مبررات غزو العراق اكاذيب الدبلوماسية الأميركية وتلفيقاتها


سعيد مضيه
2023 / 3 / 22 - 16:01     

الميديا تتطوع بترويج السياسات الرسمية ثم تعتذر للقراء
التيار الرئيس للميديا في الغرب الامبريالي مندمج مع الامبراطورية الامبريالية، سابقا وحاليا ولاحقا. هذا ما يثبته صحفي التقصي ، جو لوريا ، رئيس تحرير المجلة الإليكترونية ، كونسورتيوم نيوز؛ حيث اورد الأكاذيب التي فبركتها المخابرات وتبنتها منابر الميديا بدون تحفظ ، وذلك لضمان التأييد الشعبي لخطط الحرب الأميركية ، وفي هذا السياق غزو العراق.
جو لوريا عمل من قبل مراسلا بالأمم المتحدة لصحيفة وول ستريت جورنال، بوستون غاوب، وعدد آخر من الصحف. كان صحفي تقصي وما زال ، بحكم عمله تتبع خطة الإعداد لغزو العراق من البدايات. في مقالة نشرها في 19 آذار الجاري، بمجلة كونسورتيوم نيوز لتي يرأس تحريرها، يركزعلى شهادة كولن باول، معبرا عن امنيته لو استقال احتجاجا من المنصب لربما أوقف الغزو الكارثي، ولانقذ مئات الاف الأرواح من الهلاك، فكتب يقول:
صباح الخامس من فبراير/ شباط 2003 كنت في مكتبي ، ستوديو لصور الإذاعة، مشرف على مجلس امناء مقر الأمم المتحدة بنيويورك، حين قررت السير باتجاه مجلس الأمن بتجاوز غرفة . تحولت لليسار لأعبر ممرا يرتفع فوق المجلس، ودخلت ستوديوترجمة. نظرت أسفل الى المشهد.
لأول مرة خلال 13عاما قضيتها في تغطية أخبار الأمم المتحدة رأيت المكان مكتظا، القاعة مزدحمة والتوتر ملموس في الهواء، أشبه بالتوقعات قبل مصارعة الثيران.
امكنني رؤية كولن باول، وزير خارجية ألولايات المتحدة، بين الجمهور وقرب مقعده على الطاولة بشكل حذاء فرس، يتحادث مع ديلوماسيين آخرين . عدت الى مكتبي كي اشاهد ما يدور بالأمم المتحدة بعد استئناف الجلسة.
قدم وزير الخارجية عرضا مرفقا بصورة طافت بسرعة أرجاء العالم، وصفتها في الحال ب "عرض دنيء ". رأيته على طاولة مجلس الأمن يرفع بيده ما قال انه نموذج قارورة صغيرة بجراثيم الأنثراكس[الجمرة الخبيثة]، سلاح بيولوجي قاتل زعم باول ان صدام حسين ، الرئيس العراقي لديه كميات منه.
استهل باول كلمته بالقول، "هدفي اليوم ان ازودكم بمعلومات إضافية ، أشرككم في ما تعرفه الولايات المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل بالعراق، وكذلك تورط العراق في الإرهاب، الذي كان أيضا موضوع القرار 1441 والقرارات السابقة". القرار 1441 الذي أقره مجلس الأمن قبل ذلك التاريخ بثلاثة شهور أمهل العراق آخر فرصة لإثبات عدم وجود أسلحة دمار شامل أمام مفتشي الأمم المتحدة، أو مواجهة " عواقب خطيرة".
" زملائي ، كل بيان اصدره هذا اليوم تدعمه مصادرنا ، مصادر مانعة،" أبلغ باول مجلس الأمن، وأضاف،"لا يوجد تأكيدات، فما نقدمه لكم حقائق واستنتاجات تقوم على استخبارات موثوقة".
"حقيقة" أخرى كشف عنها باول أن العراق يمتلك مختبرا متنقلا للأبحاث البيولوجية، بناء على معلومات ادلى بها ضابط عراقي هرب من النظام.
الصحف الرئيسة بالولايات المتحدة أبدت قناعة تامة بما صدر عن الوزير الأميركي ؛ كتبت واشنطون بوست في مقال هيئة التحرير عنوانه ’يستحيل دحضه" جاء فيه : "بعد العرض الذي قدمه وزير الخارجية ، كولن باول، أمس يصعب تخيل كيف يشكك اي شخص في أن العراق يمتلك أسلحة إبادة شاملة . ’قوي يستحيل دحضه‘ هكذا رآه السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن، رئيس لجنة العلاقات الدولية بالكونغرس (رئيس الجمهورية حاليا).


