ديوان (مزامير آل الملا نزار)


عبد الستار نورعلي
2023 / 3 / 17 - 00:03     


صدر عن شبكة أغاريد الأدبية للنشر والتوثيق

الكتاب : مزامير آل الملا نزار
المؤلف: الشاعر عبد الستار نور علي
الصنف : شعر
الطبعة: الأولى ألكتروني
سنة 2022
......................................
الناشر: شبكة أغاريد الأدبية
(للنشر الألكتروني)
تصميم الغلاف: أ. سامية خليفة / لبنان
..................................
جميع الحقوق محفوظة
لا يسمح بإصدار هذا الكتاب أو جزء منه أو تخزينه في نطاق استعادة معلومات أو نقله بأيّ شكل من الأشكال من دون إذن خطيّ مسبق من الناشر أو المؤلف، إلا بحالة توثيق اسم الكاتب مع المصدر



الإهداء

إلى أبي الروحيّ، الذي كان وراءَ ما أنا عليهِ اليوم.
فهو الذي أخذَ بيدي ليسجّلَني في المدرسةِ الإبتدائيةِ.
وهو الذي تابعني حتى دراستي الجامعية. وهو الذي
كانَ يحضُّني على القراءةِ فالقراءة.
إليه ابنَ عمي المرحوم:
جعفر صادق الملا نزار/ أبو دلير

"عبد الستار نورعلي مرتضى الملا نزار"






الأسرى

حملوني فوق أكتافِ الرعاةْ
أرجعوا صوتي إلى حلقي، وناموا
فوق مهدِ الصيحةِ الأولى:
ألا هيّا ارفعوا الأحداقَ للشمسِ،
احملوا الأضواءَ في اعينكم،
تحرقُ أسوارَ الحصونْ.

شربوا الراحَ
على أبوابِ آلافِ الحصونْ
سكروا،
سقطوا،
في خندقِ الآمالِ أسرى ...

1972


الارتـداد

مشيتُ عبرَ شارع النهارْ...
جئتُ إلى أبوابكمْ...
كنتمْ مع النساءْ!

رحْتُ الى المنابرِ الكبيرةْ،
علّي أرى أكابرَ العشيرةْ،
أسمعُ منْ أفواههمْ
مناقبَ الغضبْ،
لكنّني سمعْتُ قهقهاتِهمْ
ترقصُ في مرحْ،
فتنفثُ الشقاءْ.

نظرْتُ في السماءْ،
رأيتُ فيها الشمسَ والقمرْ،
مواكبَ النجومْ،
لكنَّني لمْ ألتقِ وجوهَكمْ !


سمعْتُ صوتَ الكاهن الكبيرِ يرتدي
أشرعةَ الوقارْ :
"فمَنْ على البساطِ يبتغي السماءْ
يسقطُ في الأنينْ
ويرتدي الإعياءْ."!

رفعْتُ صوتي بينَكم،
لم تسمعوا،
فضاعتِ الأصداءْ...

وجُبْتُ في عيونكمْ
زوارقاً للحبِّ والحنينْ،
لكنَّكمْ
أغلقتمُ الجفونْ ...
1972

الخيـول ...

ترتشفُ العيونُ مِـنْ منابعِ الشمسِ
وكانتْ للهوى المسحورِ
في الأرضِ خزاناتٍ حديديةْ

ويستقرُّ النورُ في نورِها
مناسكاً
للحبِّ والخضرةِ
أسراباً من الطيورِ في مدائنَ
كنَّ ضبابيَّـةْ

رحلْتُ في أجوائها
ممتطياً خيلاً
من الأقمارِ والأنجمِ والريحِ
وأصواتِ المجاعاتِ
أقدامُها تـوقُ الرسالاتِ

ومرّتِ الخيولُ ترتاحُ في
منازلِ الخضرةِ في القدسِ
أحالتِ النيرانُ أنفاسَـها
ملحمةً تغفو على الأمسِ
يازهرةً، جفَّ على عينِـها
بريقُ مَنْ طافَ مع الشمسِ
قد رُحْتُ أستقصي هواكِ الذي
يطوفُ ليـلاً يحتوي رأسي
يازهرةً، نامَ على لونِـكِ
كلُّ حكاياتي مع النفسِ
حكايةٌ تسحبُ في ذيلِـها
حكايةً عنْ مدنِ الشمسِ
لكنّما أحداثُها أسـهمٌ
تُمزِّقُ الأسماءَ في الرأسِ

وانزلقتْ أعنّةُ الخيولْ
على ضفافِ الأردنِ الحزينْ
ومزّقتْ ساريةَ الحنينْ
ثمّ ارتدَتْ أشرعةَ الأسلافِ والسنينْ

فدقّتِ الأجراسُ في كنائسِ المدينةْ:
لقد هوتْ منابعُ الشمسِ على أسوارِ..
آلافِ الحصونِ الغافياتِ في كؤوسِ الخمرِ..
مِنْ أحداقِ غانياتِ سُمّارِ الأميرْ،
والرقصِ في حضنِ الأميرْ،
فانتعشتْ مواسمُ الملوكْ

قالوا: البحارُ تمتلي مراكباً
لتحملَ الماضينَ صوبَ الحبِّ..
في الريحِ، وتلكَ أعينٌ مصلوبةٌ
في الشمسِ قد أطفأها صوتُ الملوكْ

ومرّتِ الخيولُ تسّابقُ
صحراءُ سيناءَ لها ساحَةْ
تنفثُ منْ أشداقها أنهراً
منْ لهبٍ لتوقظَ الواحَةْ
تحتبسُ المياهُ في جوفِها
فتستحيلُ الأرضُ نوّاحةْ
ياقمراً راحَتْ على وجههِ
عيونُ تلكَ الخيلِ سبّاحةْ
سيُصبحُ الرملُ على وقعِها
أسـنّـةً ، لليلِ ذبّـاحَـةْ

تهاوتِ الرؤوسُ في حِجركمْ
يا ملكاً يرقصُ في اليأسِ
الحـبُّ نبضٌ في أناشيدنا
لا ينثني عنْ دارةِ الشمسِ
1972






الساحات ملأى بالخيل

ترتقي الأشواقُ صوبَ الريحِ
تصطادُ الرغائبْ

- ما الذي تحملُهُ الريحُ ، حبيبي؟
- قمراً .
- اللهُ ! ما أبهى القمرْ!

حينَ تستلُّ العيونْ
زهرةَ الشوقِ ، حبيبي!
فالليالي تحصدُ الريحَ
وتغفو
فوق أهدابِ القمرْ

فوق السورِ النابتِ في صدر الليلِ
تقفُ النجمةُ
تمتصُّ الرغبةَ منْ خلف الأستارْ
تسقطُ في الشوقِ الراعشِ
في أحداق الأطفالْ

لاتقفْ خلفَ المرايا
أيها النجمُ الذي تطلعُ في عيني وتغفو
تختفي الأشياءُ في الأشياءِ
والأسرارُ في الأسرارِ
تهوي صُوَرُ الماضينَ والآتينَ
تبقى الأرضُ حول الشمسِ في دائرةٍ
والقمرُ الغارقُ في الظلمةِ يحكي
قصةَ الشمس التي تشرقُ
تخفى....
ثمَّ تشرقْ ...

لا تقفْ خلف المرايا
أيها النجمُ الذي تهوي
على أفواهِ سُمّارِ الخليفهْ

بين الخيل المُلجَم في بيداء الشوقِ
والنجمةِ
مزرعةٌ منْ شوكٍ
هاويةٌ
وجهُ الليلِ العابقِ بالعطرِ
وبالسحرِ
بالدفء الطالعِ من جسدِ الثلج
تتوالى الخيلُ
تسقطُ في الشوكِ
في الهاويةِ
تلتصقُ الأ‘عينُ بالسحرِ وبالدفءْ

شفةُ الأزهارِ تشتاقُ الى الدفءِ
الى الريحِ التي ترقصُ بين الأوجهِ السكرى
وقاماتِ التواريخِ
تجوبُ العينُ صحراءَ الشفاهْ

زهرةُ الشوقِ تحملُ العشقَ على أكتافِ الصبايا
في ارتقاء النهارِ الصاعدِ صوبَ الجداولْ

زهرةُ الشوقِ رصاصهْ
فوق هاماتِ السنابلْ
والجداولْ
بين آلافِ المتاريس التي تنصبها الأصنامُ
تنسابُ على الأفئدةِ العطشى
على مزرعةِ الحبِّ التي أنهكها الصمتُ
وأصداءُ طقوس الميتين
1975








الكلام ممنوع

قالَ أبو ذرٍّ الغفاري (رض):
" عجبْتُ لمَنْ لا يجدُ في البيتِ قُوْتَ يومِهِ كيفَ لا يخرجُ شاهراً سيفَهُ على الناس !"

