في إفلاس وتواطؤ النخب : حالة المغرب


أحمد زوبدي
2023 / 4 / 8 - 17:04     

سوف لا أتحدث هنا عن النخب التي رأت النور في أحضان النظام السياسي والتي إذا تأملنا فيها جيدا فهي تفتقد للصفات التي تميز النخب التي تكونت من ذاتها دون تبعيتها لأي جهة. مثلا لا وجود في المغرب للنخبة الاقتصادية التي تكون الدراع الأيمن للمخزن الاقتصادي و في مقدمته الهولدينغ الملكي " المدى". هذه النخبة هي جزء لا يتجزأ من الرأسمال الامبريالي المهيمن عالميا والمكون من احتكارات القلة المعولمة. النخب أشكالها متعددة. سأركز على النخبة السياسية والنخبة المثقفة. الأولى عرفت اتجاهين. الاتجاه الأول، ليبرالي محافظ، إصلاحي إلى حد ما. لكن يفتقر للوضوح وللجرأة لإصلاح النظام السياسي المهيمن. هذا التوجه كانت له حظوظ ليفلح في إصلاح البلاد من الداخل، لكن للأسف ارتباط مصالحه بمصالح المخزن جعلته ينطفأ ويصبح كأنه لم يكن. هذا الارتباط الوثيق في المصالح جعل الحاكم يبتلعه ويعلن إفلاسه بهدوء ويتم إعلان إفلاس النهج الليبرالي بمفهوم طوكفيل وستيورات ميل. التوجه الثاني، تقدمي، يساري راديكالي. نجح هذا التوجه بفضل المناضلين الذين ضحوا بالغالي والنفيس بل بأرواحهم لتحقيق مكتسبات كثيرة مقارنة مع سنوات الرصاص. لكن للأسف الشديد عرف هذا التوجه تمزقا غير مسبوق أدى بالجزء الكبير منه ليلتحق بالمخزن لأن أصحابه في الحقيقة هم يساريون مزيفون. قسم ضئيل من هذا التوجه بقي صامدا ويعمل على التأثير في المشهد السياسي لكن بإمكانيات هزيلة جدا ومنها على مستوى الفكر. للإشارة هذا القسم سينجح في مهامه إن هو قام بتعبئة الشارع وتوظيف رمزية حركة 20 فبراير( Mouvement du 20 février) بما في ذلك المعطلين والمحتجين والناقمين على النظام بشكل عام. أما النخبة المثقفة فلها دور لا بأس به في مجال الأدب والشعر والإبداع والفكر الفلسفي، لكن للأسف يبقى مجهودا فرديا ولا يرقى إلى نموذج الانتلجسيا العضوية التي تؤثر في المشهد السياسي والاجتماعي وتغير مجراه في اتجاه التغيير والتقدم. أما في مجال البحث الاقتصادي والقانون فبصرف النظر عن بعض الإرهاصات الطفيفة جدا فإنه لا شيء هناك يذكر. فالذين يحسبون أنفسهم خبراء في الاقتصاد و يرددون خطاب البنك الدولي فهم لا وجود لهم حتى لدى هذه المؤسسة وحتى المخزن لا يعترف بهم اللهم توصلهم بقسط من شفقة مزورة على شكل دعوة من سماسرة ومرتزقة الحقل الإعلامي ليسوقوا مجانا للفكر المبتذل. أما أصحاب القانون، فقد اختاروا لأنفسهم النزول بثقلهم بالمجالس العليا بكل أصنافها وأكثرهم ثقافة لايتعدى مستواه الدروس الجامعية المبتورة.
من المفروض تاريخيا أن النخب بكل مشاربها هي التي تقوم بدور تنوير المجتمع والحاكم معا. يستدعي الأمر بأن تقوم النخب إياها بدفع السكان للاصطدام مع السلطة إذا تجاوزت هذه الأخيرة الفضاء الذي تسمح به آليات التوافق بين الطرفين.
في الوقت الراهن تم اختراق النخب من كل الزوايا وبجميع أشكال الفساد. تمت تعبئة كل الوسائل لتكون النخب تابعة للمخزن مقابل توزيع الريوع. الفضيع كذلك هو أن النخب المغربية أكانت النخبة الثقافية أو السياسية أو النقابية أو الحقوقية أو المقاولاتية أو غيرها، فإنها مخترقة من طرف اللوبي الصهيوني.
فساد النخب المغربية يدفع المحلل الجدي ليزيل عنها حتى هذه الصفة أي صفة نخب.
إن الدولة التي لم تعرف مفكري التنوير، مثقفون عضويون و رسوليون، أمثال هوغو وغوت وزولا و فلوبير وشاطوبريان وماركس وهيجل وغير هؤلاء، أنصار التغيير، فإنه لا يمكنها أن ترقى إلى صف الدول المتحضرة.
في ظل فساد النخب وفساد السلطة وفساد كل المؤسسات، فإن الثورة هي الحل وتعرف نفسها أنها هي الحل، كما قال كارل ماركس في البيان الشيوعي( Le Manifeste communiste) سنة 1848.