عن حرب أوكرانيا واقتراح -السلام- الصيني


الحزب الشيوعي اليوناني
2023 / 3 / 28 - 08:49     

إن "سلامهم" "يُبنى" على أنقاض الحرب الإمبريالية و داخل نيرانها

إليسيوس فاغيناس
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، ومسؤول قسم علاقاتها اﻷممية
نُشِرَ بتاريخ 11 – 12-3-2023  في صحيفة "ريزوسباستيس" الناطقة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني


«إن من في القمة يقولون أن السلام و الحرب
مختلفان جوهرياً.
لكن سلامهم و حربهم
مثل الريح و العاصفة.
فالحرب تخرج من سلامهم
كما يخرج اﻹبنُ من أُمِّهِ
ليَحمِل ملامحها البشعة».
(بِرتولت بريخت)
تتمظهر "عمليات سلام" و مبادرات ذات صلة، هي في جوهرها تسوياتٌ تقومُ مع تدخل قوى إمبريالية عاتية، في بقاع كثيرة من كوكبنا، منذ الأيام الأولى لفصل الربيع.
و على هذا النحو:
يُروَّج لخطة "سلام" فرنسية ألمانية في صربيا، تدعو الحكومة الصربية إلى قبول اعتراف غير مباشر بمحمية كوسوفو اﻷطلسية، مقابل"تسهيل" اندماج صربيا و كوسوفو في "صفوف" الإمبريالية اﻷوروأطلسية.
و عُقد "مؤتمر أمني" خُماسي يضم الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية في مدينة العقبة الأردنية، بهدف "خفض التصعيد ومنع مزيد من العنف" بين الجاني (إسرائيل) و الضحية (الشعب الفلسطيني).
و في الهند ، ناقش وزراء مالية بلدان مجموعة العشرين أولاً ثم وزراء خارجيتها، أي ممثلو أعتى 20 دولة رأسمالية، مسائل الأمن العالمي، لكن دون التوافق على شيء ما.
و علاوة على ذلك، طرحت الصين خطة مؤلفة من "12 نقطة" لحل مسألة الحرب في أوكرانيا، والتي لم توصف في النص نفسه باسمها، بل باعتبارها "الأزمةً الأوكرانية".
و مع إعادة صياغتنا لكلام الشاعر بريخت، ينبغي أن نقول أن جميع "خطط السلام" المذكورة أعلاه، فإن "سلامها" يشبه الحرب الإمبريالية وله ذات ملامحها البشعة، و على سبيل المثال فإن "حجر زاوية" جميع المخططات المذكورة أعلاه، يتمثَّل في أرباح الاحتكارات أي في تلك العناصر التي أدت إلى قيام التدخلات والحروب الإمبريالية.
إننا سنتعامل أدناه حصرياً ب"خطة السلام" الصينية[1]، التي تتعلق بالحرب الإمبريالية الجارية في أوكرانيا.

إنها لحربٌ غريبة ...