أفتحُ شُبّاكي
بين اللظى الحالمِ بالحرقِ
وبين أشواكي
فتدخلُ الريحُ
سيفاً لانسانٍ
قد ماتَ بالحرقِ
ياصوتَهُ الحاكي
احملْ لشُباكي
منابعَ الطَلْقِ
مخاضَهُ الصعبَ الذي
فاتَ مع الشوقِ

يا أيها الحالمُ بالدفءِ
انظرْ من الشُبّاكِ واحلمْ بالذي يأتي
وقد يأتي
محترقاً في موقدِ الحرفِ
أو شاهرَ السيفِ

* * *

فرمان أميري :
يا أيها الناسُ اسمعوا !
تطاولَ العامةُ
على مقام العرشِ والإمارةْ
باللسانْ،
فلْيسمعِ الصاحونَ والنيامْ:
إنْ جاوزَ الكلامُ
حدَّ الشفتينْ
سيُقطَعُ اللسانْ!
* * *

استيقظَ الحلاجُ
محموماً
مع الحروفْ
وانفرطَ اللسانْ
فشاهدَ العامةُ ذاتَ يومْ
الشيخَ مصلوباً

* * *

في زمنِ الرهبةِ
والإعدامْ
ينغلقُ اللسانُ
في الطريقْ
ويُحبَسُ الكلامْ
خلفَ جدارِ الصمتِ والأحلامْ

* * *

ذاتَ مساءْ
بيروتُ
في حضنِ أميراتِ الأناقةِ تختفي
وتسمعُ الغزلْ
تسبحُ في شلالِ عطرٍ
منْ صدى البترولْ
تمزّقَ السكونْ
وانفجرتْ
حروفُهُ قنبلةً
غسّانْ *
* * *

خلفَ بحارِ الشوقِ
والحنين
مدينةٌ تعجُّ
بالأطفالِ
والزهورْ
وتختفي الأسوارْ
فتحملُ الأمواجُ في هديرها
منابعَ الكلامْ
ومربضَ السيوفْ ...

الأحد 30/5/1976

* غسّان : هو المرحوم الشهيد غسان كنفاني المناضل والأديب الفلسطيني الكبير، الذي أغتيل في بيروت بتفجير سيارته مع ابنة شقيقته الشابة ذات السبعة عشر ربيعاً، وذلك صباح السبت 8/7/1972 وأمام العمارة التي كان يسكن احدى شققها .








مسيلمة...

في حضرةِ السارقِ ، والراقصِ، والنهّازْ،
والشاعرِ المأجورْ
أعلنها مسيلمةْ:
إنّي أنا الرحمنُ...
صفّقَ الحضورْ!

وذاتَ يومٍ شاهدَ الجمهورْ
مسيلمةْ
مُعلّقاً على جدارِ السورْ

فصارَ رحمنُ الخرابِ
خبراً
منْ تلكمُ الأخبارْ
( 1977 )


سقوط الكلمات المسروقة

في مهرجانِ البحثِ في أزمنةِ الكرِّ
صدى السيول ، والخيولُ مُلجَماتْ
تتساقطُ الخظواتُ
تُختصَرُ المسافاتُ
وتبقى نجمةُ العشاقِ واحدةً
وفردوسُ العطاشى
في صحارى الوجدِ واحدةً
وشمسُ الكونِ واحدةً
وأنتَ على خيوط الشمسِ
سطرٌ في كتابِ الزاحفينْ

تتناثرُ الحبّاتُ منْ شجرِ اللآلئ
في جنانِكَ
والعيونُ تدفُّقٌ في إثر خيلكَ
دهشةٌ وصبابةٌ ترقى ... وترقى ...

في انتظار القادم الآتي
على أصداءِ لحنكَ
نامتِ الأعينُ والألسنُ والأيدي
وكانتْ يقظةُ الغافي بعينٍ واحدهْ

وتصوغُ هذا اليومَ ملحمةً
وتسرقُها غداً
فتروحُ تذبحُ خطوَكَ
وتنامُ فوق فراش حرفكَ
تستعيدُ صدى الأناجيل التي
فتحتْ ستارَ الريحِ للأرضِ ارتدَتْ
لؤلؤةَ الشمسِ وشاحاً
وضياءَ القمرِ العاشقِ عيناً
فأشاعتْ حِرفةَ الحُلْمِ وقامتْ
بينَ آلافِ المسافاتِ المباحةِ للسياطِ
وللجواري ،
ولغلمانِ الذي
يغرقُ في عرشِ الدماءْ

رقصةُ الآلهةِ السكرى بلونِ الفعلِ
والأكؤسُ حبلى
بخمورِ النشوةِ العظمى
على ساقيةِ الفردوسِ
والعشقُ تجلٍّ وارتقاءْ

بينَ رنين الكأسِ والسيجارِ
وصوتِ تويوتا
تُختلَقُ السطورْ !

إنها الرحلةُ بين القمةِ العليا
وبين السفحِ
بين الشجر الطالعِ في اللؤلؤ
والطالع في الصحراءِ
بين اللون واللونِ
وموتِ اللونِ

إنها الهجرةُ منْ مزرعةِ العشقِ
الى مزرعةِ الشوكِ
ومنْ ساقيةِ الفردوسِ
صوبَ الأمنياتِ الغائبةْ

أيها الطيرُ المهاجرْ
فوقَ دفءِ المطرِ الهاطلِ في العينِ
سقطْنا في انحباسِ الصوتِ
أوقفْنا مراجلَنا ونمْنا
فوقَ أصداءِ الحروفْ ...

الأربعاء 28/9/1977






سيدتي بغداد

الشعرُ في أصابعي يجفُّ
تستعصي عليَّ الكلماتْ

سيدتي!
في نزعاتِ الموجِ
يعلو الشعرُ مشحوناً
يصبُّ الزيتَ
في أروقةِ النارِ
يجوبُ الطرقاتْ
ريحاً
صهيلاً
قنبلةْ.

العذرَ
إنْ كانتْ بكفي
سنبلةْ!

سيدتي!
الحبُّ يرتاحُ على حضنكِ
مِنْ بعدِ الذي
أعيا حُداءَ القافلةْ،

ركبُ النجومِ
زهرةُ الأقدارِ
مِا بينَ نزيفِ الخارطةْ
تهطلُ منْ أناملِ الشمسِ
على وجوهنا المحتشدةْ،

نشهدُ:
أنَّ الشحنةَ المهاجرةْ
في عرباتِ العاصفةْ
تُفجِّرُ النشوةَ
في الموتِ
وفي السباقِ
في الطريقِ
صوبَ تاريخِ السطورِ المقبلةْ،

دمي على كفكِ،
يا سيدتي،
صوتٌ معَ الأصواتْ،
فلْتحملي عبادتي
شرائعي
لوني
احتراقي
طلقةً
في موكبِ الأمواتْ!

تموز 1979




وصايا داخلية


لا تعاشرْ
وجهَ هذا الغيمِ يطفو بالغبارْ !

لا تصاحبْ
ذلك الأخفى موداتِ النهارْ
وتوارى خلفَ آياتِ القمرْ
شاهداً من نزواتِ السيفِ
إنجيلاً ظهرْ!

لا تدارِ
وجهكَ البرَّاقَ من لؤلؤةِ الريحِ
وأقداحِ السهرْ
عن أساريرِ الزهَرْ !

ها على عينيكَ إيقاعٌ من الهجرانِ
حشدٌ من نواقيسِ الخطَرْ !

أيُّ كفٍّ في أعاصيرِ المداراتِ تولَّتْ
قطعَ أعناقٍ وأرزاقٍ وآياتِ النهرْ ؟!

أيُّ سفرْ
ألفتـْهُ وتلقتهُ سواقي الروحِ غابتْ
في شعاراتِ الهَدَرْ ؟

أيَّ قدرْ
تندبُ الأرضُ التي
نامتْ على هزِّ الشجَرْ

وتغنّتْ بالنداءاتِ وجذرِ النارِ
سيلِ النصلِ في زندِ الصَخَرْ

وصهيلِ الخيلِ
في سرجٍ من الموجِ
وأرسانِ الخَطَرْ ؟

أيُّ نَظَرْ
لمحتهُ العينُ
في قَدْحِ الشرَرْ ؟

أيُّ شَرَرْ
يتوالى في تقاسيمِ بيوتِ العشقِ
والسُمَّارُ غابوا
في تلاوين الصُوَرْ ؟

لا تماشِ
من نوى أنْ يُغرِقَ السابحَ
في الغيمِ
وأطوارِ المطرْ !

