الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمواد الأُخرى


مالك ابوعليا
2023 / 3 / 22 - 13:27     

تأليف فاسيلي فاسيليفيتش دافيدوف*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

كما وضحنا في موضوع (خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد)، ترتبط بعض الصعوبات الجوهرية في استيعاب مفاهيم القواعد والرياضات داخلياً بمنهجية اختيار وتطوير مادة تعليمية تعتمد على النظرية التجريبية للتعميم. على ما يبدو، يُمكن، في المواد التعليمية الأُخرى أيضاً، اكتشاف تعبير مميز الى حدٍ ما عن هذا الارتباط. يظهر ذلك بشكلٍ أكثر وضوحاً في مناهج التعليم المُقررة للمدارس الأساسية. لكن يظهر أيضاً أن تأثيرها حاضر في الصفوف الأكبر، لا سيما في العمل الذي يقوم به الطلاب ذوي القُدرات المتوسطة أو الأقل من المتوسطة. هناك حقائق، في العديد من الدراسات السيكولوجية والتعليمية، تُشير الى صعوبات استيعاب المفاهيم في علم التاريخ، وعلم النبات والجُغرافيا وما الى ذلك، بسبب التأثير السلبي طويل المدى لخبرة الأطفال اليومية ولغياب المعايير الداخلية لتنسيق سمات مُعينة للمفاهيم، مما يؤدي الى الخلط بينها.
أجرى أ. ز. ريديكو في دراسةٍ له(1) بحثاً حول استيعاب المفاهيم التاريخية في الصفوف من الخامس الى السابع. لقد ثَبُتَ أنهم، في المقام الأول، يستوعبون السمات المعروضة بصرياً للأشياء التي تنعكس في مفاهيم مُعينة. على سبيل المثال، في مفهوم "العبد" هناك فهم أولي لتلك السمات مثل العمل الشاق (يُستعرض هذا عن طريق الصور)، وموقع ذليل في المُجتمع، وفقط في وقتٍ لاحقٍ الى حدٍ كبير، يتم استيعاب سمة مُهمة هي موقف العبد تجاه العمل، والذي يؤثر على انتاجيته المُنخفضة. في المراحل الأولى من استيعاب المفهوم، يوجد خليط من السمات التي تكون حينها عشوائية وخاصة، أو عامة قدر الامكان، أو كلاهما، ولكن بدون رابط داخلي يربط هذه السمات معاً. يتحدث ريديكو مجازيا عن مثل هذه المفاهيم: "اما يحوز هذا المفهوم على قاعدة فقط، أو قمة فقط، أو كليهما، ولكن وسطه فارغ". هذه المفاهيم هي وحيدة الجانب، وسماتها ليست مُنتظمة(2). يصل الأطفال الى تحديد وتنسيق السمات الرئيسية للمفهوم، فقط ببطئ وبشكلٍ تدريجي. يحدث الغياب المُطوّل لمثل هذه النظمنة المنهجية لسمات المفهوم عند مُعظم الطُلّاب لأن الأطفال لم ينطلقوا من القانون الأساسي الذي يُفسّر تطور المُجتمع من خلال ظروف حياته المادية، وخاصةً من خلال تطور وسائل الانتاج. هذا القانون لا يُعطى بعد في الصفين الخامس والسادس على أنه ضروري وجوهري، وبالتالي يقوم الطلاب بتفسير العديد من الأحداث التاريخية انطلاقاً من الأسباب الذاتية. يُصبح التغلّب على التفسيرات من هذا النوع وتحديد السمات الأساسية للمفاهيم وتنظيمها أمراً مُمكناً "فقط على مُستوى تطوّر مفاهيم عالٍ، للتشكيلات الاجتماعية، واستيعاب المبادئ الأساسية التي تحكم تطوّر المُجتمع البشري"، كما يقول ريديكو.
وهكذا، بقدر اجتياز الطلاب لعددٍ من الحِصَص، يتعلمون العديد من الحقائق المُتنوعة حول ظواهر وأحداث تاريخية مُعينة، وغالباً ما تكون هذه الحقائق مُترابطة بشكلٍ ضعيف ولا تُمثّل معرفةً مُنظمنة، مما يقود الى التشوش في ادراك الظواهر وتفسير غير صحيح للأسباب. يتم التغلّب على هذه المشاكل لاحقاً وعلى أساس استيعاب عميق لمفاهيم المبادئ التي تحكم تطور المُجتمع.
