عن الضجر


احمد المغربي
2023 / 4 / 5 - 10:21     

بعد غيابي لأكثر من أربعة أشهر لظروف خارجة عن إرادتي فالنص التالي ليس أفضل شيء يمكن أن أنشره ولهذا فأنا أعتذر قبل كل شيء من نفسي لكن ما سأقدمه في الأيام القادمة سيتكفل بتبرير كل شيء

*****

من المؤلم أحيانا ألا تجد ملجأ حين يطاردك ضجر شرس تستشعر خبثه في كل خطوة يخطوها نحوك من المؤلم حقا أن تجد شبحه متجليا في مخبأ اعتدت اللجوء له في اللحظات الحرجة أن تجده في الصلاة(إن كنت متدينا) في وسائل النفاق و الرياء الاجتماعي في الموسيقى في كل مكان و لَكَمْ هو قاسٍ أنْ تجد أنه حتى الكتب التي لطالما كال لها عشاقها المديح تخذلك فلا تجد ضالتك لا في النصوص السياسية و الفلسفية ولا حتى في نصوص الأدب الاباحي… تبحث عبثا هنا و هناك عن مُخلِّص يحتضنك و يطرد الضجر الذي يلاحقك لكنك لا تجد إلا ما يبدوا كما لو أنه يحثك على الاستسلام لدوك بإيحائه بأن لا مفر لديك…

إن الضجر في حد ذاته مجرد بيدق لا تسعفه قدراته على تحقيق نزواته السادية لكن الشرور و المخاطر الحقيقية تكمن في تلك القوى اللعينة التي تسخره لاصطياد ضحاياها إن الضجر أشبه بقواد مصاب بعجز جنسي إنه عاجز عن فعل أي شيء غير اصطياد الفرائس و الاستمتاع بمشاهدة أسياده يلتهمونها بحقارة و دناءة لا مثيل لهما إن مصير ضحاياه لا يُحسم في الواقع إلا إن نجح في العبور بهم من موقع الكمين إلى مقر أسياده لكن العديد منهم(ضحاياه) قد نجحوا في الافلات منه و فكوا قيودهم في منتصف الطريق أو بدايتها حتى…إنه لا ينجح إلا حين يخدّر ضحاياه باليأس الذي يدفعهم للإذعان و الاستسلام