أيُّ مطرْ
شربتهُ الأرضُ تغفو
فوق موتِ اللغةِ الكبرى
على طعنِ الخَدَرْ ؟

أيُّ خَدَرْ
بين قضبانٍ وسجنٍ موصدٍ
كلَّما داهمهُ الغلمانُ صرّ ؟! *

وحروفٌ أُثقِلتْ،
طارتْ
مع العنقاءِ
في نارِ السَفرْ

لا تهادنْ
تلكمُ الخيلَ التي
شدَّتْ خطاها
في جيوب الرملِ والخيمِ
وتاريخِ الظفَرْ
بألاعيبِ البحَرْ !

واستباحتْ مطرَ الآبارِ
في بيداءِ قتلاهم
وهامتْ
في محيطاتِ أساطيلِ الخَوَرْ

لا توالِ
سفنَ الماضين فوق الموجِ
يحدوهم وتَرْ
في إهابٍ من رداءِ النارِ
طوفانٍ غَمَرْ !

لا تجاورْ
مَنْ روى مجمرةَ الإعصارِ بالأنواءِ
والعاصفِ من غيمٍ نَشَرْ !

واقتفِ في..
سابحاتِ الوجدِ والعشاقِ
نزْواتِ الزَهَرْ
وانكساراتِ النهَرْ
ومواويل الشجَرْ
وحواراتِ المطرْ !

لا تراضِ
من نوى الذعرَ
وإغلاقَ البصَرْ !

لا تحاورْ من ظهَرْ
في رداءِ الليلِ والخيلِ
وفرسانِ الخوَرْ

والقصائدْ
والموائدْ
ناصباتٌ..
في عكاظاتِ دلاءِ القهوة المرَّةِ
ألحانَ الفخَرْ

في الذي نادى
سيوفاً ورماحاً
وأساطيلَ كلامٍ
ثمَّ بالليلِ وبالخيلِ
وبالسيف غدرْ !

* تضمين لبيت الشاعر محمود سامي البارودي:
بين قضبانٍ وبابٍ موصدٍ
كلّما حرّكهُ السجّانُ صرّْ

الأربعاء 2004.05.12













مكابدات الشهيد
سالم صادق الملا نزار

عينان لونُ البحرِ والفضاءْ،
يسبحُ في موجيهما الضياءْ،
والحبُّ والوجدُ وشوقُ الشعراء،
حنينُ آلافِ الصبايا في رياضِ العشقِ والحُليِّ،
والأساورِ الأغلالْ.
يمرُّ بالأزقةِ الأطلالْ....
يقرأُ في الوجوهِ آثارَ الرحيلِ في السنينِ،
في مدارجِ الرمالْ....
يحسبُ فيها عددَ الغضونِ، والشجونِ، والأحمالْ.
مَنْ ذا يزيلُ النزفَ في الجلدِ،
يزيلُ الجرحَ في الأكتافْ؟
منْ ذا يذيبُ الشمعَ في الأبوابْ،
ويفتحُ النوافذَ المُغلَقةَ الأهدابْ؟

قرأتُ في وقعِ الخطى رسالةً،
تحكي عن الطريقِ في الفجرِ إلى المساءْ،
عن رحلةِ الهجرِ، وعن مدينةٍ
فيها تباعُ الأرجلُ، الأيدي، العقولْ،
براءةُ الأطفالْ،
رجولةُ الرجالْ،
وحرمةُ النساءْ،
مدينةٍ يسرحُ في تاريخها اللصوصْ،
تُحرَّفُ النصوصْ.

قرأتُ عن مدينةٍ أُهيلَ فوق وجهها الترابْ،
وأُحرقَتْ في حضرةِ الصحابةِ المبجَّلةْ،
مدينةٍ مارقةٍ كافرةٍ،
ما كانَ فيها الجوعُ والحرمانُ والعذابْ،
والناسُ كالأسنانِ في المشطِ فلا
يحدِّقُ الإنسانُ في كفِّ أخيهْ،
مدينةٍ زنديقةٍ!
فليس فيها البعضُ قد فُضِّلَ في الرزقِ،
ولا تعدّدِ النساءْ.
دلمونُ،
قد حُبيتِ عدناً، أنهراً صافيةً،
موانئاً تعجُّ بالسفائنِ المُحمَّلةْ،
فلا يشيخُ المرءُ، لايشكو،
ولا ينعقُ في أرجائكِ الغرابْ.
لا ينهشُ الذئبُ فؤادَ الحَمَلِ الوديعْ،
لا يحتسي الدماءْ!
دلمونُ، ما راقتْ وصاياكِ لفرسانِ الخفاءْ،
وسادنِ الكتابْ،
أُهيلَ فوق وجهكِ النصالُ والترابْ،
وباعةُ الحروفْ.
دلمونُ، حلمٌ أنْ نزيلَ الرجسَ عنْ
أزقةِ الأطلالْ،
فلا يُباعُ فرحُ الأطفالْ،
والماءُ في الأنهارْ،
عباءةُ النساءْ،
والسُوَرُ المحكمةُ الآياتْ.
حلمٌ تكونُ اللُعبُ الأشجارْ،
ومهرجانُ النورِ والأنهارْ.

حملتُ عينيَّ ..
رأيتُ الأعينَ المطفأةَ الأرجاءْ،
والأوجهَ المسمَّرةْ.
وجدتُ فيها حلماً يبرقُ في السحابْ،
رافقتهُ في الأسطرِ الممنوعةِ الحروفْ.
ألفيتُها تختزنُ الأجوبةَ الكبيرةَ
والمدنَ الأثيرةَ،
صاحبتُها ...
فانطلقتْ أجنحةُ الحقولْ،
وانفتحتْ أوردةُ الآبارِ والسيولْ.
هذا الذي تبحثُ عنهُ رجفةُ الأطلالْ،
وحرقةُ الأعينِ في الأغلالْ.

حملتُ عينيَّ معي،
ودُرْتُ في الأزقةِ المأسورةِ الجناحْ،
أعلنُ تاريخَ المياهِ، عنفوانَ الحلمِ، الريحِ، الزهورْ،
أعلنتها سرَّاً وجهراً، تحت أبصارِ السيوفْ.
أعلنتُها :
هذا أنا،
أنقشُ في مسلةِ الشعوبْ،
بين ضلوعي شمعةٌ، ورقعةٌ،
من صفحاتِ الكتبِ المحظورِة الأبوابْ،
بين الزنازين وبين السيفِ والرقابْ،
هذا أنا،
من رفقةِ البيتِ الكبيرْ،
زاويةٌ، ونقطةٌ في ذلك البحرِ الكبيرْ.
هذا أنا،
في لحظةٍ
بين السكاكينِ وبين الخطفِ والرصاصْ،
يخافُني الحرّاسْ.
عرّيْتُ صدري: فانظروا
ضلوعيَ البارزةَ الأحداقْ،
تحكي زمانَ السلبِ، والصلبِ، وتاريخَ اللصوصْ.
منْ ذا سيبقى؟
ذاك ما تحكي به النصوص !

هذا أنا،
في لمحةٍ،
وطلقةٍ
ترنُّ في الجدرانْ،
وجثةٌ فوق الطريق العام ،
حكايةٌ
تحكي بها النصوصْ .....


 سالم صادق الملا نظر: ابن عم الشاعر أغتيل عام 1971بعد أنْ اختطفه رجال الأمن عند ساحة النهضة قرب سينما الفردوس في شارع الكفاح ببغداد ، إذ كان مطارداً لأسباب سياسية، فقد كان ضمن صفوف الحزب الشيوعي/الكفاح المسلح في الأهوار ضد نظام البعث. وقد تم العثور على جثته على جانب الطريق العام بين بغداد والحلة قرب مدينة المحاويل . وكانت هناك آثار طلقة في الرأس ، وجمجمة مهشمة ، وأضلاع مكسورة ، وبقع زرقاء في كلِّ انحاء جسده، هي آثار التعذيب الذي تعرّضَ له. كان في الرابعة والعشرين من العمر شاباً وسيماً طيباً أليفاً مثقفاً دمث الأخلاق .

2005





اسكلستونا*


اسكلستونا..
تقيمُ اليومَ قداساً لروح الشمسِ
والصمتُ عواءُ الصدرِ..
في شارعها الفرعيِّ
حيث العشبُ مُصفّرٌ من الوحدةِ
والغرفةُ تاريخٌ من النومِ
ولا نومَ يطلُّ.

اسكلستونا تُـعرّي ثوبَها..
خلفَ صرير البابِ
والشُباكُ مفتوحٌ على ساحةِ أطفالٍ
بلا أطفال
والجدرانُ همسُ النفسِ والعينِ
وأزرار الحروفْ.

اسكلستونا حروفٌ
من جفافِ النهرِ
في صدرِ القصيدةْ.

وعجوزٌ تركبُ الدرّاجةَ العمياءَ
تنسابُ على وجهِ الرصيفْ،
تتلفّتْ...
دونَ نبضْ.