تُمكننا هذه المواد الوقائعية(3)، من طرح السؤال التالي: الى أي فئة من المعرفة يُمكننا أن ننسب الحقائق التاريخية التي لدى طُلّاب الصفين الخامس والسادس ان لم يعتمدوا بعد على المفاهيم العلمية الأساسية في تفكيرهم؟
برأينا، يُمكن أن تُعزى هذه الحقائق، سواءاً بطريقة تشكّلها أو سماتها الناتجة، الى المفاهيم والأوصاف التجريبية. يُمكن لهذه المفاهيم أن تكون صحيحة وواضحة، ومع ذلك، يُمكن أن تكون معرفةً بالسمات والخصائص الخارجية للظواهر التاريخية(4).
غالباً ما ترتبط هذه المعرفة بخصائص عامة ومُتطابقة شكلياً للعديد من الحقائق التاريخية المُماثلة، ولكنها لا تُعبّر عن خصوصيتها الحقيقة والأشياء التي تُميزها بالذات، وتفرّدها النوعي. وهذا أمر مُهم بشكلٍ خاص بالنسبة للمستوى المفاهيمي للإدراك. يُعبّر عن خاصية المعرفة التجريبية هذه بشكلٍ جيدٍ في عمل ريديكو:
"...ان تعيين الطلاب لسمات مفهوم الاقطاع، أو الظُلم أو العبودية، هو في الأساس تجريد لتلك المفاهيم، كنتيجة لحقيقة أن الطُلّاب، أثناء دراستهم لتاريخ عددٍ من الدول، قد أدركوا احدى الخصائص المُشتركة للعلاقات السائدة بين الشعوب، أي استطاعوا أن يستوعبوا ما هو مُشتَرَك بين تلك العلاقات، هذه الخاصية المُشتَرَكة واسعة جداً ومطاطية، والتي لا يزال من المُستحيل في أذهان الطُلّاب التفريق بين تمظهرها في كُلّ حُقبةٍ عن أُخرى، حيث يكون هناك اضطهاد وظُلم، في العبودية والاقطاعية والرأسمالية".
تُشير المُلاحظات والاختبارات الخاصة بمدى معرفة الطُلّاب في الصفوف المُختلفة، الى أن التوجّه نحو سمات الظواهر الخارجية المُتشابهة ولكن ليس سماتها المُحدّدة، هو مصدر العديد من الأخطاء والتفسيرات السطحية. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك. عندما سُئِلَ الطُلّاب: "من هم الذين كانوا يكتبون، العبيد أم مُلّاك العبيد؟" أجاب تلاميذ الصف الخامس: "الكَتَبة كانوا من ملاكي العبيد، لأن العبيد لم يكونوا يعرفون الكتابة والقراءة". عندما سُئِلَ الطُلّاب: "هل كان مُراقبوا العبيد Overseers عبيداً أم ملاكي عبيد؟" تلا ذلك اجابات من هذا النوع: "لم يكن المُراقبون عبيداً لأن العبد لا يقتل رفاقه، لكنه لم يكن ثرياً مثل ملاكي العبيد". هذه الاجابات تستند الى تقييم يقوم على الخصائص الخارجية لـ"الكَتَبة" و"العبيد" و"ملاكي العبيد".
