أوراق نوروزية


صلاح بدرالدين
2023 / 3 / 21 - 13:19     

الآن ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين – ميلادي – وهي المدة الزمنية مضافا اليها مئات أو آلاف السنين ماقبل الميلاد ، التي وقعت فيها بحسب المؤرخين أحداث مناسبة – نوروز – في امبراطورية ميديا ، التي ضمت شعوبا قديمة من بينها الكرد ، وامام العديد من التفسيرات التاريخية المتفاوتة والتي اخذت أحيانا صفة الاساطير ، اختار شعراء الكرد منذ ظهور الوعي القومي ومن بينهم احمدي خاني ، وملايي جزيري ، وفقي تيران ، ، التفسير المنسجم مع الكفاح التحرري ، والخلاص ولو بصورة رمزية احيانا كملحمة عشق لم تتحقق ، وكان خاني الأكثر وضوحا حيث ربط اليقظة القومية ، والاستقلال بنوروز .
في البدايات لم يكن نوروز معروفا لدى جيلنا الكردي السوري ، وبعد مطالعتنا للكتب المتعلقة بتاريخ الكرد ، وآدابهم ، وديوان الشاعر جكرخوين الأول – ثورة الحرية – وملحمة – مم وزين – بالكردية والعربية ( وجميعها كانت ممنوعة التداول في المكتبات ) وبفضل تلك المصادر السالفة ذكرها ، وأدبيات الحركة الكردية في العراق ، عرفنا عن مناسبة – نوروز – وقيمتها في تاريخ الكرد ، وحتى ذلك الوقت لم يكن الاحتفاء بهذه المناسبة معمولا به لدى الكرد السوريين الا في حالات فردية نادرة ، وفي احدى اجتماعات لجنتنا الفرعية تم طرح موضوع نوروز واتفق الرأي على اخذ موافقة القيادة للسماح لنا باحياء المناسبة في البيوت وليس بشكل جماهيري لاسباب أمنية بالدرجة الأولى ، وجاء الجواب بالموافقة .
هناك شعوب أخرى بالمنطقة تحتفل بنوروز وكل شعب على طريقته ، واحيانا بتواريخ مختلفة ، وبمناسبات دينية واجتماعية ، او لاستقبال فصل الربيع ، اما لدى الكرد فنوروز – ومعناه بالكردية اليوم الجديد – عيد قومي مسكون بالحرية ، يرتبط بانتفاضة الأسطورة كاوا الحداد ضد الملك الظالم المستبد – ازدهاك - قبل ميلاد المسيح بمئات السنين ، إضافة الى تزامن المناسبة مع بداية فصل الربيع في مناطق كردستان التاريخية ، ولكن اعود وأقول فلتتشارك الشعوب جميعها بالاحتفاء بهذه المناسبة التي لن تزيدها الا معاني إنسانية ، وقيما تاريخية اصيلة .
سبق لي ونشرت في مذكراتي انني كنت العضو الأصغر في الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا قبل تغيير اسمه الى الكردي ، بشهادة مسؤولينا الأوائل ، حيث انتسبت لصفوف الحزب بعد أشهر من تأسيسه عام ١٩٥٧ وكنت في المرحلة الابتدائية بمدرسة صلاح الدين ، وقد كان للتنشئة العائلية ، ومعلمي المربي السيد ملا رمضان برزنجي الدور الأساسي في مراكمة الوعي الذاتي لدي ، وبعد الانتقال للمرحلة الإعدادية بمدرسة العروبة ، قررت اللجنة المنطقية للحزب بالجزيرة تشكيل لجنة فرعية لادارة تنظيم الطلاب بالقامشلي وكنت من بين أعضائها ولم يكن عمري قد تجاوز السادسة عشرة عاما ، وبالمناسبة كان تنظيمنا الحزبي الأكبر ، والانشط بين صفوف الطلبة حينذاك .
وفي عام ١٩٦٢ وللمرة الأولى تكلفت والمرحوم – نوري حاجي – رفيقي وزميلي في اللجنة الفرعية بالاشراف على احياء – نوروز – في مدينة القامشلي بعدة منازل ، وان لايتجاوز عدد المشاركين عشرة في كل بيت بين رفاق وانصار الحزب ، وقد تم ذلك في عدة أماكن ، وكان البرنامج اشعال الشموع ، وشرح تاريخي لهذه المناسبة كعيد قومي للشعب الكردي في كل مكان ، لا أتذكر أسماء الحضور فقط أتذكر انني دعوت الأخ د محمد عزيز ظاظا الى احد تلك الأماكن وكنا معا في المدرسة كصديق للحزب حينذاك .
لم اكن مطلعا على المناطق الأخرى ، ولم اعلم هل حصل فيها كما حصل بالقامشلي ام لا ، ولكن مااعرفه ان طريقة الاحتفال بنوروز تطورت في الأعوام التالية ، ووقعت أحداث دامية ، وقدم الكرد السورييون شهداء من اجل الاحتفال بهذا العيد ، وفرضه بالرغم من كل الوسائل الاجرامية القمعية من جانب نظام البعث الاسدي ، وكان الشهيد – سليمان ادي – في مقدمتهم ، الى ان تحولت الى عيد شعبي كما نراه الان .
وهكذا فقد كان الاحتفال بنوروز بالبدايات في عداد المهام النضالية المحفوفة بالمخاطر ، ونوعا من أنواع المواجهة السياسية مع نظام الاستبداد ، والفضل يعود في ذلك الى المناضلين الأوائل أما الآن فقد اصبح مظهرا احتفاليا يكاد يفرغ من مضمونه التاريخي العميق بعد استغلاله من جانب بعض الأحزاب والمقاولين ، خصوصا بين أوساط كرد الشتات .
وفي العام الحالي وبعد كارثة الزلزال ، طالب البعض بعدم احياء المناسبة وذلك احتراما للضحايا ، مقابل مطالبات بالاستمرار في إقامة الاحتفالات ، وكما اعتقد وبما ان الكرد يعيشون على الدوام في ظروف قاسية ، ويواجهون النكبات السياسية ، والكوارث الطبيعية ، الا ان الحياة لن تتوقف بل يجب ان تستمر ، ويمكن الاحتفاء بنوروز وسائر المناسبات القومية ، والوطنية بالطرق المختلفة ، وخصوصا في أحضان الطبيعة ، بحيث يراعى الظروف المحيطة ، والمشاعر العامة .
وكل نوروز وشعبنا الكردي وكل السوريين بخير وسلام