وطبيبُ النفس ذو النظّارةِ السوداءِ ..
لا ينفكُّ يشكو
أنَّ في الغرفةِ أصقاعاً من الثلج تنادي
خلف صوتِ القافلةْ
بين صحراءِ المسافاتِ البعيدةْ،

والقصيدةْ
غابةٌ من أضلع الأشجار
في الأرضِ القصيّةْ
قُـطِّعتْ أغصانُها، جفّتْ
وذابتْ
فوق اسفلتِ المساءْ.

والمطرْ
لا ينتهي
عن دقِّ إسفينِ الضجرْ
بين أوراق السفرْ.

هذه حمحمةُ الكلبِ الذي
ينزلُ فوق السُلّمِ الصخريِّ
محصورَ اللسانْ
لاهثاً مثلَ حصانْ
بينَ ساحاتِ الهروبْ
في مسافاتِ الجليدْ،

العجوزُ ابنُ الثمانينَ وأكثرْ
يُسلِمُ العينَ الى الأفقِ البعيدْ
والفراغْ،
غافلاً عمّا يرى، بلْ لا يرى،
ثَمَّ لا يسمعُ زخاتِ المطرْ
والزوابعْ.

ما يدورُ الليلةَ في رأس الغرابْ،
ذلك الواقفِ فوق الشجرةْ
ينقرُ الغصنَ ويمضي؟

والمساءْ
يتمدّدْ
بين بوابةِ هذي الغابةِ السوداءِ
والشارعِ، والأفق الرماديِّ البصرْ.

اسكلستونا
تقيمُ اليومَ كلَّ اليومِ قداسَ الحجرْ
في بيوتِ الخشبِ المصنوعِ..
من صمتِ البشرْ،

فسلاماً ،شمسَ تموزَ!
نلاقيكَ على قارعةِ الأوراقِ
في شارعنا الفرعيِّ
أحداقَ سهرْ ،

* اسكلستونا: هي المدينة التي يقيم فيها الشاعر في السويد

الخميس 2005.07.28


مقامة المتهجِّد*

في الأيام الأخيرة عصفتْ بي عصفاً وقصفتْ بي قصفاً تجربةٌ قاسيةٌ مُرّةُ المذاقِ ، شديدةُ الوثاقِ ، ضيقةُ الخِناقِ، داجيةُ الرواقِ، حادّةُ النصال، مجهولةُ المآلِ. أوقعتني بينَ براثن اكتئابٍ شديدٍ بألمٍ عنيدٍ. ألقى في خاطري ظلالَ شكٍّ بأنّي لن أنهضَ منه سالماً، ولن أخرجَ منْ كهفه غانماً، اكتئابٍ اختلس مني عنوةً نعمةَ النومِ، وشهوةَ الأكل والشربِ والعومِ، في محيط الطبيعة والأهلِ والأصحابِ والقومِ ، إذ أحالَ ليلي نهاراً، ونهاري ليلاً من الشومِ.
انتبهتْ كعادتها شريكةُ الحياةِ، ورفيقةُ أصعبِ الأوقاتِ، التي تعيش معي في التباتِ والنباتِ، أمُّ جوان، فاستفهمتْ بعدَ أنْ تحمّلتْ معي الأيامَ القاتماتِ، والأحاسيسَ الهائجاتِ المائجاتِ، والكوابيسَ الخانقاتِ:
أنتَ لستَ مثلَ يوميةِ العاداتِ، في الحركاتِ الذاهباتِ الرادّاتِ، والنشاطاتِ العديداتِ الزائداتِ، خارجاً داخلاً، جالساً واقفاً، مثلَ لولبٍ دوّارٍ ، وبندولٍ سيّارٍ !
حتى الأكبادُ، جوان ونور وعلي، انتبهوا كذلكَ، وتساءلوا في ذلكَ ، ولم يتعبوا منْ إلحاحِ السؤالِ عنِ أسبابِ الحالِ ، والتحلّي بالآمالِ بخير المآلِ.
خشيتُ أنْ أكونَ على حافة انهيارٍ، وعلى شفيرِ انفجارٍ، وقابَ قوسين أو أدنى منْ اندحارٍ، وعلى طريقِ انحسارٍ!