إن الحقيقة هي أن الغزو الروسي لأوكرانيا، في شباط-فبراير 2022، كان مجرد إعلان رسمي للحرب الجارية منذ سنوات، من جانب قوى الولايات المتحدة الأمريكية - الناتو - الاتحاد الأوروبي، التي تستخدم أوكرانيا "كرأس حربة" ضد روسيا الرأسمالية  التي تُستَخدمُ ك"وسادة هوائية واقية" للصين، ضمن صِدام اﻷخيرة الكبير مع الولايات المتحدة من أجل موقع الصدارة في النظام الإمبريالي.
إننا و بالتأكيد نتحدَّثُ بالطبع هنا عن حرب "غريبة". حيث في ذات الوقت الذي يُذبح فيه آلاف البشر في المعارك، يواصلُ رأسماليو طرفي الحرب وحكوماتهم على الحفاظ على تعاون مستقر بما فيه تجاري، وإن كان محدوداً مقارنة بما كان قبل شباط-فبراير 2022.
و على هذا النحو، لا تزال روسيا مثلاً،  تبيع للولايات المتحدة وفرنسا اليورانيوم من أجل منشآتهما النووية. حتى أنها تغطي 20٪ من حاجات ال 92 مفاعل نووي للولايات المتحدة الأمريكية[2]، بينما استوردت فرنسا عام 2022 ما يبلغ 153 طناً من اليورانيوم الروسي، مما يُغطي 15٪ من حاجاتها[3].  مثال آخر على ذلك: في 2 آذار-مارس، أُطلقت من مركز كينيدي للفضاء التابع لناسا في كيب كانافيرال في فلوريدا، مركبة فضائية بطاقم مُكوّنٍ من أربعة أفراد، هما أمريكيان، ورائد فضاء روسي ورائد فضاء من الإمارات العربية المتحدة، إلى محطة الفضاء الدولية. بينما أعلنت شركة "غازبروم" الروسية في ذات اليوم، أنها أرسلت 42.4 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط أنابيب أوكرانيا التي تجتاحها الحرب، مما أسعد مالكي أسهم الشركة الرأسماليين. و ذلك في حين تواصل شركة "شيفرون" الأمريكية تحميل النفط الذي تستخرجه في كازاخستان من ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود و هو النفط الذي يصل إلى الميناء المذكور عبر خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر متخللاً أراضي كازاخستان وروسيا. إن خط الأنابيب هذا "يصُبُّ" في السوق العالمية ثلثي النفط المستخرج في كازاخستان.
و بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المواد الأولية الروسية والسلع الأخرى تُمرَّرُ عبر "أطراف ثالثة" نحو ما يسمى بـ "الغرب الجماعي"، وهو المصطلح الذي تستخدمه روسيا لوصف البلدان التي تُطبِّق حظراً تجارياً ضدها، و حتى نحو اليابان أو أستراليا،  اللتين لا تنتميان جغرافياً إلى الغرب.
ومن ناحية أخرى، تُباع المنتجات المصنوعة في "الغرب الجماعي" في روسيا من خلال ما يسمى بـ "الجنوب العالمي" أي من خلال البلدان التي لا تمتثل للحظر المفروض ضد روسيا، و التي تتضمن الصين والهند و تركيا و بلداناً أخرى، والتي لا تتواجد و بالتأكيد في نصف الكرة اﻷرضية الجنوبي.
كما و تُفتتح "ممرات" تجارية جديدة، كمثال ممر "الشمال - الجنوب" من روسيا إلى موانئ إيران عبر بحر قزوين.
حقاً إن هذه "الجغرافيا الجديدة" غريبةٌ للغاية، حالُها حال هذه الحرب الإمبريالية، التي في حين قيامها بإزهاق حياة الآلاف،  خاصة حياة شباب أوكرانيا وروسيا، تواصل في ذات الوقت زيادة أرباح القِلَّة، التي تحصد الثروة على كلا جانبي الحرب ...

...و غريبة كذلك هي "اتفاقيات السلام" المماثلة الموقعة في مينسك
إن "خطة السلام" الصينية الأخيرة ليست أول خطة متعلقة بهذه الحرب بالذات. فقد سبقتها تلك المسماة باتفاقيات مينسك.
يَنطَبِقُ و لمرة أخرى بنحو مُطلق على هذه الاتفاقيات، ما كتبه بريخت:
«حين يتحدثُ الزعماء عن السلام
 يَعرفُ العامَّةُ
 أن الحَرب قادِمة.
حين يَلعن الزُعماء الحرب.
يكون أمر التعبئة قد وُقِّع سلفاً».