كان على تلاميذ الصف الخامس أن يقرأوا نصاً حول مُقاومة شعب آسيا الوسطى الشديدة (الصغديين-بلاد الصغد) Sogdians لقوات الاسكندر المقدوني، وأن يُجيبوا بشكلٍ مُستقل على سؤال: "لماذا حارَبَ الصغديون المقدونيين بشراسةٍ لفترةٍ طويلة؟" (لم يُعالج النص أسباب نضال الصغديين). كانت الاجابات على النحو التالي: "لقد كانوا يُقاتلون من أجل الاستقلال، ولكن كُل بلد تريد أن تكون مُستقلّةً". "لقد كانوا يُحبون أرضهم الأُم"، وهكذا. كما يُلاحظ ريديكو، ظَهَرَت هنا، في الاجابة عن السؤال السابق معرفة الطُلّاب المُسبقة حول صراع الاغريق القُدامى مع الفرس، وصراع الروس مع السويديين، وما الى ذلك. الآن، هُنا، كما يقول ريديكو، "تفعّلَت معارف الطُلّاب حول الأحداث المُشابهة (لمقاومة الصغديين)-ولكن البعيدة عن بعضها، من خلال استخدامهم السمات الأكثر عموميةً لهذه الأحداث مُجتمعةً، من أجل تقديم تفسير لأسباب تلك المُقاومة". من الواضح أن مثل هذا "التفسير"، على قاعدة "السمات العامة جداً" والمُشابهة الخارجية، مُناسب جداً لجميع العصور التاريخية والشعوب، دون الكشف عن ما يُميّز أسباب وظروف نضال كل شعب على حدة في كُل مرحلةٍ تاريخية، من أجل الاستقلال. ومع ذلك، فإن التاريخ مدعو لإجراء تحليل لهذا النوع من التفرّد. فيما يلي مثال على اجابة جيدة لطالبٍ من الصف الثامن عندما سُئِلَ عن ما هي الطبقة الاجتماعية: "...الطبقة، هم أُناس... يعملون بشكلٍ مُشتركٍ معاً... مثلاً العمال، كانوا يعملون معاً، يقومون بالأشياء معاً، يُقاتلون معاً.. لديهم مصالح مُشتركة... ولكن هذا ليس كُل شيء على ما اعتقد... ان لديهم ظروفاً مادية مُشتركة... الطبقة هم أُناسٌ لديهم مصالح مُشتركة، وهم يعيشون نفس الظروف المادية". هذا المفهوم (الطبقة) هو مفهوم ذو تعريفٍ مُعقّد. لكنه قد قيل الكثير عنه قبل الصف الخامس. ولكن، حتى الطالب الجيد يجد صُعوبةً هنا في فرز السمة التي تُميّز الطبقة في صيغتها النظرية. يُشير ريديكو الى أن الطلّاب، في مثل هذه الظروف، يتجهون عادةً الى الأمثلة العيانية للتوضيح. هذا دليل على الصعوبات التي يُواجهها الطلاب حتى في الصفوف العُليا عند الانتقال لدراسة المفاهيم، والعمل على المُستوى التجريدي.
الواقع التاريخي مُعقّد للغاية ومُتناقض وديناميكي. يفترض تحليل وتفسير أحداثه المُعيّنة مُراعاة العديد من العوامل في ترابطها الداخلي وفي تطورها. هُنا، وليس في أي مكانٍ آخر، يوجد تباين في الجوهر والظاهرة، والداخلي والخارجي، والحقيقي والظاهري. ان غرس تقنيات مهارة التحليل ومهارة التعامل مع المفاهيم التاريخية لدن الحل المُستقل للمسائل التاريخية، هي مسألة مُطوّلة ومُعقّدة، والتي لا يزال العمل عليها ضعيفاً الى حدٍ كبير. كما أَظهَرَت دراسة لإدوارد جينريخوفيتش زاليسكي Eduard Genrikhovich Zalessky، حتى طُلّاب الصف العاشر يواجهون صعوبةً في تحليل الأحداث التاريخية المعروفة لهم بشكلٍ عام (على سبيل المثال، كان تحديد الأهمية الحقيقية لأحداثٍ مُعينة بشكلٍ مُستقل مُمكناً لـ46 طالباً فقط من أصل 283 من الذين تم فحصهم). يكتب زاليسكي: "لا يُتقن العديد من الطلاب طريقة التحليل العلمي للمواد الوقائعية،وبالتالي توجههم أحاسيسهم وعواطفهم الشخصية في تقييمهم المُستقل لمُختلف الأحداث التاريخية". ويُمكل زاليسكي: "نتيجةً لذلك، في الحالات التي لا يتطابق فيها الموقف تجاهَ حَدَثٍ ما، مع أهميته الحقيقية، فإن تقييم الطلاب للاحداث يُثبت بأنه خاطئ"(5). ان للصعوبات في تشكيل الفكر النظري في مجال التاريخ لها أسبابٌ عديدة. لكن بعضها، بقدر ما يُمكن الحُكم عليه من خلال الحقائق المذكورة أعلاه، مُتجذّر في المنهجية التجريبية لتملّك واستيعاب المعرفة التاريخية النموذجي لمدارسنا.