أنا احتساءُ كأسِ الصلابة والقوة والصمودِ، واستطعامُ رغيفِ القناعةِ بالموجودِ، والمتعلّقُ بأهدابِ الصبرِ والعنفوانِ، وابنُ نفسٍ كالبركانِ، تحتويني مشاعرُ كالطوفانِ. لكنَّ في صدري قلباً كالبستانِ، فيه ألوانٌ من طيباتِ الثمارِ، والأنسامُ العليلةُ وعطرُ الأزهار . صلدٌ أمام الملماتِ والمصاعب الكبيرة ، والعوائق والنوائب المُغيرة، التي ألقت بنا في أتونِ كلّ عاتيةٍ وماطرةٍ مريرة، كغيري من أبناء جيلي والأجيال المتعاقبةِ النضيرة، في بلادنا التي أبتليتْ وماتزالُ بالأحداثِ الجسامِ والكوارثِ الغزيرة!
وفي ليلةٍ كنتُ غائصاً في مقعدي، محترقاً بلهيبِ موقدي، أمام شاشةِ المِشوافِ بإشعاعهِ الزارعِ عِللاً في النفس والجسدِ، أواصلُ جمالَ المشهدِ، في المسلسل التركيَّ (دقات قلب) الذي أتابعهُ بشغفٍ، وأشاهدهُ بلَهَفٍ، بحيث لا تفوتني منه حلقةٌ، ولا تغافلُني فيها لحظةٌ، رغمَ كلّ ما قيلَ ويُقالُ عن المسلسلات التركيّةْ، التي غزتنا غزوةً عثمانيّةْ ، وفي هذه المرةِ بأهدافٍ علمانيْةْ، وثقافةٍ اجتماعيةٍ غربيّةْ، ويرى البعضُ أنه تقفُ وراءها دوائرُ مشبوهةٌ سريّةْ، توجّهُ سهامَها الى صدور المجتمعاتِ الاسلاميّةْ، والعاداتِ والتقاليد العربيّةْ، وذلك لتزويق وتسويقِ نوازعِ الرذيلةِ، وطمسِ فضائلِ الفضيلةِ، ومسخ جمالِ الهويةْ، ونسيانِ قضايا الأمةِ المصيريةْ. والأدهى بلغةٍ عربيّةْ، وبلهجةٍ محببةٍ شاميّةْ، وبأجواء جميلةٍ مبهرجةٍ فخمةِ زاهيةْ، وبقصص مثيرةٍ جذابةٍ مغريةْ.
فلا عتبَ ولا لومَ ولا قدحَ بالأمزجةِ الشعبيةْ، والأذواقِ الجماهيريةْ، لأنّ الطبقاتِ المسحوقةَ المهضومةَ الحقوق الشقيّةْ، والمحرومةَ المحكومةَ بالأنظمةِ الطاغية غير الشعبيّةْ، والمخنوقة بالأجهزةِ البوليسيةِ القمعيّةْ، تبحثُ عما يخفّفُ عنها الضغوطَ النفسيّةْ، ويُنسيها أوضاعها المعيشيةْ، ويلقيها في عوالم الأحلام الورديّةْ، ويثير عندها الانبهار والدهشة البصريّةْ، لتغفلَ عن حياتها البائسةِ الرديّةْ، وتؤمنَ أنّ القناعةَ كنزٌ لا تفنى جواهرُها السرابيّةْ.
ومع كلِّ هذا الذي ذكرتُ ، والكلامِ الذي سطّرتُ ، فإني أتابعُ الحكايةَ، وأشاهدُ الروايةَ، إذ أنّي أحبُّ الإثارةَ، وأهوى فُضولاً أن أصلَ النهايةَ، إذا تابعْتُ البدايةَ. فهي تحكي قصةَ فنانٍ مبدعٍ مفرطِ الحساسيةْ، ومضطربٍ النفسيةْ، في لحظاتِ الخلقِ الابداعيةْ، فقد هبّتْ على حياته عواصف من التجارب المُرّة القاسية، التي عصفتْ بحياتهِ عصفا، وقصفتْ بروحهِ قصفا، فاهتاجت مشاعرهُ، وضجّتْ بلابلهُ، فتأجّجتْ انفعالاتهُ، وماجتْ أحاسيسهُ المرهفة الشفافة مثلهُ مثلُ غيره من المبدعين المرهفين ، لتضغط عليه نفسيّاً، وتنشب مخالبها في روحه حسيّاً، وبأداء تمثيلي بارعٍ ، من ممثلٍ ساطعٍ، يتقن دورهُ، ويسبرُ في القلبِ غورهُ، بعمق وتفوق وامتياز طافحٍ، وتأثير واضحٍ، وكشفٍ فاضحٍ، لدواخلِ موسيقيٍّ يعاني منْ نصلٍ جارحٍ، هو الممثل التركي (براق حقي) الذي كانَ أكثر من ناجحٍ.
في ليلة وهو يعاني من حالة اكتئاب حادّْ، يغرزُ سكينَ الألم في روحهِ بازديادْ، وكان كلُّ الذين حوله يظنون أنّه في حالةِ انهيار نفسيٍّ باضطرادْ، وموهبةٍ متضاءلةٍ تتلاشى فلا تُعادْ . وقفَ وهو في هذه الحالة صُـلباً، وهبَّ في وجهِ الرياحِ هبّاً، لينهيَ أشجى لحنٍّ، بأروعِ فنٍّ ، وبأبدعِ لونٍ، وأرهفِ حسٍّ ، مهتدياً بصدى كمٍّ كبيرٍ من نصالِ الألم والمعاناة والمتاعبِ الشِدادْ، والأخذ والردِّ والجذب والانشدادْ.
وقفَ في حديقةِ دارهِ ليلاً ، فاندفعتْ مشاعرُهُ سيلاً ، ورفعَ رأسَهُ وعينيه عالياً بشموخٍ واعتزازٍ وكبرياءْ، وبأداءٍ فنيٍّ متينٍ عالي البناءْ، مشرقِ السناءْ، مشبع الرواءْ، مطفئٍ لهيبَ الظِماءْ، ظهر على ملامح وعيني الممثل (براق حقي) المبدع المتلبس حالةَ الشخصيةِ، بشكل رائعِ اللفتةِ ، متقَنِ الصنعةِ، بهيّ الطلعةِ ، شجيّ النغمةِ ، مدهش الأداءْ ، مثيرٍ للنساءْ ، قائلاً:
- أنا حسين كنان!!
حينها أحسسْتُ احساساً هزّني، وسمعْتُ صوتاً فزّني، أعادَ اليَّ صوابي، وفتحَ المُغلَقَ منْ أبوابي، والى نفسي ردّني، والى سابقِ عهدي شدّني، وكأنّني أنا الذي نطقْتُ صادحاً، وقلتُ صائحاً، وسُررْتُ منتصِراً فالحاً.
فانتفضتُ من مقعدي واقفاً ، ونسيمٌ من الراحة يهبّ عليّ رائقاً.
فبدأ العدُّ التنازليّ لحالة الاكتئابْ، وانحسار موجةِ الاحساس بالانهيار والاضطرابْ، فتوجّهْتُ الى الله سبحانه وتعالى، وإلى واسع رحمتهِ أبغي المنالا. ففتحتُ نورَ الأبوابْ، أمامَ جلالهِ فهو المانعُ والوهّابْ، ومسببُ الأسبابْ، مرسلُ الكتابْ، رحمةً لأولي الألبابْ . فأوقدتْ الشموعْ، وشرعْتُ في صيامٍ لأسبوعْ، فأكثرتُ منْ قراءة القرآن الكريمْ، ضارعاً إلى الله الرحمنِ الرحيمْ، أنْ يُشرعَ أبوابَ الرحمةْ، وينشرَ طيبَ النعمةْ، ويمنحني مفتاحَ الهمّةْ، لتزولَ عن نفسي هذه الغمّةْ!
شعرتُ براحةٍ تغمر روحي، واطمئانٍ يشفي جروحي، فأجتاحني انشراحٌ في صدري، ونورٌ يضيء كلَّ جوارحي ويُعيدُ صبري.
ها هو الهَـمُّ في طريقهِ الى الفرارْ، مولّـياً الأدبارْ، متسربلاً بالهزيمةِ والاندحارْ.
فكانتْ هذه الشذراتُ البسيطات المتناثرات، من التعبير عن المشاعرِ المتوقدةِ المتطايرةْ، والتي لا ندّعي فيها بلوغَ شأو الأسماءِ الرنانةِ الكبارْ، ولا تمامَ بلاغةِ الأشعارْ. راعينا فيها تزويقَ الوزن والقافيةِ إذ هما المكياجْ، وتركنا مفتاح القصيدة الجميلة بخيالها لأصحابِ الأبراجْ، المبنيةِ بالعاجْ، والمتوجةِ رؤوسُ قصائدِهم بمديح عبيدِ التاجْ، فهي ثمراتُ ارهاصاتِ ولادةِ اللحظةِ، بسرعةِ انطلاق اللمحةِ، وانطفاءِ الجمرةِ، لنيرانِ الخيبةِ، وتلاشي مرارةِ طعمِ الهجمةِ، وسريان البرودةِ بطراوةِ النسمةِ، وتسرُّبِ الرطوبةِ، في الصدرِ بغزوةِ شيطانِ الشعرِ.
ويبقى المتلقي الحكمَ الفصلْ، وصاحبَ القولِ العدلْ:

إنّكَ الأعلى وفي السفحِ أنا
ومنَ الروحِ قريبٌ ، مُنجِدُ

فتقبّلْ صوتَ مسكينٍ دعا
وحدَكَ اللهمَّ أنتَ المَقصَدُ
* * * *
أحتسي الآياتِ روحاً، مُشْعِلاً
شمعةَ الغفرانِ ، فهي الأنورُ

أيُّها الغافي على رَجْعِ الصدى
لا صدىً يعلو وصـوتٌ يعبـرُ

غيرَ صوتِ الربِّ في عليائهِ
إنهُ الرحمنُ ، وهو الأكـبرُ
* * * *
سكبْتُ نبيذَهُ ورفعْتُ جامي
بنخـبٍ ظلَّ مرخيَّ اللجامِ

ايا سُــمّارُ ، هيّا ؛ كي نساقي
حبيبَ الروحِ قدسيَّ المقامِ
* * * *
هلْ البراءةُ عيـبٌ لسْـتُ أدريـهِ؟
هلْ إنّـهُ الحُمْقُ مَعْجُوناً براعيهِ؟
* * * *
سألْتُ القلبَ يوماً ما دهاكا؟
أجابَ: فلا تكنْ غَفِلاً مَلاكا!
* * * *
وقالوا: الطيبةُ العمياءُ حُمْـقٌ
سلاحُ الغافلِ العَجـِز الجبانِ

أقولُ هي الشجاعةُ أنْ تصبُّوا
عصـيرَ الحبِّ في كلِّ الأواني
* * * *
هذا أنا، صلابـةُ الصخرِ
لا أنحني للعاصفِ المُـرِّ
لا أنزوي عنْ جادةِ الصبرِ
أو يعلقُ التشويشُ بالفِكرِ
هذا أنا ، الثابتُ لا أجـري
خلفَ الهزيلِ الطافحِ الغدرِ
أو الكلامِ الأصـفرِ النَبْـرِ
إنّي الذي أُنيـرُ كالبـدرِ
أصوغُ منْ قلائدِ الشعرِ
لآلئـاً ، تبـرقُ بالخيـرِ
وأُغرِقُ الحقولَ بالزَهْرِ
لتمـلأَ الآفـاقَ بالعطـرِ
إنّي الذي أُصبِحُ أو أسري
أبني العُـلا بقوةِ الظَهـْرِ
أشمُخُ كالآسادِ ، كالنّسرِ
في السهلِ والقمةِ والوَعْرِ
وكلُّ ما في باطنِ الصدرِ
أنصعُ منْ زيدٍ ومنْ عمروِ
أكلي وشربي رائعُ الشِعرِ
وأجملُ الألحانِ والنثـرِ
وسامري مَسَـلّةُ البِشرِ
تخـطُّ للإنسـانِ بالبـِرِّ
أحلى وأنقى ماحوى شِعري

(الجمعة 2 أكتوبر 2009 )








الأصغران...

إنّي الذي
ماكنتُ يوماً بائعاً للسانْ ،
لأنّني
أكتبُ ما يوحي بهِ الأصغرانْ:
فؤاديَ النصفُ..
ونصفٌ لسانْ
أصفى من الجدولِ..
وسط البستانْ،
ثمارُهُ
أشهى من الأعنابِ..
والبرتقانْ،
والثالثُ الأناملُ:
حرفٌ، مكانٌ، زمانْ،
ترفلُ بالحبِّ وبالدفءِ..
وفوحِ الريحانْ ،


يا سيدي الحرفُ،..
لإنّي شاهدٌ مثابرٌ وانسانْ
أشهدُ ما يجري على الأرضِ..
وما يفعلهُ الكرسيُّ والصولجانْ ،
فالسيدُ المزوِّرُ العدّاءُ ذاكَ الفلانْ
يعدو ويعدو كسباقِ الحصانْ ،
منْ أجل أنْ
يفوزَ بالجلوسِ فوقَ المكانْ،
وفي الطريقِ لا بأسَ بأنْ
يسحقَ رأسَ انسانْ،
أو يبنيَ الأقفاصَ طيَّ القضبانْ ،
ويشحذَ السيفَ..
بأيدي قاتلٍ وسجّانْ ،
وينصبَ الشرطيَّ عندَ اللسانْ :
شويعراً، كويتباً، أو فنّانْ،*


يا سيدي الحرفُ،
فكمْ منْ لسانْ
قد بيعَ في السوقِ..
ببخسِ الأثمانْ ،
كي يحرفَ الحرفَ..
ببابِ السلطانْ ،
يرقصُ كالمهرجِ البهلوانْ
في صالةِ التزويرِ والأُلعُبانْ ،
يمسحُ أعقابَ فلولِ الغلمانْ ،
ينفثُّ سُمّاً مثلَ سُمِّ الثعبانْ ،
ينعبُ في ساحةِ سُودِ الغربانْ ،
ويلعقُ الفتاتَ لعقَ الذِبّانْ ،

يا سيدي الحرفُ،..
لأنتَ السلطانْ،
أنتَ الرقيبُ ساطعاً
والأمانْ ،
أنتَ ضميرُ الصدقِ
والطيّبِ..
بينَ الغيلانْ ،
سيفٌ،
وعزمٌ صارمٌ
لا يُهانْ.

