التغييرات الاجتماعية بين الجديد والقديم


فلاح أمين الرهيمي
2023 / 4 / 4 - 11:55     

إن الوعي الاجتماعي يكون متأثراً بعادات وتقاليد لا تستجيب بسهولة وسرعة لآراء المفكرين والفلاسفة عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى لأن الآثار الاجتماعية الماضية من المتراكم الفكري من الحياة الاجتماعية السابقة لا يمكن محوها بسرعة لأن زمن الحوادث والوقائع هو زمن اجتماعي ويمثل حياة البشر التي تبقى مغروزة في عقولهم وحينما يحدث التغيير والتجديد فإن ذلك يحدث في الحياة الاقتصادية والمعاشية بصورة أسرع من التحولات الفكرية مثال ذلك أن موظف يتغير راتبه بصورة كبيرة ذلك يحدث التغيير في حياته وملبسه ومسكنه وغيرها بسرعة بينما التحولات والتغييرات الفكرية والاجتماعية تأخذ فترة زمنية أطول حتى يستطيع التطبع والانسجام مع الواقع الجديد.
لأن الزمن الفكري يجري بشكل تعاقبي وتزامني بعكس زمن الواقع الاقتصادي والمعاشي تتطور الأحداث فيه بحيث تتجاوز ما قبله وتنفيه وتلغيه وإن التطور والتغيير الفكري يختلف وقد يكون رجعياً أو منغلقاً لأن الإنسان الواعي والمدرك على استعداد لتفهم سلوك وتصرف الآخرين حين يرتكبون الخطأ لأنه يتساهل معه احتراماً منه لضمير وحرية الآخرين وتفهمه أما الإنسان الجاهل والغير مجرب أو فاهم يرتكب الخطأ من أجل التعايش والانسجام مع الآخرين ويجذبهم إلى جانبه في الوقت نفسه لا يقبل بالذي يحدث من تغييرات ويعتبره خطأ.
إن أية عوامل حضارية (أفكار جديدة) تدخل المجتمع تقسمه وتفرقه إلى كتلتين متعارضتين لقد اصطدمت الأفكار الجديدة في فرنسا مع المؤسسات التقليدية السياسية والدينية ومن كان يشتغل على الفكر الجديد يطلق عليه اسم (فيلسوف) وهو أقرب إلى كلمة المثقف وقد لعبت كتابات مفكري التجديد والتغيير التي فتحت الطريق أمام تقدم وتطور الشعوب فكان كتاب (روح القوانين) لمونتسكيو الذي كتبه عام/ 1748 الذي قدم فيه رؤيا سياسية جديدة للعالم ونادى بالملكية الدستورية وانتقد فيه المؤسسات الاجتماعية داعياً للإطاحة بها وساهم مع الفيلسوف (ديدرو) في تأليف (الانسكلوبيديا) وشاركهم في هذا العمل العديد من المفكرين والفلاسفة ويعتبر هذا العمل إنجازاً كبيراً ضخم في المعرفة والوعي الفكري والتقدم الاجتماعي كما برز علماء ومفكرين في التاريخ والاجتماع والقانون مثل فولتير وجان جاك روسو وامتد الوعي الفكري والمعرفي إلى انكلترا وهولندا واسكتلندا وأصبح الوعي الفكري صراعاً في انكلترا بين المؤسسات الاجتماعية ورواد النهضة الفكرية التقدمية وخاضوا ثورتهم الخاصة عام/ 1680 وفرضوا التغييرات التي عمقت النهج الديمقراطي كما لعب الفيلسوف هيوم دوراً في هذا المجال حيث ألف كتابه الشهير (علم الإنسان ومصالح الكنيسة) كما أسهم في إبراز فلسفة التغيير والتقدم الاقتصادي (آدم سمث) الذي قدم فيه تصوراً للتطور الاقتصادي الرأسمالي كما شمل التصور الجديد ألمانيا التي دعت فيها الأفكار الجديدة إلى نبذ الخرافات والتسامح الديني وسادت مقولة (على الفرد أن لا يقبل ما يقال له دون تفكير سواء صدر الكلام من رؤساءه وحتى والديه ومعلميه ولا ينبغي تقبل ما يقولون دون تمحيص وجعل الذات الإنسانية مصدر الحقيقة) وقد ظهر تأثير الفيلسوف (كنط) ودوره في هذا المجال ومن ثم بعد قرن من الزمن جاء الفكر الماركسي لينسخ تلك الأفكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية المثالية ويدعو بشكل واقعي وعلمي إلى تغيير ذلك التاريخ تغييراً حاداً عن طريق الثورة.