليين الذين يربحون تارة من السلام و طوراً من الحرب، مع سفكهم دماء الطبقة العاملة والشعوب.
 
4. "أهي حرب الولايات المتحدة عبر وكيلها أوكرانيا" أم حرب إمبريالية؟
 
في المقام الأول تحاوِلُ المقاربة الانتقائية التي تتبعها المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية و القائلة بأن الحرب في أوكرانيا هي "حرب أمريكية ضد روسيا تُشَنُّ من خلال وكيل اﻷمريكيين، أوكرانيا"، تحويل الانتباه عن الأمر الرئيسي: وهو أن هذه الحرب «تتركَّز على اقتسام الثروة الباطنية والطاقة والأراضي وقوة العمل وخطوط وشبكات الأنابيب و شحن البضائع و الركائز الجيوسياسية و حصص الأسواق[14]» و أنها تُخاض من قبل الطبقة البرجوازية الأوكرانية المتحالفة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و من قبل روسيا وحلفائها. هذه هي المعايير الأساسُية التي تثبت أن طابع الحرب هو إمبريالي و أن هذه الحرب تُخاض من أجل مصالح غريبة عن مصالح الشعوب.
 
و بالتأكيد فإن واقعة لا جدال فيها اليوم تتمثل في استخدام الولايات المتحدة لأوكرانيا كـ "رأس حربة" ضد روسيا الرأسمالية، مع تطويق روسيا بتوسيع الناتو و بقواعد عسكرية وأسلحة جديدة. هذا و كافح الحزب الشيوعي اليوناني ضد كل ما ذُكِر، و صوَّت ضده في البرلمانين اليوناني و الأوروبي، وكان الشيوعيون هم من نظموا خلال العام المنصرم للحرب الإمبريالية، مئات التظاهرات في الموانئ و خارج القواعد العسكرية و على الطرق والسكك الحديدية ضد الولايات المتحدة الأمريكية - الناتو - الاتحاد الأوروبي و خططهم الإمبريالية العدوانية، ضد تورط اليونان في الحرب. و كانت الطبقة البرجوازية اليونانية و دولتها قد اعتقلت و جرَّت إلى المحاكم أعضاء للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني والمجلس المركزي للشبيبة الشيوعية اليونانية، لا أعضاء منظمات لا وجود لها تحمل تسمياتٍ جامِحة الخيال، و هي التي تشارك من اليونان في المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية.
 
و كذلك صحيحٌ أيضاً أن الغزو العسكري الروسي غير المقبول لأوكرانيا من أجل المصالح والخطط الإستراتيجية للطبقة البرجوازية الروسية - و الذي تمَّت إدانته أيضاً بنحو قاطع من قبل الحزب الشيوعي اليوناني - يُوَظَّفُ بنحو موضوعي كـ "وسادة هوائية واقية" للصين ضمن صدامها الكبير مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل حيازة "صولجان" النظام اﻹمبريالي العالمي.
 
إن القوى السياسية في كل بلد لا تُفرَزُ بسبب الحرب الإمبريالية - كما تدعي المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية - إلى أولئك "الموالين لروسيا" و إلى "الموالين لأمريكا". إن هذا الفرز هو أجوف، و هو الذي لا تعتمده المنصة وحدها، بل و كان قد اعتمده الحزب الشيوعي لروسيا اﻹتحادية[15] في وقت سابق بالنسبة للقرارات الصادرة عن اللقاء اﻷممي ال22 للأحزاب الشيوعية و العمالية، و بالتأكيد، فإن اعتماده يجري بنحو مقابل من جانب مؤيدي الإمبريالية الأوروأطلسية. و على هذا النحو، فإذا ما كان جانب المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية و الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية يشُنُّ حملة اتهامات ضد الحزب الشيوعي اليوناني بـ "معاداة روسيا"، فقد كانت "الهيئة" الإعلامية غير الرسمية للاتحاد الأوروبي euobserver تُطلق في ذات الوقت اتهامات ضد الحزب الشيوعي اليوناني بـ "تأييد روسيا" على أساس عمليات التصويت التي أجريت في البرلمان الأوروبي[16].
 