الحقائق

من بين "الحقائق" و"الاستخبارات الموثوقة "، حسب مزاعم باول، حصول العراق على أنابيب ألومنيوم ، قال إنها تستعمل للطرد المركزي كجزء من برنامج صدام للشروع في صنع سلاح نووي.
كذلك كتبت صحيفة نيويورك تايمز " قدم وزير الخارجية الأميركي عرضا للأمم المتحدة ولمشاهدي التلفزيونات يوم أمس أقوى قضية برزت حتى اليوم بأن صدام حسين يتحدى قرارات مجلس الأمن وليست لديه النية للكشف عن، أو تسليم اي أسلحة غير تقليدية يمتلكها... "
رغم العرض الذي قدمه كولن باول واحتضان الميديا الأميركية للعرض، فباستثناء بريطانيا وإسبانيا انتابت الشكوك العالية أعضاء مجلس الأمن، بمن فيهم الحليفتان، ألمانيا وفرنسا، تجاه حجة الولايات المتحدة الداعية للحرب.
سرت إشاعات بدوائر الأمم المتحدة مفادها أن باول لم يكن متيقنا مما قال ، وانه أمضى الليلة الفائتة بدوائر السي آي إيه في فرجينيا يطالب بينات أفضل لتبرير غزو الولايات المتحدة لدولة ذات سيادة.
ردود بليكس والبرادعي
بعد تسعة أيام عاد باول الى مجلس الأمن يوم 14 فبراير لأن هانس بليكس رئيس لجنة الأمم المتحدة للتفتيش عن أسلحة الإبادة الشاملة ومحمد البراذعي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية، رغبا التحدث امام مجلس الأمن. أبلغ بليكس المجلس ان التفتيش يتقدم دون إعاقة من جانب العراق." منذ وصولنا العراق قمنا باكثرمن 400 حملة تفتيش ولم نجد شيئا ... لم نجد بينة مقنعة بأن الجانب العراقي عرف مسبقا ان المفتشين قادمون".
ليس هذا ما يود باول سماعه. " المفتشون يقدمون نتائج ...خيار التفتيش لم يبلغ نهايته". في غرفة المجلس رفض باول موجز بليكس واعتبره مجرد"سيرورة" وقال،" تلك حيل يتلاعبون بها علينا".
القى وزيرخارجية فرنسا كلمة بالمجلس قال فيها :"إن استخدام القوة سوف تكتنفه المخاطرة بالناس ، ومن أجل المنطقة ، والاستقرار العالمي يتوجب عدم التفكير بالحرب إلا كملاذ أخير.... فلا أحد هذه الأيام يدعي ان درب الحرب سيكون أقصر من درب التفتيش. ولا أحد بمقدوره الادعاء ان الحرب ستفضي الى عالم أكثر امنا ، أعدل، وأكثر استقرارا. إذن لنمنح مفتشي الأمم المتحدة مزيدا من الوقت".الجمهور المتكدس اطلق صيحات الاستحسان لخطاب الوزير الفرنسي،...لحظة ميزت الأمم المتحدة إجماع إرادة اممية لمقاومة الولايات المتحدة وهي تمضي في مسار الهيمنة بدون سبب إلا توسيع سلطتها.
بعد كلمة المندوب الفرنسي امام مؤتمر صحفي خارج قاعة مجلس الأمن سألته :" ما العمل لوقف الحرب؟ كرر القول ان فرنسا والدول الأخرى ستواصل مساعدة عمل مفتشي الأمم المتحدة.
يعد أيام قليلة وجدت نفسي وحيدا في ممر مع السفير البريطاني بالأمم المتحدة، جيريمي غرينستوك، سألته : الآن، وبعد 12 عاما من التقدم المضطرد في التفتيش الذي لا يزال مستمرا، ومع إعلان المفتشين عدم العثور على أسلحة إبادة شاملة ، ومع عراق لا يهدد أحدا ، لماذا هذا الاندفاع المفاجئ للحرب؟
أجاب السفير البريطاني، في لحظة غيرعادية من الصراحة والأمانة، " لآن واشنطون تقول هكذا، ببساطة واشنطون قالت ’إقفز!‘ وسألت لندن ’كم الارتفاع؟‘. باستثناء برلين وباريس انضمتا على غير عادة، الى بكين وموسكو لتقولا ’لا‘. "
غرينستوك بالذات هو الذي أعلن في 19 مارس / آذار، ان الديبلوماسية انتهت. عين على إثرها مساعدا للأميركي، باول بريمر، المندوب السامي بالعراق.