يُقدّم علم النباتات كموضوعٍ دراسيٍّ للطلاب مواد وصفية واسعة الى حدٍ كبير. الشرط الضروري للتوجه الصحيح في هذا الموضوع الدراسي هو الوضوح في تصنيف وتنسيق سمات النباتات. يرتكب طُلّاب الصف السادس أخطاءاً مُميزة، في تعلّمهم لعلم النباتات، كما توضّح دراسة أجرتها اي. كودريافتسيفا. والسبب في ذلك هو التناقض في التشابه الخارجي المُعتاد في أي نبات، والأُسس الحقيقية لتصنيفها. وهكذا، لا ينسب بعض الطلّاب الخيزران والقصب الى الحبوب، لأنه يُلاحظ عندهما الاختلاف بين ساقيهما الخشبي والساق العُشبي للنباتات الحبوبية الأُخرى. من المُثير للاهتمام أن التعميمات الخاطئة في تسمية أجزاء النباتات تنشأ بشكلٍ رئيسي فيما يتعلق بتلك الأجزاء غير النمطية التي لا يتوافق تشابهها الخارجي مع القرابة الداخلية. يفترض الطُلّاب أحياناً أن السمة الرئيسية للجذر هي وجوده في الأرض(أ). هذه السمة مرئية وتتوافق مع الخبرة العملية اليومية للأطفال (لذلك، من وجهة نظرهم، فإن جميع أجزاء النبات الموجودة تحت الأرض، هي جذور). يصعب على الطلاب استيعاب السمات الأساسية للجذر (بُنيته، وظيفته)(6).
وَصَفَت ايفغينا نيكولاييفنا كابانوفا-ميلر Evgenia Nikolaevna Kabanova-Meller التعميم غير الصحيح الذي طوّرَه بعض طلاب الصف الخامس عند تشكيل المفهوم الجغرافي (مستجمَع مائي) watershed. يوجد رسم في الكتاب المدرسي يُمثّل نموذجاً لمُستجمعٍ مائي. يظهر ارتفاع طفيف يتدفق منه جدولين في اتجاهين. اعتمَدَ الطلاب على هذا النموذج عند تعلّم المفهوم. ثم سُئِلوا السؤال التالي: "هل سلسلة جبال القوقاز الوسطى، هي مُستجمعٌ مائي؟". أجاب الطُلّاب الأضعف على ذلك بالنفي، لإنه من وجهة نظرهم "مُستجمع المياه هو مكان مُرتفع، لكن القوقاز جبال كبيرة". لقد اعتمدوا على التعميم البصري الأولي الذي نشأ عند النظر في نموذج لنمطٍ واحدٍ من المُستجمعات المائية، واعتبروه سمةً غير أساسية فيه (ارتفاع طفيف)، وكأنها سمة لازمة للمُستجمع المائي(7).
في دراسةٍ قامت بها ايرينا فلاديميروفنا زايكوفا irina vladimirovna zykova(8)، تم ايجاد حقائق مُماثلة بالمعنى السيكولوجي بين طلاب الصف السادس في تشكيلهم المفاهيم الهندسية. وهكذا، قد يُعطي المُعلّم تعريفاً لفظياً لمثلثٍ قائم الزاوية فيما يتعلق بتنويعةٍ معيّنة على شكل رسمٍ تكون فيه الزاوية القائمة في القاعدة. في وقتٍ لاحق، لم يجد عدد من الطلاب (20 طالب من أصل 36) عند اعطاء تعريفٍ مُناسبٍ لهذا المُثلث، في رسمٍ توجد فيه الزاية القائمة في الأعلى (أطلقوا عليه مُثلث حاد الزاوية). وبالتالي، فإن وضعية الزاوية القائمة في الرسم صار بالنسبة لهم سمة لتعريف المُثلثات من هذا النوع. تم العثور على حقائق مُماثلة أيضاً فيما يتعلق بمفاهيمَ أُخرى (على سبيل المثال اعتبَرَ بعض الطلاب المُنحنيات ذات الشكل المُتموّج بأنها "خطوط مُنحنية"، ولكنهم لم يستطيعوا أن يجدوا "خطاً مُنحنياً" في مُنحنى قوسي). تُشير هذه المواد، وما شابهها، على أن تفكير طلاب الصف السادس لا يزال مُعتمداً بصرياً. انهم يميلون الى ربط سمات التعريفات اللفظية بالأشكال والتصويرات والرسومات العيانية التي حدثت في تجربتهم المُباشرة.
