التضامن الشعبي و التضامن العرقي و التضامن الأممي


كوسلا ابشن
2023 / 4 / 9 - 21:45     

علمنا التاريخ أن هدف السياسة الإستعمارية هو نهب خيرات و ثروات المستعمرات, و في هذه العملية تسعى دائما الى إستقطاب القوى الإنتهازية و الأقليات العرقية و المذهبية الى الصفوف المحتل, من أجل إحتواء قضايا شعوب المستعمرات و تسييرها حسب سياستها و إسترتيجيتها. و بالمقابل تسعى الشعوب المناضلة و المعتزة بهوياتها و خصوصياتها الى التضامن الداخلي بين مختلف فئاتها الإجتماعية من أجل تحقيق إسترتيجيتها الأولية الهادفة الى تحرير بلدانها من الإستعمار, و كذا النضال ضد الإستلاب الثقافي الأجنبي, الظاهرة الأكثر خطورة على الشعوب تحت الإستعمار. في هذا الكفاح الثوري تقدم هذه الشعوب قضاياها المحلية في النضال التحرري على القضايا الأممية.
بلاد الأمازيغ هي المجال الجغرافي الوحيد في إفريقيا, الخاضع لسيطرة النظام الأبارتهايدي الإستعماري و الخاضعة لسياسة التمييز العنصري الذي تمارسه الكولونيالية العروبية في بلاد الأمازيغ من الإضطهاد القومي و الإجتماعي و الإستبداد السياسي.
الأبارتهايد العروبي من جهة يحاول الدفاع عن نظامه الكولونيالي الإستغلالي و الإستبدادي, و من جهة آخرى يحاول تجديد الوسائل و الأساليب الكفيلة للتغطية على النظام الفصل العنصري و إحتواء القوى الرجعية و الإنتهازية القابلة للإرتزاق و العمالة للإستعمار. في حركية النضال ضد النظام الأبارتهايدي الهمجي, تحتاج القوى الثورية و الدمقراطية الى تضامن و تحالف داخلي لتأسيس قاعدة جماهيرية قوية تستطيع فرض توجهاتها السياسية و خطابها الحقوقي في مواجهة الآلة الإيديولوجية و الإعلامية للنظام, و فرض نضالها الثوري الميداني للوقوف في وجه آلة القمع.
دأب التحالف البربري بقناع عربي و البربر الأمازيغوفونيون الخاضعون للإستلاب الثقافي الإستعماري, الدفاع عن قضايا العرب على أنها قضايا "وطنية", لترسيخ المفهوم القومي الدال على ربط مستعمرة تمازغا بالبلاد الاصلي للإستعمار. المؤامرة القذرة تهدف و بشكل قهري الى طمس المقومات الثقافية و اللغوية و الحضارية للشعب الأمازيغي و إلغاء وجوده المستقل, و تقزيمه في القومية الإستعمارية العروبية الحجازية. النظام الكولونيالي الابارتهايدي الإستبدادي بنظمه الإيديولوجية القهرية سيطر على عقول القطيع و جعل حبها و دفاعها عن بلاد الأب بالتبني و الدفاع عن العروبة المقدسة بأنها قضية أولوية ومصيرية, تنظم لها مسيرات و مظاهرات جماهيرية و تظاهرات و ندوات دولية, دفاعا عن الحقوق المثالية للعرق العربي, أما القضايا المختلفة للشعب المحلي, من مصادرة أراضي الفلاحين الصغار و الإستغلال الجنسي الإجرامي للقصر و نهب ثروات الشعب و تفقيره و ..., فلا أهمية لها إن كانت تمارس ضد اللامفكر به, بل أكثر من ذلك, يساند هذا التحالف النازي سياسة التهميش و الإقصاء و الإستبداد الممارس ضد الشعب المحلي.
الفكر القومجي "الوطني" الشوفيني الإستعماري المعاصر, بأوهامه و أساطيره, هو إستمرارية لمدرسة الخيانة للحركة اللاوطنية التقليدية لمنتصف الثلاثينات من القرن الماضي, وهو الآن يتجدد بشكله الدعوي الإيديولوجي و السياسي و الثقافوي الفوضوي و بحامله المعاصر, الأمازيغوفوني المرتزق داخل الزوايا السياسوية و دكاكين السمسرة و محافل الإغتراب الذاتي. مهام هذا التحالف النازي هو إستكمال سياسة التعريب و مصادرة الحق الهوياتي و تعميق تفقير الشعب من خلال الإضطهاد الإجتماعي و نهب الثروات و الإقصاء السياسي و الثقافي و اللغوي. و بموازات تدمير الداخل, يدعوا المرتزقة الى مناصرة قضايا العنصر العربي الأجنبي, التي لا تتوافق مع قضايا شعب تمازغا.
الشكل التلقائي ل"لوطنية" الإستعمارية في تمظهر قضايا العنصر العربي في أجندة الكتلة اللاوطنية هو تعبير عن فوضوية الأطروحة الإيديولوجية والمفاهمية اللاعلمية و اللاتاريخية لمروجي قضايا العنصر المحدد في الشرق على أنها قضايا "وطنية", في تناقض كامل مع قانون العملية التاريخية لتطور المجتمعات البشرية و إستقلاليتها و خصوصياتها المحلية الإثنو ثقافية و تطورها الإجتماعي. يقول لينين :" الوطنية هي أعمق المشاعر المتجذرة عبر القرون و آلاف السنين من الوجود المنفصل للبلدان المختلفة" (المؤلفات, 28/ 182). الوطنية لها إمتداد في التاريخ المحلي و ليست لحظة هيمنة الأجنبي الإستعماري و لا إمتداد له, و حاملها الوحيد هي الجماهير الشعبية المحلية المعبر الحقيقي عن أعمق مصالح بلدها, بالإحترام الكامل للشعوب الآخرى و إنجازاتهم.
