الرأسمالية والإنفاق على أسلحة الدمار الشامل


رضي السماك
2023 / 3 / 20 - 21:46     

يستخدم الفنان العالمي فابيو كومباريليلي ملف الذكاء الاصطناعي في تصميم لوحاته الفنية، وقد حازت لوحته المتحركة الأخيرة متعددة المشاهد عن تطور أسلحة الحروب من الحجارة إلى السلاح الذري على اعجاب منقطع النظير، حيث أنتشرت على نطاق واسع في "السوشيال ميديا" ووسائل الإعلام العالمي. على أن لقطة النهاية التي توضح أنفجار قنبلة نووية في الفضاء المنخفض على إحدى المدن الحديثة، جاءت خاطفة وسريعة جداً . وكم كان جميلاً لو أعطى كومباريليلي لقطة النهاية حقها؛ بالنظر للخطورة المتناهية للأسلحة النووية باعتبارها أخطر وسائل الإبادة الشاملة، بحيث تشمل اللقطة مشاهد لمدينتي هيروشيما ونجازاكي بعد جريمة تدميرهما بالسلاح النووي الأميركي نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك لو أعقبتها صور للأهوال غير المسبوقة التي عانى منها سكان المدينتين المنكوبتين موتاً بطيئاً، أو قتلاً على الفور بالإشعاع النووي، لكانت لوحة الفنان أكثر تأثيراً في رسالتها الإنسانية.
وعلى صلة بالموضوع، فلعل من دواعي السخرية ما يشهده مجتمعنا الدولي المعاصر من اختلال في موازين العدالة الدولية، ذلك أن الولايات المتحدة التي هي من أكثر الدول أمتلاكاً للرؤوس النووية مازالت مستمرة في مضاعفة ترسانتها النووية ، حتى بعد أنتهاء الحرب الباردة، وهي من نصّبت نفسها شرطياً دولياً لتأديب ومراقبةالدول التي يشتبه في أجرائها تجارب نووية، متخطية بذلك أختصاص وكالة الطاقة الذرية، وهي نفسها التي لا تتوانى عن الدخول في سباق دولي لامتلاك أكبر مخزون من الرؤوس النووية وتطوير أسلحتها النووية والفضائية تكنولوجياً بمديات غير مسبوقة منذ أنتهاء الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن أمتلاكها مختلف أسلحة الإبادة الشاملة الأخرى . وهكذا فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية يشهد العالم مفارقة مذهلة، إذ بالرغم مما وصل إليه الفكر الإنساني الحقوقي الدولي من تطور كبير،حيث اُقرت معاهدات متعددة لتجريم أسلحة الإبادة الشاملة، فإن كل هذه الاتفاقيات تتجاهل ماتملكة الدول الكبرى من أسلحة نووية وضروب أسلحة الدمار الشامل الاخرى من حيث تناول تصفيتها وبآليات تنفيذية محددة الزمن بصورة جدية ! والحال إذا ما تمعنا في خطورة هذه الأسلحة وما تشكله من رعب حقيقي مسلط على رؤوس البشرية، لا بل كوكبنا برمته، فإن الولايات االمتحدة والدول النووية الاخرى لم تصرف مئات المليارات على أمتلاك الأسلحة النووية وسائر أسلحة الإبادة الجماعية ترفاً وزينة، بل ثمة تبييت نية إذا ما أستدعت الضرورة بعدم التورع لاستخدام أي منها مهما كانت الكارثة التي ستلحق بكوكبنا جراء ذلك، وأية كارثة ؟.
ومن المؤسف أن التطور الهائل الذي حصل في الثورة العلمية والتكنولوجية لا يوازيه تطور في التطبيق العملي للفكر الإنساني والفلسفي الحقوقي، وتمثل ضمن ما تمثل في نصوص تلك المعاهدات والأتفاقيات الآنفة الذكر، إذ أن ترجمتها على أرض الواقع يكاد يكون صفراً.وإذا كان يمكن فهم سعي دول عديدة ،جلها شمولية ودكتاتورية، لامتلاك السلاح النووي، فكيف لنا أن نفهم صمت برلمانات وشعوب دول ديمقراطية متقدمة على هذا الإنفاق الرهيب- الذي يستنزف مواردها المالية والاقتصادية- على تطوير ومضاعفة مخزونها النووي؟ وهو الذي يأتي على حساب التنمية والرفاه والتقدم الاجتماعي والحضاري لتلك الدول الرأسمالية الديمقراطية نفسها، دع عنك دور سياساتها الخارجية، ولاسيما الولايات المتحدة في خلق بؤر التوتر الدولي المفضية إلى حروب أقليمية خطيرة، ولعل آخرها وأخطرها الحرب الروسية- الأوكرانية الراهنة الدائرة منذ أكثر من عام حيث تنفق الدول الغربية الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أرقاماً فلكية مهولة ببلايين الدولارات من خلال ما تقدمه من دعم سخي لأوكرانيا تسليحاً ودعماً مالياً على مدى تعاقب أسابيع وشهور الحرب منذ بدءها. ولا يمكن فهم الأزمات الاقتصادية والمعيشية المحتدمة الراهنة في هذه الدول بمعزل كلي عن ذلك الإنفاق على تلك الحرب وغيرها من الحروب التي تشعلها وتتسبب فيها الولايات المتحدة والتي وقودها شعوب لا ناقة لها ولا جمل فيها، فيما تحقق منها شركات ومصانع الأسلحة الغربية مكاسب مالية فاحشة بمئات المليارات من الدولارات .