إفريقيا، الولايات المتحدة تريد حصة أكبر


الطاهر المعز
2023 / 4 / 5 - 19:11     

الأطماع الأمريكية في إفريقيا


تُعدّ قارّة إفريقيا من المناطق الغنية بالمحروقات ومختلف أنواع المعادن (الذهب واليورانيوم والكوبالت والماس والبلاتين ) وبالأراضي الزراعية ومصادر المياه، وذات موقع استراتيجي هام، لكن شُعُوبها فقيرة، وتم إفراغ المناطق الواقعة على السّواحل الغربية (المُطِلّة على المحيط الأطلسي) من شبابها من النساء والرجال، وبيعهم كسلعة واستعبادهم في القارة الأمريكية، منذ نهاية القرن الخامس عشر، ولا تزال قارة إفريقيا مُستهدفة من قِبَل القوى الإمبريالية التي تريد الإستحواذ على ثرواتها، فهي تمتلك نحو 12% من الإحتياطي العالمي للمحروقات، فضلا عن المعادن الأخرى، وترى فيها الشركات الصينية والأوروبية والأمريكية سوقًا كبيرة تعدادها نحو مليار "مُستهلك"...

تزامن تراجع الإهتمام الأمريكي بإفريقيا مع انهيار الإتحاد السوفييتي، وسقوط نظام الميز العنصري بإفريقيا الجنوبية وزمبابوي فاستغلت الصين ثم روسيا (وكذلك اليابان وتركيا والهند) تراجع الإهتمام الأمريكي، وتراجع النفوذ الإقتصادي الفرنسي لِتُغرق الصين قارة إفريقيا بالسلع الرديئة والرّخيصة ولتستغل ثرواتها، وتمكّنت الصين من تطوير منظومتها الإقتصادية الرأسمالية بفضل موارد وأسواق إفريقيا، دون منافسة الشركات الأوروبية والأمريكية، خلال حوالي عقْدَيْن...

اقتصر اهتمام الولايات المتحدة، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، على الجانب العسكري، في غرب إفريقيا (ليبيريا وسيرا ليوني..) كما في شرقها (الصومال ) وخاصة بعد تفجير سفارتها في نيروبي، عاصمة كينيا، سنة 1998، وبعد الحادي عشر من أيلول 2001، في إطار تحول السياسة الخارجية الأمريكية، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، الذي خلقته أمريكا نفسها لمحاربة الإتحاد السوفييتي، في أفغانستان، بدعم سعودي وخليجي...

أفريكوم - برنامج الإنتشار العسكري الأمريكي بإفريقيا

تهتم القوى الإمبريالية بأي منطقة لسبَبَيْن: الموقع الجيوستراتيجي ولنهب الثروات، ولا تشذّ الولايات المتحدة عن القاعدة فهي ترى في قارة إفريقيا مخزونات هائلة من الثروات، من بينها النفط الذي بدأت تستغله منذ منتصف القرن العشرين، وسوقًا لمنتجاتها، بما فيها ومصدر ربح وَفِير لاستثمارات الشركات الأمريكية...

بدأ التفكير في الإنتشار العسكري بإفريقيا (خارج الصومال وليبيريا وجيبوتي وكينيا)، منذ 2001، وخلال فترة حكم بوش الإبن زار الجنرال كولن باول، إفريقيا في أيلول/سبتمبر 2002، بصفته وزير خارجية، قبل زيارة بوش السنغال ونيجيريا وبوتسوانا واوغندا وجنوب أفريقيا في تموز/يوليو2003، وكانت هذه الزيارات مُقدّمة لتأسيس كيان عسكري أمريكي في قارة إفريقيا، تم التمهيد له باجتماع يومَيْ 23 و 24 آذار/مارس 2004، في مدينة "شتوتغارت" الألمانية، وبها قاعدة أمريكية ضخمة، ومركز قيادة الجيش الأمريكي لقارتَيْ أوروبا وإفريقيا، بمشاركة ممثلين عن موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس والسنغال ومالي والنيجر وتشاد، ولم يتم الإعلان عن الإجتماع – في حينه - ولا نَشْرُ بيان عن محتواه الذي دَرَسَ "التعاون العسكري الأمريكي - الإفريقي لمكافحة الإرهاب بمنطقة الصحراء الكُبرى ومناطق إنتاج النفط بغربي إفريقيا وخليج غينيا"، وكان موضوع "مكافحة الإرهاب" بمثابة عنوان شامل لبسط النفوذ الأمريكي وضمان مصالح الشركات الأمريكية العابرة للقارات، بالعنف المُسلّح، فيما عُرِفَ بهيمنة "القُطْب الواحد".

