ابتسم أيها الجنرال...دراما توثيقية أم مكايدة سياسية؟


كريم محمد الجمال
2023 / 4 / 5 - 20:47     

ابتسم أيها الجنرال
دراما توثيقية أم مكايدة سياسية ؟
برز في سباق الدراما الرمضانية لهذا العام مسلسل سوري ولكنه فريد من نوعه ، للمرة الأولى التي يصنع فيها فنانون ومبدعون سوريون عملاً درامياً بعيد عن الرقابة المعروفة في سورية بمعاييرها الخاصة ذات التوجهات والحسابات في كثير من الأحيان. ابتسم أيها الجنرال من إنتاج شركة ميتافورا للإنتاج الفني وهي شركة قطرية مقرها اسطنبول ، كان هناك تحدياً كبيراً بخصوص هذا العمل وهو استيفاء معايير العمل الفني الجيد المعروف عن الدراما السورية بالأخص منذ عام 2000 وحتى 2010 والتي كان للحكومة السورية دوراً كبيراً في دعمها .

جاء المسلسل خارج كل التوقعات من حيث الجودة العالية واكتمال المعايير الفنية التي توفرت فيه بشكل كبير من تأليف للمبدع سامر رضوان صاحب التجارب الناجحة مثل الولادة من الخاصرة والإخراج لمحمد عروة والإنتاج الذي لم يبخل على العمل بأي جهد وهذا واضح من الديكور والمناظر والتصوير والملابس وشارة البداية والنهاية وتوج ذلك طاقم العمل من ممثلين حيث أبدع مكسيم خليل في دور فرات رئيس الدولة المستبد الذي ورث الحكم عن أبيه ،وأبدع في دور عاصي غطفان غنوم وشخصية عاصي شقيق الرئيس الأصغر الضابط المتهور واسع الصلاحيات الذي اشترك مع أخيه وبعض كبار الضباط الموالين لوالده الرئيس السابق في مؤامرة لاستلام الحكم ، كما تألق عبد الحكيم قطيفان بدور حيدر رئيس المخابرات شديد الحرص والخبث والإخلاص لفرات الرئيس وهو على عداء مع عاصي المتهور ، سوسن أرشيد في دور سامية أخت الرئيس المتمردة والمتهمة دائما بسبب علاقات عاطفية قديمة لا ترضى عنها العائلة ، محمد الأحمد في دور وضاح فضل الله العميد المهندس المتقاعد الذي اختار فضح النظام وفساده وتسبب في إشعال أزمة حقيقية.

صنع المؤلف عمقاً للشخصيات وأحدث علاقة نفسية مع المتابع فكل شخصية بتفاصيلها والضرورة السردية والانتقال الرشيق بين الأحداث في السيناريو وترجمة ذلك عبر الكاميرا وآداء الممثلين يجعله أقرب للنمط البوليسي ،فهذه ليست طريقة إدارة دولة بل هي أقرب للمافيا عندما تحدث عن الصراع بين الأخوين فرات وعاصي ولعل المقاربة بين نهرين في سوريا هي سبب اختيار الاسماء ،كذلك بعض المشاكل الأسرية التي سببتها الشقيقة سامية شبيهة بما قد أثير من سنوات والخلاف بين الأخوة على السلطة وما قد يستتبع ذلك من انشقاقات بالجيش والأجهزة الأمنية ، واعتمد سامر رضوان على أحداث حدثت بالفعل وأدخلها في سياق الأحداث ولا يشترط قيام الشخصيات الحقيقية بها وكل هذا للتدليل أن العمل هو نموذج لإدارة أسرة واحدة لدولة حديثة وما يصاحبه من قصور وعوار وليس موجهاً نحو سوريا والسلطة فيها ، اعتمد ايضا المسلسل على صنع مقارنات حيث كان يضع الحدث من وجهتي نظر السلطة والشعب أو الدولة المستبدة والدولة الحرة فمثلاً سامية شقيقة الرئيس وتلعب دورها سوسن ارشيد ذهبت لتختبأ عند أسرة متواضعة وأخفت هويتها وعاشت حياة الشعب الفقير البسيط ومعاناته ، الصراع بين فرات وحيدر من جهة وعاصي المتمرد الأرعن من جهة وما مثله من ضغط على فرات الهادئ الحكيم المثقف الذي كان يقرأ كتاب فن الحرب وعمل الأجهزة الأمنية التابعة لكل منهما من منطق مختلف أعطى تعاطفا كبيراً لشخصية فرات الرئيس الذي لا يمتلك تاريخاً كبيراً وورث عبء ثقيل هو اسم العائلة وتقاليدها ومعها الحكم ونظرة كثيرون له بأنه لا يستحق الرئاسة فهو صغير السن والمقام أمام كبار ضباط الجيش وحتى أمام أخيه وطموحه الغير محدود والأكثر من ذلك أمام نفسه حين يختلي بها ويشعر بالحنق والحزن بأنه ليس حاكماً حقيقياً وأن أخيه يحظي بسلطة ونفوذ أكثر منه ،وعندما حدثت مشكلة أخته شعر بأنه لا يستطيع التحكم بأسرته وليس بالبلد فقط ،الأم التي عاصرت بناء الوطن على هيئته الجديدة وحاول توريث ابنه الحكم دائماً ما تتحدث عن ضرورة الوحدة وحماية العائلة ،كذلك عاصي دائم الحديث عن العائلة واسمها والتوعد لمن يفكر في انتقادها ،أحيانا يتحدث فرات بصيغة الوطن وليس العائلة فتقابله شخصيات أخرى من منطق العائلة .

رسالة المسلسل أن اختزال الوطن في شخص أسرع طريق لدمار كليهما .