و لي قصص عديدة مع الضجر الذي حاول التربص بي اليوم (2023 /01/26) في حوالي الرابعة صباحا بمساعدة صديقه الغضب الذي اشتبكت معه في مناوشات صغيرة لقد تغلب علي الغضب و دفعني لأدخن سيجارة في ذلك الوقت على غير عادتي لكن الضجر لم يتمكن مني و تغلبت عليه بيسر كالعادة لقد دفعته للضجر ببرودتي و لا مبالاتي إنني أرسله لأسياده خائبا دوما و يبدوا كما لو أن الفضل في هزيمته يعود لكرم العناية الالهية التي تساعدني في العديد من المرات إذ أتذكر أنني في أحد أيام نونبر أو ديسمبر(2019) و بعد أن خذلني النوم الذي لجأت له هربا من الضجر في حوالي الساعة العاشرة صياحا و بعد أن بدا كما لو أنه لا مفر من السقوط في قبضة الضجر القوي الذي كان برفقته يأس هزيل من الدرجة الثالثة تدخّلتْ العناية الالهية و وجد لي الله مخرجا من حيث لا أدري…لقد كانت تلك الايام مميزة جدا و لا أدري كيف نجح الوغدان في التسلل لغرفتي آنذاك إذ أن حياتي في تلك الأيام كان يجب أن تكون محصَّنة تماما من و جهة نظر المنطق و لم يكن لوجود الوغدين أو أمثالهما أي مبرر فإلى جانب الأمل العظيم الذي كان يعيش معي آنذاك كانت تسود على حياتي حركة و نشاط أعظم و قد يعتقد البعض أن تعاقب اليأس و الضجر شيء منطقي ينبع من طبيعة الأمل نفسها و لست على خلاف مع أصحاب هذا الرأي فقد قادتني الحياة نفسها لاستخلاصه بمعزل عن أي كتاب و لطالما دفعتني تجاربي للتوجس من أي أمل غير أن ذلك الأمل العظيم الذي عاش معي في تلك الأيام كان مختلفا عن كل أشباهه الذين يستدعيهم الناس أو يلجؤون لهم في الأزمات فقط للفرار من رعب اليأس و عدم اليقين إذ كان صديقي ذاك مجرد تابع رافق النشاط العظيم الذي طغى على حياتي آنذاك و كل ما كان يعدني و يبشرني به ذلك الأمل كان يبدوا ملموسا و قريب التحقق مع ذلك النشاط في تلك الأيام صحيح أنني أنظر له اليوم بعين مختلفة غير أن نظرتي هذه لم تكن لتجد لها داعما أو مبررا في تلك الأيام بل كانت لتبدوا مجرد أثر لأعراض الهلوسة أو وساوس الشك المَرضي و على أي حال فالمهم هو أنني حينها تخلصت من الضجر بطريقة طريفة و من حيث لا أدري فبعد ليلة بيضاء غريبة و بعد معركة منهكة مع الضجر في ذلك الصباح نهضت من سريري و شغّلتُ حاسوبي راجيا إيجاد أخبار أو فيديو لمعارض يعينني على طرد الضجر و التخلص منه و بعد بضع دقائق على ولوج الفايسبوك تلقيت رسالة من أحد الاصدقاء لقد كان صديقي ذاك جزءا من مشهد تلك الأيام. آنذاك و بعد حوالي أربع لقاءات بدأ حدسي بتحذيري من هذا الصديق دون سابق إنذار لقد كان يلمح لأنه غير صادق لكنني كنتُ أرفض تصديقه و مقابل إشاراته النبوئية -التي ترى في الاستدلال حطّا من شأنها- كنتُ أحشد كمّا هائلا من الاستدلالات و الحجج العقلية و العاطفية مستعينا في ذلك بما أنتقيه مما توحي به مظاهر الواقع.
الآن و بعد أكثر من ثلاث سنوات ظهر الدليل الحاسم على صدق حدسي كما ظهرت معارضتي لنبوءته و تحذيراته كمجرد حالة عاطفية لشاب رفض التخلي عن علاقة لعله علّق عليها آمالا لم تكن تتناسب مع طبيعتها كعلاقة جديدة على الأقل أو ربما كنت متعلقا بذلك الاحترام و التقدير الذي كان يبديه تجاهي شخص كنتُ أقدِّره و أحترمه أنا بدوري دون شك ومهما تكن حقيقة الأمور من منظور اليوم فلا شك أيضا في أن سلوكي المتروي في السابق كان له ما يبرره و كما أسلفت الذكر فصديقي ذاك كان في ذلك اليوم مثل مبعوث سخَّرَته العناية الالهية لتخليصي من مأزقي و لعلني كنتُ أيضا مبعوثا سخرته له تلك العناية التي قال البعض أنها تشمل الجميع أو قد يكون الأمر مجرد صدفة أو حدث عابر أسئت تأويله في ظل كون الدردشة بيني و بين صديقي ذاك كانت قاعدة متكررة لا استثناء لكن و أيا كانت حقيقة هذا الأمر فالمهم هو أن الضجر بدا سخيفا و تافها حينها فما إن بدأتُ و صديقي مكالمتنا -التي اختلط فيها حديثنا عن السياسة و فضاح المناضلين بالحديث عن الجنس و النساء- حتى تبخّر الضجر و اليأس و بدا كما لو أنه لم يكن لهما أي وجود لقد أتى الضجر باليأس ليعينه على النيل مني في تلك المعركة لكنه غادر خائبا بعد أن أقنعه مساعده بلا جدوى الصراع ضد أشباهي لقد بدا ضعيفا حينها حقا لكن لعل طريقة انتصاري في معركتي تلك كانت كذلك دليلا على ضعفي

*****

إن الضجر شأنه شأن باقي الضعفاء يسعى دوما لإثبات ذاته و يحاول أن يبدوا بمظهر القوي الذي لا يقهر و بالفعل فأحيانا يبدوا كما لو أن له قوة مطلقة على البشر إذ نراه يضايق الأغنياء مثلما يفعل مع الفقراء و يشكوا منه الفنانون و المشاهير مثلما يفعل متابعوهم الذين يعتقدون أنه لا يمكن أن يكون لضجر وجود في حياة مميزة و ثرية كحياتهم(حياة المشاهير) لكن حقيقة صديقنا مناقضة لهذا في الواقع إذ أنه أكثر سخفا مما يمكن لأي منا تخيله و مذكرات بعض المناضلين الذين عانوا من الاعتقال التعسفي لسنوات خير دليل و شاهد على ذلك إذ أننا نكتشف من خلال ا يرويه هؤلاء الرجال أنه حتى في الظروف الوحشية التي يُحْرَم فيها السجين من كل شيء و يبدوا فيها كما لو أنه من المستحيل القيام بأي شيء و حتى في تلك الظروف التي تمرُّ فيها الساعة كشهر لم ينجح الضجر بالنفاذ لحياة رجال ظفروا بمعرفة أسرار فن التعامل مع الوقت

إن التغلب عن ذاك الذي يجعل الحياة شاحبة و دون طعم أو لون في عين من يصيبهم أشد يسرا مما نعتقد غير أنه بعد أن قلنا كل هذه الأشياء عن الضجر من المهم أن أضيف ملاحظة عابرة لا تقل أهمية عما سبق (هذا إن افترضنا بالطبع أن لما سبق أي أهمية) فقد لاحظت أن الناس خلال محاولتهم للتخلص من الضجر يلجؤون لتبديد وقتهم مع أشخاص لا حق لهم في الواقع بأكثر من التحية الديبلوماسية التي نضطر لإلقائها على هؤلاء الذين تلاقينا بهم الصدفة قسرا رغم سعينا الدائم لتفاديهم و الحق أن الضجر أهون من هؤلاء بل و لعل اللجوء لهم يمكن اعتباره انتصارا للضجر