بدأت أخبار برنامج "القيادة العسكرية الأمريكية المُوَحّدة بإفريقيا" (أفريكوم)، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، تتسرب سنة 2006، وأعلن قائدها الجنرال "ويليام وارد" ( وهو كما كولن باول، من العسكريين الأمريكيين السود الذي شاركوا، بل قادوا العدوان على العراق، منذ 1991) وجود شراكة عسكرية (ضمن أفريكوم، عند تأسيسها، سنة 2006) بين الجيش الأمريكي وجيوش 35 دولة إفريقية، وأن مهمة "أفريكوم" تتجاوز المجال العسكري إلى المجالات السياسية والإقتصادية، قبل أن يتم الإعلان عن بداية النشاط الفعلي لأفريكوم في بداية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2008، خلال رئاسة باراك أوباما، بألف حندي وضابط، لتنفيذ "خطط الأمن والإستقرار" (بدعم من وزارة الخارجية الأمريكية)، عبر الإشراف على تدريب الجيوش الإفريقية، بميزانية سنوية قدرها 4,5 مليار دولارا، "قابلة للمراجعة إذا اقتضت الحاجة"، ورغم رفض الحكومات الإفريقية إيواء مقر القيادة العسكرية أو قواعد، طيلة سنوات، توَسَّعَ برنامج "أفريكوم" ليضم قواعد عسكرية و"نقاط ارتكاز" في العديد من البلدان، من بينها الصومال وجيبوتي وكينيا وبروندي وجنوب السودان وأوغندا والكاميرون وبوركينا فاسُّو والنيجر والسنغال وجزر ساو تومي وبرنسيب، وفي عرض سواحل المحيط الأطلسي قبالة السنغال وفي جزيرة صغيرة تستعمرها بريطانيا، قبالة سواحل أنغولا، والعديد من القواعد غير المُعلنة، لكن وردت أخبار عنها في وسائل الإعلام الأمريكية، في المغرب وموريتانيا وتونس، وتشاد وقواعد طائرات آلية...

بنهاية حزيران/يونيو 2022، طرحت الولايات المتحدة على جدول أعمال قمة حلف شمال الأطلسي، بمدريد، موضوع "ضرورة مواجهة النفوذ الرّوسي في المنطقة المحيطة بالصحراء الكبرى"، وأعلنت الولايات المتحدة موافقة حكومة موريتانيا والنيجر وتونس على استضافة قواعد عسكرية للحلف، مقابل "دعم القُدُرات العسكرية" لهذه الدّوَل ومساعدتها على "مواجهة المخاطر الأمنية التي يشكلها الإرهاب والهجرة غير النظامية في منطقة الساحل والصحراء... في ظل تغير المناخ، وتراجع الأمن الغذائي..."، واتفقت قيادة "أفريكوم" مع حكومة الإخوان المسلمين بتونس على "تعزيز العلاقات ومساهمة الجيش الأمريكي في تدريب عناصر الجيش والأمن بتونس"، وبقي الإتفاق ساريا بعد إزاحة الإخوان المسلمين، وشاركت جيوش المغرب وتونس والسنغال وغانا في مناورات "الأسد الإفريقي"، سنة 2022 التي كانت سنةً خصبةً للدبلوماسية الأمريكية وللجيش الأمريكي، وانتهت سنة 2022 بانعقاد القمة الأمريكية – الأفريقية الثانية بواشنطن، من 13 إلى 15 كانون الأول/ديسمبر 2022 (كانت الأولى سنة 2014، لما كان جوزيف بايدن نائبًا للرئيس باراك أوباما )، بعد القمة الروسية – الإفريقية (حزيران/يونيو 2022) والقمة الصينية – الإفريقية وغيرها ( الهند/إفريقيا واليابان/إفريقيا وأوروبا/إفريقيا...)، ما يعكس التنافس بين هذه القوى بشأن إفريقيا، غير أن السياسات الأمريكية تميزت بعسْكَرَة السياسات الخارجية وتغليب منطق القُوّة على قوة المنطق، ما جعل العديد من الدول الإفريقية ترفض الموافقة على "العقوبات" ضد روسيا، ويعكس حجم التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا الذى يتجاوز 254 مليارا التّغلغل الإقتصادي الصيني في إفريقيا، ووعدت الولايات المتحدة، خلال قمة كانون الأول/ديسمبر 2022، بمساعدة إفريقيا على التنتمية، وهو ما وعد به باراك أوباما سنة 2014 ولم يُوف بوعدِهِ، وطرحت إدارة بايدن خطة تهدف منافسة مبادرة "الحزام والطّريق" الصينية، وتتالت زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى إفريقيا، خصوصًا بعد رفض العديد من حكوماتها الإصطفاف وراء الولايات المتحدة بشأن روسيا أو الصّين، وكان وزير الخارجية “أنتوني بلينكين” قد زار ( في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 ) كينيا ونيجيريا والسنغال، ثم المغرب وتونس في آذار/مارس 2022، قبل زيارة جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في آب/أغسطس 2022، وتعدّدت اللّقاءات بين المسؤولين الحكوميين الأمريكيين والأفارقة، غير اهتمام أمريكا يقتصر على "مكافحة الإرهاب" ونهب المعادن والثروات، واعتبار إفريقيا، كما مناطق أُخرى من العالم، ساحة صراع بين أمريكا وروسيا والصين، مع تغليف ذلك أحيانًا بقضايا المناخ والأمن الغذائي والديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد...

لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع العديد من قادة إفريقيا، ولذلك قام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بجولة جديدة في إفريقيا، مطلع آذار/مارس 2023، وساهمت زوجة الرئيس بايدن في هذه الجهود حيث قامت بجولة إفريقية، قبل جولة نائبة الرئيس "كامالا هاريس" ( المُغالِية في صهيونيتها) من 26 إلى 30 آذار/مارس 2023، إلى غانا وتنزانيا وزامبيا، "لمواجهة التّغلغل الروسي والصيني"، في حين تُعاني غانامن انهيار عملتها ومن ارتفاع قياسي لنسبة التّضخّم، وارتفاع الدّيون الخارجية. أما تنزانيا، آخر محطة للصهيونية "كامالا هاريس"، فإن حجم التبادل التجاري مع اللولايات المتحدة لا يتجاوز 300 مليون دولار، في حين يفوق 4,2 مليارات دولار مع الصين، وبينما بلغ حجم التبادل التجاري لزامبيا فلا يتجاوز 200 مليون دولارا مع الولايات المتحدة ويصل إلى قرابة المليار دولارا مع الصين...

لخّصت بعض وسائل الإعلام المُعارضة في زامبيا "إن الإهتمام الأميركي المتزايد بإفريقيا بقي منحصرًا في الزاوية الأمنية" وتعمد الولايات المتحدة إلى"انتهاك سيادة البلدان ومحاولة فرْض خيارات على سياساتها الخارجية"، وفق تصريح أحد زعماء المعارضة الزامبية (بريان ماندوبيلي - 29 آذار/مارس 2023).

كانت الصين والإتحاد السوفييتي تدعمان حركات التحرر وتناهضان الميز العنصري، فيما كانت الولايات المتحدة تدعم الإستعمار وآخره اللإستعمار البرتغالي في أنغولا وموزمبيق وغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر حتى سنة 1975، وسلّحت ( مع الكيان الصهيوني) الحركات الإنفصالية في نيجيريا (منذ 1967) وفي الكونغو، منذ 1961، ونظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا، وهنا يكمن الفارق بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، وإن كان ثلاثتهم قوى رأسمالية تهتم بدرجة أولى بالرّبح، غير أن الطّرُق تختلف، فالصين مستثمر رئيسيّ في مشاريع البنية الأساسية في زامبيا وتنزانيا والعديد من البلدان الإفريقية الأخرى، ووعدت بمساعدة غانا على الخروج من أزمة الدّيون، وضخّت بها استثمارالت بقيمة 1,8 مليارات دولارا، سنة 2022، وبلغ حجم التجارة بين الصين وتنزانيا، 8,31 مليار دولارا،سنة 2022، بينما تحاول الولايات المتحدة إقامة قواعد عسكرية، حيثما حلّت، وفق صحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 28 آذار/مارس 2023.

