اضمحلال الحركة الطلابية في المغرب أمام سياسة الدولة: ما العمل؟


المناضل-ة
2023 / 3 / 28 - 11:07     


ولدت الحركة الطلابية المغربية في سياق الكفاح من أجل طرد الاحتلال الأجنبي، وكانت الطلائع الطلابية منتمية للقوى السياسية الفاعلة في تلك المرحلة، سواء كانت تلك القوى تعبر عن مصالح الطبقة البورجوازية (حزب الاستقلال)، أو كانت ذات تطلعات تحررية وطبقية (الحزب الشيوعي المغربي).

كانت نتيجة صفقة معاهدة لاسيل سان كلو، التي أفضت لاستقلال شكلي تحت هيمنة استعمارية على مقدرات البلاد الاقتصادية، تجذرُ جزء من الشبيبة الطلابية والتحاقها بالجناح اليساري لحزب الاستقلال (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، وهذا ما عبرت عنه مقررات المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، باعتبارها تعبير تنظيمي عن حركة طلابية، التي ظلت لعقود في صف القوى التقدمية والجذرية.

تأثرت الشبيبة الطلابية بصراعات حركات التحرر العالمي وبتطورات الثورتين الجزائرية والفلسطينية، ومتطلعة لبناء مجتمع خالي من الاضطهاد والقمع. كانت شعارات مواجهة الاستعمار والرجعية والإمبريالية والصهيونية تلقى صدى واسع لدى هذه الشبيبة.

تعرضت الحركة الطلابية لموجات من القمع، موجات مرتبطة بقمع الحركات السياسية الإصلاحية والجذرية التي طبعت ستينات وسبعينات ثمانينات القرن العشرين، خصوصا الحركة الاتحادية والحركة الماركسية اللينينية. شكلت هذه القوى التي كانت حاملة لمشروع سياسي مناهض للاستبداد أفقا لتجذر الشبيبة الطلابية. كانت الثورة الاشتراكية أفقا عالميا لكل المضطهدين، ووجهة لملايين الشباب حول العالم.

تأثرت الحركة الطلابية المغربية وتفاعلت مع المعطيات الوطنية والدولية، هكذا جاء جزرها مع مطلع التسعينات من القرن العشرين، متأثرا بانهيارات مكونات الحركة العمالية المناهضة للرأسمالية سواء تعلق الأمر بالدول العمالية الملتفة حول الاتحاد السوفياتي أو بالمنظمات العمالية النقابية والسياسية في باقي البلدان. في المغرب انعطفت الحركة الاتحادية يمينا وتراجعت المنظمات الماركسية عن تطلعاتها، بينما نمت منظمات الرجعية السلفية بحفز من القوى الإمبريالية والملكيات النفطية بالخليج.

عرفت البنية الجامعية تحولات كمية ونوعية مهمة، على امتداد العقود السابقة، فقد نمى عدد الجامعات والمعاهد وتزايد نسبيا عدد الطلبة والطالبات، وتعمق هجوم الرأسمال على التعليم العمومي، وتفاقمت مشاكل الطلاب، خاصة بالنسبة لطلاب جامعات الاستقطاب المفتوح. تعمق الاكتظاظ وتدهورت شروط العيش للأغلبية الساحقة من الجامعيين وأصبحت البطالة أفقا لأعداد متزايدة من للخرجين، ما حفز نشوء تنظيم شبيبي طبع الساحة النضالية طيلة عقد التسعينيات، هو الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب.

ترافقت هجمات الرأسمال على التعليم العمومي الجامعي من جهة وهجمة الرجعية السلفية من جهة أخرى، بأزمة تنظيمية وبرنامجية للحركة الطلابية المغربية، أزمة لم تفلح في تجاوزها إلى حدود اليوم رغم المجهودات التي بذلتها أجيال من المناضلين- ات الطلابيين- ات من خلال مكوناتها السياسية المنتسبة للنضال الجذري من أجل الديمقراطية وضد الاستبداد السياسي والاقتصادي للطبقة البورجوازية.

