آفات انتشار المخدرات في العراق


مصطفى محمد غريب
2023 / 3 / 17 - 02:49     

المخدرات وبخاصة الترياق الإيراني والحشيش المعروف كانت موجودة ولكن ليست بما هي عليه الآن، تسعفني ذاكرتي بعد انقلاب 8 / شباط / 1963 المشؤوم كانت توجد اماكن ومقاهي في باب الشيخ وبني سعيد ومنطقة الفضل والكرادة ومناطق في الكرخ كانت تدار من قبل البعض من "الاشقيائية " وعصابات للتهريب، البعض منها بعلم مراكز الشرطة وفق عمولات متفق عليها، لم تبق هذه الحالة البدائية بعدما تطورت الاوضاع وبخاصة الزيادة المطردة في عدد السكان وارتفاع نسب البطالة والفقر ثم استمرت الحالة بدون إيجاد حل جذري حتى سنت قوانين تحمل في طياتها عقاب يصل إلى الاعدام لكن ذلك لم يفد ولم يمنع تجار المخدرات من مواصلة عملهم في التهريب فحسب بل توسعوا فيها بإضافة انواع أُخرى من المخدرات وتوسعت قاعدة المدمنين وانظمت فئات جديدة مع ازدياد عدد السكان وهذه القضية مرت بمراحل عديدة
ـــ المرحلة الاولي: العهد الملكي
ــــ المرحلة الثانية: ثورة 14 تموز 1958
المرحلة الثالثة : انقلاب 8 شباط الدموي المشؤوم بقيادة القوى القومية ضمنها حزب البعث العراقي
المرحلة الرابعة : حكم الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف وإسقاط حكم حزب البعث العراقي
المرحلة الخامسة: انقلاب 17 تموز 1968 بقيادة حزب البعث العراقي وتحالفه المشبوه
المرحلة السادسة: احتلال العراق واسقاط سلطة صدام حسين وحزب بعث العراق
ولهذا نجد أن لكل مرحلة من المراحل حدوث تطور في انتشار المخدرات وتعاطيها حتى كانت هناك قفزات اثناء الحرب العراقية الإيرانية، ولكل مرحلة اساليب وخطط ونتائج تحتاج الى تفاصيل كثيرة ولهذا سوف نتناول النتائج الاخيرة لهذه المراحل وسنحاول ذكر التفاصيل في عدد من النقاط تشمل كل المراحل ، أما مرحلة الاحتلال والسقوط فسوف نحاول جهد الإمكان ذكر التفاصيل الرئيسية لانتشار المخدرات بكل اصنافها
1 ـــ الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة
2 ـــ الحروب الداخلية والخارجية من قبل النظام السابق
3 ـــ عدم وجود فرص عمل وارتفاع الأسعار
4 ــــ البطالة التي تضاعفت نتيجة الحروب والإرهاب
5 ـــ سقوط النظام واحتلال البلاد
6 ـــ نظام المحاصصة الطائفية
7 ــ ظهور المافيا المنظمة التي تقوم بكافة الاعمال الاجرامية بما فيها التخصص في تهريب المخدرات المختلفة والمتاجرة بالسلاح والبشر
8 ــ اختراق المؤسسة الأمنية وبحماية مسؤولين في التنظيمات المتنفذة والميليشيات المحمية من قبل البعض من اجهزة الدولة
لقد كانت العاصمة بغداد في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958 تحبو كما يقال في التوسع وقيام البعض من العشوائيات مثل "الشاكرية وخلف السدة (الميزرة ) وغيرهما حيث انتقل من الريف مئات الآلاف من الفلاحين الفقراء هاربين من ظلم الأقطاع والفقر والجوع، وضعف انتشار المخدرات في بغداد وعموم العراق يعود اول ما يعود لقلة نفوس العراق حيث تدرج منذ تأسيس الدولة العراقية حتى عام 1958 حوالي ما بين ( 3 ـــ 7 ) ملايين نسمة ولهذا كانت بغداد تختص بحصة الأسد من النفوس ومن المخدرات، لكن الحال تطور مع ازدياد نسبة السكان في المحافظات حيث على مر السنين