الجذور الإستعمارية للإتحاد الأوروبي


الطاهر المعز
2023 / 3 / 28 - 04:51     

على هامش زيارة وفد الإتحاد الأوروبي إلى تونس وتصريحات "جوزيب بوريل" (مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ) يوم الإثنين 20 آذار/مارس 2023

نَشَر السُّوَيْدِيّانِ "بيو هانسن" و "ستيفان جونسون" ( Peo Hansen & Stefan Jonsson ) كتابا نُشر سنة 2014 بلندن بعنوان
The Untold History of European Integration and Colonialism - Londres، 2014
يدرس الكتاب دور الاستعمار ودور استغلال ثروات إفريقيا في بناء أوروبا الحديثة وفي تشكيل الاتحاد الأوروبي، حيث يرتبط ما سُمِّي "التكامل الإقتصادي الأوروبي" باستغلال ثروات المُستعمرات الأوروبية الشاسعة، وخصوصا في قارة إفريقيا، ويقدم المؤلّفان نبذة عن نشأة الجماعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) التي سبقت الاتحاد الأوروبي (EU) ويُعرّفان مصطلح "يوروأفريقيا" ( Euroafrica ) الذي يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، أي إلى سنة 1923، كفرصة للدول الأوروبية لتجنب النزاعات فيما بينها، والإتحاد من خلال الإستغلال المشترك لأفريقيا التي تضم أراضي شاسعة وثروات باطنية هائلة... واستغلال موارد القارة الإفريقية لحل مشاكل البطالة والإكتظاظ السّكّاني الذي تعاني منه أوروبا، وفق رئيس الوزراء الفرنسي "جورج كايو"، سنة 1931...
حوّلت دول أوروبا مستعمراتها خلال الحربَيْن العالميّتَيْن إلى مخزون للجنود وللغذاء والعمالة الرخيصة لتعويض الشّبّان الذين تم إرسالهم إلى جبهات القتال، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تمكنت أوروبا من استغلال مناخ الحرب الباردة لتكثيف نهب إفريقيا، لتصبح أوروبا قوة ثالثة بين الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وتُعزّز دور الولايات المتحدة، في إطار النظام العالمي الجديد الطي تنشأ بعد مؤتمر بريتن وودز...
في 9 مايو 1950 ، دعا وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان، يوم التاسع من أيار/مايو 1950، وهو أحد المُتحمسين لبناء " الاتحاد الأوروبي"، في إعلان يعتبر أساسيًا في عملية البناء الأوروبي، إلى "مواصلة أوروبا إحدى مهامها الأساسية : تنمية القارة الأفريقية"، وتعني التنمية في قاموسِهِ "الإستغلال".
بعد موجة الإستقلالات الشّكْلِية حافظت بريطانيا وفرنسا وبلجيكا على علاقات الهيمنة من خلال ما سُمِّيَ "الإإستعمار الجديد"، واشتهرت فرنسا بتدخّلها في الشؤون الدّاخلية للدول الإفريقية وتنظيم الإنقلابات ضد الأنظمة التي تحاول السيطرة على مواردها، وخلقت منظومة "فرَنْس - افريك"، بدعم من قوى أوروبية تدافع عن "التكامل الأوروبي" الذي ترى استحالة تنفيذه بدون المستعمرات، ويُعتَبَرُ (رفائيل سالير ) ممثل فرنسا بالجمعية الاستشارية لمجلس أوروبا، أفْضَل من عبر عن ذلك، فقد أعلن سنة 1952: "لا يمكن لأي مجتمع سياسي أوروبي أن يعيش.. . ... بدون إدماج دول ما وراء البحار التي لها روابط تارسخية ودستورية مع أوروبا ".
كانت المفاوضات الأوروبية التي جرت في أيار/مايو 1956 حاسمة لتأسيس أوروبا الحالية، بداية من معاهدة روما ( سنة 1957) التي أدت إلى إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وكان الموقف الرسمي لفرنسا واضحًا: لا دخول إلى السوق المشتركة بدون أقاليم ما وراء البحار، أي المُستعمرات من بحر الكاريبي إلى المحيط الهادئ، مرورا بإفريقيا وجزر "لاريونيون" و"كاناكي" أو "كاليدونيا الجديدة الخ، وكانت النقاشات بشأن اندماج المستعمرات في المجموعة الاقتصادية الأوروبية من أصعب المسائل التي يتم حله، ففي حين كانت فرنسا وبلجيكا تقترحان "سوق أوروبية أفريقية مشتركة تتكامل فيها هذه الأراضي بشكل كامل"، كانت ألمانيا وهولندا تتخوف من ارتفاع حجم الاستثمارات التي يجب ضخها لتأهيل اقتصاد هذه المناطق، لأن الإستعمار لا يستثمر في تطوير المُستعمرات بل يكتفي باستغلال الثروات الموجودة، وإقصاء السّكّان المحلّيّين...
اعتبر رئيس الحكومة الفرنسية "غي مُوللِّيه" ( من قيادات الحزب "الإشتراكي" آنذاك، وأطلق العنان للجيش لممارسة المجازر في الجزائر، بين سنتَيْ 1956 و 1958) توقيع معاهدة روما (25 مارس 1957): "تاريخ ميلاد أورافاريكا" لأن الإتفاق، ثم دستور الإتحاد الأوروبي يسمح لفرنسا بمواصلة استغلال ثروات 18 دولة أفريقية، من خلال ارتباطها بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية في إطار اتفاقية ياوندي (1963) ، والتي تم توسيعها بموجب اتفاقية لومي (1975-2000) ثم باتفاقية كوتونو، الموقعة سنة 2000 والتي لا تزال سارية المفعول.
في هذا الإطار تتنزل زيارة وفد الإتحاد الأوروبي إلى تونس وتصريحات "جوزيب بوريل" (مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ) يوم الإثنين 20 آذار/مارس 2023