اكد الحزب الشيوعي اليوناني و منذ اللحظة الأولى الى "الغموض الدبلوماسي" لاتفاقيات مينسك المحددة، مما كان مؤشراً إلى أننا كنا بصدد اتفاق على "وقف إطلاق النار" قبل انطلاق عملية إراقة دماء جديدة.
و معروفٌ اليوم، من خلال اعترافات زيلينسكي أو ميركل، أن الجانب الأورأطلسي لم يكن ينوي تنفيذ أي شيء من هذه اﻹتفاقيات. و يتبدَّى من تصريح فلاديسلاف سوركوف، المستشار السابق للرئيس الروسي وأحد واضعي اتفاقية مينسك 2،  أن الجانب الروسي لم يؤمن بتنفيذ هذه الاتفاقيات عندما كان يُعدها و يوقعها[4].
و مع ذلك لماذا تم إعدادها وتوقيعها، مع زرع آمال واهية لدى ملايين البشر، في المقام اﻷول لدى أولئك المتواجدين في منطقة الحرب؟
فلنُذكِّر هنا أن التوقيع على اتفاقيتي مينسك 1 و 2 كان في عامي 2014 و 2015 تِباعاً، كان قد جرى تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لقد كان غموض اﻹتفاقيتين مماثلاً حول كيفية تنفيذ الحكم الذاتي الذائع الصيت لمناطق دونباس و كيفية الحفاظ على  سلامة أراضي أوكرانيا في الوقت ذاته، مما طرح و منذ البداية سؤالاً مفاده: لماذا جرى توقيعها؟ لماذا كان كِلا الجانبان "يتراكلان" هاتين الاتفاقيتين طيلة 8 سنوات فيما كانت المذبحة مستمرة؟
إن الجواب هو لأن هاتين اﻷخيرتين كانتا تناسبان كافة قطاعات الطبقة البرجوازية و تعبران عن توافق مؤقت ضمن تناسب القوى القائم!
كانتا ملائمتين للطبقة البرجوازية الأوكرانية، التي غيرت الدستور في تلك الفترة، وأضافت هناك توجهها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، واتخذت تدابير جديدة مناهضة للشيوعية ومعادية للديمقراطية أشمل على حساب أولئك الذين شككوا في خياراتها الجيوسياسية، وأعادت تسليح جيشها بأسلحة أمريكية و غربية عموماً، و أعادت تجميعه ودَمَجت ضمنه أيضاً جماعات مسلحة فاشية، مثل كتيبة آزوف، أي أنها كانت تحتاج وقتاً.
و كانتا ملائمتين أيضاً للطبقة البرجوازية الروسية و للجزء المقابل من الرأسماليين الذين كانت لهم اليد العليا فيما يسمى "الجمهوريات الشعبية" في دونباس، لأن الرأسماليين كانوا قد طَهَّروا صفوف مجموعات الدفاع الذاتي المسلحة في دونباس من أي عنصر غير خاضع لسيطرتهم. و خلال هذه الفترة، تَمَّت و بنحو شبه سحري ... إبادة (قتل) قادة مجموعات الدفاع الذاتي في دونباس الذين أجهروا حينها بأنهم شيوعيين ويساريون. حيث اتخذت الطبقة البرجوازية الروسية جملة من الإجراءات للسيطرة على الوضع في دونباس، من خلال تمويل وإعادة تنظيم الجهاز الإداري البرجوازي لما يسمى "الجمهوريات الشعبية" و عبر  تسليح قواتها، مع الترويج هناك حتى لمنظمات مسلحة يمينية متطرفة و قومية شبه عسكرية، على غرار نموذج الطبقة البرجوازية الأوكرانية.
و عندما قدَّرت أطراف النزاع المختلفة أن الأهداف التي حددتها قد تحققت وأن تناسب القوى أصبح حينها مؤاتياً لها، أقدمت أيضاً على الفُكاكِ رسمياً من اتفاقيات مينسك.
هذا كان حال الخطوط اﻷساسية لاتفاقيات مينسك.

عن الاقتراح الصيني الجديد ...
يتكوَّنُ اقتراح السلام الصيني من 12 نقطة، وهو أشبه بصياغة "قواعد" من شأنها أن تقود إلى السلام، كما يزعم مروجوها.
و هي باختصار كما يلي:

 النقطة الأولى: احترام السيادة الوطنية لجميع الدول. يجب التقيد الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالمياً، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. يجب ضمان السيادة الوطنية والاستقلال و سلامة أراضي جميع الدول بشكل فعال (...)
 النقطة الثانية: التخلي عن عقلية الحرب الباردة. لا ينبغي السعي وراء أمن دولة ما على حساب الدول الأخرى. لا ينبغي تحقيق أمن منطقة ما من خلال تعزيز أو توسيع الاتفاقات العسكرية (التكتلات). يجب أخذ المخاوف المعقولة والمصالح المشروعة المتعلقة بأمن جميع البلدان على محمل الجد ومعالجتها وفقاً لذلك (...)
النقطة الثالثة: وقف الأعمال العدائية (...)
النقطة الرابعة: استئناف محادثات السلام (...)
النقطة الخامسة: حل الأزمة الإنسانية (...)
النقطة السادسة: حماية المدنيين وأسرى الحرب (...)
النقطة السابعة: الحفاظ على سلامة المحطات النووية (...)
النقطة الثامنة: يجب عدم استخدام الأسلحة النووية وعدم وقوع حروب نووية (...)
النقطة التاسعة: تسهيل صادرات الحبوب (...)
 النقطة العاشرة: رفع العقوبات أحادية الجانب (...)
النقطة الحادية عشرة: الحفاظ على استقرار سلاسل التصنيع والإمداد (...)
النقطة الثانية عشرة: العمل على إعادة الإعمار بعد الصراع. يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات لدعم إعادة الإعمار، مع انتهاء القتال في مناطق الصراع. إن الصين مستعدة لتقديم المساعدة والقيام بدور بناء في هذا الجهد.