تُعدّ قارّة إفريقيا من المناطق الغنية بالمحروقات ومختلف أنواع المعادن (الذهب واليورانيوم والكوبالت والماس والبلاتين ) وبالأراضي الزراعية ومصادر المياه، وذات موقع استراتيجي هام، لكن شُعُوبها فقيرة، وتم إفراغ المناطق الواقعة على السّواحل الغربية (المُطِلّة على المحيط الأطلسي) من شبابها من النساء والرجال، وبيعهم كسلعة واستعبادهم في القارة الأمريكية، منذ نهاية القرن الخامس عشر، ولا تزال قارة إفريقيا مُستهدفة من قِبَل القوى الإمبريالية التي تريد الإستحواذ على ثرواتها، فهي تمتلك نحو 12% من الإحتياطي العالمي للمحروقات، فضلا عن المعادن الأخرى، وترى فيها الشركات الصينية والأوروبية والأمريكية سوقًا كبيرة تعدادها نحو مليار "مُستهلك"...

تزامن تراجع الإهتمام الأمريكي بإفريقيا مع انهيار الإتحاد السوفييتي، وسقوط نظام الميز العنصري بإفريقيا الجنوبية وزمبابوي فاستغلت الصين ثم روسيا (وكذلك اليابان وتركيا والهند) تراجع الإهتمام الأمريكي، وتراجع النفوذ الإقتصادي الفرنسي لِتُغرق الصين قارة إفريقيا بالسلع الرديئة والرّخيصة ولتستغل ثرواتها، وتمكّنت الصين من تطوير منظومتها الإقتصادية الرأسمالية بفضل موارد وأسواق إفريقيا، دون منافسة الشركات الأوروبية والأمريكية، خلال حوالي عقْدَيْن...

اقتصر اهتمام الولايات المتحدة، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، على الجانب العسكري، في غرب إفريقيا (ليبيريا وسيرا ليوني..) كما في شرقها (الصومال ) وخاصة بعد تفجير سفارتها في نيروبي، عاصمة كينيا، سنة 1998، وبعد الحادي عشر من أيلول 2001، في إطار تحول السياسة الخارجية الأمريكية، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، الذي خلقته أمريكا نفسها لمحاربة الإتحاد السوفييتي، في أفغانستان، بدعم سعودي وخليجي...

أفريكوم - برنامج الإنتشار العسكري الأمريكي بإفريقيا

تهتم القوى الإمبريالية بأي منطقة لسبَبَيْن: الموقع الجيوستراتيجي ولنهب الثروات، ولا تشذّ الولايات المتحدة عن القاعدة فهي ترى في قارة إفريقيا مخزونات هائلة من الثروات، من بينها النفط الذي بدأت تستغله منذ منتصف القرن العشرين، وسوقًا لمنتجاتها، بما فيها ومصدر ربح وَفِير لاستثمارات الشركات الأمريكية...

بدأ التفكير في الإنتشار العسكري بإفريقيا (خارج الصومال وليبيريا وجيبوتي وكينيا)، منذ 2001، وخلال فترة حكم بوش الإبن زار الجنرال كولن باول، إفريقيا في أيلول/سبتمبر 2002، بصفته وزير خارجية، قبل زيارة بوش السنغال ونيجيريا وبوتسوانا واوغندا وجنوب أفريقيا في تموز/يوليو2003، وكانت هذه الزيارات مُقدّمة لتأسيس كيان عسكري أمريكي في قارة إفريقيا، تم التمهيد له باجتماع يومَيْ 23 و 24 آذار/مارس 2004، في مدينة "شتوتغارت" الألمانية، وبها قاعدة أمريكية ضخمة، ومركز قيادة الجيش الأمريكي لقارتَيْ أوروبا وإفريقيا، بمشاركة ممثلين عن موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس والسنغال ومالي والنيجر وتشاد، ولم يتم الإعلان عن الإجتماع – في حينه - ولا نَشْرُ بيان عن محتواه الذي دَرَسَ "التعاون العسكري الأمريكي - الإفريقي لمكافحة الإرهاب بمنطقة الصحراء الكُبرى ومناطق إنتاج النفط بغربي إفريقيا وخليج غينيا"، وكان موضوع "مكافحة الإرهاب" بمثابة عنوان شامل لبسط النفوذ الأمريكي وضمان مصالح الشركات الأمريكية العابرة للقارات، بالعنف المُسلّح، فيما عُرِفَ بهيمنة "القُطْب الواحد".