الحقائق المُتعلقة بالتعميمات الخاطئة للمواد الجُغرافية والهندسية مُثيرة للاهتمام في الكشف عن الدور الكبير الخاطئ الذي تلعبه الرؤية حتى في تفكير طُلّاب الصفين الخامس والسادس. ولكن توجد ميزة سيكولوجية مُهمة أُخرى لتفكير هؤلاء الطلاب هنا أيضاً. من المعروف أن طريقة النظر في أي استعراضات وتطبيقها، وخاصةً الرسومات والمُخططات، تختلف اختلافاً جوهرياً عن الأشياء الحقيقية التي تقف خلفها. ان للرسومات والمُخططات (مثل النماذج الأُخرى) غرضاً مُحدداً تماماً يتمثّل في تمثيل جوانب مُعينة فقط من الأشياء الحقيقية، وحتى هذه الجوانب تتحدد في شكلٍ "خالص". لذلك، من الضروري أن تكون هناك علاقة ادراكية مُعيّنة تجاه الرسومات والمُخططات، وأن يكون هناك منهجية خاصة لـ"قرائتها" حتى نتمكن من رؤية التجريدات ورموز المفاهيم المُمثلة فيها. في هذه الحالة، يُجرّد الشخص نفسه حتماً من العديد من السمات المادية للرسم، دون الالتفات اليها. وبالتالي، هناك العديد من التفاصيل المهمة بالنسبة للشيء الحقيقي وللعمل الفعلي معه، لكنها يُمكن أن تفقد أهميتها عندما يتم تمثيل هذا الشيء في رسم أو مُخطط، وأثناء التعامل المعرفي معه.
الطلاب الذين "أخذوا في الاعتبار" الارتفاع (حول المُستجمع المائي) وموقع الزواية القائمة في المُخطط، يحوزون بالتأكيد، على قوة مُلاحظة مُمتازة، لكنهم لم يفهموا وظيفة المُخططات والرسومات. لقد قاربوها على أنها أشياء مُميزة وخاصة، ولكن ليس على أنها أشياء حقيقية في سلسلة من الأشياء الأُخرى ("الرؤية الطبيعية"). لو كان هؤلاء الطلاب قادرين على قراءة المُخططات والرسومات، لكانوا استطاعوا فرز حدود المُستَجمَع المائي واستوعبوا جوهره المُجرّد حتى باستخدام الرسم غير المُتقن، وكانوا قد حددوا حجم الزاوية القائمة في مثلثٍ قائم الزاوية، بصرف النظر عن موقع الزاوية. يجب أن يتمثل المخرَج لهؤلاء الطُلّاب في استيعاب المنهجية العامة في قراءة الرسومات والمُخططات باعتبارها تمثيل لعلاقاتٍ مكانية، وليس مُجرّد مُلاحظة سلسلة من المُثلثات المُتنوعة. تجدر الاشارة الى أن استدخال الرسومات الهندسية في الصفوف الابتدائية يبدو غير مصحوباً بتعليم الطلاب طريقة قراءتها-يتم تقديم الرسومات هنا كصور عادية، نُسَخ من المثلثات "الحقيقية" والدوائر، وما الى ذلك. هذا الميل نحو "تطبيع" naturalize الرؤية الرمزية موجودة في الصفوف المتوسطة، مما يُصعّب بلا شك استيعاب الهندسة (يظل تفكير العديد من الطلاب مُعتمداً على النظر).
في نهاية اطلاعنا على المواد التجريبية، نعتبر أنه من المُستحسن أن نذكر نتائج تجارب ريفاز غريغوريفيتش ناتادزه Revaz Grigorievich Natadze(9)، والتي تؤكّد بعض الصعوبات في تشكيل المفهوم بين الطلاب الأصغر سناً. في بعض التجارب الخاصة، تم تعريف الأطفال بالسمات الأساسية للثديات والأسماك والطيور والحشرات، ثم المظهر الخارجي لمُمثلي تلك الممالك النموذجيين. تم حفظ هذه السمات بدقة. ثم تلقّى الأطفال بعض الصور لحيواناتٍ تنتمي الى مملكةٍ ما في مظهرها الخارجي ولكنها في الأساس، تنتمي الى مملكةٍ أُخرى (على سبيل المثال صور حوت وخفاش، الخ). كان عليهم أن يصنفوها في مملكةٍ معروفة. ثم حصلوا على واجبٍ يتم فيه تصنيف الحيوانات وفقاً لمتطلبات غير مُباشرة (على سبيل المثال، كان عليهم الاجابة على سؤال: "أي الثديات هي الأقوى؟"). صنّفَ طلاب الصف الأول الحيوانات من خلال المظهر الخارجي فقط، دون أن يُلاحظوا أنها قد تحوز سماتٍ أساسية (الحوت-هو من مملكة الأسماك). اعتمد طلاب الصف الثاني أيضاً على المظهر الخارجي، ولكنهم تمكنوا من الاعتماد على السمات الأساسية في التصنيف بمساعدة المعلم. ولكنهم انطلقوا مرةً أُخرى من الخصائص البصرية في المواقف التي تطلبت تصنيفاً غير مُباشراً ("أقوى حيوان ثديّ، هو الفيل"، وليس الحوت). حاوَلَ تلاميذ الصف الثالث الجمع بين مملكتين (الحيوان ينتمي الى الأسماك والثديات). في الصف الرابع، أخذَ الطلاب السمات الأساسية في الاعتبار عند تصنيف الحيوانات التي يبدو أنها مُتناقضة، ولكنهم اعتمدوا غالباً على السمات الخارجية في الواجبات غير المُباشرة.