* فنّان هنا تورية بمعنييها (مبدع) و (حمار وحش)

الخميس 5 نوفمبر 2009









الحسين ...

في محرابِ شهادتكِ الأسمى
لا أبكي، لا ألطمُ،
لا ألبسُ غيرَ الأضواءْ،
فاسمكَ مجدٌ وسبيلٌ،
رِيٌّ، شَبَعٌ، فَرَحٌ، وفداءْ،
وحروفٌ منْ نورٍ يهدي
منْ بين رفيفِ النجماتْ،
أنتَ النبعُ الصافي اليجري
ما بينَ رياضِ الجناتْ.
مَنْ ماتَ شهيداً فلْنفرحْ!
ولْنرفعْ أبهى الراياتْ!

6 محرّم 1438
السبت 8.10.2016


DAVID

إلى أول حفيدٍ في العائلة (داوود محمد علي مرتضى) وأمِهِ جوان عبد الستار نورعلي مرتضى:

قالتِ الوردةُ: مَنْ هذا¬؟
فناغاها فمي:
إنّهُ بُرعمُكِ القادمُ
منْ نبعِ دمي.
* * * *
غرَّدَ البلبلُ بينَ الزهرِ
فوق الشجرةْ:
ياهلا، دافيدُ،
يا جذراً يمُدُّ الشجرةْ
بالحياةِ المُزهرةْ.
* * * *
يا حياتي،
كأسيَ الملآنُ عُمْراً يشتهي،
فاسكُبِ الحبَّ
كؤوساً مترعاتٍ
عسلاً
مِنْ فراديسِ الطفولةْ،
نحتسيها،
أيُّها الحبُّ الشهيّْ!

الأحد 17.12.2017










يا أمَّ خيرِ السجايا


كتبتُ الأبياتَ في ذكرى المرحومة أم رائد (أميرة محمد مهدي الجواهري):

" ها نحنُ، أمونةً ، ننأى ونفترقُ
والليلُ يمكثُ والتسهيدُ والحُرَقُ"
ـ الجواهري في رثاء زوجته ـ

لا الليلُ يمكثُ لا التسهيدُ لا الحُرَقُ
وأنتِ في القلبِ تاريخٌ ، بـهِ عبـَقُ

إنْ جنَّ ليلٌ سطعْتِ النورَ يغمرُهُ
وهلَّ صبحٌ فأنتِ السَبْقُ والألَقُ

وإنْ تسهَّدَ عينٌ .. كنْتِ بارئَـها
واشتدَّ حرٌّ فعينُ الطِيْبِ يندفقُ

يا أمَّ خيرِ السجايا فيكِ قد خُلِقَتْ
وأمَّ خيـرِ بنينٍ منـكِ ، مـا رُزِقـوا

رَحابةَ النفْسِ والأخلاقُ رائدُهمْ
ورافدٌ، عائدٌ ، والأيسرُ الشَرَقُ *

يا بنتَ مَنْ شغلَ الدنيا بقامتِهِ
وبنتَ دارِ إمـامٍ ، بابَـهُ طرقُـوا

مِنْ كلِّ فـجٍّ عميقِ الهَدْيِ سائقُهُمْ
القلبُ والروحُ والأشـواقُ والحَـدَقُ

طوبى لمَنْ وُلِدوا في حضنِ خيمتِهِ
فكانَ عطرُ شذاهُ ضـوعَ ما نطقُوا

فيكِ الذي فيهمُ مِنْ كلِّ ما حملُوا،
الطيـبُ والدفءُ والإكرامُ والخُلُـقُ

• أميرة أم رائد: هي الابنةُ البِكرُ لشاعر العرب الأكبر الجواهري. انتقلتْ الى رحمة الله في 20 آذار 2017
• رائد ورافد وعائد وأيسر: هم أبناء المرحومة وزوجها المرحوم عيسى رؤوف عباس الجواهري
• الشَرَق: الشمس

مايس 2017












كيف لي !

كيف ليْ أنْ أتغزَّلْ،
وبلادي بينَ أنيابِ تماسيحَ
وآياتِ هُبَلْ!

كيفَ لي أنْ أذكرَ الوردةَ والعطرَ،
وهيفاءَ وسلمى وأملْ،
ونساءُ الوطنِ المنكوبِ منْ غيرِ أملْ!

كيف ليْ أنْ أسجرَ التنورَ في صدري
لصدرٍ ناهدٍ، أو جسمِ غيداءٍ عبَلْ،
وصدورُ الناسِ جلدٌ فوق عظمٍ
نخرَ الجوعُ بها حتى الأجَلْ!

كيف لي أنْ أتخيَّلْ
أنَّ مثليْ بين أهدابِ الجميلاتِ انشتَلْ،
وقطارُ العمرِ في رحلتهِ ها قد وصَلْ،
وثكالانا سوادٌ في سوادٍ،
والمراثي مثلُ شلالٍ هطلْ
بينَ أسرابِ عِماماتِ الدجَلْ!

كيف ليْ أنْ أتجمّلْ
بحروفٍ منْ يواقيتَ،
بيانٍ وبديعٍ، وكلامٍ منْ عسلْ،
ولسانُ الناسِ جفَّ الحرفُ فيهِ
منْ مراراتِ لصوصٍ،
لا حياءٌ،
لا خجلْ!

كيف لي أنْ
أحتسي الخمرةَ نشواناً
على همسِ الغزَلْ،
ومياهُ الوطنِ الموبوءِ ذِبّانٌ،
بعوضٌ،
سرطانٌ قد قتلْ!

كيف لي أنْ أتدلَّلْ،
وأنامَ الليلَ
فوق الريشِ والقطنِ،
وطفلٌ في بلادي
فوق حِصرانٍ وتربٍ
يتلوّى منْ عِلَلْ!

كيف لي،
يا أيُّها السيدُ،
قلْ لي:
كيفَ لكْ!

الأربعاء 18 تموز 2018




الطفل

سألتُ زقاقَنا:
ماذا أخذْتَ عليَّ؟
قالَ: اخفضْ
جناحَ الخوفِ!
ما كنْتَ سوى
طفلٍ
أضاءَ الليلَ
بالضحكاتِ،
والأهواءْ.

وفي عينيكَ
عصفورانِ،
فرّا
منْ سماءِ الليلِ،
حطّا
في نهارِ العشقِ والأسماءْ.

ألمْ تقرأْ لكَ الأغصانُ
والأزهارُ، والأنواءْ
بأنَّ الدربَ حينَ تمرُّ
ملغومٌ
بها الأشواكُ،
والأصداءْ؟

وأسرابٌ
منَ القسماتِ شاحبةً
منَ الكتبِ الغزيراتِ
بلا أجواءْ؟

لقد كنْتَ المواقدَ؛
كي تُدفّئَ أرجلَ الماضينَ
فوق جليدِ هذا الكونِ،
لا خوفٌ ،
ولا إعياءْ.

فكيفَ تريدني
أقوى عليكَ؛
وأنتَ لي سندٌ،
ولي عمَدٌ،
ولي إقواءْ!

الأربعاء 26.12.2018










كهوف...

في حَلَبَةٍ أسمَوها
(الحياةَ) - حياءً -
تتصارعُ أنتَ،
والذاكرةُ، والعمر.

الثورُ المُجنّحُ ذو القرون..
رافعٌ شخيرَهُ براكينَ،
تقذفُ حمماً..
من سنينٍ، انفلتتْ..
منْ عِقالِ (الكهوف)...

كانَ (كهفاً) واحداً،
لم يزلْ باسطاً ذراعيهِ..
في الرؤوسْ!
فكيف لرأسكَ أنْ يستكينَ..
بآلاف الكهوفْ!