انتقلت المخدرات الى جميع المحافظات في الاستهلاك وتوزيع وتهريب مخدرات المتعدد الأوجه، حتى وصل الأمر أن كل المحافظات اصبحت ضمن دائرة الاستعمال والتهريب ولا توجد محافظة مستثنية إلا في الكميات وحسب العلاقات الاجتماعية وفي هذا الصدد أكد في حديث تلفزيوني العقيد بلال صبحي مدير العلاقات والإعلام في مديرية مكافحة المخدرات أن " تجارة المخدرات جريمة عابرة للحدود تستهدف العراق وترتبط بالعديد من الجرائم الأخرى، وأصبحت عصابات المخدرات تستهدف المجتمع بسبب الفقر والبطالة واستدراج الشباب الى هذه الآفة وهناك عدة أسباب أدت الى انتشار المخدرات منها امنية واقتصادية ومجتمعية "
أن المعني بالمخدرات " جريمة عابرة الحدود " تشخيص يعني البعض من الدول وفي مقدمتها إيران لأنها الوحيدة التي تمتلك تاريخ طويل في تهريب المخدرات والتعامل بها وبخاصة لها حدود غير قليلة مع افغانستان المشهورة بزراعة القنب وتعتبر اكبر منتج للأفيون في العالم وفق استطلاعات للأمم المتحدة وقدر مكتب الأمم المتحدة المختص بالمخدرات والجر يمة دراسة كشفت على ان زراعته تتراوح ما بين ( 10،000 و 24،000 ) هكتار من القنب يزرع في أفغانستان، وفي هذا الصدد ايضاً قال أنطونيو ماريا كوستا المدير التنفيذي للمكتب وهو تقدير قديم بعض الشيء " في حين أن زراعة القنب معروفة في بلدان أخرى، إلا أن العائد المذهل من محصول القنب الأفغاني يجعل من أفغانستان أكبر منتج للحشيش في العالم، ويقدر محصول الحشيش بما يتراوح بين 1,500 و3,500 طن في السنة" وهناك دول أخرى في آسيا ودول عربية تقوم بمهمة الزراعة بشكل سري وبحماية ميليشيات المافيا المسلحة مثل لبنان وغيرها وتعتبر تايلاند من الدول المعروفة في قضايا الحشيش وزراعة الماريغونا التي الغت تجريمها، كما أن هناك دول عديدة شخصتها الأمم المتحدة تقوم بمهمات الزراعة والتصنيع والتهريب إلا اننا ذكرنا البعض منها لأنها جريمة من خارج الحدود تُصدر بحماية المافيات والميليشيات المسلحة داخل البلاد، ومثلما اسلفنا ان انتشار المخدرات في العراق ازداد اضعافاً عن السابق بعد الاحتلال الأمريكي وإسقاط النظام الدكتاتوري وقيام حكومات المحاصصة الطائفية وأصبحت البلاد مصابة بهذا الداء على الرغم من فرض عقوبات قاسية على المتعاطين والمتاجرين تصل لحد الإعدام" كقانون المخدرات رقم 70 لعام 2014 ، ونضرب مثالاً من جنايات بابل من بين العديد من الأمثال من القضايا فقد ذكر مجلس القضاء الأعلى إنه " تم اصدار حكما بالإعدام شنقا حتى الموت بحق ثلاثة من كبار تجار المخدرات يعملون ضمن شبكة دولية للإتجار بالمخدرات تمتد من دولة تركيا مرورا بكافة محافظات البلد الشمالية والوسطى والجنوبية". وحسبما ذكر عنهم في لوحة الاتهام فقد تم " ضبط ما بحوزتهم خمسة وستون كيلوغراما من المواد المخدرة من نوع صفر واحد (الأمفيتامين) بعدما تم القبض عليهم داخل مدينة الحلة من قبل رجال الأمن الوطني في بابل". هذه امثلة صغيرة وصغيرة جداً امام ما نشر وينشر من انتشار هائل للمخدرات ومع ذلك فإن المافيا المنظمة والمختصة بالتهريب والتوزيع استطاعت الإفلات في العديد من المرات وبقت في اتجاه عملية توسيعها بين الشباب الذكور واستطاع المجرمين من نشر مواد كانت غير معروفة مثل مادة الكريستال والحشيشة وهي تمر من خلال محافظة العمارة " ميسان" بينما تدخل الحبوب المخدرة عن طريق محافظة الأنبار وخير مثال ما أعلنته قيادة شرطة الأنبار الأربعاء 15 / 3 / 2023 ونشر في موقع الطريق للحزب الشيوعي العراقي يوم 16 / 3/ 2023 ، " ضبط ( 2.6 ) مليون حبة مخدرة وأشارت القيادة بعدها حيث " تم القبض على (م.