توضّح هذه المواد، أن الطلاب في الصفوف الابتدائية لديهم فهم جيد للسمات المُتشابهة بصرياً لمجموعةٍ من الكائنات. يُمكن أن تكون السمات الأساسية التي تم تعليمها للطلاب لفظياً معروفةً جيداً لهم، ولكن ان تباعدت أُسس التصنيف، فإنهم يتوجهون في المقام الأول الى التشابه البصري، مُتجاهلين الحقائق الأُخرى المعروفة والمهمة.
ذكرنا سابقاً، بعض الأمثلة على التعميمات غير الصحيحة في علم النبات والتي لوحِظَت بين طلاب الصف السادس. لقد تصرّفوا، من حيث الجوهر، كما تصرّفَ الطلاب الأصغر سناً، حيث قاموا بالتوجه نحو السمات البصرية (الجذور موجودة في الأرض)، وتجاهلوا وظائفها الحقيقية. وصفنا في وقتٍ سابقٍ أيضاً المواد التي تُشير الى أن الطلاب توجهوا نحو السمات العشوائية المرئية في التعامل مع المواد الهندسية. تُظهِر كل هذه البيانات، أن طريقة حل وضعيات "التناقض" التي لوحِظَت عند طلاب الصفوف الابتدائية ليست غريبةً على عددٍ معيّنٍ من طلاب الصفوف الأكثر تقدماً أيضاً، اولئك الذين يعتمدون فقط على التشابه الخارجي للأشياء والظواهر التي يجب تصنيفها عند حل مسائل معينة.

* فاسيلي فاسيليفيتش دافيدوف 1930-1998 عالم نفس وأكاديمي سوفييتي. تخرّجَ عام 1953 من قسم السيكولوجيا التابع لأكاديمية الفلسفة في جامعة موسكو الحكومية. كرّسَ مُعظم أعماله لعلم النفس التربوي والمعايير العُمرية للنمو العقلي. طبّقَ الاتحاد السوفييتي نظريات دافيدوف التعليمية ونظرياته حول تدريس الرياضيات واللغة الروسية والجغرافيا وتم اختبارها في المُمارسة في مدرسة موسكو التجريبية. بحَثَ باحتراف لسنوات طويلة حول المسائل النظرية والمنهجية في التفكير والنشاط وعلم النفس التاريخي الثقافي.
من أعماله: (أنواع التعميم في التدريس-المسائل المنطقية والسيكولوجية) 1972، (مشاكل تطوير التعليم) 1986. ومن مقالاته: (تحليل بُنية الفعل العقلي) 1960، (حول مفهوم الشخصية في السيكولوجيا الحديثة (1988).

1- A. Z. Red1o. “Usvoenic istoricheskikh ponyath uchashchiniisya V-VII[ klassov” [Mastery of History Concepts by Students in Grades 5-7]. Izvestiya APN RSFSR [Proceedings of the RSFSR Academy of Pedagogical Sciences], No. 28, 1950.
A. Z. Red’ko. “Psikhologicheskie osobennosti usvoeniya istorii uchashchimisya IV-VIII klassov” [Psychological Features of the Mastery of History by Students in Grades 4-8]. In the collection Psikhologiya usvoeniya istorii uchashchimisya [Psychology of the Mastery of History by Students]. Ed. A. Z. Red1o. Moscow: Publishing House of the RSFSR Academy of Pedagogical Sciences, 1961
2- وَصَفَت ل. م. كوديوكوفا ميزات مُماثلة للمعرفة التاريخية لطلاب الصفوف الابتدائية في عملٍ مُفصّلٍ لها.
