النخبة الوطنية العراقيه متى تظهر؟(2/2)


عبدالامير الركابي
2023 / 3 / 25 - 16:13     

لايمكن، وليس واردا ظهور نخبة معبره عن الذاتيه العراقية، اذا كانت محلوية، و "وطنية" البنية، موافقه للمتعارف عليه في هذا المجال، فالعراق موضع كوني امبراطوري، كينونة وبنية ومسارات تاريخيه، ونخبته المقصودة، لابد حكما ان تكون كونية من حيث التشكل والطبيعه، راهنه مختلفة عن تلك التي عرفها هذا الموضع من العالم في دورتيه: الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه، العباسية القرمطية الانتظارية، وهما دورتا تعذر التحقق، الامر الذي ينسحب على لحظة التبلور وساعتها، فمثل هذا الحدث ليس خاضعا لكبسة زر، او لارادة من يريد مهما كان، كما انه غيرمرهون باية متغيرات او تطورات على مستوى المعمورة، بما فيها تلك التي من حجم الحدث الاوربي الانقلابي الالي، وماواكبه من منجزات شامله علمية وفكرية ونموذجية تنظيمه مجتمعية، حداثية، غدت غالبة على مستوى المعمورة.
وبحسب حجم ومكانة وطبيعة المقصود، فان منهجيات النظر، واجمالي الرؤى المعتمدة والمتداولة المقرة، بحاجة الى اعادة نظرجذرية، بمايفضي للانتقال من الادراكية القصورية الاحادية الارضوية، الى المفهوم اللاارضوي للمجتمعية والوجود، ليتطلب مغادرة مفهوم ( التجمع + انتاج الغذاء" المعتمد احاديا وارضويا كتعريف للابتداء المجتمعي، الى المجتمعية اللاارضوية، نتاج اشتراطات الطرد البيئي، والعيش على حافة الفناء السومرية البدئية، والتي تتبلور ابتداء، غير قابله للتحقق لاسباب مادية واعقالية، مايستدعي الخضوع لطور من التفاعلية تغلب ابانه الحالة والمنظور الارضوي الاحادي، كلزوم وضرورة لابد منها للوصول لاشتراطات التحقق الللاارضوي التحولي، مابعد المجتمعي.
كل هذا يزاح من المشهد لصالح تقرير ضابط انكليزي( فليب ويرلند)، مهمته كملحق بالحملة الاستعمارية البريطانيه، استخدام المعرفة لاغراض استعمارية احتلالية، قرر ان العراق الحديث هو حصيلة مااسماه عملية التشكل الاجتماعي والسياسي للولايات التركية الثلاث، بغداد والموصل والبصرة منذ عام 1831 تاريخ الاحتلال التركي الثالث، ليقدمها لقائده الجنرال ويلقي التحية، بينما اعتبربعض العراقيين الافذاذ ماقاله بمثابة الحقيقة المطلقة، لانه "انكليزي"، فصادق اليساريون والليبراليون والقوميون على ماقد تفوه به محتلهم تعريفا لذاتيتهم، لينفتح من يومه بابان مشرعان للالتحاق بالغرب واستعماره، باب من اعلى مثلته نخبة "الدولة" المفبركة، واخرى من اسفل معارضة للاولى، تبدأ من المصادقة على اكذوبة الكيانيه الحديثة والذاتيه، قبل ان تذهب لتتبنى افكارا غربية اخرى "تحررية"، وليدة تناقضية الظاهرة الغربية، واصطراعيتها الداخلية، وهكذا يسقط العراق الراهن "الحديث"، المنبعث منذ القرن السادس عشر، والاهم الغاء الخاصيات التاريخيه التكوينية لهذا الموضع من العالم على اهميته ومكانه المميز في التاريخ البشري، فاذا بنا امام حالة متهافته من التبلور النخبوي، خاص باللحظة ومايميزها من صعود الغرب وغلبته المفهومية على مستوى المعمورة، لاعلاقة لها على الاطلاق بتاريخ التعبيرية المطابقة لهذا الموضع من العالم، مايعود الى الاثر الحاسم للبكورية الزمنية، وعدم تكامل التشكلية الذاتيه حتى حينه، دلالة على مفعول حال الانقطاع المستمرة منذ سقوط بغداد العاصمة الامبراطورية عام 1258، في موضع هو نوع كيانيه متعدية للكيانيه، محكومة لمتوالية الدورات والانقطاعات، ماقد يسر للحضور الغربي ونهضته الالية البرجوازية، امكان التغلب الاسقاطي النقلي، المعزول عن مقتضيات الواقع والتعامل معها.
وبالمقارنه بين منجز ارض مابين النهرين في الدورة الاولى، السومرية البابلبة الابراهيمه وماقد انتجته كونيا على المنقلبين، الارضوي واللاارضوي، او منجز الدورة الثانيه القرمطية الاسماعيلية، التشيعية، الخوارجية، الحلاجية، الزنجيه، الاخوان صفائية، المعتزلية، وصولا الى الاعلان الانتظاري المهدوي، عدا المنجز الارضوي الاعلى البغدادي المعرفي، والموقع لاالقيادي المركزي في مجال الاقتصاد العالمي التجاري الريعي، وانعكاساته الايقاظيه للنهضة البرجوازية الاوربية، مقارنه بكل هذا التاريخ الاستثنائي الكوني، ليس من الوارد اعتبار فهاهات ببغاوية من نوع ماتفصح به الحداثيون الاميون، وتياراتهم النقلية من امثال، كامل الجادرجي، و"فهد" سلمان يوسف سلمان، ونادي المثنى، ومن سار على منوالهم الى اليوم، وقد تحولوا لرمة ومتبقيات رثة بالية، خارج ماله اي علاقة بالتاريخ وحيويته.