كانت لمتغيرات الساحة الدولية والوطنية تأثيرات حادة على الحركة الطلابية التقدمية، لقد فقدت القوى السياسية والنقابية البوصلة وانغمست في تدبير أزمة النظام الاقتصادي والسياسي وتخلت عن كل تطلعاتها في التغيير الجذري. بينما ضلت مجموعات صغيرة طلابية تلوك مشاكل الماضي غير قادرة على ابتداع سياسة وخطة عمل مناسبة للمستجدات. تفاقم هذا الوضع الطلابي جراء غياب قوى سياسية ونقابية عمالية وجذرية ذات أفق معاد للرأسمالية. مما جعل بعضها يغوص في دوامة من العنف الداخلي بين مكونات الصف التقدمي. كما تفاقمت المواجهة مع التنظيمات الرجعية على امتداد عقد التسعينات من القرن العشرين. ونمت ميول قومية شوفينية داخل الوسط الطلابي. ما أدى لتحطيم الحركة في بعدها الوطني وانغماسها في النشاط المحلي وابتعادها عن النضال الشعبي. وقد كانت نضالات حراك 20 فبراير أسطع مثال على ذلك.

تمكن عنف القمع من هزم ردة الفعل الطلابية- رغم قتاليتها- ضد الإصلاح الجامعي بداية سنوات الـ 2000، وجرى تخريب التعليم الجامعي وربطه بالسوق وجعل شروط التحصيل أكثر بؤسا، واضطر آلاف الطلاب إلى العمل الجزئي والهش للتمكن من استكمال المسار الدراسي، وهو ما حرم الحركة النضالية الطلابية من قاعدة جماهيرية واسعة.

إن الوضع المزري لجماهير الطلاب والطالبات في الجامعات المغربية اليوم هو حصيلة سياسة اقتصادية واجتماعية في خدمة طبقة بورجوازية نهابة وقمعية، وهو صورة عما هو موجود خارج أسوار الجامعات والمعاهد. أزمة اقتصادية واجتماعية وبيئية ومالية تعيش فيها الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية بينما يراكم الرأسماليون ثروات طائلة ويوسعون استثماراتهم بالداخل والخارج بتعاون وثيق مع الرأسمال الامبريالي.

فغياب حركة طلابية قوية وموحدة وطنيا وذات أفق مناهض للرأسمالية هو حصيلة لغياب قوة سياسية ونقابية ذات بعد تحرري من الاستغلال. للخروج من المأزق الحالي الذي يلف النضالات العمالية والشعبية ومن ضمنها النضالات الطلابية، لا بد من تجميع القوى المنتسبة للنضال العمالي التحرري، حول برنامج عمل يستنهض الطلائع الشابة المنخرطة في النضالات في مختلف أماكن تواجدها، وتقوية الروح الطبقية العمالية لديها. هنا يمكن أن تلعب الشبيبة الطلابية المسيسة والتقدمية، دورا مهما في استنهاض الفعل النضالي في الوسط الطلابي أولا وخارجه ثانيا.

في الوضع الراهن يجب التعاون ما بين المكونات اليسارية، هذا يقتضي القطع مع مخلفات الماضي العنيف وطرق العمل خاصة تلك التي كانت محكومة بسياقات وضرفيات انتفت كليا.

تمد الجامعة اليوم بحكم عدد الطلبة المتخرج سنويا عالم الشغل بيد عاملة فتية ومتعلمة، لكنها عموما غير مسيسة، مما يؤخر بروز أجيال جديدة عمالية مسيسة على قاعدة مناهظة للرأسمالية.

يجب على اليسار الطلابي اليوم بالإضافة للاهتمام بمشاكل الطلاب اليومية وبالنضال دفاعا عن الحريات النقابية والسياسية والأكاديمية بوجه الخنق البوليسي البغيض، أن يعمل على تثقيف الشبيبة الطلابية ونفسه، بخبرات النضال الطلابي والعمالي والشعبي الناجح منها أو الفاشل. الطلاب بحكم فتوتهم وعنفوانهم هم أكثر حساسية لعنف النظام الرأسمالي المستبد، وهم أكثر تحررا من قيود المجتمع وبالتالي بمقدورهم أن يسهموا في انبثاق وعي جديد. رغم أن هذه الشبيبة الطلابية تتعرض لتخبيل وسائل الاعلام والتواصل الحديثة الموجهة من طرف كبريات الشركات الرأسمالية بغرض تأبيد سيطرة الطبقات السائدة، فإن الإمكانات التي تتيحها الثورة التكنولوجية وازدياد الفوارق الطبقية يوما بعد يوم ومعها كل أشكال اللامساواة والقمع والقهر يجعل التمرد الطلابي قادما لا محاله ولنا فيما يجري في فرنسا من نضالات اليوم ومن انخراط طلابي إلى جانب العمال مثالا حيا.