القاضي حسن حسين جواد الحِميَّري اسم يسبق ألقابه، وأيقونة عراقية دائمة العطاء


نبيل عبد الأمير الربيعي
2023 / 4 / 9 - 15:47     

إذا ما اجتمعت بعض الصفات، كالثقافة والعلم والأدب والقضاء؛ وحُسن الكلام والتواصل مع الأصدقاء والنُخب فتلك الصفات تجدها في الأخ العزيز القاضي حسن حسين جواد الحِميَّري، ويتوج ذلك في مجال الكتابة والتأليف، والقول المتين، وخلقت من ذلك كله الرجل القريب إلى قلوب الناس، خاصتهم وعامتهم، ذلك الرجل الإنسان الأخ أبا عبد الله. ولا ننسى أن أقول لأخينا الثمين، إنكَ حسنٌ في كل شيء، وأنتَ المؤمن أن للثقافة الدور الكبير في أن تقول شيئاً للمجتمع، فأنت النور الذي جعلت من مقالاتك في كتابك هذا للقارئ أن يهتدى به.
فالصحبة لدى القاضي حسن الحِميَّري فضاءٌ مشرعٌ على امتداد تاريخ الماء، ويشعرك عند مصاحبته في الحال أنهُ أخيك القائم في الحياة، والمدّخر في الملمات، كم من مرة كنت استفسر من حضرته في الأمور القانونية، فكان المعين لي مع ولده المحامي المهيب مهيمن عوناً لي. فوجدتهُ في أكثر اللقاءات لا يستغيب أحداً حتى خصمه، والشيء المدهش فيه أنه يعمل معروفاً ولا يتذكره ولا يُشهِّر به، وإيجابياته في الحياة تطغى على روحه فيندفع إليها، كما يندفع التيار إلى عمقه، فنشأ نقياً في تعامله بمستوى النقاء فيه.
إن كتاب القاضي الحميري (إضاءات اجتماعية) هو مساهمة فريدة، وقيمة في دراسة الإطار الحديث في العراق، مجتمعاً وثقافة وتاريخ وسياسة وقضاء ولمحات تاريخية. وهو يرسم لوحة أخاذة عن المشهد المجتمعي ومرجعياته، بشخوصه وأسره، وفئاته. وإن الجزء الخاص بالفضاءات الثقافية أخاذ بما يحويه من سرديات عن المعرفة والثقافة القضائية والعُرف الاجتماعي، ووسائط نقلها ببنيتها المرتبطة بأحداث معينة.
إن ما قام به القاضي حسن الحِميّري في كتابه هذا من وصف وتحليل ومتابعة لحالات اجتماعية وقضائية وفكرية وعشائرية وسياسية، بعضها اقتراحات وأخرى انتقادات لظواهر اجتماعية بالية، فهي بؤرة اهتمام الكتاب، لكن ذلك يندرج في إطار أوسع يقدم ثورة من المعلومات؛ مجتمعاً وثقافة وتاريخ وطقوس اجتماعية. كما يحتوي الكتاب تحليلات عامة عن المنابع الاجتماعية لواقعنا الحقيقي، والنتائج التي آلت إليها.
فمعارف الأخ والصديق الحِميَّري وأبحاثه دقيقة وصارمة، لكنها لا تنبع من معطيات أرشيفية وثائقية فحسب، بل هي ثمرة ارتباط وثيق بالأحداث والشخوص، والسرديات المشبعة بمعرفة حميمية بالتاريخ الثقافي والاجتماعي في عموم البلاد، ما يضفي على مقالات الكتاب منظوراً مقارناً، أما التحليل فإنه ثري بالمعرفة النظرية الاجتماعية والقضائية، فالكتاب أشبه بوليمة معرفية لكل دارس للمجتمع العراقي أو المنطقة.
يتحدث صديقنا في كتابه هذا الذي تجاوز أكثر من (320) صفحة من الحجم الوزيري، على مواضيعٌ شتى، منها مقالات نشرت في الصحافة المحلية، وأخرى حديثة اضافها للطبعة الثانية من الكتاب، فتطرق الصديق أبا عبد الله فيها في مجال الزواج المبكر والمشاكل الزوجية والعنف الأسري ومكانة المرأة في الإسلام، فضلاً عن توضيح رأيه بمجال احترام المرأة ومكانتها من منظور إسلامي وقانوني، فضلاً عن ذكره بمقالات جميلة لبعض العادات والتقاليد التي تحدث في المناسبات الاجتماعية، إضافة إلى مقالاته حول واقعة عاشوراء وذكره لأستشهاد سيد شباب الجنة الحسين (ع). ولا ننسى مقالاته في مناسبات الاعياد، واستذكاره لشهر رمضان وطقوسه الجميلة. وقد وثَّق السيد القاضي منطقة الوردية بمقالين جميلين بين النشأة والتطور ونبذة عنهما وعن مدينة الحلة المزيدية الأسدية، وتاريخ قرية عنانة وعمقها التاريخي، والمؤثرات في اللهجة العراقية والصوت القرآني. فضلاً عن مقالاته في مجال طلاسم المدن والمكتبات العامة ودورها في وعي الشباب الناهض. أما في المجال القانوني فقد سلط الضوء في كتابه هذا بمقال تحت عنوان (الإنسان وفق معايير السياسة الجنائية)، ومقال آخر حول تاريخ القضاء في مدينة الحلة، والعفو العام باعتباره خيار إلاهي وتراحم أهلي. كما وجدته في أحد المقالات منتقداً لتعاظم النفوذ القبلي والصراعات العشائرية في مدينة العمارة.
الكتاب يعتبر موسوعة اجتماعية سياسية قضائية تاريخية توثيقية، ومن خلال هذا العرض نستدل على مدى جرأته وصراحته في التوثيق، بالاعتماد على الكثير من الجوانب والظواهر الاجتماعية والسياسية والترفيهية: وعرضها وتحليلها ووضع المعالجات لبعض نقاط الضعف فيها، ليخرج لنا بكتاب فيه المصداقية والحقيقة الواضحة للقارئ والمتابع، وهنالك الكثير من الحقائق التي ذكرها القاضي والصديق حسن حسين جواد الحِميَّري في كتابه هذا سيطلّع عليها القارئ الكريم من خلال قراءة الكتاب.