وبعد أيام عاد البرادعي ليصرح ،" فيما يتعلق بانابيب الألومنيوم قامت اللجنة الدولية للطاقة النووية، بإجراء تحقيق في محاولة العراق شراء كميات كبيرة من أنابيب ألومنيوم بأطوال عالية. أكدت العراق أن انابيب الألومنيوم تم شراؤها لإنتاج الصواريخ. وفيما بعد أبلغ البراذعي مجلس الأمن، "زودنا العراق بشروحات كاملة بعلاقتها مع النيجر ، ووصف الزيارة التي قام بها مسئول عراقي لعدد من بلدان إفريقيا، بما فيها النيجر، في شباط / فبراير 1999التي اعتقد العراق انها روجت التقارير.
"استخلصت اللجنة الدولية للطاقة النووية ، بعد تحليلات عانية ، وتعاون خبراء من خارجها ان هذه الوثائق التي شكلت القاعدة للتقرير المتعلق بصفقات اليورانيوم بين العراق ونيجريا هي في الحقيقة غير صحيحة، وتوصلنا بذلك الى استنتاج ان المزاعم بهذا الصدد لا أساس لها."
خرجت من مكتبي و مشيت في الممر الهابط الى الفضاء امام مبنى المؤتمرات لأجد ريتشارد روث مراسل سي إن إن وكاثرين ماكينزي يتحادثان. أعلنت ان البرادعي قبل قليل دحض حكايتي انابيب الألومنيوم والكعكة الصفراء من النيجر. قالت ماكينزي،" يصعب التفكير ان هذا الخبريحتل العناوين الرئيسة"، وكانت محقة؛ فلم يحتل دحض تقرير باول يوم 5 شباط العناوين الرئيسة . بدلا من ذلك شرعت ميديا الولايات المتحدة وبريطانيا ، خاصة التلفزيون، بغرافيك وموسيقى جديدين، تمهدان للاندفاع المجنون نحو الحرب.
كنت في ذلك الحين أبعث برسائلي الإخبارية الى جهات ثلاث:سلسلة كندية يطلق عليها ساوثام نيوز، تنشر "مونتريال غازيت" و اوتاوا سيتيزن ، فانكوفر صن وحوالي عشرة أخرى من الصحف؛ ومع جنوب إفريقيا راسلت اندبندنت نيوز أف ساوث أفريكا ، ناشري صحيفة ذا ستار في جوهانسبرغ ، ذا بريتوريا نيوز ، ذا كيب تايمز و14 صحيفة أخرى. وكنت أيضا لا أزال أراسل ذا بوسطون غلوب وصنداي تايمز، التي دخلْتُ في نقاش ودي مع مراسلها في واشنطون، لكنه حاد حول الاندفاع نحو الحرب. أبرزت في تغطيتي الإخبارية مقاومة اممية للاندفاعة نحو الحرب بقيادة ألمانيا وفرنسا، ولقيت الترحاب في جنوب إفريقيا لكن مكالمة من محرر الشئون الخارجية من اوتاوا أبلغني فيها ان ابنه ضابط في المارينز الكندي وهو متحمس للحرب وعلى تغطيتي ان تدعم الحرب . رفضت، فتقاريري تتضمن ما يجري بمجلس الأمن.
أعلن غرينستوك في 19 آذار ان الديبلوماسية انتهت، تركت الأمم المتحدة وعدت الى البيت الساعة الخامسة واندسست في الفراش بإحساس رعب لم أشهده في حياتي. بعد ذلك شاهدت مراسل محطة سي إن إن في الخارج ينقل عن سفينة حربية تعلن بابتهاج: "أهلا بالصدمة والرعب "، بينما صواريخ كروز تنطلق باتجاه العاصمة العراقية. في اليوم التالي أبلغتني ساوثام قرار فصلي من العمل.
اعتذار من صحيفة نيويورك تايمز
كانت الدعاية للحرب في ميديا الغرب من القوة بحيث قلة من المراسلين قاوموها، وبذا شملتني أريانا هوفينغتون في كتابها "الصحيح خطأ" ضمن قائمة الشرف للقلة من الصحفيين ممن رفضوا تقبل أكاذيب إدارة بوش التي أدت الى الحرب.
بعد أكثر من عام، في 26 مايو/أيار، نشرت نيويورك تايمز لقرائها اعترافها 2004 : انطلت عليها القصة الأكثر تلفيقا . من حيث الجوهر اعترفت التايمز ان أيديها ملطخة وهي تغرق في هيستيريا الحرب ولعبت دورا في التسهيل للكارثة نظرا لكونها خدعت ب" مصادر استخبارية" والمنشقين العراقيين الانتهازيين.