كلبُنا زارعٌ أذرعاً..
في الجذور،
أثمرَتْ خناجرَ،
يا لَخاصرةٍ لـ(الرفوف)...!

الثلاثاء 1.9.2020


وبالوالدينِ ...

أمي التي
نبتَتْ على شفتيَّ
زاهيةَ الثمارِ
عظيمةَ الرسمِ،
وعلى فؤادي ختمُها
بالماسِ، بالعينينِ، بالشمسِ.
لَكَمِ اشْتهيْتُ رغيفَها المعجونَ مِنْ
أضلاعِها
بالحبِّ، بالنفسِ.
لم يبقَ شيءٌ نلتقي
في ظلّهِ الظليلِ بالظلِّ.
* * *

كانَ أبي يعتمرُ العمامةَ،
ويحفظُ القرآنَ والسُنةَ والفقهَ،
وتاريخَ جميعِ الأنبياءْ،
أحبَّ كلَّ الناسِ: أتقياءَ، أشقياءْ،
أحبّهُ الناسُ جميعاً
سيرةً،
لا تعرفُ التزويرَ،
والتدليسَ، والرياءْ.
كانَ أبي
في صولةِ الحقِّ نصالاً،
لا تني تغرزُ في
صدورِ خبثِ الأدعياءْ.
* * *

يومَ تباهَتْ أمّي
ما بينَ باقي النسوانْ
بأنّني الأولُ في الصفِّ
انطلقَتْ
منْ قفصِ الصدرِ
كونشرتو مِنْ ناياتْ
* * *

يوم اعتلى والدي
منابرَ الآياتْ
تفتحّتْ أعيني
فاستقبلَتْ
أجنحةَ الصافّاتْ
* * *
شكراً، إلهي، أنّني
على طريقِ هذه الراياتْ.

اكتوبر 2021


رسالة...


أنشدَ ذاتَ يومْ
رفيقُنا العتيدُ حمزاتوف:
"أروعُ الجرار
تُصنَعُ منَ الطينِ العاديّ
وأروعُ الأشعار
منَ الكلماتِ البسيطةْ".

ياصاحبي البسيطُ والمزروعُ في الألبابْ،
ويا نشيدَ القريةِ المُشرَعةِ الأبوابْ،
ويارفيقَ الزمنِ (المُضيءِ) في الأهدابْ:
استغفرُ اللهَ،
لا ندّعي الروعةَ في أشعارنا؛
لأنّها بسيطةٌ
بساطةَ الوالدِ،
والحجيّةِ النقيّةِ البيضاءْ،
وأهلِ بابِ الشيخِ،
والصدريّةِ الأصلابْ،
والخيمةِ الحاضرةِ الأحطابْ.

اكتوبر 2021



مزاميرُ آلِ الملا نزار

لسْتُ ذاكَ المنهلَ الصافي، أنا
مِنْ مزاميرِ الرحيلْ

حمّلتني إرثَها الطاعنَ في السنِّ،
وسنّي
منْ سنانِ الرمحِ أيامَ (التشابيهِ)
وذا الزنديقُ منْ خلفِ الستارْ...

شبَّ طوقُ القلبِ حتى أسفرَتْ
عنْ وجوهِ القومِ أسفارُ القبيلْ

خارجٌ بينَ البراكينِ
وأقدامي ينابيعُ
وصوتي منْ سنينِ القهرِ
توّاقُ الصهيلْ

قبّلتني قِبلةُ الآفاقِ
أسرجْتُ سراجي
بين عينيَّ
ركبْتُ البحرَ
والصحراءَ
والواحاتِ
والسهلَ الخصيبْ
كانَ انجيلي تسابيحَ حروفي
سدرةَ الدارِ وحنّاءً وشمعةْ
دمعةً من عينِ أمي (ليلةَ العاشرِ)...
مِنْ ذاكَ الشهيدْ
ونديمي الليلُ،
أطرافُ النهارْ..
مِنْ رفاقِ الرحلةِ الأولى
فؤادي مِنْ ضياءِ البدرِ
في ليلةِ عرسٍ ورجولةْ
والمزاميرُ تغني:
املأِ الكأسَ وسامرْنا
أما تُصغي الى الخيّامِ
يا هذا الخفيفُ الظلّ
موّالَ الأصيلْ!
املأِ الكأسَ
فما الرحلةُ إلّا مِنْ سُرى
ريحِ النخيلْ!

شربتْني الريحُ، ألقتني
على صوتِ الهديلْ

كانَ ليلاً شاهداً
كنتُ أغني:
يا ليالي الوصلِ في بغدادَ،
آهٍ.....
منْ مساميرَ تدقُّ القلبَ
فوق الحائطِ الباكي
وشكوايَ أناشيدُ الطفولةْ
رقيةٌ منْ فمِ أمي
ودعاءٌ من أبي
قُبةٌ من فيضِ ذاكَ النورِ
في دارِ (نزارٍ) شابَ
حتى ألقَتِ الرحلةُ مرساها
على وادي السلامْ،
يا سلامْ!
كمْ سلامٍ مرَّ فينا
كمْ سلامٍ غابَ عنا
كمْ سلامٍ شبَّ حتى حملَ الرايةَ
والعشقُ بريقٌ
في مزاميرِ الخليلْ...

كمْ خليلٍ راحَ في ليلٍ بهيم
كمْ خليلٍ هاجرَ الرايةَ
والرايةُ تروي
عن أخلّاء تراخوا
وأخلّاءَ تناسوا
وأخلّاءَ تهاووا
وأخلّاء اختفوا
وأخلّاءَ على العهدِ
معَ المجرى الطويلْ...

الخميس 30.9.2021













المرقدُ العالي


أُطلقُ الليلَ سحاباً ماطراً..
بين آلاءِ عيونكْ.
أشربُ النبعَ سخيناً،
فأنا البردانُ،
قد حمّلني الشوقُ
مرايا تعكسُ الوجهَ..
على ذاكَ الترابْ،
حيث مزّقتُ فؤادي
بين عينيها،
وتلكَ القافلةْ.

أقفلتْ أوراقيَ الحُمرُ
شبابيكَ شبابي ،
واستعاضَتْ
بشبابيكِ الرمادْ.
مرَّتِ العنقاءُ فوق الدارِ،
قالتْ:
يا ابنَ بابِ الشيخِ،
يا ريحِ الدرابينِ/ البيوتِ الآيلةْ..
للنزوحْ،
قُمْ منَ النومِ، استفقْ،
فسنينُ العمرِ مرَّتْ في الزوايا،
دونَ صوتْ.
قمْ منَ النومِ العوافي،
واصرخِ اليومَ،
فما صرخةُ مظلومٍ
سوى سيفٍ منَ الصوتِ،..
فقمْ!
يا ابنَ بابِ الشيخِ،
شيخُ المرقدِ العالي (نصيرُ الفقراء)
ها يناديكَ، يحيّيكَ
على الصبرِ الجميلْ.

كنتَ طفلاً مرحاً
نابضاً،
راكضاً
بينَ الميادينِ الرحابْ،
سابحاً..
في فضاءِ المرقدِ العالي،
يناديكَ حمامُ الدوحِ من فوق المنائرْ،
ويصفِّقْ
بجناحين منَ النورِ،
وفيضٍ منْ حبورْ.

قمرٌ في كبدِ الليلِ،
واسرابُ نجومْ،
همْ حواليكَ، فقُمْ.
رقدةُ الحرفِ سؤالٌ يتردَّدْ
في زوايا المرقدِ العالي،
تعالْ
بيننا، حلِّقْ،
ستلقى الكوكبَ الدُريَّ دوَّاراً معكْ،
والنجومْ..
ساهراتٍ في ثنايا مضجعكْ،
قمْ،
وطِرْ،
مثلما العنقاءُ طارتْ..
من رمادِ الخصبِ،
فاخضرَّتْ حقولُ الروحِ
ما بينَ رياحِ الشرقِ،
والغربُ طواكْ
في جناحين منَ النارِ،
ولكنَّ الجسدْ
ظلَّ في خصبِ ترابٍ لا ينامْ....
2021

في حضرةِ الگیلاني...


وُلدْتُ قربَ حضرةِ الگيلاني
شممْتُ فيهِ ريحةَ الجنانِ،
فاحتواني.
ألقيتُ عصفوريَ في أحضانِهِ،
أهداني
حروفَهُ
مِنْ سدرةِ البستانِ *
عاليةً
فوق ذرى الزمانِ
والمكانِ:
"يا فقراءَ الصوفيةِ،"
خذوهُ،
عمِّدوهُ
في نهركمْ،
يفيضً بالحنانِ
والمغاني،
وعطِّروا لسانَهُ
بالمِسكِ والريحانِ،
وقلِّدوهُ
شارةَ الرهبانِ،
ولْتملأوا سلالَهُ
بالتينِ والزيتونِ والرمانِ.