.. و عن "غموضه الدبلوماسي" الجديد

إن الانطباع الأول الذي قد يتوصل إليه القارئ الغير مُشتَبِه من هذا الاقتراح هو أنه اقتراح جيد ومتماسك لإيجاد حل سلمي في النهاية. هذا و لم تَغِب أيضاً أحزاب شيوعية خرجت من بلدان أخرى و حيَّت هذا الاقتراح كحزب الأورو-الشيوعية اﻹسباني، الذي ألقى أناشيداً من أجل السلام،  مع مشاركته في حكومة دولة عضو في الناتو و هي التي تتورط و بنشاط في الحرب مع إرسال كمية كبيرة من الأسلحة لحكومة زيلينسكي الرجعية. يا له من نفاق!

و لكن مع القراءة الثانية للنص، فإن كل قارئ لهذا الاقتراح سيفهم أننا بصدد "غموض دبلوماسي" آخر.
و على هذا النحو، فإن الاقتراح الصيني يتحدث بشكل عام عن "احترام السيادة الوطنية لجميع البلدان"، و عن "استقلال وسلامة أراضي جميع الدول". حيث من الملاحظ أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي وجد في عبارتي هذا الخطاب نقاطه الإيجابية، مُعتبراً أن الصين تتحدث هنا عن سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، التي انتهكها الغزو العسكري الروسي عام 2022.  و مع ذلك، لم يكُن لدى الجانب الروسي أي اعتراض على هذه العبارات في الاقتراح الصيني، و ذلك لأنه يعتبر أن كُلَّا من شبه جزيرة القرم، التي تم دمجها في الأراضي الروسية في عام 2014  والأراضي الجديدة التي أُلحقت عام 2022  بالاتحاد الروسي، يُشكلان جزءاً من سيادة روسيا وسلامة أراضيها. حيث تعتبر شبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك وخِرسون وزاباروجيا مقاطعات روسية، يُشار إليها الآن بالإسم في الفصل 3، و المادة 65 من الدستور المُعدَّل للاتحاد الروسي[5].
و لذلك يمكننا أن نفهم جميعاً أن الاقتراح الصيني، الذي يشير عموماً إلى "سلامة أراضي جميع الدول" ، يحتوي على الكثير من "الغموض الدبلوماسي" ومن الواضح أنه ذي قراءة مزدوجة، في وقتٍ تدعو الصين نفسها إلى التوقف عن استخدام "معايير مزدوجة" في العلاقات الدولية.
و عدا ذلك، فإن كلَّ ما يتضمنه النص عن "أمن بلد ما" ، والذي "لا ينبغي السعي له على حساب بلدان أخرى"، هو مُدرجٌ  سلفاً في وثائق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، و التي تشمل عضويتها عدا دول الاتحاد الأوروبي، كُلاً من روسيا والولايات المتحدة. ومع ذلك ، فإن كل هذه المبادئ المُعلنة والعديد من الإعلانات الجميلة المؤيدة للسلم، والتي وضعت جميع الدول البرجوازية تواقيعها تحتها، لم تكن كفيلة بمنع وقوع الحرب. لماذا التوقيع على هذه المبادئ اذن، و التي يُعاد تكريرها آلاف المرات ، سيُوقف الحرب هذه المرة؟
إننا و من أجل فهم ما يحدث بالضبط مع هذا الاقتراح الصيني المحدد، ينبغي أن نرى الصورة الإجمالية والتي لها جانبين أساسيين:
أ) تصعيد النزاع و تعزيز و ترقية مستوى أنظمة الأسلحة المستخدَمة من قبل كِلا الجانبين في الصدام الحربي.
 ب) ما يسمى بإعادة إعمار أوكرانيا، بما في ذلك "المناطق الجديدة" وفق تسمية روسيا للأراضي الجديدة التي ألحقتها  بأراضيها.