اقتضت عملية التشكل الانبعاثي الراهنه المبتدئة مع القرن السادس عشر، مرورا تصادميا ابان طورها الثالث الحديث، الذي لم يكن قد تبلور بعد، وقوعا تحت طائلة الغرب وظاهرته العالمية المتغلبة والكاسحة، وكان العراق قد مر ابتداء بطور قبلي مع "اتحاد قبائل المنتفك"، استمر حتى القرن الثامن عشر، حين ظهرت القيادة الجديدة، الانتظارية النجفية، ولادولتها المدينية الاجتهادية، بينما كانت الاشتراطات قد اقتضت الانتقال، من التشكل في ظل البرانيه التقليدية الشرقية وتناوبها على العاصمة المنهارة منذ هولاكو، الى نوع برانيه جديده، هي نتاج النهضة الحداثية الالية الاوربية.
ونقع هنا عند نقطة اختلاف غير عادي، بين الطور او الدورة الانبعاثية التشكلية الحالية الثالثة، وماقد سبقها من دورتين سالفتين، فالاولى تحققت ضمن اشتراطات السبق التبلوري المجتمعي لمجتمعية بكورية صاعده، بينما ترافقت الثانيه مع عملية الفتح الجزيري والمجال الذاهب الى الصين والهند، وغربا الى اوربا الغربية، في حين يبدا التشكل الحالي ضمن اشتراطات الاحتلال البرانيه، والتعاقبية الاحتلالية لعاصمة الدورة المنهاره، وصولا الى الاحتلال الغربي المختلف، والمترافق مع نموذجية كيانوية واعقالية، وديناميات مجتمعية آليه غير تلك المتعارف عليها في الماضي، وهو ماقد ترتب عليه اختلاف نوعي في الاليات التشكلية والتعبيرية، فنقلها من التشكلية المحلية الى الكونية.
تنشأ كيانية اللاكيانيه الكونية لموضع مابين النهرين الازدواجي من جنوبه، لاارضويا، تحكمه اشتراطات العيش على حافة الفناء، علاقته بالبيئية التي يعيش في غمرتها علاقة تشكل اصطراعي قصوى، لن يلبث ان يتحول الى صراع ثناثي، مع البيئة، ومع مجتمعية ارضوية حالها الانتاجي البيئي ينتج مجتمعية ارضوية متغلبه، تنزل من عرااق الجزيرة الاعلى، بقصد الهيمنه والرغبة في الالحاق المعتاد ارضويا، لارض الخصب، لتنشا من ساعتها حالة اصطراع ازدواجي، تستحيل معه الهيمنه على نوع مجتمعي حريته تساوي وجوده وسلاحه وسيلة انتاج مثله مثل المحراث والمنجل، تكوينه البنيوي "اخر" نوعا، مايجعل الارضوية الهابطة تعيد الحساب، لتدخل حالة من التاقلم عبر الاصطراع، تاخذ بها لان تنكفيء الى حيث انطلقت، بحثا عن الريع الصعب الاحتياز، والمكلف للغاية، فتقوم والحالة هذه كيانيه مدينه محصنه اعلى وامنع تحصين، معسكرة من الداخل، وسلاليه مستقلة، هي بالاحرى "مدينه امه امبراطورية" مثالاها الابرز، بابل، وبغداد، الموجودتان مقابل دولة اللادولة واللاكيانيه السفلى، التي استقلالها موقوف على توفرها على ذاتيتها.
هذا يعني ان النمط الرافديني توسعي امبراطوري كوني، ابتداء مع سرجون الاكدي حاكنم زوايا الدنيا الاربع، والابراهيمه، يقوم الاول منه بدورته الابتدائية من دون ان يواجه مصدات، لان المجتمعات القريبه تكون ماتزال في حال تشكل، لم تتبلور بنية بعد، هذا في الدورة الاولى، في حين هيأ الفتح الجزيري، الاسباب للامتداد الاقصى، الامر الذي تعاكس اليوم كليا مع اشتراطات الانبعاث التشكلي الاخير الراهن، فحوله من تصادمية موضعية، تتحول الى امبراطورية كونيه، الى نوع تصادمية كونية ابتداء، فالاصطراعية الازدواجية طرفها الاعلى الارضوي لايعود نازلا من عراق الجزيرة الاعلى، بل هو اليوم اما براني شرقي تقليدي يدوي، او اوربي آلي حداثي، يحضر بصفته قوة افنائية للنوع والبنية اللاارضوية.
من اهم ميزات الغرب ومفهومه في "الوطنيه"، كونه يشترط التعرف على الذاتيه، وهو ماترفضه كليا الاتباعية الببغاوية، معتبرة البحث عن "الخاصيات" جريمه، والتماهي مع الاخر "حداثة" وانتماء للعصر، فتمارس بذلك عجزا واتباعا مخزيا، بالوقوف ضمن جبهة الاخر، واعانته على افناء الذاتية، لكن هل يمكن تخيل او تصور احتمال تعرف امثال "فهد" والجادرجي، على الخاصيات الكونية التاريخيه للعراق. مؤكد انه، وكما اختلفت شروط التشكليه وتعاكست اليوم، فان التعبيرية الذاتيه الراهنه، سوف تختلف عن تلك التي عرفتها الدورتان، الاولى والثانيه، بما قد يتفوق بما لايقاس على الحالتين العظميين الماضيتين ومنجزهما الاستثنائي، المتعدي للكيانوية الارضوية، ووقتها يحضر العراق، وتكتمل عناصر اللحظة كونيا، بعدما ظلت موقوفه على الظاهرة الغربية الحديثة ونموذجيتها.
ـ يتبع ـ ملحق:( نخبة الوطن كونية العراقية)