فكانَ أنْ حلّقَ بي
في عالمٍ
ليس لهُ منْ ثانِ....

* كانتْ هناك سدرةٌ عاليةٌ عند سور مرقد الشيخ عبد القادر الگيلاني بمحاذاة شارع الملك غازي (الكفاح). وكان احدُ خدّام المرقدِ يعتلي السور؛ ليبيعَ من ثمرها (النبق)، حيث يُدلّيه للزبائنِ بعلبةٍ معدنية مربوطة بحبل. اعتدْنا في صغرنا، ونحن عائدون من الدوام في (مدرسة الفيلية الابتدائية الأهلية للبنين) القريبة من المرقد، أنْ نشتريَ نبقاً بعانة (عملة معدنية قديمة تتكون من اربعة فلوس) فرحين فرحَنا الطفوليّ، متلذذين بالنبق الطيّب.

الثلاثاء 9 نوفمبر 2021












قطار الشرق السريع...


على رصيفِ ساحةِ النهضة،
في بغدادِ الأزلْ
بينَ الذبحِ والأملْ،
مضى سالم صادق ملانزار
نحو حتفهِ
برصاصاتٍ
زيَّنتْ صدرَه وجبهتَه
بأكاليل الغار.

كانَ ذلكَ
حين اعتلى عرشَ الموتِ
الحرسُ اللاقوميّ
بقطارٍ جاءَ
من مصانعِ البيتِ الأسود الخلفيةِ،
ليزنَ الذبحَ في شوارع بغدادَ
بميزانِ الدولار المُدنَّس
برائحةِ البترولِ،
وكوارثِ البنكِ الدوليّ.

مضى سالم ورفاقُه موشَّحينَ
بأوسمةِ المُستضعَفينَ في الأرض،
أصحابِ بيوتِ الطين والقصبِ
في أهوار العشق الأبديّ
لگلگامشَ الباحثِ عن العُشبة
بمعيّةِ خليلهِ أنكيدو.

الحانةُ الشعبيةُ في البابِ الشرقيّ
كانتْ مزدحمةً بأولي النخوةِ والمعاناةِ
بحثاً عن ساعاتٍ من النشوةِ
والخَدَر اللذيذِ
غير المتوفرين في الأزقةِ الرازحةِ
تحتَ صخرةِ الركضِ
بحثاً عن رغيفٍ
منَ التنور الطينيّ المسجورِ
بقلوبِ أمهاتِ الشهداءِ
في ساحاتِ المعاركِ الدونكيشوتيةِ
في درب المسيرةِ الكبرى
نحو اليوتوبيا المُنتظَرةِ التي انهزمَتْ
امامَ النمرِ الورقيّ.

سالم
ورفاقهُ الشبابُ الحلوين
المُرتّبين
في صالوناتِ الكتبِ الممنوعةِ،
والمعبّأين
بأحلامِ اليقظةِ
في القلوبِ والجدرانِ المتهالكةِ،
حملوا رايةَ الشمسِ الحمراء
في الأفق البعيدِ،
وأناخوا بإبل آمالهمْ
عندَ واحةِ لينينَ،
بين الرمال المتحركةِ
بأيدي الباحثين عن حتفهم
في زمن الذي ضيّعَ المَشيتين،
ليصبحوا جثثاً مرميةً
على قارعةِ الطريق العامّ
بأحقادِ رُكّابِ القطار القادم
برداءٍ مهلهلٍ من تاريخٍ..
أسودَ من الفحم
في كهوفِ شيوخ فتاوى المُفخّخات،
الرُكّاب الذين رفعوا رايةَ الذبح
من الوريدِ إلى الوريد
شعاراً
بأنَّ الجماجمَ للعقيدةِ سُلَّمٌ.

وأمّا قطارُ الشرقِ السريع
فكانَ أسرعَ منَ الضوءِ
في اختطافِ الشبابِ المُرتّبين
المؤمنين
بوطنٍ حرٍّ وشعبٍ سعيد،
اختطافاً غيرَ مؤجّلٍ
صوبَ الموتِ المجانيّ
في قافلةِ الحُداةِ المَهرةِ بالختيلان،
والمدرّبين في مدارس الرفيق:
"ميكويان، أهلاً بيكْ..."،
والرفيق عزيز الحاج!

نيسان 2022


السِتارُ الحديديُّ...


سألني يوماً تلميذي الوفيُّ النجيبُ، واللَسِنُ اللبيبُ:
"أستاذي، لماذا تحيطُ نفسَكَ بستارٍ حديديٍّ!"

هذا أنا!
مِنْ خلفِ فولاذي المتينِ
محاربٌ،
مُتفرِّدٌ،
مُتوحِّدٌ،
مُتفتِّحٌ
أتعلمُ.
إنَّ الحياةَ رسالةٌ
قدسيةٌ،
لا تُهرَمُ.
رغمَ الستارةِ منْ حديدٍ
أو رياحٍ عاتياتٍ
ذارياتٍ
تسلمُ.
قلْ ما تشاءُ:
أنا الجهولُ،
أنا الخجولُ،
أنا الوَقودُ،
أنا العَنودُ،
أنا الذي مُتزهِّدٌ،
مُتكهِّفٌ،
مُستسلِمُ!
فاسمعْ ندائي:
إنّني مُتنعِّمٌ،
مُتفهِّمٌ،
مُتناغِمٌ،
العِرقُ فيَّ الثائرُ المُستحكِمُ.
سُمّاريَ الكلماتُ،
والأقلامُ،
والأوراقُ،
والأحداقُ،
والأنباءُ،
والأبناءُ،
ما بينَ التفاؤلِ أُضرَمُ.
اهلاً وسهلاً بالضِرامِ
فنارةً
خلفَ الحديدِ،
بها الحشودُ محبةً
سحريّةً
تتقدّمُ.

الثلاثاء 2/2/2022





شِالله، يا سيدنا!

فوق القُبّةِ، يا الگيلاني،
عنك رضاءُ اللهِ،
وعنْ إخواني
مَنْ كانَ المصباحَ
ومنْ ربّاني ـ
تلكَ حمامةُ أشجاني،
تهدلُ بالعشقِ الربّاني.

* * * *

أفقْتُ يوماً فوجدْتُ لهفتي
أنْ أرفعَ الحمامةَ البيضاءَ
فوق كفّي،
أطلقُها....
في حضنكَ الدافئِ
والرؤوفِ والمحيطِ.

شِالله، يا سيدَنا،
أطلقْتُها،
فانطلقَتْ،
حطّتْ على القبّةِ،
فاشتاقَتْ الى الترتيلِ
والتحليقِ
والغيابِ،
في صوتكِ الفسيحِ بالغيابِ،
في عالمٍ يرفلُ بالأطيابِ،
فأطلقَتْ هديلَها،
وحلّقَتْ....
وحلّقَت....
حتى استوَتْ على جوديّكَ..
الزاخرِ بالسحابِ،
مثقَلَةً بحرفكَ العُبابِ،
واستقبلَتْ عيوني،
فنقّرَتْ
في حقليَ الجديبِ،
فاخضرَّ
حتى بانَ فيهِ
ثمرُ الجنةِ عشقاً..
دائمَ الهديلِ

الأربعاء 5 رمضان 1443 هجرية
6 نيسان 2022 م














إشراقة


مذْ عرفْتُ اللهَ أشرقتُ..
فامطرْتُ ضيائي
بينَ عينيها، وأهدابِ السطورْ

مذْ لقِيتُ الدربَ أسرعْتُ..
فسدّدْتُ خطايَ
صوبَ تلكَ السدرة الكبرى..
وناجيْتُ الغصونْ:
إرفعيني،
إشرحي صدري، املئيهِ
بأناشيدِ الزهورْ

زهرةٌ مِنْ عمْرِها وقتَ الشروقْ
سقطتْ في حضنيَ الدافىءِ..
نامتْ،
وأفاقتْ،
فإذا حضنيْ حقولٌ
مزهراتٌ
ونجومٌ
تتلألأْ
في مزاميرِ الحبورْ...

الأحد 3 تموز 2022


الفهرست

الأسرى
الارتداد
الخيول
الساحات ملأى بالخيل
الكلام ممنوع
مسيلمة
سقوط الكلمات المسروقة
سيدتي بغداد
وصايا داخلية
مكابدات الشهيد سالم صادق الملا نزار
اسكلستونا
مقامة المتهجّد
الأصغران
الحسين
DAVID
يا أمَّ خيرِ السجايا
كيف لي
الطفل
كهوف
وبالوالدين
رسالة
مزامير آل الملا نزار
المرقد العالي
في حضرة الگيلاني
قطار الشرق السريع
الستار الحديدي
شالله يا سيدنا
إشراقة