L. 1. Kodyukova. “Tsikhologiya usvoerdya istoricheskikh ponyatii uchashchimisya IV klassa” [Psychology of Fourth Graders’ Mastery of Historical Concepts). Izvestiya APN RSFSR [Proceedings of the RSFSR Academy of Pedagogical Sciences]. No. 61, 1954
3- يعزو ديديكو هذه المراحل في استيعاب المفاهيم التاريخية الى الظروف الملموسة التي يجري فيها البحث. برأيه، يُمكن أن تكون مراحل الاستيعاب مُختلفة عندما تكون منهجية التدريس أكثر اتقاناً. برأينا، تعكس المواد التي حصلنا عليها، الحالة النموذجية لمراحل الاستيعاب.
4- كل هذا، بالطبع، لا يستبعد الامام الطُلّاب بالمُتطلبات الصحيحة الخاصة بالمفاهيم العلمية (على سبيل المثال، التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية) والتي لها تأثيرمُتزايد على طابع المعرفة من صفٍّ الى آخر. يجب أن يؤخذ في الاعتبار أيضاً، أن مؤلفي الكُتُب المدرسية، لدن اختيارهم لها وتحديد توجهها، يسترشدون باعتباراتٍ علميةٍ مُعينة (على سبيل المثال، استعراض المعلومات الذي يُشير بطريقةٍ أو بأُخرى الى أنماط الانتاج وعلاقات الانتاج في كُتُبنا المدرسية).
5- G. E. Zalesskii. “Tormirovanie priemov nauchnoi otsenki yavlenii kak put’ izuchefflya ubezhderdi shkol’nikov (na materiale istorii i obshchestvovedeniya)” [The Formation of Techniques of Scientifically Evaluating Phenomena as aWay to Study Students’Beliefs (Based on Material from History and Social Sciences)]. In the collection Psikhologicheskie problemy formirovaniya nauchnogo mirovozzreniya shkoFnikov [Psychological Problems of the Formation of Students’ Scientific World-View]. Ed. N. A. Menchinskaya. Moscow: “Prosveshchenie,” 1968.
أ- الجذر، في علم النبات، هو ذلك الجزء الذي قوم بوظيفة امتصاص المعادن والماء وتوصيلها الى الساق، وتخزين الغذاء الاحتياطي. ليس بالضرورة أن يكون الجذر في التراب، هناك نباتات تمتلك جذوراً هوائية مثل شجر المانغروف Mangrove الاستوائي ونبات اللبلاب Ivy. هناك نوع من الأشجار الذي يُخزّن الماء في جذعه الرئيسي، وهذا الجذع، هو جزء من الجذر، تشريحياً.
6- E. M. Kudryavtseva. “Psikhologicheskii analiz trudnostei v usvoenii botaniki uchashchimisya V-VI klassov” [Psychological Analysis of Difficulties in Learning Botany among Students in Grades 5 and 6]. Izvestiya APN RSFSR [Proceedings of the RSFSR Academy of Pedagogical Sciences], No. 61, 1954
7- E. N. Kabanova-Meller. “Psikhologicheskii analiz prirneneniya geograficheskikh ponyatii i zakononiemostei” [Psychological Analysis of the Application of Geographic Concepts and Principles]. Izvestiya APN RSFSR [Proceedings of the RSFSR Academy of Pedagogical Sciences], No. 28, 1950
8- V. I. Zykova. Ocherki psikhologii usvoeniya nachal’nykh geometricheskikh znanii [Essays on the Psychology of Mastery of Elementary Geometry Information]. Moscow: Uchpedgiz, 1955
9- R. G. Natadze. “Ob ovladenii ‘konkretnymi’estestyennonauchnymi ponyatiyami v shkole” [On Mastery of “Concrete” Natural Science Concepts in School]. In the collection Materialy soveshchaniyapopsikhologii [Materials from a Conference on Psychology (July 4-6, 1955)1. Moscow: Publishing House of the RSFSR Academy of Pedagogical Sciences, 1957.


ترجمة لمقالة:
Soviet studies in mathematics education, Article: The Empirical Character of Generalization as One of the Sources of Difficulties in Mastering Instructional Material, 1990, Volume 2, P71