الإستلاب الثقافي العروبي الإستعماري عامل رئيسي في تشكيل أيديولوجية الكتلة اللاوطنية الموالية للقضايا العرقية و المعادية لقضايا الشعب المحلي و تراثه الثقافي و الاجتماعي, الذي يعد أهم قضية تتعرض للتشويه و التزوير و يدور حولها نزاع ايديولوجي يمس كل المجالات المجتمعية. يقول ابن خلدون:" ان المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره و زيه ونحلته وسائر أحواله و عوائده, والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت اليه إما لنظره بالكمال بما وفر عندها من تعظيمه أو لما تغالظ به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو كمال الغالب فإذا غالظت بذلك واتصل لها اعتقادا فآنتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به وذلك هو الإقتداء" تحليل إبن خلدون كان صائبا في التعريف السيكولوجي الحافز في صناعة البربر بقناع عربي, و مع الزمن المتحول إبتدعوا هلوسة الإمتداد العربي للبلاد و الشعب, و كأن بلاد الأمازيغ كانت بقعة أرضية من دون سكان, و إستوطنها العرب القادمون من الحجاز, و أصبحت جزء من بلاد العرب في الشرق الأوسط. هذه الأوهام و الأساطير هي من أنتجت الإيديولوجية القومجية العروبية, و التضامن "العرقي" مع العرب في كل حدث صغير أو كبير. مثل هذا التضامن له صبغته العنصرية, يتم على أساس التوجه العرقي, فالملاحظ في خطابات و أدبيات و تظاهرات البربر بقناع عربي, لا ذكر للتضامن مع معانات الكورد و الأشوريون أو التضامن مع الشارع الإيراني الذي تفاعل معه العالم في الشهور الأخيرة.
التفاعل و المشاعر إزاء الأحداث العروبية, هو تضامن عرقي زائف, قائم على إيديولوجية رجعية غير مشروعة, تحمل في طياتها مبادئ التضامن الأناني و شوفيني ( إنصر أخاك ظالما أو مظلوما). و هذا التضامن ليس وطني بالمفهوم الصحيح للوطن و الوطنية, الذي يقوم على نظم إجتماعية و ثقافية لتوحيد القوى الشعبية في مواجهة عدوان خارجي أو في مقاومة الإضطهاد الداخلي, و كذلك التضامن العرقي ليس بتضامن أممي المساند لقضايا العادلة للشعوب المختلفة. يبقى التضامن مبدأ القوى الوطنية الحقيقية و القوى الأممية الحقيقية, الداعمة لنضال و نشاط الجماهير الشعبية في هذا البلد أو ذاك في نضالها ضد إنتهاكات حقوق الإنسان, و في نضالها من أجل الحرية و الإستقلال و التقدم.
القوى المطالبة من منطلق عرقي بتأسيس منتدى عالمي ضد "الأبارتهايد", فهي نفسها قوى تساند سياسة الفصل العنصري في جغرافية إقامتها ( المنتقدين للأبارتهايد هم أنفسهم عبيد لأشد أنظمة الفصل العنصري), فعوض إطلاق الشعارات الرنانة حول التضامن العرقي, عليها التفاعل مع الواقع الأبارتهايدي الذي شرعن الإعتداء الجنسي على القصر و شرعن إضطهاد الشعب الأمازيغي و عليهم أولا التضامن مع ضحايا سياسة الأبارتهايد الكولونيالي العروبي في بلاد الأمازيغ, قبل التضامن العرقي, و كما يقال: أجسامهم في بلاد الأمازيغ و عقولهم المتخيلة في بلاد العربان.
لقد وضح لينين مبدأ التضامن الأممي في مقولته:" عمال العالم و الشعوب المضطهدة اتحدوا". و على هذا, أسس لينين مبدأ التضامن الأممي في النضال ضد الإضطهاد القومي و الإجتماعي, من أجل تحرر الشعوب من القهر الإستعماري و بناء دولها المستقلة, من أجل التحرر الطبقي من قهر القوى الإستغلالية. على القوى الإستطانية التضامن مع الشعوب المضطهدة في نضالها التحرري, وعدم التضامن مع السياسة الكولونيالية القاهرة للشعوب المضطهدة, و التخلي عن الإيديولوجية العرقية المبنية على أوهام مثالية غير واقعية بجعل العرق العربي في مواجهة العالم و التفكير في أن الشعوب أدوات في خدمة خير أمة أخرجت للناس ( الأمة الوهمية). جدلية التضامن ينطلق من التضامن الداخلي مع الشعب المضطهد قوميا و طبقيا من طرف السلطة المطلقة الكولونيالية, وفي نفس المسار, يتخذ هذا التضامن توجهه الأممي بمساندة كل الشعوب المقهورة و التضامن مع الفئات الإجتماعية المناضلة من أجل تحررها الطبقي.