والأن نجد مادة كاملة بنيويورك ماغازين تبين كم كانت فادحة خطيئة نيويورك تايمز وبقية منابر الميديا إذ صدقت معلومات استخبارية اميركية معدة بإتقان تبرر قتل مئات ألوف البشر الأبرياء كانوا يعيشون على بعد آلاف الأميال من الشواطئ الأميركية.
لماذا لم يستقل باول؟
في إبريل 1980 استقال سلف باول بوزارة الخارجية ، سايروس فانس، بسبب معارضته لقرار الرئيس جيمي كارتر إرسال وحدة عسكرية أميركية ألى إيران لإنقاذ الرهائن الأميركيين هناك . لم يستقل سوى وزير خارجية آخر عام 1915، هو وليم جينينغز برايان، احتجاجا على سياسة إدارة وودرو ويلسون العدوانية تجاه ألمانيا . نشرت الخبر نيويورك تايمز إثر استقالة فانس. كم من الأرواح امكن إنقاذها في ظرف أشد خطورة حتى من الظرف الذي دفع فانس للاستقالة؟
لماذا توجب على باول أن يطيع رئيسه بوش مثلما اطاع رؤساءه العسكريين؟ بقي في منصبه الوزاري سنتين بعد الغزو. كان ضابطا شابا بالجيش المرابط في سايغون اثناء حرب فييتنام. طلب منه التحقيق في رسالة كتبها جندي صاحب ضمير أورد فيها عن مجزرة اقترفها الجنود الأميركيون بقرية ماي لاي؛ خلص باول من التحقيق في تقرير مسجل " دحض مباشر لما ورد برسالة الجندي نظرا لحقيقة ان العلاقات بين الجنود الأميركيين والشعب الفييتنامي ممتازة" . ولما سأله المراسل الصحفي،لاري كينغ عن موقفه في مقابلة جرت بعد غزو العراق أجاب باول ،" أقصد كنت في وحدة مسئولة عن ماي لاي. وصلت هناك بعد المجزرة ؛ لذا في حرب تحدث امثال هذه الأشياء الرهيبة في كل حين وحين، لكن يجب ان تقابل بالاستنكار".
يشير روبرت درابر، محرر "ذا تايمز ماغازين"، في صحيفته ان باول عارض غزو العراق، واعتقد أن الفكرة عممت بقصد التسلية ثم تنسى؛ غير انه تبين، في وقت متاخر، ان ديك تشيني، نائب الرئيس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وكوندوليسا رايز مستشارة الأمن القومي جادون. استند درابر الى مصدر في وكالة الاستخبارات المركزية ، الذي قال "كلنا انجرفنا مع التحضير للحرب". اما محلل الأخبار في السي آي إيه ، راي ماكغوفرن فقد أبلغ مجلة كونسورتيوم نيوز بعد تقاعده ان مدير الوكالة نصح باول الاستناد في كلامه امام مجلس الأمن الى تقدير للاستخبارات القومية، كما يقول ماكغوفرن، انه موجه " ’لتبرير‘ حرب وقائية ضد العراق ، حيث لا يوجد ما يتقى منه".
استند باول الى تأكيد مسئولين في السي آي إيه بأن معلوماتهم موثقة بان لدى العراق 100الى 500 طن من السلاح الكيماوي ، كلها انتجت في العام الماضي".
لم تعرف السي آي إيه إلا أن العراق امتلك مرة كمية من السلاح الكيماوي قبل حرب الخليج عام 1991. لكن سكوت ريتر يكتب في كونسورتيوم نيوز أن باول عرف ما كلف به: دعم تغيير النظام وطلب لذلك فكرة أكثر عقلانية.
تساءل درابر ماذا لو قدم باول استقالته بدل الذهاب الى جلسة مجلس الأمن؟ ماذا يحصل لو قال لبوش لا حين طلب منه التحدث لمجلس الأمن؟ بالتأكيد سوف يرغم على الاستقالة ، والعديدون ممن يعملون بالوزارة سيستقيلون . فكر الكثيرون بذلك في الصيف السابق.
لو أفرغ كبار موظفي وزارة الخارجية مراكزهم فإن صديق باول المقرب وزيرخارجية بريطانيا ، جاك سترو، يستقيل كذلك. قال سترو لي ،" لو قررباول الاستقالة قبل الحرب فانني حتما سأتبعه". حينئذ بلير سيفقد مكانته داخل حزب العمال –ولاضطر سحب تأييده للغزو او على الأقل لن يلقى التأييد بالبرلمان .