الجانب العسكري لتورط الصين في الحرب
وفقاً لشيان لانشين الأستاذ الصيني في تاريخ العالم والسياسة ف«قد بالغ العسكر الصينيون في تقدير إمكانيات الجيش الروسي. و في الواقع، فقد توجَّب عليهم أن يعرفوا زملائهم الروس أكثر من أي أحد آخر - لقد أجرينا معاً العديد من التدريبات المشتركة والتفاعلات والحوارات على مستويات مختلفة. لقد اعتدنا على الاعتقاد بأن على الرغم من المشاكل الاقتصادية لروسيا، فإنها تظل القوة الثانية في العالم في المجال العسكري. لكن الصين و بصراحة، توقعت المزيد من الإمكانيات العسكرية الروسية. و هذا هو عبارة عن درسٍ يؤخذ على محمل الجد[6]».

و من الجلي هو قيام حلف الناتو بدراسة الصعوبات المحددة التي يواجهها الجيش الروسي، خاصة أمام الأهداف العسكرية التي يضعها كل جانب. فإذا ما كان الجانب الأوكراني المزود بأسلحة جديدة من الناتو، يُحدِّدُ كهدف عسكري له "تحرير" جميع الأراضي الأوكرانية، بما فيها شبه جزيرة القرم، فإن الجانب الروسي يعتمدُ هدفاً عسكرياً أساسياً هو "تحرير" جميع الحدود الإدارية للمقاطعات التي ألحقها بأراضيه. و من غير الممكن أيضاً تجاهل واقعة كون مدينة أوديسا، المدينة الرئيسية الوحيدة، التي تقع في وسط قاطعٍ من الأراضي لا يتجاوز طوله ال 150 كيلومتراً والتي يمكن لروسيا أن تسعى للاستيلاء عليها من أجل إكمال العزل الكامل لأوكرانيا عن البحر الأسود، مما يسمح بصياغة ممر بري واصلٍ ب"الجيب" المهم في ترانسنيستريا، التي هي المنطقة التي انفصلت عن مولدوفا و التي تسعى قيادتها و منذ سنوات إلى الانضمام لروسيا.

تُزَجُّ أسلحة جديدة في ساحات المعركة. و تشكِّل فعاليتها ليس فقط مؤهلاً لمبيعاتها الجديدة في سوق التسليح الكبيرة، حيث تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا تقدماً واضحاً، بل و هي التي ستحدد في المرحلة النهائية أيضاً "مكاسب اﻷراضي" على كلا جانبي الصدام الإمبريالي.

و تتعزز في الأيام الأخيرة شائعات الولايات المتحدة القائلة بأن الصين تستعد لإرسال أسلحة جديدة إلى روسيا. حتى أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شركة "Spacety" الصينية، التي تتهمها بتقديم صور جوية للجيش الروسي الخاص "فاغنر"، والذي برز بمثابة "رأس حربة" العمليات العسكرية الروسية على أراضي أوكرانيا. و في سياق محاولة  رئيس "فاغنر" صد هذه الاتهامات، ادّعى أن الجيش الروسي الخاص يملك منذ عام و نصف نحو 20 قمرا صناعيا تحت تصرفه. و أنه يستطيع بالتالي  رؤية أي نقطة على الأرض ولا يحتاج إلى صور جوية من الأقمار الصناعية الصينية[7]. و في الوقت نفسه خرجت للعلن "مواجهة" فاغنر مع وزارة الدفاع الروسية فيما يتعلق بتزويدها بالذخيرة، والذي يؤكِّد على واقعة أهمية استمرار الإمداد المستمر للعمليات الروسية بالذخيرة والأسلحة الجديدة - التي يمكن للصين أن تساهم فيها بالفعل - عدا واقعة الدسائس المختلفة في القيادة الروسية.

و في الحاصل، فإن طرح اقتراح "السلام" من قبل الصين يهدف إلى الحفاظ على وضع "الحياد الرسمي" لهذا البلد في الصراع. و في الوقت نفسه، فإن الصين في حال رفض الاقتراح الصيني - وهو ما فعلته الولايات المتحدة سلفاً -  تُمنح ذريعة إضافية للسير قُدماً في بيع الذخيرة والأسلحة إلى روسيا. حيث لا أحد يستطيع التقليل من شأن أن الصين التي هي رابع أكبر تاجر أسلحة في العالم ويمكنها بسهولة تزويد روسيا على حد السواء بالذخيرة والأسلحة الحديثة.