ع.ج) سائق عجلة نوع تريلة وضبط بحوزته حبوب مخدرة عدد (٦٠٠،٠٠٠) الف حبة مخدرة نوع كبتاجون" حيث اصبح العدد الإجمالي الكامل "ا مليونين وستمائة الف حبة مخدره نوع كبتاجون" وهناك رأي واضح بأن المحافظات الجنوبية تكاد لا تخلو من هذا الداء والمحافظات الجنوبية هي الأكثر انتشاراً واستعمالا ما عدا العاصمة بغداد، وعلى ما يظهر وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل مديرية مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية فإن الانتشار مستمر ولا آفاق قربيه لأنهاء هذه الظاهرة بسبب وجود حاضنات لها وفي مقدمتها البطالة والفقر والتهميش والفساد والعلاقات الأخطبوطية مع البعض من الراعين للميليشيات والمنظمات الإرهابية والعصابات المنظمة ، إذن قضية داء انتشار المخدرات بجميع أنواعها أصبح في الوقت الراهن كارثة حقيقية لا تقل عن خطورة الإرهاب ولا خطورة الجفاف ولا الفساد المالي والإداري ولا السلاح المنفلت بيد الميليشيات الطائفية ولا تقل عن التدخلات في الشؤون الداخلية لأن المخدرات اضافة الى تدمير في اقتصاد البلاد والاستيلاء على الأموال وتهريبها خارج الحدود ونشر الدعارة والاتجار بالبشر وتفشي مختلف الامراض وتعطيل قدرات الشباب وهي اهداف لطالما عملت بها تلك القوى المعادية للشعب والوطن اما قضية الوقاية من المخدرات فهي عملية تحتاج الى طرق علمية تربوية ووقائية للتخلص من الاثار السلبية التي تتركها المخدرات منها صحية ونفسية ومالية غير قليلة وهي تكون محط اهتمام وفضول الشباب الصغار، ولكي تكون الوقاية منها صحيحة فهي تعتمد اول ما تعتمد على نشر الوعي الصحي والثقافي بدلاً من التهديد والتخويف والعقاب لان التوعية العلمية تعتمد على خلق الوعي الاجتماعي ومنها الانطلاق الى التحفيز ومن الافضل البداية للوقاية من المخدرات في المدارس الطلابية والجامعات وتعاون المؤسسات المختصة التربوية والاعلامية وتخصيص برامج علمية وبثها من خلال التلفزيون والاذاعة ونشرها في الصحف والمجلات على شكل دراسات ومقالات وقصص ادبية للمعالجة فالتوعية الاعلامية لها تأثيرات مباشرة وتدخل الى حياة الاسرة بطيب خاطر
اضافة الى اهتمام الحكومات ومؤسساتها في قضية الوقاية ومحاربة تلك العصابات والمافيا المتخصصة في ادخال المخدرات او توزيعها بهدف الربح ومن صحة الانسان وهنا تلعب الرقابة دوراً رائداً في التدخل والسرعة للمنع الكارثة قبل وقوعها.
ان العراق كما أسلفنا يحتاج الى جهود جبارة وتعاون مثمر بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى التي تهتم بالعمل للتخلص من هذه الآفة المدمرة، ولكن الحكومة هي الأقوى في محاولة إيجاد فرص عمل للتخلص من البطالة والفقر، واستخلاص التجربة للتعاون مع الحكومات ومع المنظمات الدولية للاستفادة من الطرق التي اتبعت او تتبع للحد من ظاهرة انتشار المخدرات