الحركة النقابية المغربية: إلى أين نحن سائرون بلا نقاش؟


المناضل-ة
2023 / 4 / 6 - 12:49     


ها نحن، مناضلو- ات الطبقة العالمة، على مشارف إنهاء سنة بعد الاتفاق الكارثة الموقع من قبل قيادات النقابات مع أرباب العمل ودولتهم، ومعه تُطرح مجمل الحصيلة العمالية على صعيد النضالات وبناء التنظيم.

هذا في ظل وضع اجتماعي بلغ من التوتر مستوىً غير مسبوق بفعل موجة الغلاء التي لم يشهد البلد نظيرا لها قطُّ. سواد الشعب الأعظم غاضب على الانقضاض على قوته اليومي لصالح البرجوازية، المستفيد الوحيد من ارتفاع الأسعار. لكن هذه النقمة لم تجد سبيلها إلى التجسد في فعل نضالي رغم دعوات النزول إلى الشارع من جهات نقابية وأخرى أوسع.

لنا أن نُسائل أنفسنا عن أسباب هذه المفارقة: غضب متصاعد لا يستجيب لنداءات النضال. ليس ثمة من تفسير غير فقد الحركة النقابية للمصداقية في أعين القاعدة العمالية العريضة وسائر الجماهير الشعبية، وهو ما يجب البحث عن أسبابه في سياسة منظماتنا النقابية التي أعطت علقم ثمارها في اتفاق 30 أبريل 2022 المشار إليه. فمهما قيل عن مفعول جائحة القمع التي تجتاح البلد منذ سحق حراك الريف-جرادة، تأتي لحظة يسقط فيها جدار الخوف عند ثقة الجماهير في قواها بفعل وجود هدف جامع وقوة محفزة وتلاشي إحباط الهزائم. وما يفاقم هذا الوضع ضعف تقاليد التنظيم الذاتي (لجان أو تنسيقيات عمالية وشعبية تتجاوز النطاق المهني الضيق).

يتمثل عنصر أساسي لفهم الوضع النقابي الراهن، المتسم بضعف النضالات، وشبه انعدامها بالقطاع الخاص، وتعثر أشدها حيوية بين أجراء الدولة، في المسار الذي اتخذته الحركة النقابية منذ عقود. مسار “الشراكة الاجتماعية”، أي خُدعة المصلحة المشتركة بين رأس المال والشغيلة، بدلا من الذود عن مصلحة طبقتنا المناقضة على طول الخط لمصلحة مستغليها.

غالبا ما يُعزى بؤس واقعنا النضالي إلى التشتت النقابي، مع تمني الوحدة النقابية المنشودة التي ستحل كل المشاكل، والوقوف عند التمني كأن القيادات ستهتدي من تلقاء نفسها ذات يوم إلى سواء السبيل. لا أدنى تساؤل جوهري عن سبب انعدام الوحدة. إن الذي يحتاج الوحدة ويسعى إليها هو الخط النضالي المحكوم بمنطق طبقي، وليس بمنطق “الشراكة الاجتماعية” التي ترى حلا في “الحوار الاجتماعي”. هذا الأخير لا يحتاج وحدة نقابية، فالدولة طرف موحد يجسد مصلحة البرجوازيين الجماعية يجمع “شركاءه الاجتماعين” حول طاولة لنزع فتيل المسألة الاجتماعية المهددة بالتفجر. الوحدة ضرورة نضالية، يصبو إليها الساعي إلى مواجهة العدو الطبقي بقوة الطبقة العاملة ومنازلته. لن تُقدم القيادات النقابية على أي خطوة وحدوية إلا بضغط من قوة حاملة لمنظور سياسي مغاير. ولا سبيل إلى هذا المنظور إلا بنقاش بين طلائع النضال المهمومة بالحالة المُؤْسية لحركتنا النقابية.

لا صعود من دركنا النقابي الراهن سوى بالاستجابة لضرورة إرساء حركتنا النقابية على سكة النضال، الأمر الذي لن يُدرَك إلا بحصول اقتناع لدى النقابيين/ات غير الراضين/ات بذلك الدرك بهذه الضرورة. وهذا يستدعي نقاشا واسعا ليس ثمة لحد الآن أي أمارة على عزمٍ ما عليه، بل إصرار على تفاديه. فقد انصرم تاريخ عقد مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل السابع منذ خمسة أشهر، وعلى غراره مضى موعد المؤتمر الوطني الثالث عشر للاتحاد المغربي للشغل في مارس المنصرم، ونزل بارومتر النضال الاضرابي إلى مستويات بالغة، وتجلى للجميع فشل خط “الحوار الاجتماعي”، ووقفنا عاجزين أمام موجة غلاء المعيشة، إلخ، لكن لا تناول لهذا كله بالتحليل والنقاش، فما بالك بالاقتراح.

يسود صمت القبور في الساحة النقابية، وباتت أدوات التعبير الالكترونية مجرد منصات لنشر بيانات، موغلة في التفاصيل الفئوية المحكومة بأنانية مهنية ومتجاهلة لما يجمع الطبقة من قضايا إجمالية. حال يتعذر معها أي حديث عن صحافة نقابية، هذا الشرط الأولي لإشاعة المعلومة والأفكار وإعمال سلاح النقد والنقاش لاستجلاء الصواب.

إن عقودا من إفراغ المنظمات النقابية من محتواها النضالي، وتكريس سلبية القواعد واتكاليتها، وإفقارها الفكري والسياسي، تجعل معركة بناء الخط العمالي الكفاحي والديمقراطي معركة طويلة النفس، ولن يختصر مسارها المديد غير تدفق طاقة عمالية فتية غير مخدرة بالإيديولوجية البرجوازية المسماة “شراكة اجتماعية”.

هذه الطاقة كامنة في الشغيلة الشباب الذين اقتحموا ساحة النضال النقابي، خاصة في قطاع الوظيفة العمومية (المتعاقدون-ات قسرا وشغيلة قطاع الصحة.)، وفروع وازنة في القطاع الخاص (قطاع السيارات، مراكز النداء، عمال-ات الزراعة…)، فضلا عن هبات عفوية للشبيبة العاطلة من حين لآخر. رغم مآل معارك هذه الأفواج فإنها أظهرت حجم الإصرار والقتالية الكامنة في صفوف الشغيلة حين تتحرر من الكابح البيروقراطي، وستكون دروس معاركها نبراسا تهتدي به الأجيال المقبلة لانتشال حركتنا النقابية من دركها البائس الحالي.

الواجب عمل دؤوب لمنع إفساد وعيها، ومن ثمة تسليحها بأفضل ما أفرزته التجربة التاريخية لطبقتنا محليا وعالميا، وهذا الواجب هو ما ينتصب أنصار تيار المناضل-ة للنهوض به جنبا إلى جنب مع كل المقتنعين/ات به داخل كل مكونات الحركة النقابية المغربية.