جارٍ هو فرش مائدة "وليمة" إعادة الإعمار ضمن "نيران الحرب"

يأتي الاقتراح الصيني في وقت تبقى فيه الخطوط الرئيسية للجبهة مستقرة إلى حد كبير، و في حين لم تتوقف الحرب  كما و تدفُّقُ أنهار الدماء على كِلا جانبيها،  تُفرش "مائِدَةُ وليمةِ" إعادة بناء البنية التحتية والمدن المدمرة.

يلاحظ تصريح رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، فيرنر هوير إن هذا البنك بالذات قام فقط في عام 2022 ب"تمويل مشاريع بقيمة 2.2 مليار يورو في أوكرانيا و بنحو رئيسي في البنية التحتية للنقل والطاقة وإمدادات المياه ونقل الكهرباء، و في تشييد المدارس والمستشفيات، مع انكشاف  البلاد الحالي على دين بالغ 7.3 مليار يورو "، مُسجِّلاً أن فاتورة حساب "إعادة إعمار" أوكرانيا ستكون ضخمة، حيث مطلوب هو وجود "ضمانات" فيما دعا إلى"دعم الاتحاد الأوروبي و إلى تحريك القطاع الخاص قبل نهاية الحرب[8]".
 
وبالمِثل، في الأراضي التي يحتلها الجانب الروسي، والتي لا يمكن اﻹستهانة بها على الإطلاق، و التي يعيش بها 11 مليون نسمة (2.2 في لوغانسك، و 4 في دونيتسك، و 1.5 في زاباروجيا  و 1 في خِرسون، و 2.5 في شبه جزيرة القرم)، حيث تتواجد المئات من الوحدات الصناعية و من مكامن الثروة الباطنية الضخمة والأراضي الخصبة. و يعمل سلفاً ضمن إعادة إعمار هذه المناطق (باستثناء شبه جزيرة القرم ، التي أُلحِقت بروسيا منذ 2014) مع استمرار القتال، ما يقدَّر ب 50 – 60 ألف عامل في مجال البناء و الإنشاءات على مدار اليوم في 3 ورديات. و استناداً إلى بيانات المديرية الفرعية الجديدة لوزارة البنية التحتية في روسيا، فقد جرى في "المناطق الجديدة" - كما تُسمى - في روسيا، في 1آذار-مارس 2023  ترميم 4700 مبنى وبنية تحتية[9].

إن الاقتراح الصيني، الذي يُشدِّدُ على "إعادة الإعمار" من الحرب، هو في الواقع "تعبيرُ اهتمامٍ" للصين يصدُرُ ضمن "مزاحمة" كافة احتكارات البناء و "بنوك إعادة الإعمار" التي تتطلَّعُ للحصول على حصة من "كعكة إعادة إعمار" البنية التحتية والمساكن التي دمرتها الحرب، والتي ستدفع الشعوب ثمنها مرة أخرى.

إن التنين الصيني بامكاناته "الاقتصادية " و "السياسية" يُطالب بموقعه المناسب الذي يعتقد أنه يستحقه في قلب أوروبا.
 

[1]    موقع وزارة الخارجية الصينية https://www.fmprc.gov.cn
[2]    "ازداد تصدير روسيا للوقود النووي والتكنولوجيا النووية بنسبة 20٪ مقارنة بالعام الماضي". https://forbes.ua/ru
[3]    "اشترت فرنسا 153 طنا من اليورانيوم المخصب من روسيا لمحطاتها النووية عام 2022" https://tass.ru
[4]    وكالة اﻷنباء الروسية "تاس" 16-2-2023 https://tass.ru
[5]    دستور الاتحاد الروسي مع تعديلات عام 2022 ، موقع مجلس الدوما - http://duma.gov.ru
[6]    مقابلة أجراها رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، ف. لوكيانوف  مع شيان لانشين - https://globalaffairs.ru
[7]    "أنباء دونباس" - https://novosti.dn.ua/ru
[8]    فيرنر هوير: ضخمة ستكون فاتورة حساب إعادة الإعمار في أوكرانيا - https://www.in.gr
[9]    "كيف تعيد روسيا بناء نوفوروسيا من تحت الأنقاض" - https://baltnews.com