بدأت أخبار برنامج "القيادة العسكرية الأمريكية المُوَحّدة بإفريقيا" (أفريكوم)، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، تتسرب سنة 2006، وأعلن قائدها الجنرال "ويليام وارد" ( وهو كما كولن باول، من العسكريين الأمريكيين السود الذي شاركوا، بل قادوا العدوان على العراق، منذ 1991) وجود شراكة عسكرية (ضمن أفريكوم، عند تأسيسها، سنة 2006) بين الجيش الأمريكي وجيوش 35 دولة إفريقية، وأن مهمة "أفريكوم" تتجاوز المجال العسكري إلى المجالات السياسية والإقتصادية، قبل أن يتم الإعلان عن بداية النشاط الفعلي لأفريكوم في بداية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2008، خلال رئاسة باراك أوباما، بألف حندي وضابط، لتنفيذ "خطط الأمن والإستقرار" (بدعم من وزارة الخارجية الأمريكية)، عبر الإشراف على تدريب الجيوش الإفريقية، بميزانية سنوية قدرها 4,5 مليار دولارا، "قابلة للمراجعة إذا اقتضت الحاجة"، ورغم رفض الحكومات الإفريقية إيواء مقر القيادة العسكرية أو قواعد، طيلة سنوات، توَسَّعَ برنامج "أفريكوم" ليضم قواعد عسكرية و"نقاط ارتكاز" في العديد من البلدان، من بينها الصومال وجيبوتي وكينيا وبروندي وجنوب السودان وأوغندا والكاميرون وبوركينا فاسُّو والنيجر والسنغال وجزر ساو تومي وبرنسيب، وفي عرض سواحل المحيط الأطلسي قبالة السنغال وفي جزيرة صغيرة تستعمرها بريطانيا، قبالة سواحل أنغولا، والعديد من القواعد غير المُعلنة، لكن وردت أخبار عنها في وسائل الإعلام الأمريكية، في المغرب وموريتانيا وتونس، وتشاد وقواعد طائرات آلية...

بنهاية حزيران/يونيو 2022، طرحت الولايات المتحدة على جدول أعمال قمة حلف شمال الأطلسي، بمدريد، موضوع "ضرورة مواجهة النفوذ الرّوسي في المنطقة المحيطة بالصحراء الكبرى"، وأعلنت الولايات المتحدة موافقة حكومة موريتانيا والنيجر وتونس على استضافة قواعد عسكرية للحلف، مقابل "دعم القُدُرات العسكرية" لهذه الدّوَل ومساعدتها على "مواجهة المخاطر الأمنية التي يشكلها الإرهاب والهجرة غير النظامية في منطقة الساحل والصحراء... في ظل تغير المناخ، وتراجع الأمن الغذائي..."، واتفقت قيادة "أفريكوم" مع حكومة الإخوان المسلمين بتونس على "تعزيز العلاقات ومساهمة الجيش الأمريكي في تدريب عناصر الجيش والأمن بتونس"، وبقي الإتفاق ساريا بعد إزاحة الإخوان المسلمين، وشاركت جيوش المغرب وتونس والسنغال وغانا في مناورات "الأسد الإفريقي"، سنة 2022 التي كانت سنةً خصبةً للدبلوماسية الأمريكية وللجيش الأمريكي، وانتهت سنة 2022 بانعقاد القمة الأمريكية – الأفريقية الثانية بواشنطن، من 13 إلى 15 كانون الأول/ديسمبر 2022 (كانت الأولى سنة 2014، لما كان جوزيف بايدن نائبًا للرئيس باراك أوباما )، بعد القمة الروسية – الإفريقية (حزيران/يونيو 2022) والقمة الصينية – الإفريقية وغيرها ( الهند/إفريقيا واليابان/إفريقيا وأوروبا/إفريقيا...)، ما يعكس التنافس بين هذه القوى بشأن إفريقيا، غير أن السياسات الأمريكية تميزت بعسْكَرَة السياسات الخارجية وتغليب منطق القُوّة على قوة المنطق، ما جعل العديد من الدول الإفريقية ترفض الموافقة على "العقوبات" ضد روسيا، ويعكس حجم التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا الذى يتجاوز 254 مليارا التّغلغل الإقتصادي الصيني في إفريقيا، ووعدت الولايات المتحدة، خلال قمة كانون الأول/ديسمبر 2022، بمساعدة إفريقيا على التنتمية، وهو ما وعد به باراك أوباما سنة 2014 ولم يُوف بوعدِهِ، وطرحت إدارة بايدن خطة تهدف منافسة مبادرة "الحزام والطّريق" الصينية، وتتالت زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى إفريقيا، خصوصًا بعد رفض العديد من حكوماتها الإصطفاف وراء الولايات المتحدة بشأن روسيا أو الصّين، وكان وزير الخارجية “أنتوني بلينكين” قد زار ( في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 ) كينيا ونيجيريا والسنغال، ثم المغرب وتونس في آذار/مارس 2022، قبل زيارة جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في آب/أغسطس 2022، وتعدّدت اللّقاءات بين المسؤولين الحكوميين الأمريكيين والأفارقة، غير اهتمام أمريكا يقتصر على "مكافحة الإرهاب" ونهب المعادن والثروات، واعتبار إفريقيا، كما مناطق أُخرى من العالم، ساحة صراع بين أمريكا وروسيا والصين، مع تغليف ذلك أحيانًا بقضايا المناخ والأمن الغذائي والديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد...

لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع العديد من قادة إفريقيا، ولذلك قام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بجولة جديدة في إفريقيا، مطلع آذار/مارس 2023، وساهمت زوجة الرئيس بايدن في هذه الجهود حيث قامت بجولة إفريقية، قبل جولة نائبة الرئيس "كامالا هاريس" ( المُغالِية في صهيونيتها) من 26 إلى 30 آذار/مارس 2023، إلى غانا وتنزانيا وزامبيا، "لمواجهة التّغلغل الروسي والصيني"، في حين تُعاني غانامن انهيار عملتها ومن ارتفاع قياسي لنسبة التّضخّم، وارتفاع الدّيون الخارجية. أما تنزانيا، آخر محطة للصهيونية "كامالا هاريس"، فإن حجم التبادل التجاري مع اللولايات المتحدة لا يتجاوز 300 مليون دولار، في حين يفوق 4,2 مليارات دولار مع الصين، وبينما بلغ حجم التبادل التجاري لزامبيا فلا يتجاوز 200 مليون دولارا مع الولايات المتحدة ويصل إلى قرابة المليار دولارا مع الصين...

لخّصت بعض وسائل الإعلام المُعارضة في زامبيا "إن الإهتمام الأميركي المتزايد بإفريقيا بقي منحصرًا في الزاوية الأمنية" وتعمد الولايات المتحدة إلى"انتهاك سيادة البلدان ومحاولة فرْض خيارات على سياساتها الخارجية"، وفق تصريح أحد زعماء المعارضة الزامبية (بريان ماندوبيلي - 29 آذار/مارس 2023).

كانت الصين والإتحاد السوفييتي تدعمان حركات التحرر وتناهضان الميز العنصري، فيما كانت الولايات المتحدة تدعم الإستعمار وآخره اللإستعمار البرتغالي في أنغولا وموزمبيق وغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر حتى سنة 1975، وسلّحت ( مع الكيان الصهيوني) الحركات الإنفصالية في نيجيريا (منذ 1967) وفي الكونغو، منذ 1961، ونظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا، وهنا يكمن الفارق بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، وإن كان ثلاثتهم قوى رأسمالية تهتم بدرجة أولى بالرّبح، غير أن الطّرُق تختلف، فالصين مستثمر رئيسيّ في مشاريع البنية الأساسية في زامبيا وتنزانيا والعديد من البلدان الإفريقية الأخرى، ووعدت بمساعدة غانا على الخروج من أزمة الدّيون، وضخّت بها استثمارالت بقيمة 1,8 مليارات دولارا، سنة 2022، وبلغ حجم التجارة بين الصين وتنزانيا، 8,31 مليار دولارا،سنة 2022، بينما تحاول الولايات المتحدة إقامة قواعد عسكرية، حيثما حلّت، وفق صحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 28 آذار/مارس 2023.