و في حاصل اﻷمر، فإن الحقيقة هي أن الحزب الشيوعي اليوناني يقف بثبات مع معسكر الطبقة العاملة والشعوب و ضد معسكر الطبقات و الدول البرجوازية و حكوماتها. هذا ما لا تستطيع المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية هَضمَهُ، و هي التي تُؤكِّدُ عِبر وجودها ما كُنَّا قد سجَّلناه في الماضي القريب، عن ممارسة ضغوطٍ مرتبطة بمصالح جيوسياسية لدُولٍ محددة[17]،على الحركة الشيوعية الأممية، هي مصالحُ غريبةٌ عن المبادئ الأيديولوجية والسياسية للحركة الشيوعية الثورية. و في هذا الاتجاه لا تُستخدَمُ فحسب "مناهضة الإمبريالية" الجوفاء، بل و يجري استغلال "مناهضة للفاشية" جوفاء و غير مؤذية و هي التي تَفصِلُ الفاشية عن الرأسمالية أي عن الرَحمِ الذي يَلِدُ الفاشية. إن هذه المُقاربة تدعم استغلال طبقات برجوازية ل"مناهضة للفاشية" كالمذكورة، كذريعة من أجل خدمة مصالح هذه الطبقات المناهضة للشعب ضمن الحرب الإمبريالية الجارية في أوكرانيا.
 
نُشِرَ في صحيفة ريزوسباستيس و موقع https://www.902.gr بتاريخ 1 نيسان- أبريل 2023
 
 
[1]    إخطار الحزب الشيوعي المكسيكي لموقع سوليدنِت - http://www.solidnet.org/article/CP-of-Mexico-Nota-sobre-la-Re--union---en-Caracas-de-la-Plataforma-Mundial-Antiimperialista/
[2]    لينين، المختارات، دار التقدم، المجلد 5، الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية – صفحة 524 -525.
[3]    لينين، المختارات، دار التقدم، المجلد 7، الكارثة المُحدقة و كيف نحاربها – صفحة 216.
[4]    لينين، المختارات، دار التقدم، المجلد 6، حول شعار الولايات المتحدة الاوروبية– صفحة: 19 – 24.
[5]    اللجنة الأيديولوجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني: "بعض البيانات عن اقتصاد روسيا"، كومونيستيكي إبيثيوريسي العدد5 - 6، 2022.
[6]    "الصين كمناهضة لصندوق النقد الدولي: دبلوماسية القروض" – إيكونوميكوس تاخيذروموس 21-9-2022
‏            https://www.ot.gr/2022/09/21/analyseis-2/i-kina-os-anti-dnt-i-diplomatia-ton-daneion/
 
[7]    "البلدان ذات أكبر المديونيات للصين"
‏            https://greenfdc.org/brief-chinas-role-in-public-external-debt-in-dssi-countries-and-the-belt-and-road-initiative-bri-in-2020/?cookie-state-change=1679500119696
 
[8]    "هذه هي البلدان ذات الديون الأكبر للصين"
‏            https://globelynews.com/world/top-countries-most-in-debt-to-china/
[9]    "الأعمال فقط: لماذا تبيع الصين سندات الخزانة الأمريكية"
‏            https://iz.ru/1484989/dmitrii-migunov/tolko-biznes-pochemu-kitai-prodaet-amerikanskii-gosdolg
[10]  "ازداد تصدير روسيا للوقود النووي والتكنولوجيا النووية بنسبة 20٪ مقارنة بالعام الماضي".
‏            https://forbes.ua/ru/news/
 
[11]  "اشترت فرنسا 153 طنا من اليورانيوم المخصب من روسيا لمحطاتها النووية عام 2022"
‏            https://tass.ru/ekonomika/
[12]  سجلت التجارة بين الولايات المتحدة والصين مستويات قياسية.
‏            https://www.kathimerini.gr/economy/562269919/se-ypsi-rekor-to-emporio-anamesa-se-ipa-kai-kina/
[13]  كارل ماركس، رأس المال، المجلد اﻷول، صفحة 936، الميل التاريخي للتراكم الرأسمالي.
[14]  قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني بشأن الحرب الإمبريالية في أوكرانيا
‏      http://inter.kke.gr/ar/articles/--01634/
 
[15]  عن الصراع الأيديولوجي السياسي في اللقاء الأممي ال22 للأحزاب الشيوعية و العمالية و "الخدعة" حول "نزعة معاداة روسيا" و "نزعة موالاة روسيا" - http://inter.kke.gr/ar/articles/-22--00005/
 
 
[16]  "بيانات التصويت تكشف عن أعضاء البرلمان الأوروبي المؤيدين لروسيا في البرلمان الأوروبي"
‏            https://euobserver.com/world/156762?utm_source=euobs&utm_medium=email
 
[17]  وثائق المؤتمر ال20 للحزب الشيوعي اليوناني – موضوعات اللجنة المركزية للحزب 20-12-2016.